التحضير لما هو قادم

محمد أبو مهادي

http://www.kanaanonline.org/articles/00920.pdf

 


فشلت إسرائيل من تحقيق نصر عسكري علي المقاومة اللبنانية كذلك فإنها لم تستطع تحقيق أهدافها السياسية التي دفعتها إلي ارتكاب مجازر يندي لها الجبين وتؤدي بلا تردد إلي محكمة لجرائم الحرب .

         فبعد صدور القرار الدولي 1701 فهمت إسرائيل وحليفتها أمريكا بان للقوة حدود وأنهما لا يعيشان بمفردهما علي وجه هذه الكرة الأرضية التي اهتزت تحت وقع قنابلهم الذكية وغير الذكية، كما اهتز الضمير العالمي الإنساني ليضع حد للجبروت والقوة العسكرة.

         صدور القرار الدولي 1701 رغم ما يلحقه من إجحاف بحق لبنان ويفسح المجال مرة أخري للتدخل في الشئون اللبنانية، ويتعامل مع قوة الاحتلال والمقاومة بنفس الدرجة، ويحاول إرضاء الغرور الإسرائيلي ومن ورائه الأمريكي المتسلح بالفيتو فان هذا القرار هو انجاز مهم لصالح العرب ينبغي البناء عليه والاستفادة منه للتذكير بقرارات دولية عديدة لم تطبقها إسرائيل في الشأن الفلسطيني.

          اعرف أن السياسية هي تعبير عن مصالح وموازين قوي ، كما يعرف الجميع أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي سجلت رقماً قياسياً في إدارة ظهرها وتنصلها من الإرادة الدولية والقرارات الدولية، ولكن ما ينبغي الانتباه له بان للسياسة أيضاً أحكام أخرى تؤثر في مجرياتها ونتائجها كالصمود والمقاومة المنظمة والصادقة وعدم الاستكانة لهذه الموازين والتماهي معها، والاستفادة من أوراق القوة التي هي بأيدي أصحاب الحقوق والمثابرة في مراكمة الانجازات .

         الهزيمة الإسرائيلية في لبنان التي لم يتعود الكثير علي مشاهدتها قد تدفعها إلي المزيد من التوحش وارتكاب المجازر وان لم تكن هذه المجازر في لبنان فقد تكون في فلسطين وبشكل اكبر فظاعة مما كان عليه في السابق حيث أن حكومتها التي ستتعرض لحساب داخلي عسير قد يدفعا للهرب من هذا الحساب باتجاه التصعيد في مكان ما، لكي تحقق أمراً ما تقدمه إلى شعبها على شكل انجاز قبل جلسات الحساب، ولهذا فان الاحتياط والتحضير لما قد تقدم عليه إسرائيل هو واجب لكي يكتمل عقاب هذه الحكومة على الأقل من شعبها.

         ما يجري في الشرق الأوسط من أحداث خطيرة والصلف الإسرائيلي الأمريكي قد اجبر الأخيرتين على إعادة حسابهما أمام الإرادة الدولية، وهو بحاجة إلي إعادة حساب على المستوي العربي والاستفادة من حالة النهضة الشعبية التي زال عنها حاجز الشعور بالهزيمة والعجز، هذه الحالة النهضوية من الضروري الاستفادة منها باتجاه تأطيرها وتنظيمها وتحضيرها للمبادرة والتأثير وإخراجها من دائرة ردات الفعل علي مجزرة هنا أو هناك وتحويلها إلى طاقة فاعلة تساعد الشعوب العربية علي الخلاص من قوي الاحتلال تساعدها علي قضاياها الداخلية ومواجهة الحكومات المستبدة العاجزة عن استثمار أوراق قوتها النفطية وغير النفطية حتى الاستهلاكية لتحسين مواقعها علي مستوي القرار العالمي ومجابهة التحديات الإسرائيلية والأمريكية والعاجزة عن تحقيق التحديث والتنمية في بلدانها ورفع مصائب الجوع والفقر والبطالة والأمية عن مواطنيها، والعاجزة عن  إرساء قواعد نظم ديمقراطية تعددية تصون كرامة وحرية مواطنيها.

         إن الصمت الرسمي لسنوات عما يرتكب من مجازر بحق الشعب الفلسطيني والعراقي وأكثر من شهر عما يرتكب من جرائم بحق الشعب اللبناني، وبقاء السفراء الاسرائيلين في بعض البلدان كذلك مكاتب الاتصال والتنسيق والمكاتب التجارية الإسرائيلية والقواعد العسكرية الأمريكية في هذه البلدان  لن يرحم هذه الحكومات لا في كتب التاريخ ولا أمام نظرات وضمائر الشعوب، وإن لم تستطع هذه الشعوب معاقبة حكوماتها الآن فان ذاكرتها لن تنسى أن الدولة الوحيدة التي سحبت سفيرها وهددت بقطع كامل علاقاتها مع إسرائيل هي فنزويلا، وان الحركة الدبلوماسية النشطة لفرنسا وغيرها من الحكومات هي التي سبقت أي تحرك رسمي عربي، ولن تنسي الجماهير العربية والإسلامية انه في الوقت الذي جري فيه تكميم أفواهها وقمعت تظاهراتها المنددة بالعدوان الإسرائيلي  في أوطانها العربية، قد خرجت تظاهرات في إسرائيل ومختلف عواصم العالم لم تجد من يطاردها ويعتقلها أو يكبح عنفوانها.

         القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني في خطر حقيقي، والجولان السوري محتل، العراق الشقيق جرح نازف يتهدده الضياع والتجزئة، لبنان المنكوب والمدمر، كل هذا يدعو الجميع من قوى المجتمعات العربية "أحزاب سياسية، نقابات مهنية، منظمات أهلية، كتاب ومثقفين ومفكرين وفنانين" للتحضير لما هو قادم، فإلى متى سيبقي المواطن العربي ضحية لبلطجة الاحتلال، ضحية لعفن النظم السياسية القائمة ولأشباه القيادات، ضحية للفقر والتخلف والجوع، ضحية على المعابر الدولية والمطارات، ضحية للغته ولونه وعرقه ودينه وانتمائه ؟!!.

mahadyma@hotmail.com