• عنف الثورة بين الشرعية والانحراف: سوريا وضرورة التصحيح


    هدى زين


    إن تشظي المعارضة السياسية والمعارضة المسلحة في سوريا أمام نظام مازال رغم كل التصدعات والضربات القاسية التي أصابته متماسكاً يتطلب من كل سوري ـ ناشط سياسي أو مقاتل أو منحاز أو صامت ـ وقفة مع الذات وإعادة نظر في مسار التغيير في سوريا الذي وصل إلى مرحلة تفوقت بخطورتها على كل تصوراتنا وتوقعاتنا .. لهذا فإن كل مواطن سوري يعتبر مسؤولاً بشكل م

    باشرعن تراكم الدمار والعنف والآلام واستباحة الدماء إن لم يقم على الأقل بإعادة النظر بكل عوامل النجاح والفشل.
    لن أضيع الوقت والجهد في الحديث عن المعارضات السياسية السورية في الداخل والخارج لأنها جميعاً تحتاج إلى غرفة عناية مشددة. فعجزها الفاضح ناتج عن ظرف موضوعي داخلي وخارجي وعن ترهل ذاتي رجعي وافتقارها لآليات وبرامج سياسية للثورة جعلها تتحول إلى تكتلات مفرغة المضمون الثوري غير واعية لمهامها الحقيقية ومستحقات هذه المهام وعاجزة عن تحليل الواقع ومشكلات الثورة لبرمجة مراحلها وتحديد تكتيكات نضالها من أجل توسيع إمكانيات الثورة. ومايعبر عن عجزها هذا هو خطابها السطحي الهزيل الذي توقف عند حدود وصف جرائم السلطة والندب والردح في الإعلام والانبطاح أمام التدخل الخارجي. فكان لهذا العقم السياسي والفكري آثاره الكارثية على مسار الثورة مثل تصاعد الخطاب الديني المتشدد وترسيخ المخاوف لدى قطاعات مجتمعية واسعة في المجتمع مما أدى إلى تمسكها بدورها كمتفرج على مآلات الصراع. إن غياب التنظيم السياسي والخطاب السياسي الثوري الذي كانت ومازالت الثورة بأمس الحاجة إليه كان سبباً رئيسياً في حدوث انحرافات متعددة الأشكال والمرجعيات في مسار الثورة. إذاً لنترك المعارضات السياسية السورية في فلكها .
    فهل حال المعارضة المسلحة في سوريا أحسن حالاً من المعارضة السياسية؟ وهل هي معارضة مسلحة ثورية أم أنها قوات مقاتلة ذات أهداف خاصة؟ ماهي مشكلاتها وماهي عوامل نجاحها ؟
    إن الثورة ماهي إلا بداية مجتمع جديد في مرحلة الولادة. ولكن للثورة منطقها وقوانينها وشرط نجاحها الأول لايكمن في سلميتها أو تسلحها وإنما في الإجماع الشعبي الواسع على الحد الأدنى من أهدافها وعلى تفكيك أوعلى الأقل تحييد أجهزة العنف للسلطة الحاكمة. بحيث تصل هذه الأجهزة إلى درجة الانحلال الذاتي تحت ضغط الحراك الشعبي الثوري. وعليه فإن تسلح الشعب في مخاض الثورة إن كان خياراً محتوماً فعلينا أن نقبل فيه على طريقة هيغل بأن يكون العنف فيه مساراً لحظياً في صيرورة الثورة. وهذا يتطلب معرفة قوانين وقواعد العمل المسلح ونلتزم بعوامل نجاحه وإلا فسيكون العمل المسلح هو مقدمة لسقوط الجميع في جحيم الضياع.
    جدوى التسلح الشعبي أو تسلح المعارضة تكمن إذاً في القدرة على نزع أوتفكيك سلاح السلطة. فإن لم ينجح الجناح المسلح من المعارضة في رسم استراتيجية مدروسة لهذا الغرض وبالتالي إن فشل في تحقيق هذه المعادلة فهذا سيؤدي بشكل حتمي إلى حرب أهلية. حينها سيتعين على الشعب دفع ثمن غالٍ جداً جداً حتى لو “نجحت الثورة”. ولعلنا نستحضر كمثال على هذا الأمر الكفاح المسلح للفلاحين في تامبوف أو جنود البحرية الروسية في كرون شتادت ضد حكومة السوفييت 1920 اللذان انتهيا بالفشل بعدما كان الثمن الإنساني باهظاً جداً. إذاً، تفكيك وتحلل الأجهزة العنفية التي تعتمد على السلاح للسلطة الحاكمة هو شرط ضروري لنجاح الثورة التي تهدف إلى بناء مجتمع جديد مبني على علاقات سلطة غير استبدادية وأكثر عدلاً وليس لنجاح المعارضة في إسقاط السلطة الحاكمة فحسب.
    هذا يأخذنا إلى منطقة المسؤوليات التي تقع على المعارضة المسلحة في سوريا التي لم يعد مقبولاً أن تكتفي بحمل السلاح والاشتباك مع جيش السلطة النظامي بدون عقل عسكري يخطط أو استراتيجية عسكرية مدروسة ومنظمة وملزِمة للأطراف المتعددة الحاملة للسلاح. فكل من يتخذ موقفاً في زمن الثورة. سواء كان موقفاً عسكرياً أو سياسياً أو مايسمى بالحيادي هو مسؤول بالكامل عن تبعات ومتطلبات موقفه. فأين هي الكتائب المسلحة التي سأحرص على تجنب تسميتها بالجيش الحر لعدم انصهارها جميعاً تحت راية عسكرية واحدة وخطاب عسكري واحد. أين هي من تحمّل مسؤولياتها أمام شعبها صاحب الثورة ودافع الثمن الكبير؟
    سوف ننطلق من فرضية أن المعارضة السورية المسلحة هي معارضة وطنية ذات مهام محددة فلا يفترض بها أن تكون بائعة خطابات سياسية في سوق الإعلام ولا أن تصبح حانوتاً أخلاقياً تبيع وتشتري بالقيم الأخلاقية المستهلكة من شتم للنظام وتربية عقابية لأسراه ولا يفترض أن تلعب كذلك دور خليفة الله على الأرض حتى تفرض على الناس المتنوعين خطاباً دينياً متشدداً فقط لأنها تحمل السلاح.
    إن المعارضة المسلحة لها مهام أخرى. مهام ووظائف محددة وواضحة. وهي مهام عسكرية لاسياسية ولادينية. ولا يمكن أن تحقق طموحات الشعب إلا إذا ارتبطت بمعارضة سياسية لها سلطة تعلو على سلطة السلاح. فإن لم تستطع المعارضة المسلحة أن تقوم بهذه المهام وتتحمل مسؤوليتها فعلينا كشعب وكحراك ثوري أن نصححها أو نرفضها إن اقتضى الأمر، كما رفضنا المعارضات السياسية الكثيرة التي فشلت بالقيام بمهامها السياسية. فلا يجوز الخوف ولا التردد في نقد المعارضة المسلحة السورية. لأن لا أحد ولا طرف فوق مصالح الشعب وإرادته أو فوق الثورة وقد رفع الشعب في حراكه السلمي شعار: الثورة فوق الجميع. ومن لايستطيع تقبل نقد المعارضة المسلحة أو مواجهة مشاكلها فهو إما جاهل بطبيعة الأشياء أو أن الخوف الذي طردته رياح الثورة عاد إليه بسبب هيمنة السلاح أو أنه لا يريد للثورة أن تنجح بل أن تنحرف.
    لنطرح إذاً على المعارضة المسلحة في سوريا وقياداتها المتعددة وعلى أنفسنا الأفكار التالية ولنحاول البحث عن موقع القوات المقاتلة من الحراك الشعبي الثوري حتى نعمل جميعا على إنقاذ الوطن:
    أولاًـ يُفترض في الجناح المسلح من الثورة أن يكون بالدرجة الأولى ثورياً. أي أن يكون انتماؤه لأمه التي أنجبته وهي الحراك الثوري الشعبي وبالتالي أن يعبر عن دوافع وطموحات هذه الأم التي هي سبب وجوده، أي الثورة الشعبية. وهذا يعني أن تكون أهداف الثورة الأصلية في التحرر والتحرير من عبودية وطغيان السلطة الحاكمة وبناء عهد جديد من العدل والحرية والكرامة لجميع أبناء المجتمع.
    ثانياًـ بما أن الثورة في سوريا ضمت فئات واسعة من الشعب بطوائفها وقومياتها المتعددة في شقها السلمي والمدني فإنه لايحق للجناح المسلح، حتى لو كانت أغلبيته من طائفة محددة، أن ينتج خطاباً اقصائياً لمكونات المجتمع السوري المختلفة والتي مازالت تشارك حتى اليوم بنسب مختلفة وبأشكال متعددة على الصعيد المدني. لأن المعارضة الوطنية الحقيقية سواء كانت مسلحة أو غير مسلحة تدافع عن حقوق وحرية جميع المواطنين بمختلف انتماءاتهم وبغض النظر عن مشاركتهم بالثورة أو عدمها وتتحدث بلغة الوطنية التي تكون فوق كل الانتماءات الدينية أو القومية أو السياسية. لأن الحرية التي يناضل من أجلها الشعب لا يمكن اجتزاؤها من عمقها الإنساني الشامل. فالحرية التي ينشدها من يبحث عن العدل والكرامة واسترداد الحقوق تنقلب لضدها وتتحول لاستبداد جديد إن لم تشمل الجميع.
    ثالثاًـ إن المعارضة المسلحة تتخذ شرعيتها من شعبيتها وحاضنتها الاجتماعية. وإلا فتصبح عبئاً وقمعاً جديداً للثورة والشعب. فحينما يصبح مصدر قوتها هو ذاته مصدر قوة السلطة الحاكمة أي السلاح فقط تفقد شرعيتها حتى لو كانت معارضة. ومن أهم معايير شرعية المعارضة المسلحة صدقها وشفافيتها ونزاهتها وصراحتها مع الشعب. فكل ما هو خارج إطار الأسرار العسكرية التي يجب أن تُحجب عن النظام الحاكم يجب أن يكون حقيقياً أي صادقاً أمام الشعب. لم تكن المعارضة السياسية السورية حقيقية ولا صادقة في كثير من الأحيان. فهل كانت المعارضة المسلحة السورية متقدمة على رديفتها السياسية؟ هل قدمت إعلاماً وأخباراً وتحليلات ومواقف صادقة ونزيهة بعرض الايجابي والسلبي للشعب السوري التي تدافع عنه.
    رابعاًـ إن المقاومة المسلحة ليست أمراً طارئاً على تاريخ الثورات ولكن لها قوانينها واستراتيجيتها. ومن أشكال المقاومة المسلحة “البارتيزان” أو مايسمى بحرب العصابات وهو الشكل الذي تتبعه المعارضة المسلحة في سوريا ومثل هذا النوع من القتال المسلح يظهر في حالة عدم التكافؤ بالسلاح بين الطرفين. وهو يبدأ كحرب عصابات تعتمد على الكر والفر في داخل القرى والمدن. لكن حينما يفتقد البارتيزان لقيادة عسكرية وطنية موحدة معززة بخطاب عسكري وطني فوق كل الانتماءات التقسيمية للمجتمع وعندما يعجز عن وضع استراتيجيات وتكتيكات القتال التي ينفذها كل المقاتلين، حينها تتحول المعارضة المسلحة الثورية إلى مجموعات قتالية تستمر بقوة السلاح ولاترى هدفا لها إلا قهر النظام بأي وسيلة مما يدفعها إلى القيام بعمليات تخريبية وتدميرية للمجتمع والدولة معا وفقدان شرعيتها الشعبية اللازمة.
    فما هي قواعد حرب العصابات أو البارتيزان؟
    تعمل البارتيزان كما كتب أستاذ القانون للدولة كارل شميت كشكل من أشكال المقاومة المسلحة والتي تمارسها المعارضة المسلحة في سوريا على زعزعة كيان السلطة. وتكمن خطورتها في أنها تخلق لنفسها وبنفسها شرعيتها عندما تنهار الدولة أو قبل انهيارها وتشرع لنفسها الحق والقانون والنظام الخاص بها. إن هذا الشكل من المقاومة المسلحة يجعل البلاد في حالة طوارئ دائمة ومهددة بالفوضى وزعزعة الأمن . في ظل حرب البارتيزان أو ما يسمى بحرب العصابات ضد جيش السلطة الحاكمة ينهار النظام برمته في البلاد ـ النظام ليس بالمعنى السياسي للكلمة وإنما بالمعنى الحرفي لها ـ وهذا ما تشهده سوريا اليوم. فلا وجود للقانون اليوم أمام العنف الذي يفرضه القتال المسلح. وهذا يفرض واقعاً جديداً على الثورة وهو أن القتال المسلح سيحتكر إلى درجة كبيرة تحديد مصير الحراك الشعبي والقوى الشعبية المدنية الثورية في غياب القيادة السياسية التي يجب أن ينضوي تحت مبادئها. وهذا من طبيعة وتبعات المقاومة المسلحة. والتراجع الهائل لدورالحراك المدني السلمي الثوري في سوريا يؤكد ذلك.
    بدأت المعارضة المسلحة باسم الجيش الحر في سوريا كجزء من الشعب المقهور بصفته الطرف الأضعف والمدافع عن النفس تحت وطأة عنف وهمجية النظام ونشوؤه كان أمراً طبيعياً رغم العوامل الخارجية التي كانت داعمة له. إلا أن عسكرة الصراع تصاعدت إلى حد اللامعقول بين جيش نظام الأسد المتغول وجيش غير منظم بلا رأس عسكري ثوري. وتحول دور السلاح من الدفاع عن النفس إلى كيان المعارضة المسلحة غير المتماسك. وهذا سيدفع بحسب طبيعة الأشياء إما إلى معركة حاسمة بين الطرفين إذا زادت قوة المعارضة وضعفت صلابة الجيش النظامي أو إلى تحول المعارضة المسلحة إلى قوام يشبه العصابات بدون معركة حاسمة وتستمر المعركة التدميرية للإنسان والبلاد إلى فترة طويلة يهلك فيها الجميع.
    إذا أردنا أن نتجاوز مستوى المراهقة السياسية التي تمارسها المعارضات السورية في تقييمها وتحليلها للجيش الحر أو القتال المسلح في سوريا وإذا تعاملنا مع واقع المعارضة المسلحة بمسؤولية وطنية ونضج سياسي وتحليل عقلاني بعيد عن اللغة العاطفية والشعبوية فعلينا أن نحلل بعمق واقع عسكرة الثورة ونضع أيدينا على مشكلاتها ونطرح بلاخوف ولاتردد قراءتنا لنسبة نجاح القتال المسلح من عدم نجاحه وتعبيره عن الثورة أو انحرافه عنها. ما عدا ذلك نكون حفنة من متسلقين سياسيين لا نكترث إلا للتعبئة الشعبوية والتسلق الانتهازي.
    إن الاستراتيجية العسكرية والطريقة التي يقوم عليها القتال المسلح للمعارضة في سوريا اليوم لاتدعو إلى التفاؤل. ففي الوقت الذي مازال جيش النظام وأجهزته العنفية تعمل بتماسك إلى حد كبير رغم كل الهزات الارتجاجية التي أصابته وفي الوقت الذي يطور النظام من آليات سيطرته على المعارضة المسلحة والتي وصلت إلى حدود العقاب الجماعي لسكان كل منطقة تتواجد فيها كتائب مسلحة بتدمير الذات الإنسانية للمواطن السوري بتهديد الشروط الوجودية لعيشه نرى أن المعارضة المسلحة لم تطور استراتيجيتها العسكرية ولا خطابها العسكري ولا تكتيكاتها الحربية. فلا هي استطاعت أن توحد القيادة العسكرية والخطة العامة ومنظومة الأمر والتنفيذ العسكرية، ولا هي تعطي الفرصة لمن تؤهلهم كفاءاتهم ومعرفتهم العسكرية لأن يقدموا خطاباً عسكرياً جدياً بدل الخطاب السياسي الديني والطائفي الذي يهيمن على لغة الكثير من المقاتلين ولااستطاعت أن ترسخ صورة سلوكية وأخلاقية عامة تترك الانطباع أن هؤلاء المقاتلين هم مقاتلون من أجل حرية الشعب السوري بأكمله دون زيادة أونقصان حتى تستحق بجدارة لقب جيش تحرير شعبي على طريق تحقيق الحرية والكرامة والعدل لكل السوريين بكل طوائفهم وقومياتهم وولاءاتهم. مؤيدين للمعارضة المسلحة أو خائفين منها.
    وضع منظري الكفاح المسلح الثوري مثل ماوتسي تونغ وتشي غيفارا تصورات عامة عن قوانين القتال المسلح ضد سلطة استبدادية حاكمة باعتبار أن المرحلة الأولى من الكفاح المسلح تُبنى على الدفاع الاستراتيجي القائم على إضعاف الخصم بشرط أن يكون هذا الكفاح المسلح مدعوماً من الشعب يتكامل فيه عمل الهجوم التكتيكي مع الاستراتيجية الدفاعية ضمن خطة توازن مع الخصم. في المرحلة التالية تبدأ عمليات تحول تدريجي من الشكل اللانظامي المبعثر للمعارضة المسلحة إلى الشكل النظامي. وفي المرحلة النهائية تبدأ الأشكال غير النظامية للوحدات القتالية بالانحلال ويتخذ الجسم العسكري لنفسه شكلاً نظامياً في هيكليته وهرميته وإصدار الأوامر وطرق التنفيذ مشابها للجيش النظامي. ولابد من توفرشرط لازم وحاسم وهو تطبيق سياسة صارمة فيها أقصى الانضباط بقيم الثورة وأهدافها. وعمليات الانضباط هذه تشمل تجنب أعمال النهب والخطف والانتقام التي حدثت في سوريا ومازالت على أيدي قسم من حاملي السلاح.
    على المعارضة المسلحة أن تتذكر دائما الحكمة الغيفارية بأن حرب العصابات تستمد قوتها وشرعيتها من المد الشعبي الكبير وعليها أن تكون دائما خط الدفاع الأول للشعب. شرعيتها تتآكل عندما تكون لفئة دون أخرى من الشعب أو مشبعة بايديولوجية أو مرجعية دينية لاتشمل كل أبناء الشعب. فالخطاب الانتقامي والطائفي هو أحد أبرز ظواهر انحراف الثورة السورية وعلينا مواجهتها بجرأة ووعي حتى لانخسر التغيير الثوري برمته في نهاية المطاف.
    فمن أين تستمد المعارضة المسلحة المسماة بالجيش الحر أو بأسماء أخرى شرعيتها الشعبية حينما تقوم بالاغتيالات الطائفية أو تمارس التعذيب والإذلال والإعدام الميداني على أسراها من الأمن أوالجيش وهذا بالتحديد ماكنا نصفه بالهمجية حين كان ومازال يصدر عن النظام المجرم؟ من أين تستمد شرعيتها الشعبية حينما تتحدث عن حرب بين السنة والشيعة أو العلوية كما يريدها لنا من يسمون أنفسهم بأصدقاء سوريا أو أصدقاء النظام؟ ما الذي يميز خطاب المعارضة المسلحة عن خطاب النظام حينما يتحدث أحدهم عن سنة وشيعة وعلوية ويتكلم الآخر عن سلفية واسلامية وارهابيين؟ إن الخطابين هما تحت سقف الوطنية التي تجمع الجميع وتساوي الجميع في الحقوق الانسانية. إن الخطابين يدعوان بشكل غير مباشر إلى حرب تقسيمية أهلية بعيدة المدى عراقية المنحى. كيف يمكن للشعب أن يعتبر أن المعارضة المسلحة هي الذراع العسكرية للثورة التي كان أحد مبادئها: “واحد واحد واحد الشعب السوري واحد” والتي كانت تقدم أرواح أبنائها من أجل بناء دولة مدنية لاإمارة دينية ولا دولة إخوانية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أيضاً تأثير الخارج في تصدير الخطاب والفكر الديني المتشدد أو السلفي الغريب عن الخطاب الديني المعتدل للمجتمع السوري إلى صفوف الكتائب المقاتلة فيزداد حينها تهديد انحراف الثورة عن سقفها الوطني الذي يضم الجميع. ويصبح العدو ليس النظام السوري الطائفي والمستبد فحسب وإنما ربما العلويون أوالشيعة أو غير ذلك من التصنيفات أيضاً.
    هناك فرق أيضا بين ضرب أهداف عسكرية محددة للنظام تعمل على إضعاف أجهزته العنفية وبين ضرب مؤسسات الدولة بدافع من الجهل والانتقام. فضرب مؤسسات الدولة ودعائمها يعني المساهمة في عوامل الفقر والفوضى وغياب الأمن لسنوات طويلة بعد سقوط النظام وهذا سيكون في صالح الدول التي تنتظر شركاتها عقود العمل مع سوريا بعد النظام حتى تجمع أرباحها على عظام شهدائنا وجهل معارضتنا. إن لم تميز المعارضة المسلحة بين إسقاط السلطة والنظام وبين تهديم كيان الدولة ومؤسساتها فعلى الدنيا السلام ورحمة الله على الثورة.
    ما يحدث اليوم في سوريا حرب إبادة ليس مصدرها النظام فقط الذي بات يحرق كل شيء من أجل بقائه وإنما أيضا المعارضة المسلحة التي تريد أن تطيح بالنظام ولكنها بدأت تطيح بالمجتمع دون أن تشعر. لا يمكن مساواة عنف وإجرام ودموية النظام بعنف المعارضة المسلحة أبداً. فالنظام السوري يظل المسؤول الأول والأخير عن كل الدمار الذي يحدث للناس والمجتمع. ولكن الطرفين ـ الحاكم والمحكوم ، الظالم والمظلوم ـ يحطمان اليوم أسس الدولة وبنيتها التحتية شيئاً فشيئاً ويهددان وحدة البلاد الوطنية. النظام يفعل هذا عن عمد وإرادة والمعارضة السياسية المسلحة تفعل هذا عن غير قصد وعن جهل بقواعد المقاومة المسلحة. ولكن النتيجة واحدة حتى هذا اليوم تدمير المجتمع وجزء من مؤسسات الدولة التي هي ملك للشعب. لنعمل جميعاً نحن السوريون الناشطون والراكدون، السياسيون والعسكريون لنعمل جميعاً بالفكر والممارسة على تصحيح مسار الثورة على الصعيد السياسي والعسكري والمدني ونرسخ أن الوطنية والمواطنة للجميع فوق الانتماءات الدينية أو القومية أو الرهانات الخارجية حتى ننقذ الوطن والثورة. المطلوب منا جميعاً التفكير ثم التفكير ثم التفكير بكل عمل سياسي أو عسكري نتبناه ضد هذا النظام الخائن الذي يسبقنا بالتفكير والتخطيط لإبادة المواطن السوري والمجتمع معاً.
    المصدر: مجلة جدلية الالكترونية