ماذا يعني فشل حكومة الوحدة الوطنية
بات الحديث في الآونة الأخيرة يزداد بشكل ملحوظ حول إمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية، حكومة إئتلاف وطني بين جميع فصائل العمل الوطني الفسلطيني وفي مقدمتهم حركتي فتح وحماس، على أن تتشكل هذه الحكومة على أرضية برنامج الحد الأدنى في الشأن السياسي، برنامج القواسم المشتركة، ونحن هنا لنسا بصدد تعداد فوائد هذه الحكومة على الشعب الفلسطيني في حال تشكيلها، فعلى ما يبدو في وسائل الإعلام فإن الأغلبية الفصائلية متفقة ويمكن أن تتوافق على هكذا تخريجة حكومية، وترى في ذلك مخرجاً للمأزق السياسي والاقتصادي الذي تواجهه السلطة الوطنية الفلسطينية بسبب الإرهاب السياسي الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني من ناحية، والإرهاب الدبلوماسي الذي تشنه على العالم من الناحية الأخرى هذا أولاً، وبسبب الخيار الديمقراطي الحر الذي قرر فيه الشعب الفلسطيني لون قيادته السياسية للفترة البرلمانية القائمة هذا ثانياً، بالإضافة إلى أننا لن نغوص في ماهية هذه الحكومة ولا في نسبة المحاصصة على الحقائب الوزارية. فكل هذه القضايا تبقى قضايا شكلية لا تمس جوهر الموضوع الذي نحن بهدف تشخيصه ومحاولة تحليله على قاعدة احتمال توقع حدوث الأسوأ، والذي هو ممكن في الظرف السياسي الراهن، فإذا ما تشكلت حكومة وحدة وطنية بنسبة كبيرة على أرضية البرنامج السياسي الذي يتبناه ويدعو إليه الرئيس الفلسطيني محمود عباس أو على برنامج الوفاق الوطني الذي تضمنته وثيقة الأسرى، واستمرت إسرائيل في تعنتها وتجاهلها لهذه الحكومة وواصلت حصارها العسكري والسياسي والاقتصادي بنفس الوتيرة الحالية حتى إسقاط أو إفشال هذه الحكومة فما هو العمل حينذاك؟ وما هو البديل؟ أليس من الممكن أن يحدث هكذا سيناريو؟!
قد يقول بعض الواقعيين السياسيين هذه نظرة تشاؤمية للواقع، ونقول نحن المتفائلين الثوريين هذه نظرة واقعية للتشاؤم. ألم تعودنا إسرائيل ومنذ توقيع اتفاقية إعلان المبادئ "أوسلو" على أن السلام الذي تسعى إلى تحقيقه مع الفلسطينيين هو السلام الذي ينقص من الثوابت الوطنية الفلسطينية والتي لا يمكن تحقيق سلام بدونها بالنسبة للقيادة السياسية الفلسطينية أياً كان لونها على اعتبار أنها تشكل برنامج القواسم المشتركة فلسطينياً وأقصى ما يمكن أن يتنازل إليه الفسلطيني، فعلى كل حال وحتى نتمكن من الإجابة على السؤال الذي سبق وطرحناه بشكل يغلب فيه الصواب على إجابتنا الافتراضية لسؤالنا الافتراضي نود التأكيد على بعض المفاهيم السياسية كمقدمات أساسية تمتلك الشأن المهم والتأثير المصيري على خارطة الساحة الداخلية الفلسطينية، وأول ما نبدأ به محاولة تفسير قوة السلاح الفلسطيني الأقوى الذي يمتلكه الشعب الفلسطيني، ألا وهو سلاح الوحدة الوطنية وأهمية الحفاظ عليه وإجادة استخدامه في الوقت المناسب.
فإلى كل عناوين العمل السياسي الفلسطيني صغر حجمهم التنظيمي أم كبر نفيد بأن الوحدة الوطنية هي بمثابة الخزينة التي نخبئ داخلها سر تماسكنا ونحمي جوهره صمودنا الثمينة، ولهذه الخزينة الصلبة رقم سري نفتحها به إذا ما أردنا استخدام السلاح المخزن بداخلها، ولكي نتمكن من ذلك علينا وضع الأرقام وفق الترتيب الصحيح الذي يخدم الهدف الذي نبتغيه، وفي عملية الترتيب هذه ليس مهماً تقديم الرقم الكبير على الرقم الصغير وخلافه فكل الأرقام مهمة وفي غياب أو عطب إحداها لا يمكن فتح هذه الخزينة، فلكل رقم دوره الخاص وفائدته المميزة، والذي يشكل هذه الأرقام هو نحن فصائل العمل الوطني الفسلطيني، فهل يمكننا الآن فتح باب هذه الخزينة واستخراج ما بداخلها من مصادر القوة بعد أن حافظنا عليها لسنوات طوال؟ وفي سياق الإجابة على هذا التساؤل سنجد بأنه ليس مهماً شكل الحكومة الذي نريد تشكيلها ما دام ذلك خياراً فلسطيني، المهم هو الإجماع على الموقف الفلسطيني الموحد، ولنا في التجربة اللبنانية الأخيرة خير مثال على النجاح الذي يمكن أن نحصده إذا وحدنا موقفنا في برنامج عمل سياسي نخاطب من خلاله العالم.
ثانياً: الاشتراطات الأخيرة التي وضعها رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية أمام تشكيل حكومة الوحدة الوطنية فيها مغالطة كبيرة تعيق فتح الخزينة، خاصة الشرط المتعلق بالإفراج عن الوزراء والنواب الأسرى اللذين هم جزء من النضال الوطني الفلسطيني في هذه المعركة، فالذي يأسرهم هو العدو الإسرائيلي وليس أي جهة أخرى، ولتصحيح هذه المغالطة وللإنصاف التاريخي يجب أن تكون هذه شروط حركة فتح على المجتمع الدولي الذي يطالب ويضغط على مؤسسة الرئاسة الذهاب إلى هذا الشكل الحكومي مقابل رفع الحصار الظالم المفروض على الشعب الفلسطيني منذ ما يقارب الخمسة سنوات، وأنه لمن المحزن أن تكون هذه شروط حركة حماس على حركة فتح، في الوقت الذي سيشكل فيه قبول حركة فتح المشاركة في حكومة وحدة وطنية قبل الإفراج عن الوزراء والنواب المختطفين انتحاراً سياسياً على المدى البعيد نسبياً، وهذا ما ندعو قيادتنا السياسية الفتحاوية إلى تجنبه وعدم الوقوع فيه.
ثالثاً: القرار الأخير الذي تمخض عن اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح في العاصمة الأردنية عمان والداعم للمشاركة في حكومة إئتلاف وطني يعبر وللأسف الشديد عن عدم دراية كافية بالواقع السياسي المعاش أو على الأقل يمثل قراءة خاطئة لواقع فتح الداخلي، فالمشاركة في حكومة وحدة وطنية قبل عقد المؤتمر العام السادس لن يكون أقل ضراراً على بنية فتح التنظيمية من قرار إجراء الانتخابات التمهيدية "البرايمرز" ولا من المشاركة في الانتخابات التشريعية التي تبعتها وهزمت فيها فتح، ولا من قرار فصل "72" اثنان وسبعون أخاً من الحركة وتحميلهم مسؤولية الفشل من دون أن تشكل على الأقل لجنة تحقيق تبحث في كل أسباب التراجع ولا حتى محكمة حركية يمنحوا بموجبها حق الدفاع عن أنفسهم كما ينص عليه النظام الداخلي، هذا القرار يشكل خرقاً جديداً لقواعد وأسس العمل التنظيمي الفتحاوي، نحن في المرحلة القادمة بحاجة إلى فتح قوية للمساهمة في بناء حكومة قوية، وفتح الضعيفة لن تقدر على بناء حكومة قوية، ولا قوة لحركة فتح بعيداً عن ترتيب بيتها الداخلي على أسس ديمقراطية سليمة وعقد مؤتمرها العام السادس قبل أي استحقاق آخر.
رابعاً: حركة حماس تحمي نفسها ديمقراطياً بأغلبية برلمانية في المجلس التشريعي الفلسطيني ويمكنها استخدام هذا الحق متى شاءت لحجب الثقة عن أية حكومة كانت وإسقاطها، بل هي من اليوم الأول لدخولها البرلمان الفسلطيني استخدمت هذا الحق، فهل يمكن أن يجيبنا أي من المستوزرين كيف يمكننا أن نحمي فتح؟ وما هي ضماناته في هذه الحالة؟ لقد قدم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات روحه الطاهرة قرباناً لحماية الشعب والثوابت الوطنية الفسلطينية، ونحن على استعداد لتقديم أية تضحية وأياً كان حجمها لحماية الوحدة الوطنية ولحماية حركة حماس وباقي قوى المقاومة الوطنية، أما التضحية بحركة فتح لخدمة بعض المستوزرين في حكومة لا قيمة فيها للوزير إلا القيمة اللغوية للكلمة، فهذا ما يجب التوقف عنده ومحاولة تفسيره.
خامساً: إذا ما تحققت حكومة الوحدة الوطنية على أرضية البرنامج السياسي الذي يتبناه الرئيس الفلسطيني- وهذا مستبعد في الوقت الراهن لحساب وثيقة الوفاق الوطني- والذي يطلق عليه مجازاً برنامج حركة فتح، لأن الذي يحدد برنامج العمل السياسي لحركة فتح هو المؤتمر العام والذي لم يعقد بعد، فإذا أفشلت إسرائيل هذه الحكومة كما سبق لها وان أحبطت مساعي الرئيس الفسلطيني أبو مازن لتحقيق السلام حتى قبل عقد الانتخابات التشريعية الأخيرة، فمن سيدفع ثمن هذا الفشل سياسياً، أليس حركة فتح!! فحماس يمكنها القول عند إذن ومعها حق بذلك بأنها نزولاً عند الحفاظ على التماسك الداخلي الفسلطيني جاءت إلى برنامج ليس برنامجها، وقد ثبتت صحة رؤيتها لأسباب المشكلة والمتعلقة بشكل كلي في ممارسات العدو الإسرائيلي ولا علاقة لطبيعة الحكومة بذلك، وفيما بعد لا عتب عليها عند العودة إلى برنامجها الذي انتخبت على أساسه، ففي هذه الحالة ما الذي ستقوله حركة فتح؟ وما هو برنامجها البديل؟ فهل يوجد هناك ضمانات دولية حقيقية بين يدي الرئيس الفلسطيني لا يمكن لإسرائيل أن تتلاعب بها –وهذا مستبعد لأن لا ضمانات على إسرائيل- فإذا لم توجد القوة القادرة على منع إسرائيل من إفشال الحكومة الجديدة، فإنه سيكون لدينا طرفاً واحداً يدفع الثمن سياسياً ألا وهو حركة فتح.
كل المقدمات التي سبق وطرحناها ستؤدي إلى نتيجة سلبية، والخاسر السياسي الوحيد فيها بعد الشعب الفلسطيني هو حركة فتح، فلماذا هذه المغامرة؟ ولحساب من؟ أليس من الأجدر مساندة الحكومة الحالية وعدم الخضوع للابتزاز الإسرائيلي الذي يخاطبنا بلسان دولي، فبدلاً من أن نذهب بحركة فتح إلى حكومة كل الأجواء المحيطة بها ضبابية، فلماذا لا نأتي بحركة حماس إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وإعادة بناء المنظمة كقيادة ومرجعية عليا للسلطة الوطنية الفسلطينية بما يتناسب والمصالح العليا للشعب الفلسطيني والأخذ بعين الاعتبار كل الواقع والوقائع الجديدة في إطار هذه الصياغة، فهذا هو المخرج الحقيقي والأسلم للأزمة الحالية التي تواجهنا، وبهذه الطريقة يمكن ترتيب الرقم السري لفتح الخزينة وفق التسلسل الصحيح، ودون تعريض أي رقم للإيذاء، وبالتالي إنجاز مصلحة الكل الفلسطيني في معادلة تشكيل الرقم الأصعب، رقم الوحدة الوطنية الفلسطينية.