خيارات إدارة بوش


صبحي غندور

مدير مركز الحوار العربي في واشنطن
(كلنا شركاء) 20/5/2006

 



اجتمع الرّئيس الأميركي في الأسبوع الماضي، للمرّة الثانية في هذا العام، مع الوزراء الأميركيين السابقين للخارجيّة والدّفاع.
تُرى، ما هي النّصائح الّتي أعطاها هؤلاء الخبراء لإدارة نجحت في إشعال العديد من الأزمات وفشلت في حلّ أيّ منها؟!
فبعد أكثر من خمس سنوات على وجود جورج بوش الابن وأركان إدارته في حكم البيت الأبيض، يمكن القول أنّ هذه الإدارة نجحت فقط في إشعال أزمات دوليّة وفي توسيع دائرة الخصوم والأعداء، وفشلت في حلّ مشاكل دوليّة بعضها كان فقط من صناعة هذه الإدارة.
وربّما أبرز عناوين فشل السياسة الخارجيّة لإدارة بوش نجده في الأوضاع الرّاهنة بالعراق بعد ثلاث سنوات من احتلاله أميركيّاً وبريطانيّاً، كما نلمس هذا التّعثّر في القضايا السّاخنة الأخرى الّتي تتعامل معها هذه الإدارة كالفشل باعتقال قيادات "القاعدة"، وفي الأزمة مع كوريا الشّمالية، وفي ملف الصّراع العربي/ الإسرائيلي، ثمّ مؤخّراً في ملف العلاقات مع إيران وانعكاساته الإقليميّة والدوليّة.
كل ذلك يحدث الآن في ظل ارتفاع متزايد لأسعار النّفط وتدنٍّ مستمر لنسبة تأييد الأميركيين لسياسة إدارتهم، وقبل أشهر قليلة من انتخابات أميركيّة ستقرّر مصير الغالبيّة الجمهوريّة المسيطرة على مجلسي الكونغرس، وتكون المؤشّر العملي لانتخابات الرّئاسة الأميركيّة لاحقاً.
ولا نعلم طبعاً ما هي النّصائح الّتي أعطيت للرّئيس بوش من قبل وزراء أميركيين سابقين، لكن لنفترض أنّ أحداً منهم أو بعضهم أشار إلى الخيارات المتاحة الآن أمام الإدارة الأميركيّة، والّتي يمكن افتراضها بثلاث: التصعيد في الأزمات القائمة، أو المراوحة في السّياسة الرّاهنة، أو الشّروع في حلِّ هذه الأزمات.
وتشكّل الأزمة مع إيران مدخلاً مهمّاً لكل من هذه الخيارات الثلاث. فالتصعيد السياسي والعسكري ضدّ إيران سيدفع حتماً إلى مزيد من تدهور الأوضاع في العراق وأفغانستان ومنطقة الخليج وفي ساحات الصّراع مع إسرائيل والسياسة الأميركيّة في كل من دمشق وبيروت وغزّة، إضافة طبعاً للآثار السّلبيّة على أسعار النّفط والاقتصاد العالمي بما فيه الاقتصاد الأميركي غير المتعافي.
وسيؤدّي التّصعيد الأميركي ضدّ إيران إلى تأزّم في علاقات واشنطن مع قوى دوليّة عديدة لا تشجّع على خيار استخدام القوّة لحلّ مشكلة الملف النووي الإيراني.
أمّا الخيار الثّاني، وهو استمرار المراوحة في السياسة الأميركيّة الرّاهنة، فسيزيد من مظاهر ضعف الإدارة الأميركيّة على المستويين الدّولي والمحلّي الأميركي، وسيدفع إلى مزيد من الأزمات الدوليّة وتراكم التعقيد في المشتعل منها الآن، وإلى خسارة سياسية كبيرة للإدارة وللحزب الجمهوري في انتخابات نوفمبر القادمة.
الخيار الثالث المتاح الآن أمام إدارة بوش هو التّجاوب مع دعوة الأمين العام للأمم المتّحدة كوفي أنان لإجراء محادثات ثنائيّة مباشرة بين واشنطن وطهران، والتوصّل إلى صيغة حلّ لمشكلة الملف النّووي الإيراني تقوم على التّسليم بحق إيران في استخدام الطّاقة النوويّة لأغراض سلميّة فقط وإخضاع هذا الأمر لإشراف مراقبين دوليين ولوكالة الطّاقة الذّريّة. ومن الطّبيعي أن تؤدّي هذه الخطوة - لو حصلت - إلى بدء مسيرة تطبيع العلاقات بين واشنطن وطهران وإلى وجود مناخ إيجابي بين البلدين ينعكس على الأوضاع الرّاهنة في العراق وأفغانستان والأزمات الإقليميّة الأخرى.
لكن نزع فتيل التّأزّم في الملف الإيراني لن يكون وحده كافياً لتحسين مسار السياسة الخارجيّة الأميركيّة، إذ بإمكان الإدارة الأميركيّة توظيف مناسبة قمّة مجموعة الدّول الثّمانية المقرّر عقدها في سان بيترسبورغ في شهر تمّوز/ يوليو القادم من أجل الدّعوة إلى مؤتمر دولي شبيه بصيغة مؤتمر مدريد الخاص بالصّراع العربي الإسرائيلي، بحيث يكون المؤتمر في شهر سبتمبر القادم من أجل إقرار تسوية نهائيّة تشمل سوريا ولبنان والقيادة الجديدة للسّلطة الفلسطينيّة على قاعدة المبادرة العربيّة الّتي أعلنتها قمّة بيروت عام 2002 .
وستكون أمام اللّجنة الرّباعيّة فرصة من الزّمن قبل المؤتمر الدّولي للتّفاوض مع الأطراف المعنيّة من أجل ضمان نجاح المؤتمر في التوصّل إلى تسوية مع إسرائيل على الجبهتين السّوريّة واللبنانيّة، وإلى تسهيل عمل السّلطة الفلسطينيّة وعودة المفاوضات بينها وبين إسرائيل حول الانسحاب من الضّفّة الغربيّة والقدس وقضيّة الّلاجئين وإعلان الدّولة الفلسطينيّة.
وفي حال تحقّقت خطوات إيجابيّة في هذا المؤتمر الدّولي، فإنّ إيران أيضاً ستكون متجاوبة مع نتائجه بل ربّما أيضاً مساهمة في نجاحه من خلال علاقاتها الخاصّة مع بعض الأطراف العربيّة المعنيّة بالصّراع مع إسرائيل.
وانعقاد المؤتمر الدولي الخاص بالصراع العربي الإسرائيلي، بعد حل مشكلة الملف النووي الإيراني، سيعني أيضاً حلاً للتأزم السياسي الحاصل في لبنان وفي العلاقات مع سوريا وفي الموقف الأميركي من حكومة "حماس".
وإذا ترافق ذلك كلّه مع انسحاب عسكريّ أميركيّ جزئيّ من العراق وإعادة بناء سليم للمؤسّسات السّياسيّة والأمنيّة فيه، فإنّ منطقة الشّرق الأوسط ستشهد تبريداً ملحوظاً لأزمات ساخنة مشتعلة في آن واحد.
هذا السيناريو "الوردي" من الاحتمالات الممكن حدوثها في حال اختارت إدارة بوش تعديل مسار سياستها الرّاهنة في الشّرق الأوسط، هو ليس بالأمر المستحيل خاصّة لما سيتركه هذا الخيار من تأثيرات إيجابيّة على أسعار النّفط وعلى الاقتصاد العالمي ومن ضمنه العجلة الاقتصاديّة الأميركيّة. وفي هذا الخيار مصلحة كبيرة للحزب الجمهوري الّذي أظهرت استطلاعات أخيرة للرّأي العام الأميركي عن تراجعه أمام الحزب الّديمقراطي بسبب السياسة الرّاهنة للإدارة الأميركيّة.
إنّ كتلة "المحافظين الجدد" في الإدارة الأميركيّة، وفي مقدّمتها نائب الرّئيس تشيني ووزير الدّفاع رامسفيلد، تعاني الآن من ضعف كبير في إقناع الأميركيين بجدوى أجندتها الدّوليّة وببرنامجها السّياسي، وهي موضع انتقاد حتّى من رموز بارزة في التّيار الأميركي المحافظ وفي الحزب الجمهوري نفسه. ولقد كانت الحرب في العراق، وما زالت، هي أبرز مثال على فشل أجندة هذا التّيّار، وبالتّالي فإنّ استمرار السّياسة الرّاهنة للإدارة الأميركيّة وتقمّص دور "الكاوبوي" الأميركي في إدارة شؤون العالم، سيدفع إلى مزيد من الانحسار السياسي لهذا التّيّار وللحزب الجمهوري في الحياة السياسيّة الأميركيّة.
كذلك، فإنّ من مصلحة الشّركات الأميركيّة الكبرى ومصانع الأسلحة وشركات النّفط الّتي استفادت كلّها من سنوات الإدارة الحاليّة، أن لا تصل سياسة الإدارة إلى طريق مسدود يؤدّي إلى انحسار الحزب الّذي جاءت منه أو إلى سقوط الأركان الّذين يديرون دفّة الحكم فيها.
إنّ الإدارة الأميركيّة أمامها الآن فرص الاختيار بين تحسين أوضاعها وأوضاع حزبها السياسي، بل وأوضاع أميركا في العالم، وبين خيار تحصين مواقفها المتأزّمة والاستمرار في التّقدّم على الطّريق المسدود!.