مقاربة حول تفكيك العالم العربي وإعادة تركيبه
(2-2)
عبدالله تركماني
الأصول والمظاهر
والآفاق مظاهر التفكيك ما كان أحد يظن قبل سنوات قليلة
خلت أنّ التجربة السودانية سيعاد إنتاجها في
العراق, فما يجري لكليهما يرسم معالم مرحلة
جديدة للتسوية السياسية في أي قطر عربي, يقع في
حرب أهلية مريرة مثل السودان, أو تتفكك أوصاله
إثر غزو خارجي كالعراق.
وما بين
تجربتي البلدين من اتصال يدور حول أربع قضايا:
الحل الإداري والسياسي من باب الفيدرالية،
والترضية الاقتصادية من نافذة تقسيم الثروة، وبناء
توافق سياسي بين الكتل الاجتماعية الرئيسية على
حساب كتل أخرى أصغر، وقيام هذه الحلول جمعيا بفتح
الطريق أمام القوى الإقليمية المحيطة بالبلدين
لتدس أنفها في شأنهما.
وهذا النوع من
الفيدرالية يجعل الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام
تقسيم العراق والسودان، فالمنخرطون في تأييد
الدستور العراقي والطرفان المتفقان بالسودان,
ينظرون جميعا إلى الثروة الوطنية الأساسية وهي
النفط, وكأنها غنيمة حرب، يريد كل منهما أن
يحوزها دون مراعاة حقوق ومصالح قوى اجتماعية أخرى
في البلدين. فالحلول المتداولة بالعراق حول
الثروة تقوم إما على تحديد نسب معينة لكل محافظة
حسب إنتاجها النفطي, أو تقسيم العائدات بإشراف
الحكومة الفيدرالية, وتوزيعها على المحافظات على
أساس عدد السكان. والحل الذي أقره اتفاق "
نيفاشا " في السودان يقوم علي تقاسم عائدات النفط
مناصفة بين الحكومة المركزية وحكومة الجنوب بعد
منح 2 % فقط للولاية التي توجد بها الآبار
النفطية, على أن يكون لسكان المناطق التي تمتلك
احتياطياً نفطياً, وأغلبها في الجنوب, حق
إبرام عقود التنقيب والاستخراج. أما بالنسبة
للموارد غير النفطية فإنّ على الحكومة أن تخصص نصف
ما تحصل عليه من إقليم الجنوب إلي حكومته, وعلى
الأقاليم أن تدير مواردها دون هيمنة من
المركز.
والاتفاق حول توزيع الثروة النفطية
في السودان, وما يتمسك به الشيعة والأكراد في
العراق بخصوص هذه المسألة, يظلم أقاليم أخرى
داخل البلدين. حيث لن يحصل سكان غرب السودان
وشرقه على نصيب عادل من هذه الثروة, يكافئ ما
كان يمكن لهم أن يحوزوه لو تم توزيع الثروة بشكل
متساوٍ بين كل المواطنين السودانيين. أما في
العراق فإنّ هذا التوجه يظلم السنة, الذين
يقطنون وسط العراق حيث لا تجود الأرض بأي نفط،
ويحابي الشيعة والأكراد, الذين يقطنون جنوب
العراق وشماله, حيث الأرض العامرة بكل نفط
العراق. وإذا تمكن الأكراد من جعل كركوك عاصمة
لهم, وهي محافظة غنية بالنفط, فإنّ هذا من
شأنه أن يظلم التركمان الذين يشكلون نسبة معتبرة
من سكان هذه المحافظة.
كما أنّ لترقب الجوار
الإقليمي ما يبرره، إذ أنه يرتبط بمصالح حيوية
لتركيا وسورية وإيران في العراق، ولمصر وكينيا
وأوغندا وإريتريا وأثيوبيا في السودان. فهناك
مخاوف لدى الدول الأولى من أنّ وضع نواة لدولة
كردية, سيلهب حماس الأقلية الكردية في البلدان
الثلاثة, بحثاً عن استقلال مماثل يشكل خطوة على
طريق الدولة الكردية الكبرى التي لا تزال حلماً
يعيش في قلوب الأكراد وعقولهم, لم يسقط بالتقادم
ولا بالحدود الصارمة لدول المنطقة. أما بالنسبة
للأطراف الإقليمية المحيطة بالسودان, فنجد أنّ
مصلحة مصر تكمن في سودان موحد ومستقر، إذ إنّ 15
% من مياه النيل الواردة إلى مصر تمر عبر
السودان, الذي يضر اضطرابه بمصالح مصر
الاستراتيجية في البحر الأحمر وباستقرار حدودها
الجنوبية, ويرتب عليها أعباء النازحين من جنوب
الوادي. وأوغندا دولة حبيسة تنظر إلى السودان
على أنه طريقها إلى العالم الخارجي، ومالت دوما
إلى حق تقرير مصير الجنوب وتقسيم السلطة والثروة
في السودان. وهناك كينيا التي جعلت لمتمردي
الجنوب مقرا على أرضها, لكنها ترفض مبدأ
الانفصال، تخوفا من أن يشجع قاطني إقليم النفد
من الصوماليين على المطالبة بالاستقلال عن
كينيا. أما إريتريا فتدخل في صراع علني تارة
ومستتر تارة, ضد السودان, مما جعلها تتدخل في
الشأن السوداني باستمرار وتستضيف على أرضها قوات
لمعارضي حكومته. والوضع نفسه ينطبق - إلي حد
كبير - على أثيوبيا.
إنّ ما حصل بعد
الاحتلال الأمريكي - البريطاني للعراق ليس مجرد
سقوط لنظام ديكتاتوري، بل هو إخلال بتركيبة
المنطقة تمهيداً لإعادة النظر فيها, وهو بمستوى
أهمية ما جرى في مرحلة ما بعد سقوط الدولة
العثمانية.
لقد وضع الانقلاب العراقي العرب
أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التعاطي مع العراق
الجديد، وإما رفض ذلك وتحمّل تبعات هذا التصرف.
و
لا يحتاج المرء إلى أكثر من نظرة سريعة
ليكتشف أنّ العراق الجديد، كما هو في مشروع
الدستور، ليس العراق الاتحادي الذي حلم به أهله
دائما، بغض النظر عن ممارسات الحكم فيه، ويفترض
أنهم يحلمون به الآن. في مشروع الدستور هذا
فيديرالية طوائف ومذاهب وأعراق وعشائر، واستئثار
جزء من شعب الدولة الاتحادية بثروات البلاد على
حساب أجزائه الأخرى، والأهم من ذلك كله من دون
قبول فئات واسعة من الطوائف والمذاهب والأعراق
كلها لمثل هذا النوع من نظام الحكم.
وبما أنّ
الدستور يرغم الجميع على الدخول الإلزامي في شبكته
المذهبية والقومية الضيقة، من قانون الأحوال
الشخصية إلى معانقة الغرائز النابذة مروراً
بالحصول على وظيفة أو منصب سياسي، فإنّ المأزق
الدستوري سوف يظل كالسيف مسلطاً على الرقاب ولو
إلى حين، ذلك أنّ تغليب الجزء المذهبي أو القومي
على الكل السياسي من شأنه أن يولد تناقضاً عصياً
على الحل، فهو من جهة ينفي حق التمسك بالأساس
المذهبي أو القومي، والتهويل بالديمقراطية العددية
من جهة أخرى.
وإذا كانت الفيديرالية على أساس
قومي، تضفي على المسار الديمقراطي مزيداً من النضج
والتكامل، فإنّ الدعوة لفيديرالية على أساس مذهبي
هي على النقيض عامل إقلاق ومحاولة تمييز غير صحي،
تفضي إلى إرباكات كثيرة في عملية البناء
الديمقراطي ومفهوم المواطنة.
إنّ ما ينقسم
حوله العراقيون ليس الموقع والخيار السياسي فحسب،
بل أيضاً توجه العراق المستقبلي، انتماؤه ودوره
وموقعه الإقليمي. فليس العراق وطناً هامشياً
صغيراً حتى تغيب عن شعبه وقواه المسائل الكبرى
للهوية والدور والموقع، فعندما تتحرك قوى سياسية
بدوافع التقسيم الإثني والطائفي، بدوافع تقويض
انتماء العراق العربي وتجاهل الهوية العربية
لأغلبية شعبه، وبدوافع إخراج العراق من دوره
الإقليمي وميراثه القومي، بينما يطالب عراقيون
آخرون بالحفاظ علي هوية العراق العربية وميراثه
القومي، مهما شاب هذا الدور والميراث من شوائب،
ويطالبون بالحفاظ علي وحدة العراق كوطن ودولة،
وبأن يستمر العراق في ممارسة دوره الإقليمي
التقليدي، فهناك حالة انقسام عميقة تحتاج إلى
تعاطٍ عقلاني معها.
آفاق
التفكيك
بعد عامين ونصف على الزلزال
العراقي، يمكن القول أنّ مفاعيل الحدث لا تزال في
بدايتها, فقد تخرج القوات الأجنبية من أراضيه
يوماً ما، لكن سيرفع الستار حينئذ عن عراق مختلف،
حيث العروبة أصبحت مجرد شريك وليست رافداً أصيلاً،
كما أنّ الخلافات المذهبية تبدو أكبر من حجمها
الطبيعي، والفيديرالية المقترحة تتجه إلى تمزيق
أوصال العراق.
إنّ نجاح الجراحة
الكولونيالية للنسيج الاجتماعي العراقي سيأخذ
المنطقة العربية إلى حتف كياني تتمزق فيه وحداتها
الإقليمية الحالية، وقد يظهر مشروع تفتيتي يأخذ
اندفاعته من احتلال بلاد الرافدين، وتطلّع إلى
إعادة النظر في الخريطة الكيانية للعالم العربي
المعاصر جملةً وتفصيلاً.
العراق بهذا المعنى
هو – اليوم – ساحة الصراع الرئيسي والاستراتيجي
والحاسم بين الآليتين الدافعتين لوقائع السياسة
والتناقض في البلاد العربية: آلية الانقسام
والتقسيم وتفكيك الكيانات والأوطان، وآلية الدفاع
عما تبقى من محصلة تلك الكيانات والدول من وحدات
وعلامات تماسك على ما قد يكون فيها من
هشاشة.
مع ذلك فالثقافة السياسية العربية
المهجوسة بـ " الوحدوية الاندماجية "، عندما يطرح
السؤال عن تأييد الفيديرالية أو رفضها، إن في
العراق أو في خارجه، وعن انعكاساتها مستقبلاً على
العراق وعلى الدول العربية الأخرى، فإنها – في
الجوهر - عرقية وطائفية ومذهبية وقبلية وعشائرية
ومناطقية. إنّ المشكلة الفعلية في الثقافة
السياسية العربية الناضجة لا تكمن في "
الفيديرالية القومية " كما مع الأكراد في العراق،
وإنما المشكلة هي " الفيديرالية المذهبية "
للشيعة.
وفي الواقع، إذا كان المجتمع العراقي
معقداً على أشد أنواع التعقيد، فإنّ مجتمعات
مجاورة له وخصوصاً العربية منها، معقدة المركبات
وقابلة لأن تتعامل مع نفسها على منوال العراق تحت
مسميات مختلفة. فإذا كانت المرجعيات الدينية
والعرقية والطائفية في مجتمعات حضارية لا تأتي إلا
في المرتبة الأخيرة ولم تستخدم سياسياً أو
اجتماعياً، بفعل تطور الأذهان والتعامل مع
القوانين المدنية، كيف يمكننا أن نضمن أنّ نظماً
حضارية لها مبادئ في التطبيقات المدنية والحضارية
يمكن تطبيقها في منطقتنا ولا يساء استخدامها، خاصة
أنّ الثقافة السياسية السائدة في مجتمعاتنا مشبعة
بالترسبات التاريخية ومواريث الأعراق والأديان
والطوائف والقبائل ؟
وهكذا، يبدو أنّ البدائل
والخيارات المطروحة على العالم العربي، موضوعياً،
تتمثل في ثلاثة بدائل مستقبلية: أولها، استمرار
حالة التشتت والفوضى والبعثرة العربية، بما ينطوي
عليه من هيمنة إسرائيلية على المشرق العربي.
وثانيهما، إعادة تنظيم المنطقة في شكل شراكات
إقليمية ضمن إطار الشرق الأوسط الموسع. وثالثها،
العودة إلى النظام الإقليمي العربي بعد إنعاشه
وتطويره وتغيير سلوكيات أطرافه وتحديثه.
ومن
المتوقع أن يُطرح النظام الشرق أوسطي وفق
السيناريو المرجح التالي: أن يتشكل على مسرح
المنطقة نظام شرق أوسطي تكون فيه إسرائيل هي مركز
التفاعل وجوهره، وتقوم فيه بدور محوري يعزز أمنها
ويدعم اقتصادها بحيث يتم تعظيم مصلحتها بالحصول
على أكبر قدر ممكن من الثمار والمكاسب بأقل قدر
ممكن من الأعباء والتضحيات. في حين تقوم الولايات
المتحدة الأمريكية بتوجيهه وإدارته وفق مصالحها
الاستراتيجية، وليس مستبعدا أن يتم ذلك على قاعدة
إنشاء " منظمة للأمن والتعاون في الشرق الأوسط
الموسع ".
والسؤال هو: هل سيطبق مشروع
الفيدراليات في منطقة الشرق الاوسط الموسع ؟ هل
يمكن أن تسري تجربة العراق الصعبة في بلدان عربية
أخرى ؟
إنّ العراق في تجربته التاريخية الصعبة
التي يجتازها اليوم، وسواء نجح فيها أم فشل، سوف
يكون نموذجا حقيقيا في تطبيقاته على بلدان عربية
أخرى. ففي ظل الأوضاع السياسية المهترئة التي
تعاني منها العديد من الدول العربية ومجتمعاتها
وحالات النفور السياسية التي تعبر تعبيرا حقيقيا
عن انقسامات داخلية مريعة، ليس من المستبعد أن
تتأثر به بلدان وبيئات أخرى.
لقد ترافق طرح
الفيديرالية في المشرق العربي بالحديث عن التكوين
الفسيفسائي للتركيب السكاني في المنطقة، وهو تركيب
متنوع في بناه القومية والدينية والطائفية، مما
يفسح في المجال أمام تأسيس كيانات على تلك الأسس،
يمكن جمعها في إطار كيان فيديرالي جامع، يكون
محصلة تفاهمات بين الكيانات الداخلة فيه. فبعد أن
تغير العالم من حول النخبة الثقافية والسياسية في
المجالين العربي والإقليمي، وتغيرت الظروف
الداخلية والخارجية، وصارت بلدان المشرق في دائرة
تحديات جديدة وشديدة التعقيد، فإنها شرعت في إعادة
النظر في كثير من مسلماتها وأنماط تفكيرها وطرائق
عملها وعلاقاتها، وإطلاق أفكار وآليات جديدة
باتجاه مشروع مستقبلي لبلدانها وللمنطقة، يتجاوز
حمى الانقسامات والصراعات، وقد تكون الأنظمة
اللامركزية، بما فيها النظام الفيديرالي، أحد
خيارات المشروع. لكن الأهم من ذلك كله، أن لا تذهب
هذه النخب إلى فرض أية خيارات على شعوبها بالقوة،
وخاصة بقوة المحتل الأجنبي.
ففي ظل
العولمة، بكل تجلياتها الاقتصادية والثقافية
والسياسية، يمكن للنظام الفيديرالي أن يتشكل في أي
من الصورتين: التمزق الكامل أو التوحد الكامل.
إنّ ما حصل في العراق ليس مجرد سقوط نظام, إنه
انقلاب على الصعيد الإقليمي لا يقل في خطورته عن
زرع دولة إسرائيل في أرض فلسطين, والمشكلة تكمن في
أنّ على العرب التعاطي مع الوضع الجديد الذي خلقه
الأمريكيون والنتائج المترتبة عليه, كي لا يبقوا
خارج الصورة غير مدركين ما يدور على أرض الواقع،
ولما يمكن عمله وما لا يمكن عمله في مواجهة
الزلزال الذي حصل. وفي ظل ازدياد القلق العربي
الراهن هل ستتبلور مبادرة عربية تجاه المسألة
العراقية من أجل إعادة بعض التوازن المطلوب إلى
عملية إعادة البناء الوطني في العراق من جهة،
وبغية توفير الدعم الفعلي السياسي والمادي لإنقاذ
العراق وإخراجه من محنته من جهة أخرى.
وفي هذا
السياق، ثمة احتمالان ينضجان في واقع العرب
الراهن: احتمال أن نذهب إلى مصالحة تاريخية بين
أطراف السياسة والمجتمع، تتيح انتقالاً تدريجياً
وآمناً نحو وضع بديل، نقبله جميعاً لأنه من
اختيارنا، واحتمال نقيض يعني تحققه ذهابنا من
أزمتنا الراهنة إلى حال مفتوح على الاقتتال
والفوضى. هذان الاحتمالان هما بديلان تاريخيان
للواقع العربي الحالي، يمثل أولهما فرصة وثانيهما
كارثة. ولكي يرجح احتمال الفرصة فلندرك أنّ الدولة
المركزية واحتكار القرار السياسي والإداري لم
يعودا ممكنين في ظل عالم يتجه نحو اللامركزية
وتوسيع دائرة المشاركة واحترام الخصوصيات.
وفي
السياق نفسه، يفترض أن تمثل الأقليات القومية أو
الدينية عاملاً ذا بعد إيجابي في الحياة العربية،
إذ يمكن أن تضيف تنوعاً يضيف إلى مجتمعاتنا
ويجعلها أكثر ثراء ثقافياً وتسامحاً وانفتاحاً. في
كل الأحوال فإنّ التعايش والاندماج يقتضي تسليماً
من جميع مكوّنات مجتمعاتنا بضرورة إشاعة روح
التسامح وقيم التعايش، وهذا يوجب على الأقليات ألا
تتقدم بمطالب لا تستطيع الأكثرية قبولها. كما أنّ
للحكومات دوراً أكثر أهمية ، إذ أنّ عليها أن تتيح
تكافؤ الفرص الإدارية والسياسية والثقافية، فلا
يعقل أن تمنع كفاءة من خدمة وطنها من موقع تخصصها
وتميّزها بسبب انتمائها العقائدي أو الاجتماعي أو
السياسي، كما يتوجب على الحكومات صيانة الحقوق
الدينية والسياسية والثقافية عبر مؤسسات وقوانين
دستورية تؤسس لسياق وطني، يصون حقوق الجميع وتطوير
النظام السياسي وإرساء متطلبات الديمقراطية فيه.
ومن جهة أخرى، على الصعيد الاستراتيجي، تظل
المنطقة العربية محتفظة بثقلها الخاص، في منظور
المصالح الدولية. مما يجعلها منطقة غير مستقرة،
ومعرضة للاهتزاز والتوتر، يحمّل حكوماتها مسؤولية
بناء موقع استراتيجي، وفق منهج عقلاني، غير
تصادمي، يستند إلى أصول الحوار بين دول الشمال
والجنوب، وإلى توفير الإمكانيات الذاتية، بما يحمي
الجدار العربي من محاولات الاختراق الأجنبية،
وبناء سياسة واضحة مع دول الجوار.
وقد يكون من
المناسب أن تعترف الأمة العربية، بحكامها ونخبها
الفكرية والسياسية، أنّ محصلة مشروعها القومي
التحرري، بالرغم من محطات مضيئة فيه، هي إحباط
آمال الشعوب العربية في التحرر والتقدم والوحدة.
وما ذلك إلا لأنّ البنية الحضارية العربية، التي
واجه بها العرب تحديات مرحلة ما بعد استقلال
أقطارهم، وخاصة التحدي الصهيوني، كانت بنية
مأزومة. فطوال القرن العشرين، لم تتمكن الأمة من
تكوين بنية اقتصادية – اجتماعية – ثقافية – سياسية
- عسكرية متينة، يكون في إمكانها تحقيق أمن العالم
العربي وتقدمه، كما لم تبلغ حد بناء دولة المؤسسات
الحديثة.
تونس في 21/10/2005 الدكتور
عبدالله تركماني
كاتب وباحث سوري مقيم في
تونس
(*) – في الأصل محاضرة قُدمت في
فضاء " التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريـات
" التونسي المعارض مساء 21/10/2005 .
"الرأي /
خاص"