المتغيرات المتوقعة في السياسة الأمريكية إزاء العراق : ما الممكن و ما المستحيل ؟


.

البديل العراقي

 الامريكيون عازمون- كما تشير معطيات وتسريبات وتصريحات علنية كثيرة - على تغيير سياستهم في العراق ، والاسباب معلومه ، فلا وجود لأي استقرار يساعد على التقدم نحو ما هو مرسوم من مراحل اخرى ، وتجاوز او عبور ، لحظة الغزو ، بما يجعل الاستراتيجية الحربيه الامريكيه مبرره ، بعيد المنال . والامر يتعدى فعل "المقاومه" المؤثر والهام ، فالمشكلة الاكبر تاتي من نوعية "الحلفاء" ، ومن اعتمدتهم الولايات المتحده ، مادة ، لتامين سيطرتها على البلاد ، فهؤلاء اقل كفاءة واستعدادا بنيويا ، من ان يقيموا نظاما ، واجمالي وعيهم وسلوكهم ادنى بمالايقاس ، مما تتطلبه مهمة اقامة "حكومة عراقيه " تتمتع بقدر ما من احترام السكان او ثقتهم ، وآخر مايحمله هؤلاء ، "عقيدة" يمكن ان تصبح قاعدة ومشتركا وطنيا ، تبنى عليه الدولة . والمصالح الذاتيه والشخصية لديهم ، فوق كل اعتبار، مما يجعل "العملية السياسيه" ، التي هي ركيزة اساسيه لوجود الاحتلال ، وسيلة تفتقد للصلاحيه ، ويؤدي من ثم الى ترك الغزو مكشوفا ،لايتمتع باي غطاء محلي ، الامر الذي سيفاقم من استحالته ، ويسهم في مزيد من تعريضه للتقهقر وللهزيمه .
  غير ان هذه الحصيله تعني قطعا ، تحولا نحو مرحلة جديده ، فليس من الممكن معالجة المازق الحالي عن طريق اجراء ترقيعات ، او اقتراح تعديل جزئي في المسار ، او في ترتيب الصفوف ، والانتظار خطر ، وتترتب عليه تبعات مهلكه . فكل يوم يمر ، سيؤدي بظل وضع كهذا ، الى مزيد من الترهل والتمزق ، بينما سلطات المليشيات العسكريه ، تتعزز بفعل جهل الاحتلال بالواقع ، والسياسات التي اعتمدتها هذه القوى خلال السنوات المنصرمه ، وبينما كان الاحتلال يامل بان تؤدي "العملية السياسيه "التي يرعاها ، الى حصيلة ، تؤمن قدرا من متطلبات نظام قابل للحياة ، ويملك من الرسوخ والشرعيه ، حدا ادنى ، يؤهله لادارة شؤون العراق ، ويعطي الاحتلال سندا يؤمن مصالحه ، كان هؤلاء يتصرفون بمنطق المافيات والعصابات النهابة ، وفي كل مجال اتيحت لهم فيه فرصة بادروا ، فاستغلوا سلطاتهم لنهب الدولة وثرواتها ، وسطوا على الاملاك العامه ، وكرسوا نظم الولاء عبرارهاب المليشيات ، وتوزيع المنافع والحصص ، ونشات سلطة امراء حرب ، تناهبوا جسم الدولة المنهارة ، ساعين لتكريس التقسيم ، وتجاوزوها الى الوحدة الاجتماعية والوطنيه ، فاوغلوا في شرذمة العراقيين ، واثارة النعرات بينهم ، واشادة سور من الضغائن والدم بين مكوناتهم ، حتى اصبح كل يوم يمر ، هو يوم اقتراب من الاحتراب الاهلي الكبير والمديد ، وابتعاد عن الامن ، والاستقرار والحياة السويه .
  اليوم يواجه الامريكيون خيارهم الاسوا : والطائفية التي ظنوا انه بالامكان اعتمادها لتزوير الارادة الفعلية للعراقيين ، وادعاء قيام "ديمقراطيه" زائفه ، يباهون بها كذبا ، انتهت الى كارثة تهدد حتى وجودهم ،وهم ضائعون لم يعودوا متاكدين من مسار هذه الظاهرة ، والى اين ستؤول بهم وبالبلاد التي يحتلونها ، و"علمانيو السي اي ايه " الذين سعوا لدعمهم ، علهم يوقفون التدهور، او يساعدون في ارساء مسار آخر ، او يؤسسون على الاقل ، لمشروع قابل للتطوير على مدى معين ، ضد هيمنة المليشيات ، وامراء الحرب الاهليه ، تبين انهم بلا نفع ، وليس لهم اي امل في التحول الى قوة فاعله ، ناهيك عن ان يصبحوا كما يرجوا لهم الاحتلال معسكر مجابهه .
  ماذا سيكون على الامريكيين القيام به ؟ الرئيس الامريكي استدعى اعلى الخبرات المتوفرة امريكيا ، كلف السيد بيكر ، وزير الخارجيه الامريكي الاسبق ، بتشكيل "لجنة حكماء لدراسة الوضع العراقي " وتقديم المشورة ، والتقى جمعا من السفراء ، واصحاب الخبرة في الشان العراقي والعربي ، والسيد كيسسنجر ذهب بعيدا ، فلوح باخراج المسالة من الهيمنة الامريكيه ، ونادى باقامة "لجنة اتصال دوليه "من اوربا واليابان ودول اخرى ، وهنالك سيناريوهات احتياط موضوعة الان اهمها :
  ـ خطة اعادة احتلال بغداد .
  ـ الانقلاب العسكري .
  وهما خطتان تنتظران نتائج الابحاث والتوصيات التي ستقدمها لجان البحث التي يقال بانها اوصت ب :
  ـ ضرورة سحب الاعتماد من القوى الضالعة في "العملية السياسيه " والتي جرى استعمالها خلال السنوات الثلاث المنصرمه بسبب عدم الصلاحيه .
  ـ التوجه في جنوب ووسط العراق الى دعم القوى الوطنيه والعلمانيه والشخصيات ذات الهيبه والنفوذ ورجال القبائل في تلك المناطق لمواجهة المليشيات والنفوذ الايراني .
  وسربت في الاونه الاخيرة ، قوائم تضم اسماء شخصيات ، قيل بانها يمكن ان تكون في المرحلة القادمه ، محورا للاتصالات والبحث ، اهمها تلك التي تضمنتها مقالة نشرت في جريدة "القدس العربي" بقلم كاتب عراقي معروف بدرايته ، وقربه من مصادر المعلومات ، وضمت 23 اسما . ويبدو ان عواصم عربيه قد ابلغت ببعض تلك التوجهات ، وحتى الاسماء ، الا ان اي شيء ملموس لم يتسرب حتى الان ، عن بدء اتصالات ، او الانتقال الى التنفيذ العملي في اطار التوجهات الجديده . ومن الواضح ان مايجري الان هو مجرد تحضيرات تطبخ على نار حاميه ، وان الخطط الموضوعه ، خاصة منها موضوع اعادة احتلال بغداد ، او الانتقلاب العسكري ، ليست نهائيه ، ورغم ان الزرقاوي بدا باعلان امارته ، ووزع في الاونه الاخيرة ، بيانات في بعض احياء من بغداد ، تؤكد انتقاله الى التنفيذ ، الا ان الامريكيين مازالوا لم يقرروا بعد ، اعتماد تلك العملية نهائيا ، وهم قد لايقدمون عليها ، لابل وقد يغضون الطرف عنها ، اذا تلقوا اجوبة من قوى يعتقدون انها هي التي سوف تاخذ من هنا فصاعدا زمام الامور ، ولا يستبعد ان تقترح هذه القوى ، اليات وخطوات لاتخطر على بال الامريكيين ، اما موضوع الانقلاب ، فهو ايضا مايزال مجرد خطة احتياطيه .
  والمهم الان هو هل ان الولايات المتحده ، تريد تغيير سياستها باتجاه "الانسحاب" من العراق ، ام انها تبحث عن وجوه جديده ، تحل محل تلك التي احترقت وفقدت فعاليتها ، طريق الانسحاب ، له مقومات وقواعد عمل ، وآليات دولية وعربيه وشعبيه ، وطريق المناورات ، او الرغبة باستبدال المتعاونين الحاليين بمتعاونين جدد ، لها هي الاخرى ، قواعد واليات . والنصيحه الذهبيه التي لابد من تقديمها للسيد بيكر ، قبل السيد بوش ، ان يختار طريق الخروج من العراق ، بلا مناورات ، فقد يحصل هو ورئيسه اليوم ، على "انسحاب يحفظ ماء الوجه " ، والا فانه سيضطر للانسحاب مهزوما ومنكسرا ، ولاحل سوى هذين ، فالخيارالباقي للولايات المتحده في العراق ، يتراوح بين انسحاب يحفظ شيئا من ماء الوجه للدولة "الأقوى في التاريخ " ، او الهزيمة المنكرة ...
  هذا هو الممكن ، اما المستحيل ، فمعروف إنه : حلم البقاء في العراق ....!!