سورية.. أمام التحديات والأخطار
ملاحظات حول أداء النظام والمعارضة
نجم
يواجه القطر العربي السوري في هذه المرحلة تحديات كبرى تستدعي الاستجابة المناسبة والقادرة على حسمها لصالح القطر وطنا وشعبا.. وفي حال عدم حصول ذلك فإن أخطارا جسيمة تهدد مصيره وقضاياه الأساسية.. وأهم هذه التحديات ثلاث:
التحدي الأول: كون جزء من تراب الوطن (الجولان) يرزح تحت الاحتلال الصهيوني.. وجزء آخر (لواء اسكندرون) مازال مغتصبا وملحقا بتركيا.. ناهيك عن الاحتلال الجاثم على كامل القطر الفلسطيني وما يفرضه من تحديات ليس على الشعب العربي الفلسطيني فحسب بل وعلى الأمة العربية بأسرها.
التحدي الثاني: يتمثل بمخططات الولايات المتحدة وتوجهاتها الإمبراطورية والتي تضع السيطرة على وطننا العربي في مقدمة أولوياتها.. نظرا لثرواته النفطية والغازية ولموقعه الاستراتيجي من جهة ونظرا للتحالف الوثيق والعضوي القائم بين تيار المحافظين الجدد القابضين على مماسك السلطة والقرار في الولايات المتحدة الأمريكية وبين قادة الكيان الصهيوني الغاصب من جهة ثانية.. وإن قلنا مخططات فليس المقصود بذلك أنها لم تزل برامج على الورق وفي الأدراج لا يمكن إدراكها إلاّ بالدراسة والتحليل والتقدير فالأمر قد تعدى ذلك وانتقل إلى أرض الواقع منذ سنوات، منذ أن توجهت الأساطيل والجيوش الأمريكية والإنكليزية وأتباعها إلى العراق الشقيق لتحتل أرضه وتقتل شعبه وتنهب ثرواته وتحاول تدميره كاملا كوطن وشعب.
وفي كل يوم تجسد ممارسات قوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية هذه المخططات وتبين مخاطرها الحقيقية، ولا تخفي الإدارة الأمريكية أن مشاريعها تشمل الوطن العربي بأسره.. من العراق شرقا إلى موريتانيا غربا.. ومن سورية شمالا إلى اليمن والسودان والصومال جنوبا.. وكل جهل أو تجاهل لهذا التحدي يخدم أصحاب هذه المخططات ويعرض الوطن لمخاطره.. أما الالتقاء معه والسير في طريقه-مهما كانت الحجج والمبررات- فإنه يشكل خيانة عظمى للوطن والشعب، وهذا بالنسبة للجميع.. للأنظمة والقوى المعارضة في القطر السوري والأقطار العربية الأخرى
التحدي الثالث: تمثله ضرورة تحقيق التنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. في ظروف العولمة وسيادة قوانين منظمة التجارة العالمية.. إن الأعباء الثقيلة والجهود الجبارة التي يجب بذلها لتحقيق التنمية الوطنية يجب أن توزع بشكل عادل على جميع المواطنين.. ونفس الشيء يجب أن يحكم توزيع عائدات التنمية وثمارها.. فلا يجوز أن تلقى الجهود والأعباء على عاتق الطبقات الفقيرة والوسطى بينما الثمار تقطف وتوزع على الأثرياء المتنفذين.. إن الظلم في توزيع الأعباء والمكاسب لا يجوز لأنه ظلم من جهة ولأنه يضعف العاملين ويوهن عزائمهم من جهة ثانية الأمر الذي يؤدي إلى التباطؤ في عملية التنمية وإلى استمرار التخلف بينما شعوب العالم ودوله تواصل تقدمها وتعزز مكانتها على المستوى العالمي.
كيف يواجــه النظــام هــذه التحـديات
بداية لابد من القول أن القوى الحاكمة والتي تششارك في الحكم أو المؤيدة له يتحمل القسم الأكبر من المسؤولية في مواجهة هذه التحديات.. فهي تقف في مواقع اتخاذ القرار.. وتتحمل مسؤولية توجيه قدرات وطاقات الوطن والشعب وتحدد البرامج والمهام وتوزعها على قوى الشعب وأفراده.. فهل أحسنت السلطة في عملها؟ وهل تمكن النظام معتمدا على طاقات وقدرات وقوى الشعب، من مواجهة التحديات المذكورة أعلاه؟ إن النظام القائم في القطر السوري فرض سيطرته الكاملة غداة انقلاب حافظ أسد وزمرته عام 1970.. والسلطة الحالية هي استمرار لسلطة حافظ أسد ووريثتها.. وتواصل السير على نهجها.. هذا هو الواقع.. وهذا ما تؤكده السلطة الحالية.. فسلطة الأسد الأب وسلطة الأسد الابن من نفس الطبيعة ولهما نفس الممارسات والأساليب.. والاختلاف بيين السلطتين يعود للتفاوت بينهما في التجربة والخبرة ولبعض الاختلاف في الظروف المحيطة بهما.. وربما أضاف البعض سببا ثالثا يتمثل بتبديل بعض الأدوات والأتباع والخدم..
إن نظاما قائما منذ أكثر من 35 سنة.. وبسلطة واحدة وحيدة لثلاثين سنة تلتها سلطة وريثة تسير في نفس الخط عليها أن تبين ماذا أنجزت في مواجهة التحديات الأساسية التي تواجه الوطن.. ويحق للمواطنين أن يطالبوها بكشف حساب.. فماذا يمكن أن يقول أهل النظام؟ ويبقى الواقع الحي الملموس أبلغ وأدق وأصدق من البيانات و خطب الاحتفالات و الكرنفالات ..يقول الواقع :
أن النظام عجز عن إنجاز التحرير ..فالجولان مازال يرزح تحت الاحتلال منذ عام 1967.. و المستوطنات الصهيونية تتوسع فيه و تغرس أنيابها في ترابه. و تعلن سلطة الاحتلال ضمه نهائيا الى الكيان الغاصب , ترى ألم تكن 35سنة كافية للنظام لتحرير الجولان ؟! و هل سار النظام فعلا في طريق التحرير؟ هل خطا خطوات جادة في هذا الطريق ؟ باختصار شديد ماذا فعل النظام القائم منذ نكوصه عن استراتيجية حرب التحرير الشعبية التي تبنتها سلطة الحزب بعد 23 شباط/فيفري 1966؟ هل بنى الجيش وسلحه و أعده للمواجهة مع العدو الصهيوني؟ و هو الذي كان يدعو للتوازن الاستراتيجي. طيلة 35سنة و النظام القائم عاجز عن مواجهة العدو.. وكان مسئولو النظام يؤكدون عند كل عدوان أنهم لن يجروا إلى معركة لا يحددونها.. وتصريحات الشرع المتكررة، عندما كان وزيرا للخارجية، بأن سورية سوف ترد في الوقت المناسب والشكل المناسب.. أصبحت مثارا للتندر.. لأن النظام لم يرد لا على الاستفزازات ولا على الاعتداءات على سيادة الوطن وحرمة أجوائه وأمن مواطنيه وجنوده.. 35 سنة والنظام القائم يتحكم بقدرات وطاقات القطر ويعجز عن عمل ما فعلته عصبة من المؤمنين بالله وبقدسبة الوطن ونعني مناضلو "حزب الله" الذين ساروا في طريق حرب التحرير الشعبية لتحرير جنوب لبنان من نفس العدو الصهيوني.. لم ينتظروا تحقيق "التوازن الاستراتيجي" مع العدو.. اختاروا المواجهة مع العدو.. وقبلوا بالتضحيات وطلبوا النصر أو الشهادة.. وحققوا لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني.. توازنا من نوع جديد مع العدو.. توازن يجبر العدو على التفكير ألف مرة قبل الاعتداء على جنوب لبنان لعلمه الأكيد بأن الرد من "حزب الله" آت بكل صدق وبشكل موجع…
ماذا فعل النظام في مواجهة مخططات الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على الوطن العربي ونهب ثرواته وتفتيت دوله وشعوبه؟ وهو الذي يهدد الشعب وقواه الوطنية والأمة بأكملها بالأخطار المحدقة بالوطن ويطالب الجميع بالدعم والتأييد والسمع والطاعة وعدم التنفس.. وكل عمل معارض أو مختلف عمّا يهواه سريعا ما يوصف عنده أنه يشكل خيانة وطنية.. ونسي رجال النظام أن أسلافهم من مؤسسي النظام وقادته ساروا قبلهم في ركب هذا المخطط وساهموا في تنفيذ مراحله الأولى.. فالنظام القائم مثله مثل الأنظمة العميلة التابعة الأخرى، شارك في العدوان الإمبريالي الأول على القطر العراقي سنة 1991 وأرسل قواته تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية..
إن الوعي بالمخاطر المحدقة بالقطر السوري والوطن العربي عموما يفرض على النظام السير في نهج يقوي مقدرات وطاقات القطر وقواه ويضعها في مواجهة هذا التهديد الفعلي.. أما قمع القوى الوطنية ومصادرة الحريات العامة وتفتيت الوحدة الوطنية وترسيخ نهج الاستبداد والفساد.. إن هذا لا يمكن أن يساهم في مواجهة التحديات بل على العكس تماما يضعف قدرة المواجهة ويسهل للعدو المتربص بالوطن فرص الانقضاض والتمكن من الوطن والشعب.
-وإزاء التحدي الثالث.. التنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. وعلى الرغم من الثروات والخيرات التي يزخر بها القطر السوري.. وعلى الرغم من الكفاءات والقدرات الخلاقة لشعبنا فإن بلدنا ما زال وبجميع المقاييس بلدا متخلفا يعجز عن تلبية حاجاته الأساسية ويضيق بشعبه العامل مما يدفع بنصف سكانه إلى الهجرة حسب اعتراف المسؤولين.
وعلى الرغم من تحميل الطبقات الشعبية الفقيرة من عمال وفلاحين وبرجوازية صغيرة أعباء البناء الداخلي.. فإن هذه الطبقات لم ينلها من ناتج العمل والجهد والتضحيات سوى الإفقار وتدهور معيشتها.. ولم يقتصر الأمر على هذه الطبقات بل وصل إلى الطبقة الوسطى التي أخذ وضعها بالتدهور وأخذت تنقرض ليصبح الشعب مقسما إلى قسمين.. أكثرية ساحقة من الفقراء الذين يكدون ويجرون وراء لقمة العيش وقلة قليلة ازدادت ثراء وغنى.. وأصبحت ثرواتها تقدر بمليارات الدولارات.. مليارات لم تأت من نشاط صناعي أو علمي أو من اكتشاف كنوز مخبأة.. بل جاءت من سرقة جهود وتضحيات الملايين من أبناء شعبنا… فالقائمين على النظام تصرفوا في البلد وكأنه إقطاعية ورثوها عن آبائهم وأجدادهم.. فاستغلوها ونشروا الفساد فيها وعمت السرقات ووضعوا سورية في رأس قائمة البلدان التي ينتشر فيها الفساد.. وهم لا يستطيعون نفي ذلك بل يعترفون به ويشكلون اللجان لمحاربته بل ويستدعون الخبرة الأجنبية لدراسته ووضع الخطط لمحاربته!! تمثيلا ودجلا.. فهم يعرفون أنفسهم جيدا ولو أرادوا محاربة الفساد فعلا لتابوا إلى الله وأعادوا ما سرقوه لخزينة الدولة.. أين هم من أغنياء العالم من أمثال بيل غيتس، أغنى أغنياء العالم، الذي جمع ثروات هائلة بعمله وعبقريته.. ومع ذلك أدرك أنه من غير المعقول أن يكدس الأموال وشعوب العالم وفقراءه يجوعون ويقاسون المرض.. فأقدم على المساهمة في تمويل مشاريع خيرية في دول العالم الثالث.. وأوصى لولده بما يقارب واد بالألف من ثرواته والباقي أي 99,9% خصصه لمشاريع خيرية على مستوى العالم.. أين أثرياء بلدنا من هذا الإنسان؟!!
دور المعارضة في مواجهة التحديات
في البدء لابد من الإشارة إلى أن معظم الأحزاب والفصائل المعارضة للنظام القائم قد سبق لها وجربت، بشكل أو بآخر، المشاركة في الجبهة التي أقامها النظام في بدايته.. ومع التجربة والممارسة اقتنعت هذه الأحزاب بزيف الشعارات التي رفعها النظام وبخطورة السياسات التي يتبعها على قضايا الوطن والشعب، فبدأت تبتعد عنه وتترك أماكنها للضعفاء والانتهازيين من أعضائها الذين التصقوا بالسلطة وطاب لهم الطعام على موائدها.. في تلك الفترة، التي كان العديد من الأحزاب الوطنية تشارك في جبهة النظام.. كان التركيز الأساسي للنظام وأجهزته القمعية منصبة على حزبنا (حزب البعث الديمقراطي الاشتراكي العربي) وعلى قيادته ومناضليه اعتقالا وتصفية وتشريدا وتجويعا.. وقد استشهد العديد من قادة الحزب في سجون النظام السوري أو على أعتابها.. وفي مقدمتهم الرفيق الدكتور نور الدين الأتاسي الأمين العام للحزب رئيس الدولة.. والرفيق اللواء صلاح جديد الأمين العام المساعد للحزب.. وبعد خروج عدة أحزاب من "الجبهة الوطنية الديمقراطية" التي أقامها النظام.. وفي خضم المواجهة مع النظام القائم دفاعا عن قضايا الوطن ومصالح الشعب والأمة.. تمكّن حزبنا مع مجموعة من الأحزاب الوطنية من تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي الذي دعا إلى التغيير الديمقراطي بأساليب عمل ديمقراطية على اللرغم من انتفاء أبسط القواعد والحريات الديمقراطية في القطر.. كان ذلك عام 1979. وقد تزامن قيام التجمع الوطني الديمقراطي مع نشوب الخلاف بين النظام ورجالات الأخوان المسلمين.. وعجز الأخوان والنظام عن إيجاد حلول وسط بينهم لاقتسام المصالح والسلطة.. والجدير بالذكر أن الأخوان المسلمين كانوا في مقدمة المستبشرين بانقلاب حافظ أسد وارتداده على الحزب.. وقد استفادوا كثيرا من حاجة الانقلابيين لتأييد شعبي واغتنموا مساحة الحرية التي أعطيت لهم للترحيب والاحتفال بالحركة الانقلابية والانتشار والنشاط العلني في جميع أنحاء القطر خاصة المدن الكبرى.. وعلى سبيل المثال فإن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في مدينة دمشق استمر لمدة ثلاثة أشهر عام 1972 وكان ذلك يتم بموافقة، بل بدعم وتشجيع من النظام الذي كانت ترفع له أسمى آيات الشكر والامتنان، وكانت يافطات التأييد والمباركة "للحركة التصحيحية" ترفع في أسواق دمشق من قبل التجار الذين كان لسان حالهم يختصر بعبارة "طلبنا من الله المدد فأرسل لنا حافظ أسد" ولكن وبعد سنوات من العمل المشترك والدعم المتبادل بين النظام والخوان دبّ الخلاف بينهم ولم يتفقوا على اقتسام المصالح والسلطة فانفجر الصراع بينهم وكان صراعا دمويا كلّف شعبنا عشرات الآلاف من الضحايا، ووصلت الأمور إلى حافة الحرب الأهلية.. ولكن النظام تمكن من فرض سيطرته مستفيدا من الظروف العربية والدولية التي كانت لصالحه.. وبدأت مرحلة جديدة اتصفت بالتشدد في قمع القوى المعارضة ومصادرة الحريات العامة.. ودفعت قوى المعارضة أثمانا باهظة لكل فعل معارض أو موقف مختلف من النظام.. واستمر ذلك إلى نهاية فترة حافظ أسد.
مع مجيء بشار أسد إلى رأس السلطة كثرت الآمال والأحلام والأوهام.. عند العديد من أطراف المعارضة وحتى عند شرائح وفئات في السلطة فالأوضاع الصعبة التي يعيشها شعبنا تجعل أعدادا كبيرة يحلمون بتغيير حقيقي يحدث في النظام وبدون عنف.. تغيير سلمي يحدث انفراجا على مستوى الحريات العامة ويضع حدا للاستبداد ويضع حلولا سياسية للأزمات المتعددة التي يعيشها القطر.. بدل الحلول الأمنية والقمعية التي أصبحت الأسلوب الأساسي لتعامل السلطة مع الشعب وقواه الحية.. وأعربت معظم القوى السياسية على ترحيبها بأن يأتي هذا التغيير من داخل السلطة وبقيادة بشار أسد.. ولكن الأمر لم يحدث ولسنا هنا بصدد مناقشة السباب التي منعت حدوث هذا التغيير أو مدى العقلانية في انتظار تغيير حقيقي ينبع من صفوف السلطة.. الذي يهمنا هنا أن المعارضة وجدت أنه عليها أن تواصل عملها المعارض وأن تساهم في تغيير النظام بالأساليب السلمية والديمقراطية.. وتوصلت جهود أطراف عديدة، في مقدمتها التجمع الوطني الديمقراطي، لإطلاق إعلان دمشق في السنة الماضية.. وهو الإعلان الذي يدعو لإجراء التغيير الديمقراطي في بنية النظام وإقامة دولة القانون والفصل بين السلطات واحترام الحريات العامة.. وقد أثار إعلان دمشق الكثير من الاهتمام نتيجة لموافقة عدد كبير من التنظيمات السياسية عليه.. وللقضايا التي تناولها.. وقد أعربت العديد من التنظيمات عن تحفظات مهمة ودعت إلى تطوير الإعلان واستكمال نقائصه وتصحيح بعض نقاطه وكان في مقدمة ذلك:
التأكيد على كون سورية جزء من الوطن العربي وأن الشعب العربي السوري جزء من الأمة العربية.
أن المخططات والمشاريع الإمبريالية الأمريكية والصهيونية تشكل التهديد الأساسي والرئيسي لقضايا الوطن والأمة.. وأن مقاومة هذه المشاريع والمخططات تأتي في مقدمة مهمات القوى الوطنية في سورية وعلى امتداد الوطن العربي.. وإن أي التقاء أو تعاون مع هذه المشاريع والمخططات هي خيانة عظمى.. لأن هذه المشاريع لا يمكن أن تؤدي إلى الحرية والديمقراطية وما يجري على أرض العراق الشقيق وفي فلسطين الذبيحة ألف دليل ودليل على طبيعة هذه المشاريع وأهدافها مهما أخذت من تسميات.. فالحرية التي جاءت بها قوات الاحتلال في العراق هي حرية القتل والتدمير والتفتيت للعراق وطنا وشعبا.. وهاهي في هذه الأيام الولايات المتحدة الأمريكية تدعم وتحمي الهجمة الصهيونية المتجددة دوما على الشعب الفلسطيني الذي سجلت عليه هذه المرة ممارسته لحقه في انتخاب الحكومة التي رآها مناسبة لقضاياه وحقوقه ومصالحه..
إن المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات.. وكل المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات لكونهم مواطنين وليس كونهم يؤمنون بهذا الدين أو ذاك، أو ينتسبون لهذه الطائفة أو تلك، إن أي تأسيس لنظام محاصصة طائفية هو خطر على الوحدة الوطنية وخطر على قضايا الشعب والأمة والوطن.
إن القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في التغيير الوطني الديمقراطي هي جماهير الشعب من عمال وفلاحين وبرجوازية صغيرة والمبدعين بفكرهم وعملهم.. وهذه القوى هي القادرة على إحداث التغيير المنشود.. لذلك لابد من العمل في صفوفها.. لتوعيتها وتنظيمها وقيادة نضالاتها.. إن العمل نيابة عن هذه الطبقات والفئات لا يمكن أن يؤدي إلى التغيير الجذري..
إن التجمع الوطني الديمقراطي بأحزابه المؤسسة هو القوة الأساسية في المعارضة الوطنية الديمقراطية يجب المحافظة عليه وتطويره وتعزيز الثقة بين أطرافه.. لأن ذلك في غاية الأهمية من أجل إحداث التغيير الديمقراطي في القطر السوري ومن أجل المجابهة والانتصار على التحديات التي نواجهها جميعا.. وهنا لابد أن يتحلى الجميع بالدقة والصدق والوضوح في الطرح.. إن النقد والنقد الذاتي أدوات للتصحيح بينما المغالطات شيء آخر لا يمكن أن تؤدي إلى تصحيح أو بناء.. وحزبنا مارس ويمارس النقد والنقد الذاتي ورحّب ويرحب بأي نقد موضوعي لتجربته.. ولكن المغالطة التي تتكرر من جهة أخرى في أدبيات أو تصريحات الرفاق في المعارضة الوطنية الديمقراطية لا تخدم الحقيقة ولا تخدم النضال المشترك من أجل التغيير الديمقراطي.. وعلى سبيل المثال فليس صحيحا أن المرحلة الحالية التي يعيشها القطر العربي السوري قد بدأت منذ عام 1963 وليس صحيحا أن "البعث " في الستينات كان اتجاه قومي وطابع إيديولوجي متشدد ومتشنج أنكر الآخر نهائيا".. إن البعث كحزب مثل غيره من الأحزاب العربية، عرف فيي مسيرته تمايزات وتطورات نتج عنها أكثر من تنظيم.. لكل تنظيم توجهاته وسياساته.. وجميع الذين عاشوا في الستينيات من القرن الماضي يدركون أن هناك تمايزا أساسيا ومهما حدث في صفوف البعث بتاريخ 23 شباط/فيفري 1966.. وأن توجه التنظيمين اللذين مارسا العمل السياسي والنضالي بعد هذا التاريخ باسم البعث كانا مختلفين.. وقد انتهجت السلطة التي انبثقت عن حركة 23 شباط-فيفري1966 نهجا مختلفا ومغايرا تماما تجاه الآخر سواء كان ذلك داخليا أو عربيا أو دوليا.. ونشير هنا بشكل سريع إلى أن الآخر لم يتم التنكر له ومحاولة إنهائه.. ذلك أن الآخر يمكن أن يكون وطنيا وتقدميا ويمكن التعاون والعمل المشترك معه.. ولأول مرة في تاريخ الأقطار العربية يتم مشاركة لشيوعيين في حكومة عربية كان ذلك بعد 23 شباط 1966.. وعربيا كان التوجه نحو الأقطار والقوى العربية الوطنية والتقدمية.. كان توجها وتعاونا صادقا مع مصر عبد الناصر ومع الجزائر الثورية ومع اليمن الجمهورية.. وعلى المستوى الدولي كان اللقاء مع قوى التحرر والتقدم في العالم من الفيتنام الثائرة من أجل حريتها ووحدتها إلى الصين والاتحاد السوفييتي وصولا إلى جزيرة الحرية في كوبا.. نعم كان هناك تشدد في مواجهة التحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي.. عدو القطر العربي السوري والأمة العربية جمعاء فهل في هذا التشدد ما يعيب؟!!.
إن كل ما يؤثر إيجابا أو سلبا على حياة شعبنا وأمتنا ووطننا يهمنا.. ومن هذا المنطلق نهتم "بجبهة الخلاص الوطني".. التي أنشئت مؤخرا من قبل جماعة الأخوان المسلمين وعبد الحليم خدام الهارب من سفينة النظام عندما رآها تجنح للغرق.. لن نناقش هنا جبهة الخلاص وبياتها الختامي ولكننا نقف عند نقطة بالغة الأهمية تؤثر سلبا على وطننا وشعبنا.. فبيان الجبهة دعا "المجتمع الدولي خاصة مجلس الأمن ومنظمات الأمم المتحدة والأحزاب وجمعيات حقوق الإنسان لاتخاذ مواقف حازمة لحماية الشعب السوري من نظام مستبد قمعي يستخدم كل وسائل القمع والعنف ضد الشعب.. خارقا بذلك كل القوانين والاتفاقات الدولية والقيم التي تفرض ضمان الحقوق الأساسية للشعب".. إن دعوة مثل هذه في الظروف الدولية الراهنة في غاية الخطورة.. إنها دعوة للولايات المتحدة الأمريكية، سيدة مجلس الأمن إذا احتاجت إليه.. لإصدار قرارات لإرسال قوات بحجة "حماية الشعب السوري" التي تستغيث "جبهة الخلاص الوطني" لإنقاذه.. وماذا تنتظر الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من هذا.. وعندما سئل زهير سالم عضو الأمانة العامة للجبهة حول صفقة قيل أنها عقدت مع الأمريكيين أجاب "نحن لسنا معارضة طارئة.. النظام قام بصفقة واستمر في ظل صفقة.. وسواء كان هناك صفقة أم لا فواجبنا أن ننقذ شعبنا.." عن أي إنقاذ يتم الحديث؟! إنقاذ مشابه لإنقاذ العراق أم لإنقاذ فلسطين؟!! إن جبهة هذا هو توجهها تهمنا بالتأكيد.. لأنها تلتقي مع العدو الأساسي لأمتنا ووطننا.. وقد جانب موقف اللجنة الدائمة لإعلان دمشق الصواب عندما أعلنت أن "جبهة الخلاص الوطني عمل يخص أصحابه".. وكأن ما جرى ويجري في العراق الشقيق يخص الجلبي وحده!! لابد من القول أن الكثيرين من أبناء القطر تفاءلوا خيرا في السنوات الأخيرة عندما طرح الأخوان المسلمين مواقف جديدة باتجاه العمل الوطني الديمقراطي.. والتمسك بالديمقراطية والانتخابات والتداول على السلطة..ولكن يبدو أن فسح الأمل لا تدوم كثيرا في معظم الحيان.. ومع ذلك فإننا نفضل أن نقول أننا نأمل أن تنتبه أطراف العمل الوطني الديمقراطي، إلى مخاطر الانزلاق في اتجاهات خاطئة.. لا تخدم القضايا الوطنية بل تعمل ضدها.. فليس كل معارضة هي عمل وطني بالضرورة.. وليست كل زهرة بالعطر تفوح.. لذلك لابد من اتخاذ موقف واضح مع جبهة الخلاص.. وفضح أطروحاتها ومخاطرها على الوطن.. فالموقف لا يقبل المراوغة فأي التقاء مع العدو الإمبريالي الأمريكي-الصهيوني أو مع سياسته هو خيانة للوطن نربأ بجميع الوطنيين والديمقراطيين من الوقوع فيها…