الخطط الإستراتيجية الإسرائيلية لتقسيم العراق

عماد علو

في مقال نشرته لي جريدة الزمان الغراء في عددها المرقم ( 2518 ) الصادر يوم الخميس
  ( 5 تشرين الأول 2006) بعنوان ( سيناريوهات تقسيم العراق وجذورها التاريخية) تطرقت فيه إلي أن الأهداف التي ساقتها الولايات المتحدة الأمريكية لتسويغ غزوها واحتلالها للعراق لم تكن إلا غطاء تخفي وراءه. الهدف الاستراتيجي الأساسي للاحتلال ألا وهو تقسيم العراق إلي عدة دويلات ! وقد سبق وأن اكتفت الإدارة الأمريكية في عام1991 بتشكيل كيان كردي في الشمال وتقسيم أجواء العراق إلي ثلاث مناطق حظر كبداية لمشروعها في تقسيم العراق الذي يعتقد بعض المراقبين أنها اجلته بسبب عدم تقبل البيئة الإقليمية والدولية المتحالفة مع الولايات المتحدة في حربها علي العراق لفكرة التقسيم وعدم نضوج البيئة الداخلية في العراق لتقبل هذه الفكرة في تلك المرحلة الأمر الذي كان سيؤثر علي النتائج الايجابية التي حققتها الإدارة الأمريكية من حربها ضد العراق عام 1991.
  ومع اقترابنا من نهاية السنة الرابعة من عمر الاحتلال الأمريكي للعراق ارتفعت وتعالت تلك الأصوات الأمريكية التي تنتقد غزو العراق وتتهم إدارة الرئيس جورج بوش بالتورط في حرب لا نهاية لها من أجل أهداف غير واضحة لا تمت للديمقراطية ولا للأمن القومي بصلة خصوصا بعد ثبوت عدم صحة الأهداف التي أعلنها البنتاغون لغزو العراق وهي إسقاط نظام صدام حسين لعلاقته بالقاعدة وثبوت عدم امتلاك العراق أي سلاح أو برنامج نووي حقيقي. ولم يعد أحد بمقدوره تصديق سخافات الرئيس بوش التي تتحدث عن النصر وإحراز التقدم، لذا لا بد من الاعتراف بالفشل والرحيل وترك العراقيين يخوضون معركتهم الخاصة كما تقول كوندا ليزا رايس(باتجاه التقسيم طبعا) مع الحد الأدني من التدخل الأميركي .وفي خضم هذه المتناقضات تبرز دعوة (مركز هرتسليا متعدد الاتجاهات )_ وهو أشهر مراكز البحث الإسرائيلية _ لتقسيم العراق إلي عدة دويلات علي أساس طائفي وعرقي، وبما أن إسرائيل (وهذا لم يعد سراً، بل وباعتراف مسؤولين وسياسيين أمريكان) هي التي دفعت الولايات المتحدة لشن الحرب علي العراق، فان دعوة (مركز هرتسليا متعدد الاتجاهات الإسرائيلي )لم تكن هي الدعوة الأولي من نوعها تطلقها إسرائيل ولن تكون الأخيرة وهو ما سنلقي الضوء عليه في هذه المقالة .!
  مشروع تقسيم العراق فكرة صهيونية
  ظهرت فكرة مشروع تقسيم العراق في سياق أفكار صهيونية لتقسيم الدول العربية من جديد في إطار الدعوة إلي (سايكس بيكو) جديدة في منطقة الشرق الأوسط إلا أن العراق اخذ الأسبقية الأولي في هذه الطروحات ، ففي مقال مطول عنوانه (إستراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات ) نشر عام 1980 لمستشار مناحيم بيغن حينما كان رئيسا لوزراء إسرائيل (عوديد ينون) ، دعا فيه إلي تقسيم الوطن العربي قطرا قطرا ، من موريتانيا حتي عمان في أقصي الخليج العربي ، علي أسس عرقية وطائفية يكون للعراق الأسبقية في التقسيم وسوغ ينون ذلك بقوله إن العراق هو العدو الأكبر لإسرائيل لذا يجب تقسيمه إلي ثلاثة دول ، دولة كردية في شمال العراق وأخري شيعية في الجنوب وثالثة سنية في الوسط ! . وفي ذلك المقال يحث ينون حكومة بيغن علي دعم إيران خميني من اجل الإسراع بتقسيم العراق علي اعتبار أن الحرب بين العراق وإيران في ذلك الوقت ستكون نهايتها سقوط الدولة العراقية. وان دعم ومساعدة إيران يأتي في سياق تطبيق خلاق لنظرية ( شد الأطراف ) ، والتي تعني أن علي إسرائيل تعميق صلاتها مع الدول غير العربية المحيطة بالأقطار العربية ودفعها لاستنزاف العرب وإشغالهم وخدمة المخطط الإسرائيلي ، ويسمي إيران وتركيا وأوغندا وإثيوبيا وغيرها.
  وفي عام 1983 تناقلت الصحف المصرية تقارير عن خريطة قدمت للكونجرس الأمريكي تشتمل علي خطة لتقسيم الوطن العربي، هذه الخريطة قدمها برنارد لويس الصهيوني البريطاني واقترح تحويل البلاد العربية إلي دويلات طائفية وعرقية صغيرة بلا حكومات فاعلة ومن ثم استباحة الشعب العربي وثرواته وتحويلها إلي المجتمع الغربي لتتحقق له الرفاهية. واقترح برنارد لويس أن يقسم العراق إلي ثلاث دويلات: دولة شيعية في الجنوب ودولة سنية في الوسط ودولة كردية في الشمال العراقي والشمال الشرقي من إيران وغرب سوريا وجنوب تركيا...
  إسرائيل و التقسيم
  لم يعد سرا أن الحرب الأمريكية علي العراق منذ عام 1991 شنت من اجل ضمان الأمن الإسرائيلي كواحد من أهم الأهداف الإستراتيجية التي شنت الحرب من اجلها وهو ما جاء علي لسان أكثر من مسؤول أمريكي وإسرائيلي بدءا"من الجنرال (شوارتزكوف) وانتهاءا" بالرئيس (بوش الابن). كما أن إسرائيل واللوبي الصهيوني في الكونغرس الأمريكي ، كانا وراء دعم المحافظين الجدد لصقور الحزب الجمهوري وتشجيعهم علي غزو العراق وهو ما ذكره مؤخرا أكثر من مسؤول أمريكي من المحسوبين علي المحافظين الجدد من أمثال ريتشارد بيرل الملقب بـ(أمير الظلام) العقل المدبر لغزو العراق .وعندما شعرت إسرائيل أن الجيش الأمريكي لم يتمكن من السيطرة بشكل تام علي العراق بعد نيسان 2003 يقول (باترك كلاوسن ) نائب مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني والمقرب من البيت الأبيض في عام 2004 (...في نهاية العام الماضي وصلت إسرائيل إلي استنتاج بان إدارة بوش لا يمكنها جلب الاستقرار والديمقراطية للعراق وان إسرائيل تريد خيارا أخر. وقد أخبرت بان: بان إدارة شارون قد وضحت بان من اجل التقليل من الخسائر التي منيت بها الخطط الإستراتيجية الإسرائيلية من جراء الحرب...الخ ) إلا أن كلاوسن لم يشر بالتحديد إلي ماهية الخطط الإستراتيجية الإسرائيلية ؟؟ ولكن ( جاي باخور) الباحث في (مركز هرتسليا متعدد الاتجاهات الإسرائيلي ) قال في ندوة إذاعية بثتها إلاذاعة إلاسرائيلية :انه في حال لم يسفر الاحتلال الأمريكي عن تقسيم العراق فانه يمكن عد الحرب الأمريكية عليه فاشلة من أساسها ولم تحقق أهدافها .! وعد( باخور) علي وفق وكالة الأنباء الألمانية (انه يتوجب القضاء علي الوحدة الجغرافية للعراق و تسهيل إقامة دويلات طائفية في البلد .!!) (انظر جريدة الزمان العدد 2545 في 14/11/2006).
  إذن يمكننا القول أن الخطط الإستراتيجية والأهداف الكبري التي من اجل تحقيقها عبرت الجيوش والطائرات والبوارج الأمريكية المحيطات لغزو العراق وتدميره(لا تحريره ؟؟) كان لغرض تقسيمه إلي عدة دويلات طائفية وعرقية هزيلة .!تحقيقا لأهداف الخطط الإستراتيجية الإسرائيلية وهو ما يؤكده قول الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات الإسرائيلية (عاموس ملكا) (إن غياب العراق عن خريطة المنطقة بمساحته الحالية ووحدة أقاليمه سيكون احد العوامل المهمة في تقليص المخاطر الإستراتيجية علي إسرائيل) . مضيفا (أن تقسيم العراق يقلص من الطاقات البشرية والمادية التي يتمتع بها هذا البلد وأن العالم العربي بدون العراق الموحد هو أفضل لإسرائيل من العالم العربي بوجود العراق الموحد). (انظر جريدة الزمان العدد 2545 في 14/11/2006).
  الخلاصة
  إن الصورة التي تحاول وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية نقلها وترسيخها في ذهن المتلقي سواء في أمريكا أم في خارجها وخصوصا في العراق أيضا انه يتعين علي القوات الأمريكية الخروج من العراق بأسرع وقت ممكن وهذا الأمر ينقله أيضا(بيتر جالبريث) عبر كتابه الذي صدر في نيويورك والموسوم (نهاية العراق) (بأن ما كان يعرف بالعراق الموحد ذهب إلي غير رجعة بتفكيك مؤسساته الأساسية ، وأن الإدارة الأمريكية كتبت شهادة وفاة العراق، وعليها الآن الاعتراف بخطيئتها الكبري واستخراج شهادات ميلاد للدويلات الثلاث المستقلة !!) . وعليه فان الهدف الاستراتيجي الأساسي للاحتلال و حسب الخطط الإستراتيجية الإسرائيلية التي وضعت بالتنسيق مع المحافظين الجدد الذين ضحوا مؤخرا بـ( رامسفيلد) في سبيل الاستمرار بتلك الخطط الإستراتيجية الإسرائيلية والأمريكية هو تقسيم العراق إلي عدة دويلات هزيلة. ولذلك فان إي خروج لقوات الاحتلال من عراق موحد سيعد هزيمة نكراء للولايات المتحدة والخطط الإستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة في الوقت نفسه سيعد هذا الخروج انتصارا كبيرا للشعب العراقي علي الاحتلال .
 
  الزمان