شاهد حيّ على خواطر شاهد عيان للدكتور : محمد الزعبي "

                     

                                                                        محمود جديد 

    - كنت متردّداً في التعليق ، أو الردّ على الدكتور : محمد الزعبي ، ولكنّ الالتزام الذي حدّدته لنفسي منذ زمن طويل بعدم السكوت عن أيّ ظلم يتعرّض له أيّ رفيق عارض ارتداد حافظ أسد عن الخطّ الثوري لحركة ٢٣ شباط في سورية ، آو ناضل ضدّ نظامه المستبدّ الفاسد وتعرّض لظلمه ، وخاصة الذين فارقوا الحياة الدنيا ، أو أصبح بوضع صحيّ يحول دون الدفاع عن نفسه ، وبغضّ النظر عن موقفه الراهن من حزب البعث الديمقراطي الاشتراكي العربي الذي أنتمي إليه الآن ، ولاسيّما إذا كنت أمتلك المعلومات الكافية للقيام بذلك ،  ولو بالحدّ الأدنى اللازم ، وقد سبق أنْ مارست هذا الدور عدة مرّات في سنوات سابقة ...

  - كنت قد قابلت الدكتور الزعبي على هامش مؤتمر المعارضة في القاهرة في مطلع شهر تمّوز / يوليو / الماضي ، وعندما عاتبته على خاطرته العاشرة التي نشرها ، وتعرّض بها سلباً عن الرفيقين : المرحوم صلاح جديد  ، والدكتور إبراهيم ماخوس ، بدا كأنّه لم يفعل شيئاً ، وفي نهاية الحديث وعد أنّه سيغتنم الفرصة في المستقبل لأنْ يصحّح أيّ التباس حدث ... وهاهي ثلاثة أشهر تمرّ دون أنْ يكتب شيئاً ، ولذلك قرّرت الردّ عليه ، وأفيَ بالتزامي الذي أشرت إليه سابقاً ... وسيكون الردّ وفقاً لتسلسل الفقرات الواردة في خاطرته .

حول البند : ١ :

--------------

بعد أنْ استعرض الدكتور الزعبي الانتقادات التي وُجِّهَت إلى وزارة الإعلام التي كان مسؤولاً عنها ، وذلك قبيل عدوان حزيران ١٩٦٧ يقول : " وبعد أنْ تأكّدت القيادة من عدم اعتراضي على إشراف كلّ من الدكتور :نور الدين الأتاسي واللواء صلاح جديد ( إضافة إلى وزير الإعلام وليس بديلاً عنه ) ، اتّخذت قرارها بذلك . قمت على الفور إلى جهاز الهاتف القريب ، واتصلت على مسمع من الجميع بكلّ من محمد الجندي ( مسؤول جريدة الثورة ) وعبد الله حوراني ( مدير الإذاعة والتلفزيون ) والدكتور ناجي الدراوشة ( رئيس تحرير جريدة البعث ) وأبلغت أنّ عليهم أنْ يتلقّوا تعليماتهم اعتباراً من الآن من كلّ من الدكتور الأتاسي وصلاح جديد ، وأنّ عليهم أنْ يرفعوا من وتيرة وحرارة الضخّ الإعلامي للتوافق مع وتيرة ودرجة حرارة " صوت العرب " وعدت إلى مقعدي ." 

إنّ أيّ قارئ موضوعي يلمس عصبيّة الدكتور الزعبي وذاتيّته المفرطة للأسباب التالية : 

- إنّ الإجراء الذي أشار إليه كان بقرار من قيادة الحزب التي يشارك فيها ، وتمّ بعد تفاعل رفاقي معه وقبوله ، كما ذكر " وضمان عدم اعتراضه " . 

- إنّ الشخصين هما رئيس الدولة والأمين العام للحزب ، والأمين العام المساعد للحزب ، وليسا أقلّ أهميّة منه. 

- مادام كان متحسّساً من هذا القرار الحزبي من أعلى سلطة في الحزب والدولة   ، لماذا لم يعترض على هذا الإجراء عندما طُرِح الموضوع معه مسبقاً ؟  ، لابل وافق على ذلك ، وهذا مايعني قوله " وضمان عدم اعتراضه " فلماذا انزعج من صدوره وتصرّف بردّة فعل انفعالية غير مبرّرة ؟ ولماذا لم يستقل من منصبه في حينه مادام  متضايقاً من هذا الإجراء إلى هذه الدرجة  ؟ ولماذا هذه الفروسية المتأخّرة ؟  

 ٢ - " حول الاستعانة في حرب حزيران ٩٦٧ بالضبّاط السوريين القدامى " : 

  --------------------------------------------------------------------------- 

  يذكر الدكتور : الزعبي بأنّ كلّاً من عبد الكريم الجندي ، ومحمد عيد عشّاوي ، ومحمد رباح الطويل  ( كلّهم فارقوا الحياة )قد تقدّموا باقتراح مشترك لاستدعاء عدد من الضبّاط الكبار القدامى ، ممّن يعرفون هضبة الجولان معرفة دقيقة وتامّة ، وذكر بضعة أسماء " أحمد عبد الكريم ، أمين النفوري ، فهد الشاعر ، أمين الحافظ ." وثمّ جاء الردّ الحازم للواء صلاح جديد " إنّ أيّ ضابط صغير في الجيش السوري يفهم من الناحية العسكرية أكثر من هؤلاء المقترَحين ، وذلك بسبب انقطاعهم الطويل عن الجيش ، وبسبب تطوّر العلوم العسكرية  ." وتعليقي هنا مايلي : أشكّ بدقّة الرواية ، لأنّني أخشى أنْ تكون ذاكرته ( في الثمانين من العمر ) قد خانته بتحديد الأشخاص الذين قدّموا الاقتراح لأنّ اثنين  منهم ضابطان كانا  قادريَن على تقييم الأسماء المقترحة ، وخاصّة عبد الكريم الجندي الذي كان مشهوداً له بذكائه وبخبرته العسكرية  ، وسبق أنْ خدم في الجبهة ، وكان يعرفها جيّداً ، أمّا بالنسبة للأسماء المقترحة الأخرى فلقد كان اللواء صلاح مصيباً في حكمه باستثناء فهد الشاعر لأنّه كان مؤهّلاً عسكريّاً لذلك ،  ومن ناحية أخرى فإنّ توقيت تغيير قيادة الجبهة كان سيّئاً للغاية ، لأنّ تغيير القيادة أثناء المعركة له آثار سلبية للغاية ، وخاصّة في الحالة المعنيّة التي لم يبرز فيها بعد أيّ تقصير من قيادة الجبهة حتى ساعة الاقتراح  ، فالوقت وظروف المعركة لم تكن تسمح بمثل هذا التغيير  ، وما كان سيبدّل شيئاً في مجرى الأحداث حتى ولو تمّ ، لأنّ الهزيمة وقعت بعد  ذلك التاريخ بيوم واحد، ولو كانت الأسماء المقترحة من أمثال : رومل ، ومونتغمري لما كان أيّ منهم قادراً على التأثير في مجرى الأحداث بسبب فوات الأوان حتى ولو كان جالساً في منزله ينتظر صدور الأمر بالتكليف ومستعدّاً لتنفيذه ... 

حول البند الرابع من الخاطرة العاشرة :

---------------------------------------

عندما تكلّم الدكتور : الزعبي عن موضوع استقالة رئيس الأركان ، ووزير الدفاع ذكر ما يلي : " ولمّا كان البديل المطروح لكلّ من حافظ الأسد وأحمد سويداني هو : مصطفى طلاس لوزارة الدفاع ، وعزّت جديد لرئاسة الأركان ، أي أنّ الأمر سيظلّ في إطار التوزيع الطائفي في الجيش ، ذكرت لهم أنّ استقالة حافظ وأحمد لا تعتبر حلّاً للموضوع . إنّ الأمر لا يتعلّق باستبدال شخص بآخر ، ولكن بإصلاحات جوهرية في الجيش ، وهنا سألني أحدهم ( وكان يريد دفعي إلى الكلام في المسألة الطائفية ) ما ذا تقصد بكلامك يارفيق محمد ، فأجبته : لقد قلت ما أردت قوله ، ولا أرغب في أنْ أزيد على ماقلت . وهنا تدخّل الرفيق صلاح جديد ( أو ربّما حافظ الأسد لا أذكر ) قائلاً : لقد قال الرفيق محمد رأيه الخاص، ولا يجوز أنْ نطلب منه أنْ يقول أكثر ممّا يريد قوله . واقع الحال ، أنّ القيادة المشتركة ، رفضت استقالة الاثنين ( حافظ الأسد وأحمد سويداني ) وطالبتهما بالاستمرار  في منصبيهما . في اليوم التالي ، أعاد أحمد سويداني تقديم استقالته مجدّداً ، بينما لم يفعل حافظ مثل ذلك " . 

لم أسمع باستقالة حافظ الأسد من وزارة الدفاع في يوم من الأيّام ، ولا يعني نفيها بالمطلق ، ولكن ما يهمّني قوله هنا ، لماذا يا دكتور الزعبي لم تذكر اسم مَنْ سألك ؟ وكان يريد دفعك للكلام في المسألة الطائفية ، وكيف عرفت ما يدور في خلده وهو لم لم ينطق به ؟  ... وعلى كلّ حال ، حتى ذلك الوقت لم تكن مظاهر الطائفية قد برزت في الجيش ، وأوّل  مَن أشار إلى وجودها هو صلاح جديد نفسه كما روى لى الرفيق : إبراهيم ماخوس أكثر من مرّة ، وذلك في فترة الازدواجية ... ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، لماذا لم يطرح السيّد :  الزعبي ماكان  يريد طرحه مادام يعتقد أنّه على صواب  ؟ وهل منعه أحد ؟ أو ماهي الأسباب التي منعته من ذلك ؟ والجواب الذي سمعه ، وذكره بغضّ النظر عمّن قاله هو منطقي مادام لم يرغب في القول أكثر من ذلك  ....ولكنّني هنا أستغرب لماذا صمت شاهد العيان عن قول الحقيقة كاملة ، ويتجاهل اقتراح اللواء صلاح جديد في الاجتماع المشترك المشار إليه ؟  ، والقاضي بضرورة تبديل قيادة الجيش ،وعلّل ذلك بأنّ أيّة قيادة عسكرية سواء أكانت منتصرة أم مهزومة يجب تبديلها ، فالمنتصرة سيصيبها الغرور الذي سيقودها إلى التفرّد والديكتاتورية ، والمهزومة غير قادرة على إعادة بناء جيش مهزوم ، وعندما عُرِض هذا الاقتراح على التصويت سقط بفارق صوت واحد ، ولو نجح هذا الاقتراح الوجيه والصائب لتغيّرت وجهة الأحداث في سورية ... ويبدو أنّ الدكتور الزعبي صوّت ضد الاقتراح لصالح تثبيت قيادة الجيش ، ويشير إلى ذلك قوله :" إنّ استقالة الرفيقين حافظ وأحمد لا تُعتَبٓر حلّاً للموضوع " ، ولو صوّت مع اقتراح تبديل قيادة الجيش لسارت الأمور باتجاه مغاير تماماً ، وكان وضع حافظ الأسد في أسوأ حالاته في تلك اللحظة ، ولو كانت فعلاً توجد استقالة ، فلماذا قدّم اللواء : صلاح اقتراحه المؤكّد حدوثه والذي جرى عليه التصويت ؟  أم أنّ ذكر الحقيقة تؤثّر سلباً على رواية شاهد عيان والسياق الذي يريد توظيفها به ؟ !!!!

أمّا بالنسبة لاقتراح أسماء  ضباط كبدائل عن قيادة الجيش فالذي أعرفه كانت تُقدَّم لائحة بأعلى الضباط الحزبيين رتبة عند إجراء من هذا القبيل ، وبعد ذلك تقيّم قيادة الحزب تلك الأسماء على ضوء الكفاءة العسكرية والحزبية ، وتختار الأنسب ....

 حول ٦ - بلاغ سقوط القنيطرة : 

----------------------------------

لقد تمّ توظيف هذا البلاغ الخاطئ في البورصة السياسية بشكل واسع  ...ولذلك  وجدت من المفيد توضيح ما أعرفه عن ذلك البلاغ من خلال خدمتي السابقة في الجيش : 

إنّ البلاغ رقم ٦٦ جاء نتيجة لبلاغ خاطئ وصل عمليات الجيش التي كان يقودها اللواء : عبد الرزاق الدردري ، وهو ضابط كفء ، ومؤهّل ، وخرّيج الأكاديمية العسكرية ( فرونزي ) في الاتحاد السوڤييتي سابقاً ، ووفقاً للمعلومات التي أعرفها جرى الموضوع على الشكل التالي : كان يوجد لواء مشاة بقيادة العقيد: ممدوح عبّارة يحتلّ موضعاً دفاعيّاً مرتكزاً على المرتفعات المطلّة على بلدتي : مسعدة وبقعاتا خلف القطاع الشمالي من الجبهة ، وكان مرصد قائد اللواء في تلك المرتفعات حيث شاهد تقدّم رتل دبابات يتحرّك على الطريق المتّجه إلى دمشق شمال مدينة القنيطرة ، فقام قائد اللواء بتبليغ المقر المتقدّم  لعمليات الجيش بأنّ رتل دبابات معادية يتحرّك على ذلك الطريق دون التحقق من هويّته ، علماً أنّها كانت دبابات سورية ، ثم وقع مقرّ عمليات الجيش بالخطأ نفسه بدون التأكد من ذلك عن طريق وحدات استطلاع الجيش المتواجدة في المنطقة ، ثمّ تمّ تبليغ مقر عمليات الجيش الخلفي الذي يتواجد فيه قائد الجيش ، ويبدو أنّ المعلومة الخاطئة سبّبت تقييماً خاطئاً وقراراً خاطئاً ... وعلى كلّ حال ، لا يمكن لأحد أنْ يحيط بالتفاصيل الدقيقة الحقيقية قبل الاطّلاع على حيثيّات الموضوع من أرشيف عمليّات الجيش ، وبغضّ النظر عن ملابسات المعلومات الخاطئة التي سبّبت صدور البلاغ ٦٦ فقد كان قراراً كارثيّاً ترك أثاراً ضارّة كبيرة من كافّة الجوانب ... ولكنْ لديّ قناعة خاصّة أنّه تمّ تسييسه لاحقاً ، وتوظيفه لأغراض ودوافع أخرى ، وفسح المجال لاتهامات شتّى مبنيّة على خيالات خصبة ذهبت بعيداً من قبل البعض ....

حول : " حلّ القيادة القطرية السورية وانقلاب ٢٣ شباط ١٩٦٦ "

------------------------------------------------------------

يقول الدكتور الزعبي :"

عندما قامت القيادة القومية ( ق/ ق ) بحل القيادة القطرية السورية ( ق / قط ) في أواخر سنة 1965 ، وتبعها مباشرة استقالة وزارة الكتور يوسف زعين ، اعتبرت القيادة القطرية أن هذا الحل إنما يمثل هجوماً يمينياً من الجناح العفلقي |( جناح ميشيل عفلق ومنيف الرزاز ) على يسار الحزب ، ولذلك وبعد عدد من اللقاءات الجانبية ، شبه السرية قررت القيادة القطرية المنحلّة ، رفض قرار القيادة القومية ، واعتبار نفسها القيادة الشرعية للحزب في سورية واستمرت تتابع اجتماعاتها السرية في بيوت بعض أعضاء القيادة .

واقع الحال ، فإن هذه القيادة بدأت عملياً ، منذ حلّها في ديسمبر 1965 ، بالإعداد لانقلاب 23 شباط 1966 العسكري على القيادة القومية . كانت هناك حسب معرفتي الخاصة ثلاث مجموعات قيادية تقوم بالإعداد لهذا الإنقلاب ( حركة 23 شباط ) هي :القيادة القطرية بكامل أعضائها ، وقد كنت واحداً منهم ،قيادة ميدانية مصغّرة ( صلاح جديد ، حافظ الأسد ، ابراهيم ماخوس ، نور الدين الأتاسي ، يوسف زعين ، عبد الكريم الجندي ، مصلح سالم ، وربما آخرون لاأتذكرهم ) ،

 القيادة الفعلية ، والتي هي قيادة قيادة علوية صرفة ، مكونة من مدنيين وعسكريين ".

وهنا أيضاً لم يكن الدكتور الزعبي شاهداً نزيهاً ، لأنّه لم يقل الحقيقة كاملة ، وتجاهل خرق تحالف عفلق - الرزّاز - أمين الحافظ  النظام الداخلي للحزب ، ومقرّراته القطريّة والقوميّة  والتي تقول : إنّ حلّ  قيادة قطرية في بلد يحكمه الحزب  يجب أنْ يتمّ أمام مؤتمرها القطري ، وفي الوقت نفسه رفضت القيادة القومية الموافقة على عقد مؤتمر قطري بناءً على طلب من القيادة القطرية المنحلّة وقّع عليه ثلث أعضاء المؤتمر كما ينصّ النظام الداخلي ، وتهديدها باعتقال كلّ مَن يحضر المؤتمر ، كما رفضت طلباً آخر بعقد مؤتمر قومي موقّعاً من قبل ثلث أعضاء هذا المؤتمر ، وبالتالي اقترفت ثلاث مخالفات صريحة للنظام الداخلي والأسس الحزبية ، وأجرت  بالتعاون مع المرحوم : صلاح الدين البيطار ما سُمّيّ بالقفزة النوعية ، والتي كانت بمثابة انقلاب سياسي وحزبي حقيقي بكلّ معنى الكلمة ....وكان الانقلاب العسكري يُحضّر له عن طريق إجراء تصفية واسعة في الجيش للضباط المؤيّدين للقيادة القطرية ..

نعم جرى الإعداد لحركة ٢٣ شباط بقرار من القيادة القطرية موقّع عليه من قبل الجميع ، ومن الطبيعي والمنطقي أنْ تتابع لجنة مصغّرة متفّق عليها من تلك القيادة الموضوع لتأمين سهولة وسرعة وسريّة  التنفيذ. أمّا قول الزعبي : إنّ القيادة الفعلية كانت قيادة علويّة صرفة مكوّنة من مدنيين وعسكريين ، فإنّه يدعو للأسى والرثاء والاستغراب والاستنكار  ، وللتساؤل كيف وصل الأمر بالسيّد الزعبي العضو القيادي في الحزب والدولة سابقاً ، وشخصية بارزة في التيّار القومي ،  ليصدر  حكماً  جائراً وخاطئاً بحقّ أعضاء في  قيادة حركة ٢٣ شباط ويلصق بهم السمة الطائفية ، هذه الحركة اليسارية التي هي الظاهرة الأنبل في تاريخ الحزب فكريّاً وسياسيّاً وسلوكيّا ،  ... وكيف ينظر الزعبي  إلى رفاق قياديين أمضوا قسطاً كبيراً من حياتهم في سجون حافظ الأسد ، أو في المنافي بناءً على وساوس طائفيّة تحرّكت في ذهنه  ، وأنا لعلى يقين لو كان صلاح جديد حيّاً ، أو الدكتور : إبراهيم ماخوس في وضع صحّي يمكّنه من الردّ لما أصدر مثل هذا الحكم غير المسؤول والجائر .. وليكن في علم الزعبي أنّ بعضاً من الضباط الذين وُلِدوا في الطائفة العلوية كانوا الذراع الأيمن لميشيل عفلق وصلاح البيطار ، وفي هذا السياق استدعت القيادة القومية بعد حل القيادة القطرية   : اللواء محمد عمران من مدريد ليستلم وزارة الدفاع ، وعينت العقيد مصطفى عمران قائداً للواء ٧٠ المدرّع ( في الكسوة )  ، والعقيد أحمد خضور في اللواء الخامس المدرّع (في حمص ) وكانا أهم لوائين مدرعين في الجيش آنذاك  ، والمقدّم : علي مصطفى في (      ؟   ) ، وهؤلاء الضباط علويون بالولادة ، وكان متحالفاً معهم العديد من قادة أفواج الدفاع الجوّي الذين كانوا متمركزين حوالي العاصمة ... وليعلم أيضاً أنّ قيادة ٢٣ شباط هي التي سرّحت ونقلت من الجيش عدداً معتبراً من تلك المجموعة ...ولم يكن المقياس الطائفي تسريحاً أو ترفيعاً أو نقلاً معتمداً في يوم من الأيام في نهج حركة ٢٣ شباط ... 

وهنا أسأل الدكتور الزعبي وغيره ، هل كان لأحد في قيادة ٢٣ شباط صوت إضافي في الاجتماعات الحزبية عند اتخاذ القرارات ؟ هل يعتبر الزعبي بقية أعضاء القيادة  من الطوائف الأخرى تكملة عدد أم مناضلين حقيقيين يشهد لهم نضالهم في صفوف الحزب ، وجهاد ثلاثة منهم في الثورة الجزائرية ؟ هل كان منصب الأمين العام للحزب ، ورئيس الدولة ، ورئيس الوزراء منصباً شكليّاً ؟ وإذا كان كذلك ، مَن كان يسيّرهم وكيف ؟ هل كان أحد ما يسيّره في الخفاء عندما تولّى مسؤليلت حزبية وحكومية ؟

يتابع الزعبي القول :"

هذا مع العلم أن حافظ الأسد كان عضواً في القيادة القومية ، وكان ينقل للقيادة القطرية المنحلة والسرية ، كل ماكان يدور في اجتماعات القيادة القومية ، وكان يحول دون اتخاذ القيادة القومية التي كانت على علم بأن القيادة القطرية تعد لانقلاب عسكري عليها إجرارات عقابية احترازية ، ولا سيما في صفوف العسكريين المحسوبين على القيادة القطرية لمنع هذا الانقلاب ، الذي كان يتم الإعداد له بصورة شبه علنية ".

  -  يبدو أنّ الدكتور الزعبي قد خانته الذاكرة مرة أخرى فنسي أنّ الدكتور : إبراهيم ماخوس كان عضواً في القيادة القومية أيضاً ... فهل كانت هذه القيادة القومية على درجة من الغباء حتى  لا تعلم باصطفافات اثنين من أعضائها مع القيادة القطرية في خضمّ الصراع الدائر معها ؟ وهل كانت القيادة القومية ستقرّر انقلاباً عسكريّاً بحضورهما ؟ ولو قررت لكانا من أوائل المعتقلين .... هذا مع العلم أنّ القيادة القومية بعد استلامها زمام الأمور أعلنت الاستنفار داخل القوات المسلّحة ، ومنعت الضبّاط من مغادرة مقّار عملهم بدون إذن من الأمين العام للحزب : الدكتور منيف الرزّاز ، كما صدر قرار بنقل عزّت جديد من مدرسة المدرّعات في القابون ، وسليم حاطوم من قيادة كتيبة المغاوير في حرستا ، وعيّنت عدداً من الضباط الموالين لها في الألوية المدرّعة في الكسوة وحمص وغيرها ، وكانت مستمرّة في استكمال انقلابها من خلال تصفيات واسعة للضباط الموالين للقيادة القطرية ، ولكنّ حركة ٢٣ شباط كانت الأسرع ... ويبدو أنّ المعلومات المتبقيّة في ذهن الدكتور الزعبي سطحية ومحدودة جدّاً  ....حسناً ما تمّ فعله بأخذ تواقيع أعضاء القيادة على محضر قرار تنفيذ حركة ٢٣ شباط ، وإلّا لكان الدكتور الزعبى وربّما غيره تنصّلوا من مسؤولية ذلك ، وهنا أتساءل : لماذا تردّد في البدء ثمّ وقّع لاحقاً ؟ ولماذا يتعرّض لهذا الموضوع الآن ...

ويعبّر الزعبي عن قناعته فيقول :

   "لابد من أن أعلن عن قناعتي الكبيرة ، في أن حركة 23 شباط 1966 ، كانت الجسر الذي عبر عليه حافظ الأسد إلى الحركة التصحيحية (!! )عام 1970 ، والتي كانت حركة طائفية بامتياز ، وأن كلاًّ من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والرجعية العربية هم من دفعوا بحافظ الأسد إلى واجهة الأحداث ، لكي يقوم بهذا الدور المشبوه "

حبّذا لو كان الدكتور الزعبي قد وضّح فهمه لكلمة " الجسر " هل يعتبر حركة ٢٣ شباط محطة تمّ التخطيط لها لإيصال حافظ الأسد إلى الارتداد والانقلاب على خط الحزب اليساري وتنفيذ أجندته الخاصة  ؟ أم مجرّد محطة  زمنية في الحكم لا أكثر ولا غير ؟ ... وقياساً على ذلك ، هل كانت ثورة ٢٣ تمّوز  هي المسؤولة عن الحقبة الساداتية التالية ، وهل غورباتشوف هو الذي أوصل يلتسين إلى السلطة في روسيا ؟  ،أم أن تفاعل عوامل سياسية وحزبية وعسكرية واقتصادية داخلية مع عوامل خارجية مساعدة ، والأخطاء التي حصلت في تسيير دفّة البلاد ، وتردّد القيادات المسؤولة عن اتخاذ القرارات الصائبة والحاسمة في الوقت المناسب هي التي أوصلت حافظ الأسد الى الحكم ، وجعلته يرتدّ عن نهج الحزب وخطه السياسي والاقتصادي والكفاحي ، وينحرف عن مسيرة الحزب ...

أمّا القول : إنّ الحركة التصحيحية عام ١٩٧٠ كانت حركة طائفية بامتياز فيضطرني أن اشير إلى أنّ   حافظ أسد حظي بدعم أنصار جماعة القيادة القومية ( جماعة العراق ) ، وقد صدرت أوامر مباشرة من الأستاذ ميشيل عفلق إلى التنظيم التابع له في سوريّة بأنْ يدعموا حافظ الأسد في معركته مع قيادة الحزب في سورية  ، كما أنّ النظام العراقي دخل على الخط مباشرة وأجرى اتصالاته الخاصّة مع حافظ الأسد بشكل علني من خلال زيارات الشيخلي ( وزير الخارجية ) إلى دمشق واقتصار لقاءاته على وزير الدفاع دون غيره ، لأنّهم كانوا يعتقدون أنّ إزاحة قيادة ٢٣ شباط ستسّهل عليهم الانفراد بحافظ الأسد وخلعه بعد أشهر قليلة ، كما وقفت البرجوازية الدمشقية والقوى الرجعية في سورية إلى جانبه ، وكلّنا يتذكّر شعارهم المعروف : " طلبنا من الله المدد فأرسل لنا حافظ الأسد " ، كما وقف رجال الدين من مختلف الطوائف إلى جانبه ولا يزالون حتى الآن ، وتحالفت معه ودعمته رموز عسكرية معروفة من غير طائفته أمثال : اللواء ناجي جميل في سلاح الطيران ، واللواء مصطفى طلاس في رئاسة الأركان والعقيد علي ظاظا مدير المخابرات العسكرية وبعده حكمت الشهابي ثمّ رئاسة الأركان  ، وعدنان دبّاغ في وزارة الداخلية ، ووليد حمدون ، وعلي مدني في الشرطة العسكرية ...الخ أمّا على الصعيد الخارجي فلقي دعماً كبيرا من الأنظمة الرجعية في الخليج والأردن ، والولايات المتحدة  الأمريكية ، وكان يتقاضى دعماً خليجيّاً بمبلغ ثلاثة مليارلات دولار كلّ عام  ، و 89 مليون دولار من أمريكا سنويّاً على شكل هبة حتى عام 1989 حيث توقّفت بعد ذلك بسبب قضيّة طائرة العال الإسرائلية ، وكان القبول بالقرار ٢٤٢ والصلح مع (إسرائيل ) هو الدافع الأساسي لذلك ، وقطع الطريق على التجربة الثورية التي أرادت حركة ٢٣ شباط السير بها على طريق التوحيد والتحرير والاشتراكية ....أمّا على الصعيد الحزبي والسياسي الداخلي فحدّث ولا حرج ، وكان منهم شاهد العيان الدكتور الزعبي الذي  صام عن العمل الحزبي فترة ثمّ توجّه مسرعاً إلى حافظ الأسد بعد ارتداده ليعرض خدماته عليه   ، وانتظم في حزب البعث العربي الاشتراكي الذي أمينه العام الفريق : حافظ الأسد ، ولكن يبدو أنّه لم يكن محطّ اهتمام الأمين العام الجديد ، وعندما عمل متعاقداً مع إحدى الجامعات الجزائرية أُرسِلَتْ  وثيقة انتقاله الى شعبة الحزب التابعة لتنظيم حزب بعث حافظ الأسد في الجزائر ، وعندما سمع الرفيق الدكتور اإبراهيم ماخوس بذلك حزن عليه ، ورثى لحاله ، وغضب عليه ، لأنّه كان يحبّه كثيراً  منذ أنْ تعرّف  عليه  لأوّل مرّة في غرفة النظارة في دمشق ، وكانا موقوفَين عقب مظاهرة طلابية ضد الشيشكلي . ولكنّه  رفض استقباله عندما قدم إلى الجزائر لأنّه عضو في حزب حافظ الأسد كآخرين غيره   ، كما رفض الحديث معه على الهاتف وبقي كذلك حتى تدخّل اللواء : غسان حدّاد الصديق المشترك لهما  قبل عدة سنوات ، وكان الكتور : إبراهيم ماخوس يردّد ذلك كلّما ذُكِر اسمه ...  

- إضافة إلى ما تقدّم عرضه ، فقد ذكر في مقدّمة خاطرته ما يلي : " إنني أقول اليوم ، وبالفم الملآن ، نعم إن الخلاف والاختلاف بين أجنحة الحزب وتياراته المختلفة ، ولا سيما العسكرية منها ، ومنذ الثامن من آذار 1963 وحتى هذه اللحظة ، كان يتعدى الاختلاف في وجهات النظر، ليصل إلى تدميربابا عمرو ومذبحة أطفال الحولة ، بل وإلى مالا حاجة إلى تعداده ، مما تشمئز حتى من ذكره النفوس ، لأنه بات معروفاً وموثقاً في الداخل والخارج ، وليس طرد عدد كبير من الدول الأوروبية لسفراء النظام السوري يوم 29 ماي 2012 سوى شهادة صريحة وإن كانت متأخرة من هذه الدول ضد نظام عائلة الأسد الفاشي .

ثمّ يختتم الخاطرة بالآتي : 

" أكثر من هذا ، إنني أعتقد أن انقلاب 1961 الإنفصالي في سورية ، وتصفية مئات الضباط الناصريين من الجيش السوري إثر أحداث 18 تموز 1963 ، وموقف روسيا وإيران والصين ، من ثورة 15 آذار / مارس 2011 في السورية ، إنما تصب جميعها في طاحونة الولايات المتحدة الأمريكية ، وبالتالي في طاحونة إسرائيل . والله أعلم ." 

وهنا يُلاحظ ما يلي : 

- ربط الخلافات داخل الحزب منذ الثامن منذ آذار ١٩٦٣ بما يجري الآن من تدمير ومذابح ، وهذا يعني وجود مخطط مسبق موضوع من قبل مجموعات عسكرية على الخصوص ودون تحديد  ، ولكنّ شططه في الاتهام وهوله أخافه من ذكر الأسماء ليبقى جاهزاً للتنصّل من شمول  هذا الرفيق أو ذاك على ضوء ردّ فعل الأشخاص  الذين كانو محسوبين على حركة ٢٣ شباط خصوصاً ، وعلى المشاركين في المسؤولية منذ قيام الثامن من آذار عموماً ، ولكن على مايبدو أنّ ردّ الفعل هذا لم يصدر من أحد ، وكان صمتهم يدعو للأسف  والاستهجان ، وكأنّهم غير معنيين بما ورد في هذه الخاطرة التي أصبحت في أرشيف جوجل وغيره ، ومشاعاً لكل باحث ومهتمّ  ...

- استعمل الدكتور الزعبي معايير مزدوجة ، فمرّة يعتبر الموقف الغربي السلبي من النظام شهادة  ضد النظام المستبدّ الراهن ، وبالتأكيد يرفضها ضد النظام العراقي السابق ، ومرّة يوظّفها بشكل معكوس في مكان آخر  ...

- إنّ اعتماده على الذاكرة بدون العودة إلى أرشيف خاص ، أو إلى الرفاق الذين عايشوه التجربة الحزبية والسياسية ، وخاصة بعد مرور حوالي نصف قرن على الأحداث ، وتجاوزه الثمانين من العمر ، كلّ ذلك جعله يخلط الأوراق في خاتمة خاطرته ويضعها في سلّة  واحدة هي سلّة أمريكا و(إسرائيل ) ... 

ولكنّ السؤال الذي تبادر إلى ذهني : لماذا صمت هذه المدّة الطويلة ، ثم شحذ ذاكرته على عجل ليخرج لنا بهذه الخاطرة  ؟ هل تعيينه في المجلس الوطني ( استانبول ) وضمن كتلة الأخوان المسلمين وحلفائهم له علاقة بذلك ؟ لا أستطيع الجزم بشيء قاطع .... ولكنّ نصيحتي له بأنْ لا يُكثر من أمثال هذه الخاطرة بعد هذا السن ، أطال الله في عمره ...