يان حزب البعث الديمقراطي الاشتراكي العربي
بمناسبة مرور عام على انتفاضة الحريّة والكرامة
 

 


- شكّل انطلاق الانتفاضة في ١٥/ ٣ / ٢٠١١ محطّة بالغة الأهميٌة في تاريخ سورية الحديث ، لأنّها عبّرت بصوتٍ عال ٍ عن رفض الشعب لنظام الاستبداد والفساد ، وكسرت حاجز الخوف والرهبة من بطشه ، وأطلقت حركة الجماهير السورية من عقالها بعد حجرها في معتقل كبير عقوداً عديدة ، وحرّكت الدما
ء في عروق الأحزاب المعارضة بعد الانكفاء سنين طويلة نتيجة الملاحقة والسجن والتشريد ، وزادت من فعاليتها في الساحة السورية ، كما خلقت الأجواء لظهور تشكيلات سياسية جديدة ... وقد حقّقت الانتفاضةإنجازات إيجابية كثيرة أخرى من أهمّها :
١ - استعادة الجماهير السورية لثقتها بنفسها وبأهمية دورها السياسي في حياة القطر بعد عقود طويلة من القمع الشديد والتغيّب القسري ، وحملات التشكيك ، وغرس اليأس في نفوس المواطنين من إمكانية مقاومة النظام ، وجدوى العمل السياسي الأمر الذي سمح للنظام بالاستفراد بالأحزاب الوطنية الديمقراطية المعارضة التي تحمّلت لعقود طويلة ثقل آلته القمعية في جو من التعتيم والتجاهل من قبل وسائل الإعلام والقوى العالمية.ّ
٢ – اتساع وانتشار الانتفاضة شعبيّاً وجغرافيّاً حتى شملت مختلف محافظات القطر ، وفي الوقت نفسه ، وضعت الانتفاضة الشأن السوري على خارطة العالم كأهميّة قصوى ، وجعلته محوراً مركزيّاً للتفاعل الدولي حوله، حتى أصبحت الاستجابة للمطالبة الشعبية في التغيير الديمقراطي أمراً لا مفرّ منه . 
٣ - أجبرت النظام على التراجع عن عنجهيته وغطرسته الى درجة ما كان أحد يتصوّرها قبل أكثر من عام ، فرضخ لمطالب تغيير دستوره ، وإلغاء تقنين استئثار حزبه الحاكم بالسلطة ، ورفع حالة الطوارئ ، وسنّ مجموعة من القوانين المنظّمة للحياة السياسية في القطر السوري ، وقبِل بدخول المراقبين العرب لرصد أعمال العنف في سورية ، ورضخ لكثير من إملاءات حلفائه على الساحة الدولية ... وبغضّ النظر عن مدى تجسيد هذا كلّه على أرض الواقع ، وصدق وجديّة النظام في تطبيقه ، فإنّها تُعتَبر مؤشّرات هامّة على طريق تقهقره ، بالرغم من بقائه متماسكاً حتى الآن بقدرٍ لا يُستهَان به .
٤ - أرغمت النظام على الاعتراف غير المباشر بوجود معارضة ، والطلب بإجراء حوار معها ، بغض النظر عن نواياه ، وأغراضه من هذا الحوار ، والشروط التي يضعها ، والنتائج التي يبتغيها منه .
٥ - صمود الانتفاضة في وجه أدوات قمع النظام ، والتكيّف مع المستجدات متعدّدة الأشكال والوجوه ممّا ضمن استمراريتها ، ومتابعة النضال بإصرار على طريق تحقيق أهدافها ، وهذا يُعتبَر نصراً بحدّ ذاته ، بالرغم من الثمن المرتفع الذي قدّمته جماهير الانتفاضة الذي زاد على ثمانية آلاف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى والمعتقلين ، مضافاً الى هذا ،الحجم الكبير من المعاناة والآلام والمآسي التي تحمّلتها ، وقاست منها . 
وبالرغم من هذه الانجازات بالغة الأهمية ،غير أنّ جوانب سلبية عديدة اتضحت في العام المنصرم خلال المسيرة النضالية لهذه الانتفاضة،من أهمّها :
ا - افتقار الانتفاضة إلى قيادة ميدانية قادرة على توحيد جهود الحراك الشعبي ، وترشيد شعاراته وفق رؤية سياسية واضحة المعالم ، وخاصّة بعد تعرّض النسق الأوّل من النشطاء البارزين للاعتقال ، والتصفية ، أو الخروج من القطر لأسباب أمنيّة قاهرة ، أو الانجذاب الى مغريات الخارج ، وغيرها من الأسباب . وقد برز تأثير هذا الافتقار أكثر فأكثر نتيجة تشرذم المعارضة ، وعجزها عن التوصّل لتوحيد رؤاها وجهودها .
٢ - وقوع بعض شباب وفتيان الانتفاضة في شرك التقليد الخاطئ لبعض الثورات العربية من حيث الأهداف والشعارات ، وخاصّة ( الثورة الليبية ) .... وقد شاركت في ذلك عناصر وأطراف معارضة في الخارج ، وقد بالغوا وتمادوا في الخطأ ، ممّا جعل بعض الشعارات والتسميات تُطلَق في غير وقتها وأوانها ، ودون إدراك كامل ودقيق لمحتواها ونتائجها ، وبغضّ النظر عن صحتها أو خطئها مثل : شعار إسقاط النظام ، والحظر الجوي ، والمناطق العازلة ، والتدخّل العسكري ، وتسميات الجُمَع والكتائب ، وتغيير العلم ...الخ .وقد تمّ ذلك دون الاستناد الى تحليل عميق لطبيعة النظام ، ومعرفة نقاط ضعفه وقوته ، وفهم علمي ودقيق لشبكة تحالفاته الداخلية والعربية والدولية من جهة ، وكذلك الأمر فيما يتعلّق بالتقدير الدقيق لقدرة الانتفاضة ، وبطبيعة وإمكانات القوى المشاركة فيها ، والعلاقات القائمة بينها من جهة ثانية ، وبمعنى آخر دون تقدير صائب للموقف السياسي والاجتماعي والأمني ...الخ . ودون بلورة منهاج سياسي واضح للمرحلة القادمة . 
٣ - الوقوع في مطبّات تكتيكية خلال مسيرتها ، سواء ما يتعلّق بالتوصيف غير الدقيق أحياناً لما يجري على الأرض عن طريق بعض شهود العيان ، ووقوعهم في شرك فضائيات خليجية وغربية لها أجندات مشبوهة ، أو ألاعيب الأجهزة الأمنية نفسها ، والتسجيلات الصوتية التي حصلت عليها ، وقد أدّى فضح فبركات بعضها من الإعلام السوري الرسمي ، للإساءة لمصداقية الانتفاضة بين أوساط جماهير سورية عريضة ، وجعلها تشكّك في نهجها ، وفي أهدافها ، ومرجعياتها.
٤ - تلويث الحراك الشعبي بأفكار شخصيات سياسية (ودينية ) غريبة عن مفاهيم وتقاليد الشعب السوري ، وتسخير فضائيات مشبوهة لترويج مثل تلك الأفكار ، ممّا جعل بعض الشرائح الأقلّ وعياً في مجتمعنا تتأثر بهرطقات تلك الشخصيات .. فأدّى ذلك الى حرف بعض جوانب الحراك عن مساره الوطني الجامع ، وإدخاله في إطار التأجيج الطائفي البغيض الذي يخدم أهداف ومخططات التحالف الامبريالي - الصهيوني - وأتباعه وعملائه داخل الوطن العربي وخارجه . وفي الوقت نفسه خلق هذا التلوّث ردود أفعال عكسية لدى أبناء ( الأقليات ) ، وجعلها تقف في صف النظام خوفا من الأسوأ حسب تقديراتها ومخاوفها وهواجسها المعروفة . 
٥ - تفاعل الحراك الشعبي مع بعض أطراف وعناصر من المعارضة المتواجدة في الخارج من ذوي التطلعات السياسية غير المشروعة ، أو من الذين يعملون لصالح أجندات خليجية وتركية ، أو غربية ، واستغلال الدعم المادّي والفنّي ، والإعلامي ، والتسليحي من أجل حرف الانتفاضة عن مسارها السلمي ، وتوظيفها في صراعات إقليمية قد تصبّ في المحصّلة لصالح أعداء الأمّة والوطن ، وبالتالي ، خلق الظروف المناسبة لإمكانيّة نجاح الثورة المضادّة ، وقطع الطريق على إجراء تغيير ديمقراطي حقيقي شامل ، قد ينتقل تأثيره الإيجابي إلى الأقطار العربية الأخرى ، وخاصّة على محميّات الخليج . 
٦ - جنوح أطراف من الانتفاضة نحو التسلّح ، وطلب التدخّل العسكري ، وهذا طريق خاطئ سيوصل في النهاية الى تدمير سورية بأيدي أبنائها ، ثمّ تقسيمها ، وبغضّ النظر عن هويّة أيّ نظام حاكم فيها ، وذلك عبر دفعها الى حرب أهلية طويلة الأمد قد توقع مئات الآلاف من الضحايا ، وعندئذ سيكون الجميع خاسرين .
وعلى كلّ حال ، فإنّ استمرار الانتفاضة وصبرها، وثباتها من جهة ، وفشل الحلّ الأمني من جهة أخرى ، ( حتى لو بدت مؤخّراً صورمخادعة وبرّاقة لأوجه وجوانب جديدة لهذا الحل بأعين المتحمّسين له، ولردّاحيه )وحالة الاستعصاء المجسّدة على الساحة السورية ، فتحت الباب لإمكانيٌة إجراء تسوية سلمية للأزمة السورية برعاية عربية ودولية ، وهذا ما يجب أنْ تسانده كلّ الأطراف الوطنية المخلصة في صفوف الانتفاضة ، والمعارضة السورية ،والشعب السوري بأسره ، لأنّ نجاحها قد يدشّن مرحلة جديدة في تاريخ سورية ، ويضعها على سكّة التغيير الوطني الديمقراطي ، ولأنّها الطريق الأكثر نجاعة اذا حسنت النوايا ، والأقلّ تكلفة لتجنيب سورية العزيزة ويلات اقتتال الأخوة ، والدمار والخراب ، وما التفجيرات الإرهابية الأخيرة المدانة بأقسى العبارات إلا نماذج مصغٌرة لها بالرغم من هولها وفظاعتها . 
- وأخيراً ، فإنّ أملنا كبير بأنّ التغيير الديمقراطي الجذري الشامل قادم لا محالة، على الرغم من الصورة القاتمة التي تلفّ قطرنا في هذه الأيّام ، مهما كابر النظام وماطل وناور ، وطغى وتجبّر ، ومهما حاول البعض حرف المسيرة ، واحتواء الانتفاضة عبر ثورة مضادّة يبتغيها ، لأنّ وعي شعبنا ، ومخزونه الوطني ، ونضال أبنائه كفيل بتصحيح المسار ، وإعادة قطار التغيير الى سكته الأصليّة الصحيحة .
الرحمة والخلود لشهدائنا الأبرار من مدنيين وعسكريين ، و الدعاء بشفاء الجرحى وتنقية العقول وتصفية القلوب من الأحقاد والضغائن ، وإستعادة الوحدة الوطنية الى قطرنا الحبيب .
في : ٢٠ / ٠٣ / ٢٠١٢ المكتب السياسي القومي 
لحزب البعث الديمقراطي الاشتراكي العربي