ملاحظات حول المجلس الوطني وهيئة التنسيق

ناصر الغزالي

شهدت الساحة السورية تجاذبات مختلفة بين قوى المعارضة السورية منذ بداية انتفاضة الحرية والكرامة إلى الآن تجلت من خلال عدة مؤتمرات ولقاءات في عدد من الدول تمخضت عن تشكيل هيكلين للمعارضة هما "هيئة التنسيق الوطني" و"المجلس الوطني"
قبل التحدث عن هذين الهيكلين لابد من تسجيل المعطيات التالية:
1- التدخل الأجنبي أصبح حقيقة واقعة :
... بالإضافة إلى عدد كبير من دول العالم لم تبق دولة في المحيط السوري والإقليمي إلا وتدخلت بصورة أو بأخرى في الشأن السوري حتى أن بعض الدول الإقليمية مثل تركيا اعتبرت ما يحصل في سوريا شأن داخلي، وذلك إضافة إلى حزام أمان للنظام تقدمه إسرائيل وإيران الرافضتين لأي تغيير في سوريا. وهناك نشاط محموم من قبل الكيان الصهيوني في العالم وأروقة الأمم المتحدة لإبقاء الوضع على ماهو عليه إضافة إلى النشاط الإيراني المبطن لتقديم الحماية باستخدام القوة الناعمة التي تملكها إضافة إلى تدخل دول الخليج قاطبة من خلال الماكينة الإعلامية والمالية لتجيير الوضع السوري لصالحها دون تفعيل الثورة ودفعها لتصل إلى مبتغاها في المدنية والديمقراطية التعددية.
في هذا الشأن تعتقد الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الغربية والكيان الصهيوني ودول الخليج أن التدخل في الشأن السوري لا حاجة له وذلك لأن الدولة السورية تزداد ضعفا وهشاشة وأيا يكن القادم للحكم فهو سوف يقدم التنازلات المطلوبة بسبب هذا الضعف. ويراهن هؤلاء جميعا على بقاء الأمر كما هو حتى يتم إنهاك الدولة السورية بالكامل.
2- سلمية الحراك مازلت قادرة على الصمود رغم ضعفها في بعض المناطق أمام قوة عسكرة الانتفاضة:
تنادي جميع قوى المعارضة سياسية كانت أو أهلية أو شبابية بسلمية الحراك لكن كل الوقائع تشير إلى عكس ذلك، فمنذ اللحظة الأولى دفعت السلطة السورية بكل قوتها العسكرية والإعلامية للعمل على عسكرة الانتفاضة متخذة نهجا فاشيا في استباحة المجتمع الأهلي وفصله عن السياسي والمدني مراهنة على التخبط الذي يعيشه المجتمع الأهلي بالضرورة بسبب تكوينه وبنيته إذ أن المحرك الأساسي للمجتمع الأهلي هو الجانب العاطفي وردود الفعل، لذلك يأخذ الفعل الثوري شكل رد الفعل المباشر على همجية مباشرة من قبل النظام. كل هذا إضافة إلى عدم قدرة المدني والسياسي على ضبط ردود الفعل وتسييس الواقع وجعله في خدمة الثورة من أجل بناء دولة سورية ديمقراطية مدنية قوية بل وعلى العكس أصبح السياسي والمدني يخضعان لمعطيات الأهلي ليصبح الأخير هو الناظم لعمل الثورة .
3- تشظي المجتمع السوري على أساس طائفي :
دفعت السلطة بكل إمكانيتها لزيادة هذا التشظي من أجل استبعاد جزء كبير من المجتمع الأهلي السوري خارج الحراك الثوري من خلال ممارسة كافة الأساليب لتخويف هؤلاء من المستقبل إذا نجحت هذه الثورة، إضافة إلى ما تقوم به بعض قوى المعارضة على المستوى الإعلامي في تكريس فكرة أن الثورة قائمة على سواعد مكون مجتمعي واحد ومتجانس. وأصبح المسكوت عنه حاضراً بقوة في المجالس الخاصة وبعض وسائل الإعلام من قبل كثير من الأطراف بما في ذلك قسم من المثقفين السوريين وهذا يشكل خطرا فعليا يكمن في تحول الثورة إلى حرب أهلية تأكل الدولة السورية .
4- العلاقة المتوترة بين الفاعلين الأساسين في الثورة وهم الشباب ورجالات السياسة الكبار وشعور الشباب أن الكبار يستخدمونهم أداة ومحرقة لمآرب شخصية وسياسية دون مشاركتهم بشكل مباشر بالقرارات والتشكيلات السياسية التي ظهرت في الآونة الأخيرة كالمجلس الوطني وهيئة التنسيق.
5- التعامي أو السكوت من بعض الأطراف عن بعدين أساسين يشكلان محورا أساسيا في وجدان الشعب السوري وهما البعد الوطني والحرية الاجتماعية إضافة إلى العدالة الاجتماعية وتقسيم الثروة.
لعب النظام دور الفاعل الرئيس في تلك المعطيات، لكن هذا الأمر لا يعفي المعارضة من تحمل المسؤولية أمام هذا الخراب في العمل على إيقافه.
منذ بدء الانتفاضة كان للدم المسال على أرض سوريا والذي سال بسبب فاشية السلطة وعنجهيتها الكلمة الأولى في انتشار واستمرار الانتفاضة التي دفع فيها المجتمع الأهلي السوري كل إمكانياته المتاحة ومازال، وذلك من أجل إسقاط نظام فاشي مرهون لعصابة مرتبطة فيما بينها بعلاقات معقدة لا يمكن تفكيكها إلا بالخلاص من هذه العصابة، مما يستلزم عودة السياسة إلى المجتمع الأهلي من خلال البنى السياسية والمدنية السورية، لكن نتائج تشكل القوى السياسية والمدنية جاءت مخيبة للآمال إذ مازال التشكيلان المعارضان للسلطة قاصرين عن الارتقاء إلى المسؤولية التاريخية التي تقع على عاتقهما بعد كل تلك التضحيات الكبيرة التي قدمها المجتمع الأهلي السوري.
وفي المقارنة مابين هذين الهيكلين نجد التالي:
1- التكوين:
يتكون المجلس الوطني من المجلس الوطني السابق والمؤلف من 70 شخصية تم اختيارها من قبل خمسة أشخاص وعلى أساس طائفي ومناطقي دون أخذ اعتبار لإمكانيات كل شخص ولخبرته السياسية وفاعليته، إضافة إلى إعلان دمشق وحركة الأخوان المسلمين وبعض القوى الإسلامية المستقلة إلى جانب بعض الأحزاب الكردية والشخصيات المستقلة في الخارج السوري إضافة إلى قوة شبابية تمثل فيها لجان التنسيق المحلية وبعض القوى الشبابية الأخرى .
تتكون هيئة التنسيق الوطنية من خمسة عشر حزباً معارضاً وطرف إسلامي وعدد كبير من الشخصيات الوطنية والثقافية في داخل سوريا إضافة إلى عدد من المجموعات الشبابية وعدد من الشخصيات الوطنية في الخارج.
نلاحظ على مستوى التكوين النقاط التالية:
- كلا الهيكلان يتكونان من كافة المرجعيات السياسة والأيديولوجية.
- يغلب على المجلس الوطني الطيف الإسلامي السياسي إذ يشكل 60% من مكوناته ويعتمد على التقسيم الطائفي في توزيعه بينما يغلب على هيئة التنسيق الوطني التيار القومي واليساري مع وجود كم كبير من الشخصيات المستقلة ويعتمد في توزيعه على التقسيم السياسي.
- يهيمن على المجلس الوطني وجود القوى السياسية والشخصيات السورية التي تعيش خارج سوريا بعكس هيئة التنسيق التي يهيمن عليها وجود القوى السياسية والشخصيات العامة في داخل سوريا.
- يتميز المجلس الوطني بتناقضات كبيرة في مكوناته بينما يغلب على هيئة التنسيق الانسجام السياسي نسبياً.
- كلا الطرفان يعتبر القوى الشبابية طرفا ظرفيا وليس شريكا فعليا في القرارات والمهام الموكلة للهيكلين.
2- الأداء والفاعلية:
يعتمد المجلس الوطني على حرية كبيرة في الحركة إضافة للإمكانات المالية والإعلامية لتنفيذ سياسته، مع العلم أن تلك الإمكانيات المالية والإعلامية تستبطن في داخلها مؤثرا قويا في سياسة المجلس الوطني للأطراف الداعمة على المستويين الإعلامي والمالي لذلك يملك المجلس قوة مؤثرة فيما يخص الأداء والفاعلية بينما لا تملك هيئة التنسيق الوطنية هذه الحرية في الحركة بسبب وجودها داخل سوريا إذ أنها محكومة بقوة النظام الاستبدادية وهمجيته إضافة لعجزها المادي والإعلامي تبعا لعامل ذاتي هو طبيعة تكوينها الذاتية ولعامل خارج عن إرادتها ويتعلق بسياسة المؤسسات الإعلامية والداعمين الماليين. ونلاحظ على مستوى الأداء والفاعلية النقاط التالية:
- يمتلك المجلس الوطني قدرة إعلامية كبيرة من خلال قناتين فضائيتين هما "الشعب" و"بردى" إضافة إلى كافة أقنية الخليج التي لا تجد في المجلس الوطني خطرا مستقبليا يهدد بنيتها ، بينما تجد هيئة التنسيق كل طرق للتعبير عن نفسها مغلقة أمامها بسبب العاملين الذاتي والخارجي، الوارد ذكرهما آنفا.
- يمتلك المجلس الوطني قدرة كبيرة على المستوى المالي وذلك لوجود كثير من مؤسسات التمويل الداعمة الموجودة في دول غربية وعربية خليجية بينما تفتقد هيئة التنسيق لتلك الإمكانيات المالية بسبب سياساتها الرافضة للدعم المالي .
- بعكس هيئة التنسيق يحظى المجلس الوطني بدعم كبير من الخارج حيث يقود حملته وحراكه ويوظف موارده وحيث قام بتأسيس شبكة علاقات واسعة تتضمن فيما تتضمنه مؤسسات إعلامية وأكاديمية وتمويلية.
- يمتلك المجلس قدرة عالية في حرية الحركة وأخذ القرارات بعكس هيئة التنسيق التي يغلب عليها البطء الشديد في أخذ القرارات بسبب طبيعتها التكوينية .

3- المراقبة والشفافية:
تلعب طريقة التكوين لكل طرف دورا أساسيا في عملية المراقبة والشفافية على كافة الصعد السياسية والإعلامية والمادية إذ لا يمتلك المجلس الوطني في آليات عمله طريقة للمراقبة أو الشفافية في الوقت الذي يرزح فيه تحت ثقل الهدف وهو إسقاط النظام بأي وسيلة أو طريقة لذلك يقوم بتجريب كل الاحتمالات وباستخدام كافة الموارد والإمكانيات التي لديه للوصول لهذا الهدف على حساب المراقبة والشفافية في العمل بينما تبدو هيئة التنسيق الوطني وبسبب طبيعتها ووجودها في الداخل أكثر حذرا لذلك تحاول أن تؤسس عملها على المراقبة والشفافية رغم ندرة الموارد والإمكانيات التي بحوزتها وعدم وجود التمويل .

4- الأجندة السياسية:
تمثل الأجندة السياسية لكل طرف جوهر وجوده والمحرك لآليات عمله، وبالرغم من اتفاق هيكلي للمعارضة على تأسيس الدولة المدنية الديمقراطية التعددية إلا أنهما يختلفان بشكل جوهري حول ماهية الدولة المدنية والديمقراطية وحول آليات الوصول لهذه الدولة المنشودة إضافة للخلاف الناشب حول تحديد ماهية الدولة قبل سقوط النظام أو بعد سقوطه إذ يجد المجلس الوطني أن المهمة الرئيسية الآن هي إسقاط النظام بكافة الطرق تحت ذريعة "الغاية تبرر الوسيلة" ويرى أن من الممكن بعد ذلك أن يتم الاتفاق على ماهية الدولة. وبالإضافة لهذا يتبنى المجلس خطاب المجتمع الأهلي وآليات عمله دون تقديم أي شيء جديد له على المستويين السياسي والمدني وبهذا يعتمد على الجانب العاطفي والغريزي للحراك دون التركيز وتحليل مقدرة هذا الحراك على تنفيذ تلك الشعارات المطروحة. في الجهة المقابلة تركز هيئة التنسيق الوطني على نقل الراية من المجتمع الأهلي إلى البنى السياسية والمدنية مع تركيزها في مشروعها على ماهية الدولة بعد إسقاط النظام من خلال تحديد المفاهيم الخاصة بالمدنية والديمقراطية التعددية ومن هنا جاءت رؤيتها لإسقاط النظام على أساس إسقاط الاستبداد والفساد والنظام الأمني، وهذا ما اعتبره المجتمع الأهلي عدم وضوح في الرؤية حول إسقاط النظام. .
نلاحظ على مستوى الأجندة السياسية النقاط التالية:
- اعتماد المجلس الوطني على تحرك المجتمع الأهلي في أخذ قراراته وأجندته السياسية بغض النظر عما إذا كانت تلك القرارات متفقة مع الواقع أو لا، أي انه يلامس الحس الغريزي وردة الفعل المباشرة لدى المجتمع الأهلي بعد تعرضه للسحق من قبل النظام، بينما تعتمد هيئة التنسيق الوطني على المعطيات السياسية والوضع الدولي بعيداً عن التطابق مع متطلبات المجتمع الأهلي.
- جاء تشكيل المجلس الوطني تحت ضغط الخارج ومتطلبات المجتمع الأهلي، بينما جاء تشكيل هيئة التنسيق الوطني تحت ضغط الداخل ومتطلبات المجتمع المدني والسياسي.
- جاءت الرؤية السياسية لمستقبل سوريا عائمةً وبدون أسس واضحة لدى المجلس الوطني، بينما تمتلك هيئة التنسيق الوطني رؤية سياسية واضحة نسبياً.
- تبدو نسبة الاستقلالية في اخذ القرارات لدى المجلس الوطني هشة بسبب ارتباطه بمتطلبات الخارج ووقوعه تحت تأثيرها، بينما نجد الاستقلالية في أخذ القرارات لدى هيئة التنسيق الوطني قوية بسبب ارتباطها بمتطلبات الداخل وعدم خضوعها لمساعدات خارجية مرفوضة لدى الهيئة.
- يقوم المجلس على محاصصة بين الأطراف فهو يملك شعار سياسي يتمثل في إسقاط النظام دون برنامج سياسي بينما هيئة التنسيق تقوم على تجمع سياسي له مشروع سياسي غائم في تفاصيله.
- الخطاب السياسي الذي يميز المجلس هو خطاب ذو مستويات ومضامين متفاوتة ومتناقضة كونها لا تأتي على مشروع سياسي واضح ويظهر ذلك في شعار الحماية الدولية والتدخل الخارجي بينما الخطاب السياسي للهيئة رغم وضوحه لكنه مسكون بتفاوت تعابير الأشخاص المتحدثين باسمه.
- الحوار كشكل من العمل السياسي مع أي فريق أو جهة سياسية هو ما يلجأ إلية الفرقاء للتوصل إلى حلول نهائية أو توافقية في سياق الطرح الثوري السلمي بل وحتى المسلح وهذا يعبر عنه في عملية الانتقال من الاستبداد والفساد إلى مجتمع ديمقراطي وفق توصيف هيئة التنسيق، في حين لا نجد مثل هذا الخطاب في أجندة المجلس الوطني.
- يتجنب المجلس الوطني ذكر القضية الوطنية والصراع القائم مع الكيان الصهيوني تحت حجة أن هذا الأمر يبحث بعد الخلاص من الديكتاتورية بينما يحضر هذا الملف لدى هيئة التنسيق بقوة.

4- تعهدات العمل:
التزم المجلس الوطني وهيئة التنسيق الوطنية بثلاثة أسس لعملهما ألا وهي سلمية الحراك ورفض الطائفية ورفض التدخل الخارجي إلا أن كلا الطرفين يتمايز في ممارسة تلك التعهدات من خلال الأمور التالية:
- تبدو السلمية لمكونات المجلس الوطني إعلامية إذ يغلب على آلياته الميل إلى السكوت عما يجري من عسكرة واضحة للانتفاضة وتشجيع انشقاقات الجيش التي تشكل جزءا كبيرا من العمليات العسكرية كما يتخذ موقف الصامت عن بعض التشكيلات الصغيرة خارج الحدود والتي تقوم بتنفيذ عملياتها في الداخل السوري بل أن بعضا من أطراف المجلس تدعم هذا التوجه على المستويين المادي واللوجستي. أما هيئة التنسيق فتتبنى السلمية باعتبارها تعهدا وقناعة راسخة لديها لكنها لا تملك الفعالية ولا الإرادة لتكريس السلمية بسبب عدم تفاعلها مع الحراك بشكل يكفي لتأسيس هذه القناعة.
- يبدو رفض المجلس الوطني للطائفية خافت جدا وهذا ظاهر من خلال صمته عما يجري من احتقان طائفي في بعض المناطق وعدم مواجهته بشكل واضح بل أن جزءا لا يستهان به من مكونات المجلس قائم على أسس طائفية ، بينما تجد هيئة التنسيق الوطني نفسها متفاعلة مع هذا الاحتقان رغم عدم قدرتها على إيقافه ورغم قناعتها المطلقة بنبذ الطائفية بشكل كلي .
- ربما يعتبر التدخل الخارجي العنصر القوي في الخلاف وجوهر التمايز بين الهيكلين بما له من تداعيات على المستوى الداخلي والمستقبلي للدولة السورية فالمجلس الوطني يعتبر أنه لا يوجد إمكانية للتخلص من النظام إلا بمساعدة الخارج، رغم تباين مواقف بعض أعضائه بشأن المساعدة الخارجية، لكن الجسم الرئيسي والمؤثر في المجلس يراهن بشكل كبير على تدخل الخارج حتى لو كان عسكريا دون اعتبار للعواقب التي ستنجم عن هذا التدخل وذلك استجابة لمتطلبات المجتمع الأهلي كما يصوره، مستخفا بقدرة الشعب السوري على انجاز مهمة تحرره من الديكتاتورية تحت وطأة الهمجية التي يرتكبها النظام بحق الشعب السوري. من جهتها ترى هيئة التنسيق الوطني أن أي تدخل في الشأن الداخلي السوري باستثناء منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني العالمي سيكون كارثة تحل على الدولة السورية، بل إن بعض الأطراف في هيئة التنسيق يعتبر بحث هذا الموضوع أو الموافقة عليه خيانة عظمى .

من المحتمل أن مايدور خلف الكواليس من قبل الهيكلين أهم بكثير مما يحدث ويتم التعبير عنه في وسائل الإعلام من خلافات بينية على المستويين السياسي والشخصي بين الطرفين. ويجد المتابع للأمور والتفاصيل المحيطة بكل منهما من الصعوبة بمكان توحيد هذين الهيكلين من خلال تحالف سياسي يشمل الجميع حسب حاجت قوى الانتفاضة ومطالبها. وما الوعود من قبل الطرفين إلا وعودا غير ممكنة وبيعا للأوهام على المدى المنظور بسبب تعقد الوضع الدولي وموقع سوريا الجيوسياسي، فلا المجلس قادر ضمن هيكليته على تنفيذ أجندته في إسقاط النظام وحماية المدنيين والحصول على الاعتراف به كممثل شرعي ووحيد ولا هيئة التنسيق قادرة أن تكون رافعة للعمل السياسي في الداخل السوري وأن تقوم بتنفيذ أجندتها في القضاء على الاستبداد والفساد وتفكيك السلطة الأمنية ضمن آليات العمل التي تتبعها. هذا بالإضافة إلى عدم قدرتها على الانخراط بشكل مباشر في الحراك الأهلي، لذلك في اعتقادي لتفعيل العمل والاستمرار بشكل يعطي نتائج جوهرية على الأرض يستلزم استمرار الانتفاضة والوصول إلى غايتها الأمور التالية:
1- وحدة الهدف
ليس من اللازم بالضرورة أن تتوحد قوى المعارضة في الرأي لكن من الضروري أن يكون لدى الطرفين هدف مشترك واضح يعمل عليه كلا الطرفان.
2- القبول الكامل بشرعة حقوق الإنسان.
إن قبول هذا الأمر لدى الطرفين دون تبني مبررات وأعذار حول خصوصية الوضع السوري سيشجع كثيرا من الناس المرتابين من الحراك الشعبي على أن يتعاطفوا معه ويدفع أيضا كثيرا من رجالات السلطة إلى التخلي عن نظام العصابة التي تحكم البلد بسبب شعورهم أن هناك نظام مواطني سوف يحكم البلد مستقبلا.
3- الشفافية والمصداقية.
الشفافية والمصداقية ليسا مجرد شعارين يرفعان بل هما ممارسة عملية من أجل كسب ثقة الناس بالقوى السياسية التي ستحكم البلد في المستقبل. إن على الهيكلين أن ينسجما في هذا الأمر لأن العمل الثوري يتبنى القيم والأخلاق المنافية للديكتاتورية وسجلها الذي تنعدم فيه الشفافية والمصداقية. ومع هذا فإن كل المؤشرات حول ممارسة الشفافية والمصداقية لدى الهيكلين ضعيفة إن لم تكن معدومة لدى بعض الأطراف في المجلس الوطني.
4- تحديد المسار
على طرفي المعارضة أن يحددا المسار لمستقبل سوريا بشكل واضح بعد سقوط النظام وهذا يستلزم رؤية واضحة في هذا المجال.
5- المصالحة الوطنية .
على قوى المعارضة السياسية والشبابية أن تأخذ في حسبانها وبشكل دائم أن المصالحة الوطنية جزء من آليات عملها من أجل الدولة السورية بعيدا عن الثأر والضغينة والحسابات الضيقة لما لهذا الأمر من أهمية في الوحدة الوطنية ومستقبل الأجيال في سوريا.
ترى هذه الدراسة أن هذه النقاط الرئيسية الخمس تمثل أساسا لنجاح الانتفاضة إلى جانب بعض النقاط الفرعية الأخرى مثل اتفاق قوى المعارضة على ورقة عمل مشتركة محددة النقاط في الزمان والمكان، إضافة إلى المساندة المالية والمعنوية لقوى الحراك دون محسوبيات مناطقية أو طائفية، وإيجاد بدائل إبداعية يشارك بها الجميع لتفعيل الانتفاضة دون الاعتماد على التظاهر كشكل وحيد للمقاومة المدنية ضد الديكتاتورية، وتفعيل سلمية الحراك، ورفض الطائفية، ورفض التدخل الخارجي قولا وفعلا .

 

الاستاذ ناصر الغزالي
مدير مركز دمشق للدراسات النظريه و الحقوق المدنية