بين عنجهية الغرب الاستعمارية و مصلحته في سوريا ديمقراطية .. نقاط على التدخل العسكري في سوريا



حسام الحموي


ا2012 / 5 / 7



تخيلت مرة أنني أخاطب صانع قرار غربي و تخيلت أني سأحاول اقناعه بأنهم - أي الغربيون- و على الرغم من تحقيق الديمقراطية الظاهرية في بلدانهم فان أفكارهم الاستعمارية و طموحهم الاستثماري ما زال مثالا رجعيا متخلفا غير قابل للاستدامة.

ما زالت الدول الغربية (و شركاؤها) مصرة على أن الطريقة الوحيدة التي تتعامل بها مع دول مثل دولنا هي الطريقة "الفوقية" .. و "السلطوية" .. و يهمها جدا ان تتحكم بقرار هذه الدول خاصة اذا كانت تحد اسرائيل !! فأمن اسرائيل لهم متعلق بشكل مباشر بابقاء هذه الدول متخلفة و مشغولة بالحفاظ على استقرارها الداخلي و لا تملك قرارها السياسي ملكية كاملة. و لا ريب في أن أشد ما يضيرهم في النظام السوري , هو أن قراره تملكه قوى منافسة لها سياسيا و اقتصاديا.

بالنسبة للأنظمة الغربية و الأمريكية , فهم يسعون الى الحفاظ على هذه المعادلة:
* أنظمة رجعية=بلدان غير مستقرة خاملة الطموح=تبعية سياسية و اقتصادية=تنازلات اقتصادية و سياسية= أمن اسرائيل و مستقبلها التوسعي + استثمارات غربية بخسة في هذه البلدان.

وفي المقابل ترفض هذه الأنظمة معادلة من قبيل:
* نظام ديمقراطي=بلدان مستقرة طموحة=امتلاك القرار السياسي و الاقتصادي= لا تنازلات اقتصادية أو سياسية= تهديد أمن اسرائيل و كبت توسعها الاقتصادي + استثمارات غربية متوازنة أو لمصلحة البلد

و من المزدوجات الأخرى التي يسعى الغريب الى تحقيقها:

* أنظمة رجعية في بلدان المنطقة = لا يوجد أي طموح توسعي اقتصادي أو سياسي = لا مركزية اقتصادية أو سياسية عربية للمنطقة= تبقى المركزية محصورة في اسرائيل و تركيا (و التي يعمل الغرب على أن تصب الثورات العربية باتجاه المصلحة التوسعية لهذه القوى). فاسرائيل في سنوات قليلة تتحول (بالدعم الغربي و الأمريكي) من دولة "موجودة " و لكنها مرفوضة من شعوب المنطقة و العالم الى دولة "ديمقراطية" و كيان اقتصادي مهم. غاية الغرب الان أن ينتقل الكيان الصهيوني الى مرحلة جديدة ألا وهي أن تصبح اسرائيل دولة "مقبولة" و "صديقة" و مهيمنة اقتصاديا و أن تصبح مركزا تنطلق منه كل الاستثمارات الغربية الى دول الشرق الأوسط و شمال أفريقيا و السودان. و قد استوعبت قوى معارضة في الثورات العربية هذه المعادلة و شهدنا تصريحاتها بأنها ستعمل على الحفاظ عليها و أنها لن تتردد في تقديم أي تنازلات مطلوبة.

سأقول لهم:
تعودت البلدان الغربية على دول المنطقة في حالة من التخلف و الخوف و عدم الاستقرار وهم يرون في ذلك استقرارا لمصالحهم الاقتصادية و ضمانا للتوسع الاسرائيلي في حين يقفون ضد أي مستقبل ديمقراطي لهذه البلدان و منه دعمهم الواضح "و المخجل" لقوى معارضة لا تختلف عن انظمة بلدانها شيئا (سواء كانت الاخوان في مصر أو المجلس الوطني في سوريا ).
ان رفضهم للمستقبل الديمقراطي في سوريا هو أكثر من واضح. و لو قدمت الضمانات للأنظمة الغربية بأن الأزمة في سوريا قابلة للاستمرار لعشرات السنين دون أن تميل الى طرف محدد , فلن تتردد هذه الأنظمة للحظة.

و نرى أن التدخل العسكري في سوريا يهدف لأمر واضح و محدد .. طبعا ليس اسقاط النظام !! فالنظام سيسقط بسواعد سورية سواء حصل التدخل أم لم يحصل .. هدف التدخل العسكري هو السيطرة المباشرة على مرحلة ما بعد الثورة و هي المرحلة التي كما قلنا تخشاها الأنظمة الغربية وحلفاؤها في الخليج و تركيا (أمريكا المنطقة الحالي) و اسرائيل (أمريكا المنطقة المستقبلي) و بالتالي لمنع تشكيل أي أنظمة تقدمية في المنطقة.

و بما أن القضية ببساطة شديدة قضية مصالح (مشروع اقتصادي معقد طويل الأمد) و ليست قضية أيديولوجيات (و من هنا نرفض نظرية المؤامرة الايديولوجية على محور المقاومة!!) فعلى القوى الديمقراطية في سوريا أن تقدم مشروعا "غير مهدد" و عليها أن تقنع الغرب بتغيير كلاسيكيته الاستعمارية و بذلك نتوجه لهم بقولنا:

أولا: الطريقة التي يتبعها الغرب في ابقاء التخلف و الديكتاتورية في المنطقة هي طريقة -باختصار- غير مستدامة. قد تحقق أهدافها المنظورة على المستقبل المنظور و لكنها لا ريب ستفشل على المستقبل البعيد.
السياسة الغربية في أسلوبها مع دول المنطقة تعتبر أن التحكم بطبيعة الأنظمة الحاكمة سيتيح لها حتما التحكم بمستقبل هذه الدول سياسيا و اقتصاديا , وفي هذا الطرح تهمل تماما دور الشعب الذي يعتقد الغرب سيبقى خانعا لحكامه أو يفني عمره لاسقاطهم و من ثم اسقاط ورثتهم الى ما لا نهاية. و تظن الحكومات الغربية بأن الأجيال الجديدة "المشغولة بهواجس العولمة" على عكس الأجيال القديمة لا تمانع الخضوع المطلق للهيمنة الاقتصادية الغربية و الاسرائيلية "التي يأملها الغرب" مقابل تسهيل استيراد "الاي فون و الاي باد !!! "

ان هذه الالية في "تصميم" مستقبل الشعوب ايلة للسقوط بالتعريف. شعب مثل الشعب السوري لن تلخصه حكومته و لن يلخصه الاخوان و المجلس الوطني , و انما الشعب يلخص تاريخه و يحمل في ذاكرته الجينية كما و نوعا من الحضارة لن يلبث أن يشتعل. و ان قبل هذا الشعب بالمساومة في هذه الظروف فلن يلبث أن ينقلب على ذله من جديد. و ليست هيئة التنسيق الوطنية في اصرارها الوطني فريدة من نوعها و انما هي مثالا حيا عن الشراسة "الوطنية" التي يجب ان يتوقعها الغرب من جزء كبير من الشعب السوري.

ثانيا: السياسة الغربية و الأمريكية في "تصميمها" لمستقبل المنطقة, تؤمن و بغرور بقدرتها المطلقة على الامساك بكل الخيوط. و ليست العراق و افغانستان و كرد تركيا و أسفا نقول ليبيا المستقبل و السودان و ربما مصر مجرد استثناءات و انما ستصبح القاعدة , خاصة في وجود قوى اخرى منافسة لن تتنازل عن شهيتها على نفس المنطقة.

ثالثا: في نظر السياسة الغربية, فان اسرائيل ستصبح عصب المنطقة في المستقبل. لا ريب في أن الغرور الغربي و الاستهتار التاريخي بالمنطقة يمنعهم من رؤية حقيقية للمستقبل.

لماذا كان البديل الديمقراطي هو الخيار الأفضل للجميع؟

أولا: النظام الديمقراطي في بلد مثل سوريا سيكون نظاما شرعيا يرضي الشعب. و النظام المطمأن داخليا سيوجه جهوده الى استقرار خارجي , و بحكم طبيعته الناضجة و ارادته الوطنية فهو -على عكس النظام الحالي- سيسعى الى اقامة علاقات خارجية اقتصادية و سياسية ناضجة. و متى تمكن من تحقيق ذلك فان رغبته في الامساك بخيوط سياسية و عسكرية (كما هي الحال في علاقة النظام مع حزب الله و حماس) يحركها لتحقيق مكاسب معينة و خاصة عندما يتهدد وجوده -اللاشرعي- ستختفي باختفاء الحاجة لها.

ثانيا: النظام الديمقراطي الوطني سيمتلك ارادة وطنية. و بالنسبة له فان هدفه الأول و الأخير هو ليس ايجاد ضمانات و تناقضات تضمن وجوده اللاشرعي , وانما يصب جهوده على تحقيق رفاهية شعبه و أمنه. و في سعيه هذا ستتركز أوليته في طبيعة علاقاته الخارجية على قوى تدعم استقرار بلده الاقتصادي , بدلا من حصرها بقوى تضمن استمراريته سياسيا و عسكريا بغض النظر عن مصلحة شعبه (كما هي الحال في علاقات النظام مع ايران و روسيا).

ثالثا: استكمالا للبند الثاني فان النظام الديمقراطي الوطني سيسعى الى انفتاح اقتصادي واسع و الى علاقات مع كل الدول التي تدعمه لمستقبل افضل لشعبه و ليس لنظامه.

رابعا: النظام الديمقراطي الوطني في سعيه الى استقرار و أمن شعبه , سيسعى جاهدا الى ازالة كل أسباب الصراع في المنطقة , و يعمل على تحقيق أكبر قدر من السكينة السياسية و العسكرية مما يتيح المجال لازدهار اقتصادي لكل دول المنطقة و مستقبل أفضل حتى للاستثمارات الغربية.

خامسا: سيعمل هكذا نظام على تنشئة جيل خال من التناقضات الثقافية و الدينية (و التي عادة تضمن الحفاظ على النظام اللاشرعي), جيل متقبل للتواصل مع الشعوب الأخرى. و هو بالتعريف جيل أبعد عن التطرف و العنصرية. لا ريب في ان هذا سيؤمن تواصلا (ثقافيا و اقتصاديا) أفضل مع الدول الأخرى و منها الغربية و يجهض احتمال خلق و نمو ايديولوجيات متطرفة يصعب التنبؤ بتوجهاتها.

لماذا كان الخيار العسكري خيارا مرفوضا؟

من الناحية العسكرية فان الكثير من القطع العسكرية الهامة تتواجد في مناطق سكنية مكتظة و في احيان كثيرة فان عائلات الضباط و العساكر تقطن في نفس مناطق القطع العسكرية او على مقربة منها. و احتمال الهجوم عليها او تحركهها سيحصد أرواحا كثيرة. و نعلم أن عناصر الجيش مع عوائلهم قد يشكلون ما يقارب 3 مليون نسمة.

الجيش السوري ليس ككتائب القذافي , لا ننكر فساده و سوء تنظيمه و لكنه جيش جيد التسليح و اذا تهدد وجوده فان النظام لن يردعه رادع عن استنزاف كل امكانياته ضد اعدائه .. مما يعني حربا ضروس على ارض ذا كثافة سكانية مرتفعة و خسائر بشرية و مادية يصعب التنبؤ بها.

من المعروف أن الجيش السوري يتمتع بتركيبة متنوعة في عناصرها فهي تتراوح بين الموالاة و الحياد و القليل من المعارضين و يبتعد معظمه عن تعاطي السياسة و المعارضة بسبب سياسة الخوف و الارهاب التي تقوده بدليل ضعف كمية الانشقاقات عما كان متوقعا. و نذكر ان الكثيرين توقعوا أن الجيش السوري سيتبعثر الى كتائب منشقة الأمر الذي لم يحصل الا على نطاق محدود وفي رتب صغيرة. هذه التركيبة المعقدة ستضمن ضراوة في الدفاع عن الوجود خاصة و ان التهديدات الطائفية من قبل بعض عناصر المعارضة جعلت الضباط الكبار من بعض الأقليات الطائفية يرون في الثورة تهديدا لوجود طوائفهم و خوفا من تصفيتهم البشرية.

نعلم الان أن السلاح يتواجد في ايدي اكثر من 24 الف مقاتل من المعارضة (بين مسلحين و مدنيين) و عدد كبير من أطراف الموالاة من أزلام النظام ممن يسمون بالشبيحة. و بالنسبة للطرفين فان سقوط النظام عسكريا سيحول الصراع الى صراع وجودي سرعان ما يتحول الى صراع طائفي و قومي في بلد يضم 27 ملة و عرق هم من أهل البلد و ليسوا مهاجرين (كما هي الحال في أغلب الدول الغربية). و هنا نتحدث عن صراع أهلي لا يبق ولا يذر قد يستمر لعشرات السنين. و الأمثلة البسيطة التي نراها هنا و هناك من القتل الطائفي (من الطرفين) و السرقات و الخطف ما هي الى شواهد على مستقبل مخيف لا مهرب منه في حال تم تمزيق الجهاز العسكري و الأمني مع سقوط النظام.

هذا على المستوى الداخلي , أما خارجيا فلربما الوضع أعقد بوجود قوى مثل حزب الله ترى في سقوط النظام تهديدا لوجودها و ليس غريبا ان حربا اهلية في سوريا ستجتاح لبنان بدون أي أدنى شك. و سيتفاقم الوضع بتدخل ايران و روسيا عسكريا و بالتواجد الكردي (المسلح في بعض أطرافه) و الذي بات واضحا أنه يخاف نتائج الثورة كما يخاف النظام و يعيش في حالة تهديد دائمة "و مبررة" من شراسة الجيران الأتراك الذين سيستغلون مثل هذه الأحداث لتطهير عرقي كردي محتمل. انعكاسات هكذا وضع على اسرائيل قد تكون من أهم الأسباب التي تبعد الغرب عن التدخل العسكري.

الحل العسكري في سوريا غير ممكن الا اذا قبلنا بتدمير شامل للبلد و حالة حرب أهلية تستمر لعقود طوال. و لها انعكاسات خطيرة على كل دول الجوار و سيصبح المثل العراقي بمليون ضحية منها 5000 الاف جندي امريكي و عدة ملايين من المهاجرين مثلا بسيطا أمام المثل السوري خاصة و ان الامكانيات الطبيعية و الثروات في سوريا لا تمكنها من دفع فاتورة الحرب و اعادة البناء