الحرب لم تنته وإسرائيل ستواصل البحث عن صورة انتصار..
مقابلة الدكتور عزمي بشارة مع صحيفة "فصل القال"ا
لا نعتقد أن أيا من المفكرين والساسة الكبار في العالم العربي اطل على شاشات التلفزة العالمية بقدر ما اطل عليها الدكتور عزمي بشارة. وهو كعادته كان متألقًا في ظهوره، سديدًا في رأيه، شجاعًا في قول ما لم يرق سماعه للسواد الأعظم من العرب، من المحيط إلى الخليج.
منذ اليوم الأول للحرب على لبنان أعلن د.بشارة أنها مشروع سياسي أمير كي ينفذه الجيش الإسرائيلي.
أكد، ولوسائل الإعلام العبرية أيضًا، أن حزب الله لن يهزم وتحدى الإعلام الإسرائيلي في ادعائه عن إنجازات الجيش بإظهارها على الملأ.
توقف مليا عند الفروقات بين الحروب التي شنتها إسرائيل وهذه الحرب. تحدث عن كيف حوّل حزب الله هذه الحرب من رد فعل إلى حرب. تناول، بجرأة مشهودة موقف الأنظمة العربية ووصفه متواطئًا معتبرًا التواطؤ ابرز جديد في هذه الحرب.
نالت تحليلاته احترامًا واسعًا من المحيط إلى الخليج.. تحليلات على مستوى عال ونقاش مع كبار المفكرين في العالم العربي استحوذ اهتمام ملايين المشاهدين...
د.بشارة، نقل، في بعد نظره وقراءته لما يحصل، عرب الداخل إلى مستوى آخر، على مستوى الشعوب العربية قاطبة بل تخطاه في أحيان كثيرة.
وكان لا بد من ان يكون لـ"فصل المقال" هذا الحوار الشامل مع الدكتور عزمي بشارة، هذا نصه:
٭»فصل المقال»: هل انتهت الحرب، حقًا أم أننا بصدد انتهاء شوط منها؟
- بشارة: برأيي الحرب لم تنته. انتهت مرحلة وهي اكبر من معركة. انتهت المرحلة الأولى من الحرب بإخفاق إسرائيلي. وكلمة إخفاق هي كلمة ملطفة لهزيمة أو فشل. لم تنته الحرب لان أهدافها ما زالت عالقة، سواء الأهداف الإسرائيلية المتعلقة باستعادة قوة الردع وابعاد حزب الله عن الحدود وضرب قوته الصاروخية وتلك السياسية، أو الأهداف الأميركية التي تقاطعت مع الإسرائيلية المتعلقة بضرب قوة حزب الله لإحداث تغيير سياسي في لبنان لأن أميركا ترى في حزب الله العائق أمام مشروعها في لبنان وترى في الحرب على لبنان مرحلة أولى من الحرب على ما تسميه هي محور إيران - سوريا - حزب الله - حماس.
هذه الأهداف السياسية التي التقت مع الاجندات الإسرائيلية ما زالت عالقة، وعليه نحن لا نعرف متى وكيف ستتجدد الحرب لكن الواضح من خطابيْ أولمرت وبوش انهما سيبحثان عن وسائل أخرى. نسمع أصواتا في إسرائيل تدعو إلى حرب جديدة تشمل سورية لأنها فهمت من خطاب الأسد أن سورية تستعد للحرب لذا تُشتم رائحة ضربات استباقية.. هناك من يعتقد أن إسرائيل لا يمكن أن ترضى ببقاء هذه القوة الصاروخية مع حزب الله، التي يمكن تفعيلها، برأي جنرالات إسرائيل، ضدها في حال تفجر الصراع مع إيران، أي أن هناك مجموعة قضايا عالقة تنذر بأن إسرائيل لم تنه الحرب بعد.
٭"فصل المقال": هل تغامر إسرائيل بشوط ثان من الحرب قبل ان تكون متأكدة من نتائجه، بعد ما حصل لها في الجولة المنتهية؟
- بشارة: لن تغامر قط. سيعدون العدة جيدًا لإجراء كل أشكال الفحص لمسألة اعتمادهم الكامل على القوة الجوية، وسيراجعون حساباتهم بشأن قدرات القوات البرية ودباباتهم (مر كفاه)، وستكون مراجعة للميزانيات المرصودة لجيش الاحتياط، ومراجعة عملية صنع القرار في قيادة الأركان العامة.
ثمة مجموعة مسائل تحتاج إلى مراجعة قبل أن تتابع إسرائيل جولة أخرى.. هذا لا يشمل عمليات - مناوشات من فعل ورد فعل على الحدود ما زالت حاصلة. وهذا أيضًا لا يشمل ما سيقومون به من عمليات «سينمائية الطابع»، من اغتيالات واختطاف لأن إسرائيل ما زالت تبحث عن «صورة انتصار» إلى مؤتمر صحافي سريع يعلن فيه عن عملية اغتيال ناجحة.. ملاحقة قياديي حزب الله باتت تعتبر جزء مما يعرف في هذا البلد بالأمن الجاري.. ومن حقنا أن نخشى بعد تصريحات أولمرت أنة يجري الآن البحث فيها والتخطيط لها.
٭"فصل المقال": تقصد أساسًا محاولة استهداف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله؟
- بشارة: ليس فقط نصر الله.. يستهدفون أي قيادي من حزب الله أو حتى قياديًا ميدانيًا أو ربما قياديًا من حماس.. ترى إسرائيل حاليا أن عملية اغتيال ناجحة هي رافعة معنويات وتغطية على فشل. حتى الآن فشلت محاولاتهم ما أدى إلى إحباط معنوياتهم أكثر.
٭"فصل المقال": أي مراقب موضوعي، وبعيدًا عن أية عاطفة، يرى إلى ان حزب الله انتصر.. أين ترى ابرز ما في انتصار الحزب؟
- بشارة: الانتصار متعدد الأوجه. مشاعر أي إنسان إسرائيلي عادي، وانطباعه أهم من كل ما يقوله المعلقون أو ما تشرحه تسيبي ليفني والساسة في مؤتمر صحفي. والإسرائيلي يتجول مع شعور بالإخفاق فيما المواطن اللبناني يتجول مع شعور بالانتصار. هذا الأمر الأهم لأننا نتحدث عن رأي عام، وهذا مهم سواء في السياسة الداخلية في إسرائيل أو في لبنان.. المسألة تتعلق بالتوقعات.. بغض النظر عما أنجزته إسرائيل فتوقعاتها من الحرب كانت اكبر بكثير مما أنجزت وفي المقابل، وبغض النظر عما أنجزه حزب الله، فالتوقع العام كان اقل بكثير مما أنجز..وإسرائيل، وهي التي بدأت، وبادرت إلى حرب شاملة، هي التي يجب أن تسأل إذا ما تحققت أهدافها من الحرب، وإذا لم تتحقق هذه الأهداف فإن الأمر يعني انتصار المقاومة، لأنه في هذه الحال نجم عدم تحقيق الأهداف عن بسالة القتال في ظروف دولية وإقليمية غير مواتية للمقاومة. وإذا فشلت إسرائيل فيجب أن يكون في المقابل طرف منتصر.. لان الفشل نجم عن كفاءات حزب الله التي فاجأت إسرائيل. ثم انه إذا وجهنا سؤالاً لأي مسؤول إسرائيلي: لو كنت تعرف مسبقًا أن نتائج الحرب ستكون كما تبينت عندما ألقت أوزارها، هل كنت تؤيد شنها، لأجاب قطعًا لا.
بالنسبة للتحليل الأعمق، أقول أولاً أن حزب الله لم يتوقع الحرب وباعتقادي أيضًا أن إسرائيل لم تتوقعها، لم تتوقع أن ينشأ وضع تلتقي فيه مصالح الجيش الإسرائيلي والولايات المتحدة وبعض النظام الرسمي العربي لشن حرب واتخاذ قرار بها خلال ساعات. إذا ما لم تتوقعه إسرائيل عن ذاتها صعب على حزب الله أن يتوقعه نيابة عنها. الأهم من هذا، ان حزب الله ، لدى تصوره حربًا كهذه، كانت لديه توقعات عن سير هذه الحرب وقد أصابت. لقد توقع أن تعتمد الحرب على القصف الجوي.. إسرائيل بالمقابل فوجئت من قدرات حزب الله القتالية ومن بعض الأسلحة التي في حوزته.. أي أن الطرف الذي قرر شن الحرب نقصته معلومات عن خصمه فيما لدى الطرف المدافع كانت معلومات افضل عن خصمه. أي أن الفشل الإسرائيلي كان استخباراتيًا وميدانيًا معًا. ثم القضية السياسية - منذ الأسبوع الثاني للحرب بدأ يرتسم في ذهن الإنسان العربي انتصار على الهزيمة، على الشخصية العربية المهزومة، على الجرح وعقدة النقص تجاه إسرائيل. هذا النجاح داوى جرحًا مفتوحًا وروى نفوسا عطشى في كل الوطن العربي، وبالتالي الحماس يزيد عن معياره أحيانا لأسباب تاريخية حضارية مفهومة لجيلنا... ثمة انتصار على عقدة نقص.. فإذا كان بمقدور بضعة آلاف من الشباب العرب أن يقاوموا ببسالة فهذا تأكيد على أن لا عطب وراثيا أو ثقافيًا عربيًا إنما العطب هو في الأنظمة وشكل تنظيم الجيوش العربية.. إذا تحرر العرب من «العقدة» فسيكون هذا الانتصار الأعمق.
لكن لننتبه أيضًا، ولتفادي المبالغة إلى أن الحرب لم تكن بين جيشين.. ولننتبه إلى التقليل من قدرات الجيش الإسرائيلي وترسانته العسكرية.. لدى إسرائيل مؤسسات أمنية تجري تقويمات لما يحصل.. لنحذر من الدخول في حال من الانتشاء.. واعتقد أن القوى اللبنانية الوطنية الحقيقية لا تنتشي على الخراب والدمار..
من يحب وطنه لا يمكن أن يشعر بانتشاء وهو يرى التدمير الذي ألحقته آلة الحرب الإسرائيلية بوطنه.. لقد اضطر حزب الله إلى قبول القرار الدولي 1701على رغم تحفظاته الكثيرة، لرغبته في حقن الدماء ولإدراكه انه جزء من المجتمع اللبناني، ليس كل المجتمع وهو مصغٍ لما يدور فيه.
٭"فصل المقال": لم تتطرق إلى القيادة السياسية هنا في إسرائيل ومقارنتها بقيادة حزب الله.. أي إلى ما يبدو تهورًا إسرائيليًا مقابل تروٍ في الطرف اللبناني؟
- بشارة: ثمة فارق حقًا لكنه لم يكن العامل الرئيس في حسم نتائج الحرب. نحن أمام دولة يقوم اختيار قادتها على أساس انتخابات برلمانية ، وعادة في مثل هذه الدول، من يقود عملية صنع القرار بالحرب هو جهاز موظفين وعسكريين خبراته متراكمة.. إذ يفترض أن في الجهاز الأمني- العسكري جنرالات - غير منتخبين - وموظفين في وزارة الدفاع لديهم خبرة سنوات كثيرة يصوغون السياسة الأمنية، مع اجهزة المخابرات.. يجب أن لا نغفل هذه الحقيقة.
القيادة السياسية تتحمل كل المسؤولية، لكن في المقابل من فرض رأيه في النهاية في عملية صنع القرار هو الجسم الذي يقوم بالتشخيص والتقويم، في قيادة الجيش. هذا الجسم هو المشخص والمقوّم القومي.. وهيئة أركان الجيش دائمًا كانت أقوى من وزير الأمن.. وهذا كان دائمًا عبارة عن وسيط بينها وبين وزارة المالية.
المشكلة حصلت عندما التقى رئيس حكومة ووزير أمن، كلاهما مدني يجلسان لأول مرة في الحكم يريدان إثبات نفسيهما ومن هنا ميلهما لقبول توصيات الجيش لكن القرار قرارهما، ولكن في جوهره توصية عسكرية وأميركية. من اخذ القرار بالحرب هم جنرالات تجربتهم كبيرة وطويلة لم ينجحوا في إقناع القيادة السياسية السابقة بقبول اقتراحاتهم. يضاف إلى ذلك الضغط الأميركي فواشنطن اعتقدت أن الفرصة سانحة لتوريط إسرائيل في حرب لخدمة اجندات أميركية تعجز الأدوات العربية عن حسمها.
٭"فصل المقال": من الذي رجح الكفة اكثر إلى جهة إعلان الحرب.. موقف الجيش الإسرائيلي أم الضغط الأميركي أم موقف الأنظمة العربية؟
- بشارة: التقت مصالح الأطراف الثلاثة. الجيش محبط من تزايد القدرة الصاروخية لحزب الله لمعرفة قادته أن مواجهة هذه القدرة ستحصل في كل الأحوال وعليه يفضل أن تقع بمبادرته وقبل أن تشتد وتقوى اكثر.. ثم الضوء الأخضر الأميركي ثم «المفاجأة» في موقف أنظمة عربية التي تمثلت عمليا بالموقف المتواطئ أن لا ممانعة عربية في ضرب حزب الله.
لكن هناك العامل السياسي البارز وهو مسألة فك الارتباط. فالقيادة السياسية ليس لديها رسالة سياسية سوى «فك الارتباط» التي جاءت بنتائج لم ترغب بها مثل وصول حركة «حماس» إلى الحكم ثم قضية اختطاف الجندي شاليط تبعها اختطاف حزب الله الجنديين ما افقد المستوى السياسي أعصابه وصبره الذي رأى أن اجندة فك الارتباط تنهار.. هذا برأيي أدي إلى رد فعل عصبي من قيادة شاملة فضلاً عن أن الأميركان والقيادة العسكرية الإسرائيلية ضغطوا إلى جهة شن حرب شاملة.
٭"فصل المقال": هل يمكن القول أن أقطاب الحكومة قليلو الخبرة السياسية والعسكرية فقدوا البوصلة؟
- بشارة: لا.. فقدان بوصلة لها علاقة بعدم تمييز العدو من الصديق... هنا للمستوى السياسي رؤية واضحة إذ يرى في حزب الله خطرًا وان الخصم الاستراتيجي الكبير هو إيران. سوء التوقيت وعدم رؤية مدى جهوزية الجيش والعنصرية التي تغشي الأعين عن رؤية قوة حزب الله والمجتمع اللبناني ومدى تصميمه ما يدل إلى انهم في أزمة بنيوية من ناحية بنية الجيش وعملية صنع القرار وغيرهما.
*"فصل المقال": وحزب الله في رأس أولويات إسرائيل؟ ليس إيران؟
- بشارة: أولويات إسرائيل الأمنية تلتقي مع أولويات أميركا السياسية. لا شك أن إسرائيل ترى إلى وجود مثل هذه البنية الصاروخية عند حزب عقائدي مقاوم، ليس عند دولة، خطرًا كبيرًا.. علمًا أن حزب الله لم يعلن ذات يوم انه يريد سلامًا مع إسرائيل.. هذه الرؤية الأمنية الإسرائيلية التقت مع الاجندة السياسية الأميركية التي لا ترى في حزب الله خطرًا على مدنها، إنما ترى فيه العائق السياسي الاجتماعي الداخلي أمام تحويل لبنان كليًا إلى حظيرة أميركية - إسرائيلية.
٭"فصل المقال": ما هو دور عمير بيرتس في هذه الحرب؟
- بشارة: بيرتس يجسد أزمة حزب «العمل»، أولاً قبوله بمنصب وزير الأمن ما وصف انه محاولة من أولمرت لتحويله إلى «كاريكاتير» وزير ضعيف أمام جنرالات أقوياء. وفي هذه الحرب سعى بيرتس إلى تغيير هذه الصورة بالنأي بنفسه عنها.. عبر تصريحات ماتشوية (رجولية) وتوزيع التهديدات يمنة ويسارًا وهذا يجعله أداة اكثر مطواعية في أيدي الجنرالات.
من ناحية أخرى فإن وجود بيرتس في وزارة الأمن و»العمل» في الحكومة في هذه الأجواء تسبب في عدم وجود أية معارضة حقيقية في إسرائيل للحرب.. حتى اليسار الصهيوني انضوى تحت «الإجماع» ونذكر إن يوسي بيلين دعا في البداية إلى ضرب سورية.. فقط في الأسبوع الأخير، ومع وصول الأخبار عن حال الجنود في جبهة القتال وعدد القتلى صحا «اليسار الصهيوني» ليقينه أن لا إنجاز عسكريًا بل ضحايا بالجملة ومن هنا معارضة المعركة البرية.
وجود بيرتس في وزارة الأمن أعطى غطاء دوليًا للحرب.. وبرأينا إن بيرتس يتحمل المسؤولية عن المجازر ففي نهاية الأمر هو من صادق على تنفيذها.. هو القاتل بحسب القانون الدولي.. نحن نقول بوضوح أن بيرتس هو القاتل كما كان شارون هو القاتل في مجزرة صبرا وشاتيلا، ليس بمعنى أنه قتل بيديه بل بمعنى انه على رأس الهرم الذي يتحمل مسؤولية القتل..
بيرتس وأولمرت أعطيا الأوامر بقصف المناطق المأهولة بوحشية. هذه جرائم حرب. هناك وزراء في إسرائيل خرجوا على رؤوس الاشهاد مطالبين بتسوية القرى اللبنانية مع الأرض قبل دخولها. بيرتس هو من بث الانطباع والوهم بأن هذه الحرب ستنتهي بضربة سريعة كاسحة.
٭"فصل المقال": بمنظار محلل، ما مصير بيرتس السياسي؟
- بشارة: قلت عند انتخاب بيرتس زعيمًا للعمل أن هذا الانتخاب بحد ذاته دليل أزمة في حزب «العمل» ... فهو لا يستحق أن يكون زعيم الحزب لكنه حاز على منصبه بعد أن جاء إلى الحزب باجندة اجتماعية في وقت لم تكن لدى الحزب اجندة سياسية بعد الانهيار الذي أوصل باراك الحزب إليه. أما بعد أن اصبح وزيرًا للأمن، وقضى على الاجندة الاجتماعية في هذه الحرب الجنونية، فمن الواضح انه فشل على الصعيد الشخصي، فضلاً عن فشل حزب العمل الذي حاول أن يتمايز عن «كاديما» بالاجندة الاجتماعية. الآن ليس لدى «العمل» شيء ليقدمه للإسرائيليين سياسيًا فهو ذنب لكاديما.. ولقد انتبه بيرتس إلى هذه الحقيقة وفجأة أطلق تصريحات حاول فيها التقارب من سورية والتفاوض معها ما دفع بأولمرت إلى إخراسه وقمعه باعتبار سورية ضلعًا في «محور الشر» لا ينبغي التفاوض معها، لأن هذا قرار أميركي...
٭"فصل المقال": هذه الحكومة قامت على أجندة إجتماعية وسياسية. الآن بعد الحرب تسقط الأجندة الاجتماعية لمصلحة ميزانية الأمن فيما السياسية تقوم على خطة أولمرت لفك الارتباط التي يعارضها حتى نواب كديما... أي أن هذه الحكومة غدت من دون أجندة؟
- بشارة: هذه الحكومة ستكون حكومة إدارة أزمات وستكون بمثابة «الوحش الجريح» ستقوم بمغامرات عسكرية (اغتيالات) وستسلط جزءً كبيرًا من العنصرية المتزايدة في الشارع الإسرائيلي علينا نحن في الداخل. ستنشغل هذه الحكومة كثيرًا بإسقاطات الحرب من لجان تحقيق وإعادة بناء الجيش ومصير قائده حالوتس.
أتوقع أن يقوم أولمرت قريبًا بزيارة إلى واشنطن لإعادة الاعتبار لنفسه من خلال استقباله في البيت الأبيض. ليس لدى الحكومة أجندة جديدة أو معادلة سياسية جديدة. ما ينذر بأننا سنكون إزاء حكومة إدارة أزمات خطيرة، اجتماعيًا-تقليص عميق في الميزانيات لتعويض كلفة الحرب، وسياسيًا. تصعيد الممارسات الوحشية في قطاع غزة والضفة الغربية والتحضير لمغامرات أخرى ضد سوريا ولبنان.
٭"فصل المقال": كيف ستنعكس نتائج الحرب على الحرب الإسرائيلية المستمرة على الشعب الفلسطيني في مناطق العام 1967
- بشارة: الفلسطينيون يرون الآن ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية لمواجهة التطورات. السؤال هل ترد إسرائيل على ذلك بإطلاق مفاوضات ويكون في ذلك عجلة انقإذ لها نفسها لأنها تخفف عنها الكثير من الضغوط. كان مثل هذا القرار يحتاج إلى حكمة هائلة، من قيادتها لا ادري إذا كانت متوفرة.
٭"فصل المقال": وماذا عن مشروع الشرق الأوسط الجديد للرئيس الأميركي؟
-بشارة: لندع المسميّات. هناك مشروع أميركي عدواني على المنطقة بغض النظر عن تسميته يبغي إلى ضرب محأور وتفتيت دول وهوية عربية في المنطقة على نحو يخدم مصالحها. بعد أحداث أيلول 2001سمت مشروعها «دمقرطة المنطقة» أي لمكافحة الإرهاب وإشاعة الديمقراطية ولهذا معنى واحد «ابداعي» وسخيف وكارثي أن الاستبداد يفرّخ الإرهاب ومن هنا «اختراعها» بأن تصدير الديمقراطية ينسجم مع المعركة ضد الإرهاب. هذا المشروع أدى إلى ما نراه الآن في أفغانستان والعراق. ولم تنتج ديمقراطية ولم تقدم برنامجًا تقبل به شعوب المنطقة. وأكثر من ذلك، في الحالات التي حصلت فيها انتخابات ديمقراطية خسرت فيها الولأيات المتحدة: العراق، مصر، لبنان، فلسطين.
السياسة الأميركية تقوم على عدة عناصر وتيارات داخلها.. كتبت مطولاً في الفترة الأخيرة أن «المحافظين الجدد» فشلوا في تحقيق برنامجهم ما دفع بـ»المحافظين الواقعيين» أمثال تشيني ورامسفيلد إلى القناعة بأنّ إشاعة الديمقراطية الأميركية ليست الحل والعمل على استعادة زمام المبادرة في تعزيز العلاقات مع أنظمة محافظة في المنطقة حتى أن لم تكن ديمقراطية لكنها مؤهلة لتحالف إذا وقفت مع الولايات المتحدة. وقد رأينا أخيرًا واشنطن تعيد الاعتبار لبعض الأنظمة العربية.
نحن الآن إزاء وضع لم يخفف فيه الآفاق في لبنان من عدوانية المشروع الأميركي تجاه سورية وإيران. وبعد الفشل الإسرائيلي ما زال الأميركان يبحثون عن وسائل لضربهما وضرب حزب الله... أي انه رغم خيبة الأمل الأميركية من الأداء الإسرائيلي والاعتقاد أن إسرائيل أكثر حزمًا وخبرة لمواجهة التهديد المتمثل بحزب الله، سيبقى الرهان الأميركي على إسرائيل قائمًا في كل الأحوال.
٭"فصل المقال": هناك من يرى ان نتائج الحرب الإسرائيلية على حزب الله ستضطر أميركا إلى إعادة النظر قبل توجيه ضربة عسكرية لإيران.. هناك من يرى ان المس بهيبة الردع الإسرائيلية هو أيضًا مساس بهيبة الردع الأميركية مقابل إيران؟
-بشارة: هناك عسكريون أميركيون يرون أن الحرب الإسرائيلية على لبنان كانت بمثابة مقدمة للضربة الأميركية المتوقعة على إيران، لرؤيتهم أن استحكامات حزب الله هي نتاج خبرة إيرانية وان سلاح الجو الإسرائيلي هو سلاح جو أميركي.. أي أن الحرب كانت جولة تجريبية.. لكن لنتخيل الآن أن الاستحكامات في إيران أعمق بكثير منها في لبنان ولدى إيران أسلحة وصواريخ مضادة للطائرات وطائرات الخ.. هذا عدا حقيقة أن أيديولوجية حزب الله ليست أيديولوجية لبنان كله فيما الشعب الإيراني كله يقف وراء النظام في مسألة التصدي لعدوان أمير كي... هناك أيضًا وحدة إيرانية في مسألة السلاح النووي.
لا شك أن واشنطن ستدرس «تجربة إسرائيل» لكنني أشكك في ما إذا كانت ستتراجع عن مخططاتها.. ليس واضحًا بعد أن الخطوة الأميركية ستكون حربًا على إيران وإذا كانت حربًا فستستخلص أميركا العِبر من الحرب الإسرائيلية، لكن يمكن أن ينشأ وضع تعيد فيه واشنطن، ربما بعد عهد بوش، النظر في علاقاتها مع إيران لأنّ شن حرب إيران بالإضافة إلى تثوير جزء أساسي من العراق ضد أميركا نتيجة الحرب على إيران ليست بمسألة سهلة ولا تقتصر على رفع أسعار النفط في العالم، بل ذات اسقاطات هائلة على المنطقة كلها. حرب كهذه لن تكون كالحرب على العراق المنهك أصلاً من النظام السابق. إيران بلد متماسك أكثر من حيث هويته. يضاف إلى كل ذلك تردد أوروبا في الذهاب وراء أميركا بعمى بصيرة.
نموذج الحرب على صربيا والعراق يختلف في الحالة الإيرانية. هناك عانى البلدان من تصلب حاكميهما ولم يكن أي منهما مستعدًا لدفع ثمن تصلب الديكتاتورية، لكن في إيران الوضع مختلف، كما ذكرت. أيضًا يختلف الوضع في حال قررت أميركا شن حرب برية على إيران، ضد جيش نظامي.. وقد رأينا، في لبنان والعراق، ان السلاح المضاد للدروع يشكّل عبئًا حقيقيًا على الجيشين الإسرائيلي والأميركي.
٭"فصل المقال": هل نتوقع تعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة، في أعقاب نتائج الحرب على لبنان؟
- بشارة: النفوذ الإيراني في حال تعاظم نتيجة غياب دولة عربية قوية ذات مفهوم وتصور للأمن القومي، نتيجة الفراغ الذي خلفته حالة التشرذم العربية والتبعية للولايات المتحدة والتنافس على ارضائها ونتيجة لغياب مفهوم الأمن القومي ولعدم وجود دول عربية إقليمية كبرى. كل هذا تسبب في فراغ أتاح لإيران دخوله، كدولة كبيرة ونفطية هويتها القومية مسألة محسومة. ولديها علاقات خاصة تربطها بأجزاء من الأمة العربية في الخليج والعراق ولبنان... لكن مع هذا ثمة فارق بين زيادة النفوذ الإيراني وبين أن تتحول أية أجندة عربية تلتقي معه إلى صنيعته. فالمقاومة اللبنانية ليست صنيعة إيران. هناك شيعة عرب كان بإمكان سياسات قومية عربية حقيقية أن تستوعبهم لكنها غير موجودة الآن، ولذا تبدو إيران مستفيدة. الشيعة في لبنان، علاقاتهم راسخة وقديمة مع اليسار والقومية العربية كما أنهم لم يصطدموا بدكتاتوريات عربية تبنت الأيديولوجية القومية مثل صدام حسين ولا بحركات أصولية، ولذلك ليس لديهم تشنج طائفي. كل هذا بمعنى انهم ليسوا حالة متشنجة، بل متصالحة مع التعددية المذهبية ومع الهوية العربية.
٭"فصل المقال": هل نتوقع، في المقابل، ان يحاسب الشارع العربي الأنظمة التي تواطأت مع إسرائيل؟
- بشارة: لم يحصل ان أدى موقف شعبي احتجاجي من قضية واحدة إلى قلب نظام خصوصًا في غياب تنظيمات سياسية تطرح نفسها بديلة للنظام. قضية لبنان لا تترجم نفسها لمشروع سياسي في مصر أو في الأردن... هذا قد يكون قشة تقصم ظهر البعير... الحالة في لبنان يمكن اعتبارها كلاسيكية. الجانب السلبي فيها كان من ناحية الوحشية الإسرائيلية والجريمة في ظل تواطؤ عربي وليس فقط تفرجًا، أما الجانب الإيجابي فتمثل في أن الشعب المضطهد لم يكن مجرد ضحية، بل ناضل وقدم نموذجًا فيه أمل ويبعث على أمل.
هناك فرق بين التضامن مع ضحية وبين التضامن مع ضحية تناضل وأيضًا تحقق انجازات تسمى انتصاراً... هذان العنصران لازمان للعمل السياسي، التضامن وحده مع الضحية يأتي عادةً في تفريغ غضب في الشارع بينما التضامن مع ضحية عدوان تورط فيه النظام العربي مختلف تمامًا. لذلك برأيي أن السنوات المقبلة حبلى بتغييرات خصوصًا إلى جهة دحر الإحباط. نتمنى أيضًا أن يكون استنتاج لدى آخرين بأنّ حزب الله يشكّل نموذجًا ليس أصوليًا، إنما يشكل نموذجاً سياسياً دينياً منفتحاً، حتى في القضايا الاجتماعية، منفتح على غيره، على التعددية السياسية في بلده. له خطاب سياسي عقلاني يعتمد على التحليل لا العاطفة.. خطاب فيه الكثير من القيم، من مساواة وأخلاق وغيرهما. ليس فقط ثقة بالنفس وبالهوية وبالحضارة العربية الاسلامية إنما أيضًا بالأخلاق الكونية والخطاب العقلاني. ومع ذلك يبقى حزبا مذهبيا لا يقدم بديلا ومشروعا للمجتمع ككل، هذه قوته وهذا ضعفه .
٭"فصل المقال": كثيرون استذكروا، هذه الأيام، القائد خالد الذكر جمال عبد الناصر..
بشارة: باعتقادي هذه غلطتنا... كنت أشرت في مقالي الأخير ان هذا يسيء إلى عبد الناصر وإلى السيد حسن نصر الله. يسيء إلى عبد الناصر لأن تقديس شخصيته كان من أسباب الإحباط الذي حصل بعد عام 1967. لقد حوّلوا شخصيته إلى أيقونة وعندما ذهبت هذه الشخصية حصل فراغ هائل، لأن تحت الشخصية المقدسة كان جهاز مخابرات وفاسدون من كل الأنواع.. وبرأيي أن عبد الناصر نفسه لم يكن مرتاحًا لهذا، في السنوات الأخيرة من عمره. وبرأيي أن هذا هو الجانب المغلوط في المشروع القومي وأحد نقاط ضعفه.
ثمة إساءة لقيادة المقاومة اللبنانية بتحويل السيد حسن نصر الله إلى زعيم فرد.. لأن من أهم ظواهر حزب الله. انه حزب. أهم مظهر لحزب الله ليس حسن نصر الله إنما الحزب الذي انجب نصر الله. حزب له تنظيم داخلي وتكوين اجتماعي وقاعدة شعبية وله مؤسسات تختار شخصيات للقيادة. نتمنى للسيد حسن عمرًا مديدًا ومزيدًا من المساهمة، لكن وراءه حزب ووراء هذا الحزب شعب الجنوب والبقاع وبعلبك والضاحية، شعب بهذا الوعي وهذا الانضباط وهذا التسامح نكاد لا نجد أمثاله.
الشعب انجب المقاومة، والمقاومة أنجبت هذه القيادة، من أمثال حسن نصر الله. المشروع ليس مشروعًا فرديًا وأيقونة فردية وشخصية مقدسة دينيًا. لسنا بصدد وامعتصماه..
المسألة هي وجود مشروع سياسي يُعبر عنه بأفكار ومشاريع وأحزاب وتعددية وغيرها. كل هذا لا يقلل من الدور الأساسي لشخصية القائد، وفي حالتنا نصر الله. في مثل هذه المرحلة الفرد يعطي الكثير، خصوصًا في مرحلة التأسيس وحسن نصر الله هو من القلة التي أسست حزب الله، وفي هذه المرحلة دور كبير للفرد وفكره وتواضعه وثقافته.
٭"فصل المقال": لستَ عسكريًا لكنك توقعت جازمًا، ومنذ بدء الحرب ان حزب الله لن يهزم أمام اعتى آلات الحرب؟
- بشارة: لست بحاجة أن تكون عسكريًا.. تكفي دراسة ما حصل. خلال ست سنوات نشط هذا الحزب من دون وجود احتلال.. ازدادت قوته وتوسعت صفوفه بل تضاعفت قوته. بنى استحكامات تحت الأرض. الحزب كان واعيًا لما ينتظره واستعد لذلك. عمل بذكاء ولديه رجال استعدوا جيدًا.. حزب حوّل المقاومة إلى ثقافة.. هو حالة شعبية واجتماعية ونضالية مماسسة لا يمكن هزمها.
٭"فصل المقال": في نهاية المطاف، اتخذ مجلس الأمن الدولي قراراً لا يمكن توصيفه بأقل من سيء.. إذا ما تم تنفيذه بحرفيته فإنه لن يبقى من حزب الله سوى الاسم؟
- بشارة: القرار فعلاً سيء جدًا. ثم أن حزب الله قبل به مع تحفظاته من اجل وقف النار. لا أرى أي جانب إيجابي في القرار. القضأيا الكبرى هي المطالب الإسرائيلية - الأميركية المعروفة من السنوات الأخيرة خصوصًا تحقيق القرار 1559 لنزع السلاح عن حزب الله. هذا القرار أسوأ من قرار 1559. القرار السابق تحدث عن ميليشيات بينما القرار الجديد يذكر حزب الله بالاسم.. هذا أسوأ لأنه يعطي أدوات لتنفيذ قرار 1559: قوات دولية، منع تزويد حزب الله بالأسلحة ومعاقبة المزود. 1701بدأيته سيئة ونهايته سيئة. منطلقه سيء ونواياه سيئة. كل شيء فيه سيء. انه يسلم من بدايته بالرواية الإسرائيلية حول ظروف شن الحرب.. ثم غاية القرار هي غاية إسرائيلية وهي تجريد حزب الله من الأسلحة. القرار إسرائيلي يعطي إسرائيل، بختم دولي، ما لم تحققه في الحرب. أميركا تفعل ما تستطيع في مجلس الأمن وليست بحاجة إلى حرب لاتخاذ أي قرار تريده. أصلا قرار 1559 اتخذته أميركا وفرنسا بلا علاقة بأي حرب.إذا 1701 ناجم عن موازين القوى في مجلس الأمن..
السؤال الآن من سينفذ القرار.. إسرائيل حاولت بآلتها العسكرية التدميرية لكنها فشلت. إذا من سينفذه بالقوة؟ هل ينجح غيرها في ما فشلت إسرائيل فيه. اشك في ذلك.
اعتقد انه من الصعب تنفيذ هذا القرار خارج معادلة النقاش اللبناني، أخشى أن يؤدي هذا النقاش إلى احتكاكات وهذا ما لا نرجوه لأنها لو حصلت ستكون كارثية. من المهم منع تطور أي شروط لفتنة في لبنان.
٭"فصل المقال": ثمة من يعتقد ان فشل الحكومة الحالية سيعيد، في الانتخابات المقبلة، الجنرالات إلى سدة الحكم لما يتمتعون به من شعبية في أوساط الإسرائيليين..
- بشارة: لا اعتقد ذلك. انتبه إلى أن الحرب عززت شعبية ليبرمان ونتانياهو ولم يكن أي منهما جنرالاً. بالعكس.. التركيز سيكون على تحميل دان حالوتس المسؤولية. المسألة تتعلق بثقة القيادة السياسية بنفسها ومواقفها وبما تتلاءم مع المزاج الشعبي السائد الآن وهو مزاج متشدد بعد الحرب، مزاج شوفيني عنصري قومي.
لننتبه أيضًا إلى انه إلى الآن لم يطرح، لا داخل الحكومة ولا خارجها مشروع سياسي جدي يستقطب الرأي العام باتجاه حلول أخرى. لم اسمع أحدا يقول أن الخطيئة الكبرى ارتكبها باراك وشارون اللذان اغلقا باب التفاوض مع سورية والسلطة الفلسطينية.. اعتماد السير في طريق والإملاءات من طرف واحد. لم يطالب أحد من المسؤولين بإعادة التفكير في هذه السياسة. وانهمك الجميع في مسائل فنية حول أسباب الفشل.
لن تفيد إسرائيل أية لجنة تحقيق.. ستكشف اللجنة وغيرها أن الإسرائيلي «المقاتل - المزارع- العسكري» ذهب ولن يعود وانه لا يمكن خلق إسرائيلي جديد غير الإسرائيلي الحالي. مائة لجنة تحقيق لن تغير طريقة عمل القيادة السياسية أو العسكرية أو في سلاح الجو الناجمة عن اختلاط ثقافة دينية مع ثقافة عالم ثالثية مع صهيونية ومع مجتمع استهلاكي. هذا ليس «المزارع الطلائعي المقاتل». هذه هي المعطيات.. وأمام إسرائيل خيار إبادة العالم من حولها بالسلاح النووي - وعندها يُسأل السؤال عالميا عن شرعية هذا الكيان ومواصلته العيش على سيوفه - أو خيار إعادة النظر في السياسة المطلوبة والإدراك أن إسرائيل لا تستطيع أن تبيد المنطقة بأسلحتها النووية وبطيرانها، وبأن حربًا برية لن تمنحها انتصارًا لان الإسرائيلي ليس «سوبرمان» في مثل هذه الحرب، أي خيار استنتاج النتائج الصحيحة، ولا يبدو أنها تتجه نحوه.
ولا تنتبه إسرائيل أيضًا إلى حقيقة أن حربًا من هذا النوع تبعد العرب عن السلام. برأيي أن العربي الذي كان يفكر حتى الآن بالجلوس مع إسرائيل بات يخجل من حوار أجراه معها في الماضي. ثمة سوء تقدير إسرائيلي لأثر مشاهد الأطفال القتلى والقرى المدمرة على الذات العربية..
اليوم الشعوب العربية أقل جاهزية لتقبل سلام مع إسرائيل مقارنة بما كان قبل شهر.
٭"فصل المقال": إسرائيل ليست مدركة لهذه الحقيقة؟
- بشارة: بالعكس.. هي تعتقد أن العرب يقرعون أبوابهم للحوار، مثل سورية. تعتقد أن سورية متلهفة للحوار. لا تدرك إسرائيل جدية خطاب الرئيس الأسد الذي يتوافق مع المزاج الشعبي في سورية. الشعوب العربية لا تريد الآن أن تسمع عن تسوية مع إسرائيل.
إسرائيل في المقابل تعاني عدم فهم بشكل مطلق لهذه الحقيقة، مثلما منعتهم العنصرية من فهم أن حزب الله سيصمد في مواجهة إسرائيل وانه تنظيم جديد.. غرور إسرائيل يحول دون فهم أركانها حقيقة الوضع.. حقيقة أن أحدا لم يعد يبحث عن استرضائها..
٭"فصل المقال": الأسد في خطابه الأخير بدا أسدا آخر عما عرفناه من قبل؟
- بشارة: لا.. هو بشار الأسد نفسه. خطابه يندرج في منهجيته. خطاب يتبناه منذ توليه الحكم.. خطاب أثار لهذا السبب حنق زعماء عرب.. رهانه على الانتفاضة الفلسطينية كان واضحًا، وكذلك رهانه ضد العدوان الأميركي على العراق، خلافًا لكل الأنظمة العربية الأخرى. لذا أثار الغضب عليه من أميركا وفرنسا وبريطانيا والأنظمة العربية.. الموقف الذي يؤسس عليه الرئيس الأسد يقول أن إسرائيل فهمت خطأ رغبة سورية بالسلام واعتقدت أن سورية تقبل بسلام بشروط إسرائيلية.
يرى الرئيس الأسد انه طالما يخضع السلام لموازين القوى فإنه لن يكون عادلا، ولا بد أن يخاطب العرب إسرائيل من منطلق قوة وليس ضعف. هذا فكره وعقيدته.. إما انه كان صريحًا اكثر في خطابه الأخير، فهذا صحيح... إن المقاومة رفعت معنوياته.. هذا صحيح أيضًا. لكن ليس صحيحًا الادعاء إن سورية استغلت نصر المقاومة لمصلحتها، ليس صحيحًا أبدا. المقاومة تقر أيضًا أنه من دون دعم الأسد ما كان ممكنًا أن تصمد.
٭"فصل المقال": لكن يؤخذ على الرئيس الأسد انه تبنى لنفسه - لسورية انتصار المقاومة..
- بشارة: سورية دفعت وتدفع ثمن موقفها الداعم لحزب الله. تحملت وتتحمل عزلة دولية وضغطًا دوليًا هائلاً وتهديدات وحصارًا سياسيًا على خلفية مساندتها حزب الله.. ومع هذا هي من تمد حزب الله بالإمدادات.. والمقاومة اللبنانية تقر بالثمن الذي دفعته سورية..
٭"فصل المقال": هل رفض الأسد حقًا اغراءات سياسية لقاء تنازله عن دعم المقاومة؟
- بشارة: نعم.. حاولت أميركا فتح حوار مع سورية خلال الحرب بغية إحداث شرخ في مثلث سورية - إيران - حزب الله. ولكن الجميع يعرف ما المعروض على سوريا مقابل وقف دعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية. الرئيس الأسد يؤمن بما يقول.. منذ عام 2000 يوجهون اتهامات متنوعة لسورية بالتراجع...سورية لم تتراجع عن ثوابتها.
٭"فصل المقال": خطاب الأسد تضمن تحذيرًا لإسرائيل من شن هجوم على سورية؟
- بشارة: واضح أن خطابه تضمن تحذيرًا لإسرائيل من عواقب مغامرة قد تقدم عليها ضد سورية، وان سورية سترد لأنها ترفض تغيير مبادئها، من خلال «تلميح إسرائيل بقوتها العسكرية»، لا في مسألة دعم المقاومة اللبنانية ولا في قضية دعمها المقاومة الفلسطينية ولا في مسألة رفضها الهيمنة الأميركية في المنطقة، وانه إذا ما تم الاعتداء على سورية فأنها مستعدة للمواجهة. وهو في ذلك يعكس رأيا عامًا سوريًا. لسنا أمام زعيم يجر شعبه إلى مكان يرفض الذهاب إليه كما حصل مع صدام حسين أو ميلوسوفتش. نحن أمام زعيم يعكس بالضبط الرأي العام السوري بل هذا الأخير عاتب لعدم خوض سورية المواجهة الآن، حتى من قبل جهات تنتقد عادة النظام. لهذا اشدد على أن مواقف الأسد تعكس تمامًا الرأي العام السوري. سورية هي الطرف المتهم، المحور المتهم بدعم المقاومة الذي تحمله إسرائيل والغرب المسؤولية، وهذا ما دفع بيلين إلى المطالبة بتوجيه الضربة الكبرى لسورية..
٭"فصل المقال": ألم يبدُ الرئيس مندفعًا اكثر من اللزوم..
- بشارة: لا.. أنا ادعي أنني اعرف الرئيس الأسد شخصيًا اكثر ممن يدعون انه مندفع.. ما قاله في خطابه هو موقفه. الرئيس الأسد يعتقد ان الوهن العربي لا يحقق حلا عادلاً للصراع، بل الحلول العادلة تحققت عندما كان العرب في مركز قوة، مثل حرب 1973. هو يؤمن انه لن يتحقق شيء للعرب من موقع ضعف. وفي هذا الموقف كرامة قومية واضحة.
٭"فصل المقال": تطرقت سابقًا إلى احتمال ان تفرغ الحكومة الإسرائيلية جملةً من أحقادها العنصرية على عرب الداخل؟
- بشارة: معروف انه في حال الحرب تزدهر الشوفينية مثل انتشار الجراثيم في المستنقعات.. القومجية تزدهر في حالات الحروب.. يزداد التحريض على الأقليات.. كم بالحري إذا كانت الأقليات قومية جزء من الشعب الذي تحاربه.. هذه حالة كلاسيكية لما يسمى «الطابور الخامس». هذا التعبير وغيره استعمل في أوروبا في حالات مختلفة. لكن في حالتنا ثمة اجندات للبعض لما بعد الحرب.. من اقتراحات قوانين تضع شروطًا للمشاركة في اللعبة السياسية. نحن لسنا أقلية قومية من هذا النوع.. نحن سكان أصليون، وهم يريدوننا أن نتعامل كأقلية قومية تبحث عن الاستكانة والهدوء.. في اكثر الحالات يطلبون منا موقفًا من الحرب وفي أسوأها أن نقف مع الحرب، مثلما يفعل بعض الخونة العرب الذين يزايدون ويظهرون للأسف على فضائيات عربية..
اكثر ما تتحمله المؤسسة الحاكمة هو موقفنا من السلام، لكن ان تكون نفسيًا وروحيًا مع الضحية وتبدي مشاعرك وأنت ترى القتل والتدمير في لبنان وتتضامن مع أهله ولا تستطيع أن تقارن حجم الدمار في كريات شمونة لما تعرض له الشعب اللبناني والأطفال، أو ان تكون نموذجًا ناجحًا في مخاطبة الأمة العربية. عقلية المؤسسة لا تتحمل ان ثقافتنا واكلنا وشربنا وغناءنا، هنا في الشمال وهناك في جنوب لبنان، نفسها. هذه نفسية الوطنيين الحقيقيين. نحن نختلف عن أولئك الوشاة الذين يتملقون للمؤسسة بأن ثمة فرقًا بيننا وبينهم..انهم هم ضد الحرب بينما نحن في التجمع مع حزب الله.. وهناك من يروج بحقارة وكأن التجمع يتلقى أموالا من حزب الله.. وأننا نتعاون مع حزب الله وعدا ذلك من وشايات حقيرة.
نحن حزب يمثل تيارًا ديمقراطيًا ليبراليًا متنورًا قويًا يُحسن التفريق بين الأنظمة المتعاونة وبين من يدافع عن بلده من دون ان يكونوا أصوليين أو متطرفين...
نحن نشم رائحة تحضير ملفات، وقد أعلن أحد اتباع المؤسسة الحاكمة من العرب على الملأ انه يتم تحضير ملفات لنا.. اقول بتواضع ان موقفنا كان واضحًا للغاية منذ اليوم الأول من الحرب..وتحليلنا المبكر والصحيح كان له تأثير عربيا، في الأسبوع الأول الصعب. قلنا ما نؤمن به ولمسنا أننا نعبر عما يختلج في صدر شعبنا هنا، وقد لمسته في مشاركاتي في الجنازات في عبلين والمغار وترشيحا والناصرة وغيرها. الناس فهموا حقيقة ان هناك طرفًا يصر على مواصلة الحرب واخر موافق على وقفها. لمسنا تقديرًا لمواقفنا..
اليمين واليسار على السواء شنّا حملة عنصرية على رفيقينا جمال زحلقة وواصل طه ردًا على موقفيهما.. وتحول الكنيست من برلمان إلى سيرك يدعم الجهد الحربي.. لقد خص جميع نواب الأحزاب الصهيونية جزء من خطاباتهم للتحريض علينا.. فعلوا ذلك بحثًا عن "كبش فداء" لذلك علينا ان ننتبه لكل ذلك ونكون مستعدين..