حقائق عن الشهيد صلاح جديد

 

صلاح جديد ظاهرة فذة

 

                      ومدرسة ثورية زاخرة بالأخلاق والفضيلة وحب الوطن

    

 

(زفرات حرة ... مع ذكريات حلوة ... ومرة...) 

 

أواخر آب١٩٩٣            

    محمود جديد 

 

إن الكتابة عن الشهداء لتخليد ذكراهم، وإلقاء الضوء على القيم والأهداف التي ضحوا بأنفسهم من أجلها أمانة في أعناق رفاق دربهم ... والكتابة عن العظماء واجب وطني وقومي، لأنهم مدرسة غنية يجب أن تنهل منها الأجيال على طريق بناء مستقبل الوطن والأمة ... والكتابة عن الأصدقاء تعبير عن الوفاء..

والكتابة عن ذوي القربى تاريخ لأسرة وعزاء وسلوان .. والكتابة عن الرفاق واجب حزبي لكشف الجوانب الأساسية من مسيرتهم النضالية .. ولهذا كله فقد شعرت بشيء من الوجل والمهابة عندما فكرت في الكتابة عن الرفيق الشهيد اللواء صلاح جديد (أبي أسامة)، لأن مهمتي هذه ستكون صعبة لشعوري بأنني غير قادر على أن أفيَه حقه، لكونه بالنسبة لي شهيدا وعظيما وصديقا وقريبا ورفيقا..

لقد كان وقع المصاب الجلل على نفسي باستشهاد الرفيق: صلاح كبيرا لدرجة أعجز عن تصوره ووصفه حيث شعرت بفداحة الخسارة على صعيد الأسرة، والحزب، والقطر، والأمة ... لأن أبا أسامة كان يجسد ظاهرة فذة وفريدة من نوعها من الصعب تعويضها في آجال قريبة ... ومن هنا فإن فردا بذاته لا يقدر على الإحاطة بكافة جوانبها، ولذلك تصبح مهمة الكتابة عنه مهمة جماعية تقع على عاتق الحزب الذي انتمى إليه، وعاش وناضل وضحى من أجل مبادئه وأهدافه، وكم أتمنى أن يأتي اليوم الذي أرى فيه لجنة خاصة مشكلة من ذوي الكفاءات لدراسة السيرة الذاتية لحياة الشهيد أبي أسامة، وتغطية مختلف جوانبها، والكشف الصادق والدقيق لمسيرته النضالية الغنية ...

ولد الشهيد في شهر كانون  الثاني (جانفي) من عام 1930 في قرية الحديدية التابعة لمنطقة تل الكلخ، محافظة حمص، حيث كان المرحوم والده محمد عزت جديد يعمل مدير ناحية هناك، وعاش طفولته متنقلا مع أسرته بين النواحي التي عمل بها والده، وبين قريته /دوير بعبدة/ التابعة لمنطقة جبلة محافظة اللاذقية ... وقد تحصل على الثانوية العامة في مدينة دمشق عام 1948، وفي هذا العام كان اخوته الثلاثة: غسان وفؤاد وصديق يجاهدون على ربوع فلسطين الحبيبة ضد الصهاينة كمتطوعين في جيش الانقاذ بقيادة المجاهد /فوزي القاوقجي/، وقد جرح أخوه صديق في إحدى المعارك ... وفي هذا المناخ الوطني على صعيد القطر والعائلة التحق الشهيد بالجيش ... وفي هذه الفترة توفي والدهم، وبقيت والدتهم ربة الأسرة المكونة من ثمانية أبناء وخمس بنات، وبالرغم من ألم فراق زوجها إلى مثواه الأخير، ووجود نصف أبنائها في ساحة الجهاد (جميع أبنائها الراشدين) بقيت مثالا للأم التي أدارت ورعت شؤون الأسرة، وكانت شامخة صبورة معتزة بنضال أبنائها، وهي مازالت على قيد الحياة، ورفضت مغادرة قريتها والعيش مع أولادها وبناتها في اللاذقية أو دمشق، وثابرت على زيارة الشهيد صلاح في سجن /المزة/ العسكري بالرغم من كبر سنها (حوالي 95 سنة)، وكان من آخر واعز أمنياتها قبل استشهاده أن تعيش ولو يوما واحدا بجوار أبنها صلاح في القرية بعد إطلاق سراحه، ولكن ذلك لم يتحقق، وبالرغم من هول وضخامة المصاب على نفسها فبقيت كشجرة السنديان العاتية على قمم الجبال الشاهقة صابرة صامدة كما عهدناها دائما...)    بعد وفاة عزيزها اختارت الصمت الممزوج بالألم والكبيرياء ، ولحقته بعد عام )

انتمى الشهيد صلاح جديد إلى حزب البعث العربي الاشتراكي في أواخر دراسته الثانوية، وانتسب إلى كلية الطب في جامعة دمشق، ولكنه غادرها ليلتحق بالكلية العسكرية في حمص عام /1949/ تلبية لرغبات رفاقه، وتنفيذا لتعليمات قيادته الحزبية ... وبعد تخرجه برتبة ملازم اختصاص مدفعية ميدان، انضم إلى الكتلة الحزبية التي كانت متواجدة في الجيش آنذاك بقيادة مصطفى حمدون، وعبد الغني قنوت وغيرهما ...، هذا وقد أمضى خدمته العسكرية قبل نقله إلى مصر بعد قيام الوحدة متنقلا بين معسكرات قطنا والقطيفة والقنيطرة، وقد ساهم في هذه الفترة بأهم حديثين سياسيين جريا في الجيش هما: الانقلاب ضد أديب الشيشكلي عام 1954، وعصيان قطنا عام 1957 دعما للضباط الوطنيين التقدميين في قيادة الجيش...

نقل الشهيد بعد قيام الوحدة مع عدد من الرفاق العسكريين للعمل في الجيش الثاني في الإقليم الجنوبي (مصر) وكان برتبة رائد وعين قائد كتيبة مدفعية ميدان في منطقة /فايد/ بالقرب من مدينة الاسماعيلية وكان معه في كتيبة مدفعية مجاورة أخرى المرحوم الشهيد عبد الكريم الجندي الذي كان من أعز وأحب رفاقه واصدقائه واقربهم إلى نفسه، وليس كما يدعي المشبوهون الذين حاسبهم المرحوم عبد الكريم عن جريمة ارتكبوها، أو عن عمل معاد للحزب والدولة اقترفوه ... هؤلاء الذين يحاولون بعد استشهاد الرفيقين صلاح وعبد الكريم أن يسيئوا للعلاقة الرفاقية المقدسة التي كانت تربط الشهيدين طيلة حياتهما النضالية المشتركة..

وفي نيسان من عام 1959 تخرجت من الكلية الحربية في القاهرة وعينت في /الشلوفة/ قرب مدينة السويس، وأصبحت على مسافة 30كم من مكان عمله، وقد زرته عدة مرات عندما كان يقيم في نادي ضباط /فايد/، ثم تكررت الزيارات بعد مجيء أسرته إلى الاسماعيلية، وأخذت أتعرف عليه عن قرب ... وفي عام 1960 نُقِلت الفرقة الثانية مشاة من منطقة قناة السويس إلى القاهرة وضواحيها، ولمّا كنا الاثنان نعمل بها فقد أصبحنا في مدينة واحدة، وفي صيف 1960 عاد إلى دمشق ليستكمل دورة أركان حرب بعد أن (كان قد أمضى القسم الأول من الدورة قبل نقله إلى مصر) وقد اتمها بدرجة امتياز ... ثم عاد إلى مصر، وعُيّن في عمليات مدفعية اللواء الرابع مشاة، هذا اللواء الذي كنت أخدم فيه قائد فصيلة مشاة، وبذلك أصبحنا في معسكر واحد، كما صرنا نسكن في بناية واحدة وطابق واحد في ضاحية مصر الجديدة، .. وبعد ذلك نُقِل ليعمل مدربا محاضرا في دورات الضباط القادة من اختصاص مدفعية ميدان (وهي دورة تكافئ تقريبا دورة أركان حرب)..

كان يؤمّ منزل الشهيد العديد من الضباط السوريين العاملين في القاهرة، ولا داعي هنا لذكر الأسماء، ولكن الشيء الذي لا يزال عالقا في ذهني هو احاديثهم عن الأخطاء المرتكبة من قبل أجهزة الوحدة في سورية سواء اكانت مصرية أم سورية، ومصير الحزب بعد حله، وأخطاء الحل، ونظرا لأنني انتسبت مبكرا لحزب البعث فقد كنت أتشوق لسماع تلك الأحاديث، والمهم هنا أن تشكيل نواة "اللجنة العسكرية" التي لعبت دورا هاما في الحياة السياسية السورية خلال حقبة الستينات كان أهم افرازات تلك المرحلة على الصعيد الحزبي داخل القوات المسلحة، لأنها بلورت أول صيغة تنظيمية لحزب البعث في الجيش السوري، بالرغم من تواجد كتلة سياسية له في السابق، والتي غاب معظم رموزها عن المسرح العسكري بسبب تعيينهم كوزراء، أو إحالتهم إلى السلك الدبلوماسي، أو التقاعد ... وربما كان سبب هذا الغياب وحل الحزب في سورية من العوامل الأساسية الدافعة لتشكيل اللجنة العسكرية ... لأن هذا الواقع افرز ضرورة وأهمية تشكيل حالة تنظيمية في الجيش ... وأنا على قناعة تامة أن  الكثير من السياسيين والكتاب والصحفيين  الذين تعرضوا للجنة العسكرية في كتاباتهم لم يحاولوا الكشف عن جوانبها الايجابية وبقي همّهم إبراز وتضخيم دورها في الحكم بعد قيام حركة 8 آذار 1963، وإلصاق صفة الطائفية على تشكيلها بالاقتصار على ذكر بعض أسمائها دون الآخرين علما أنها كانت تضم عناصر من مختلف الطوائف على الأساس الحزبي القومي المعروف فقط... ولا أظن لحظة واحدة أنّ أحدا منهم كان يفكر تفكيرا طائفيا في ذلك الوقت ... علما أن اللجنة العسكرية قدمت السلطة عقب الثامن من آذار 1963 على طبق من ذهب للتنظيم القومي برئاسة المرحومين الأستاذين ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار، ولم تستأثر بالسلطة بالشكل الذي حاول البعض تصويره وتضخيمه...

وعقب جريمة الانفصال التي فصمت عرا الوحدة بين سورية ومصر في 28 ايلول /سبتمبر/ 1961 عدنا إلى سورية، وبعد الوصول بفترة قصيرة أًحيل 63 ضابطا محسوبا على حزب البعث إلى وظائف مدنية، وكان الشهيد أحدهم ، حيث عُيّن في مؤسسة النقل البحري، وبالرغم من انهماكه في العمل الحزبي والسياسي فإنه استطاع أن يثبت وجوده كموظف مدني  خلال وقت قصير ويحظى باحترام وتقدير مدير المؤسسة وموظفيها... وفي هذه المرحلة تكثف النشاط الحزبي للرفيق صلاح بسبب وجوده في دمشق، وللحرية النسبية التي قامت بعد زوال قبضة عبد الحميد السراج المخابرتية التي اكتوى الشعب السوري منها حقبة ليست بالقصيرة، ولضعف حكم الانفصال، وعودة أشكال من المؤسسات الدستورية التقليدية ... وكان الشهيد يقضي معظم أوقاته خارج منزله منهمكا في نشاطه السياسي مع رفاقه الآخرين وقد تركز اهتمامهم على إسقاط حكم الانفصال والسعي الجاد لإعادة الوحدة مع مصر على أسس صحيحة ومدروسة، وفي هذا السياق وجهوا جهودهم آنذاك على اللواء المدرع المتواجد في /حمص/، لأن قائده العقيد: لؤي الأتاسي كان صديقا للحزب .. ولوجود مجموعة جيدة من الضباط الحزبيين عنده، ولموقع حمص الاستراتيجي الذي يفصل دمشق وجنوب سورية عن شمالها وشرقها وساحلها ... وفعلا حدث عصيان عسكري في حمص قاده العقيد لؤي الأتاسي ونجم عنه تقديم مطالب عديدة لرئيس الجمهورية ناظم القدسي من بينها عودة الضباط المسرحين، وقد وعدت القيادة بقبولها ثم ما لبثت ان تراجعت وادخلت قائد اللواء في السجن ... ولكن الأمور لم تهدأ ففي 28/03/1962 جرت محاولة انقلابية في حلب بزعامة العقيد جاسم علوان الناصري وقد ساهم بها رفاقنا المتواجدون في حلب وفي المناطق المجاورة لها، كما قدم إلى المدينة مجموعة من الضباط البعثيين المسرحين للمشاركة فيها وكان منهم المرحوم محمد عمران والشهيد، أبو اسامة، وحافظ الأسد، والشهيد عبد الكريم الجندي، وغيرهم.. غير أن المحاولة فشلت واُلقي القبض على رفاقنا العسكريين وبعض المسرحين منهم، واستطاع الشهيد صلاح وحافظ الأسد الفرار إلى لبنان، وفي طرابلس تم إلقاء القبض عليهما وايداعهما سجن المزة، وكنت يومها ملازما أولا، وأعمل قائد سرية مشاة في معسكرات قطنا وقد زرت الرفيق ابا أسامة في السجن استنادا إلى قرابتي له، وبعد حوالي ستة أشهر أُطلق سراح جميع المعتقلين من الضباط باستثناء المتهمين بحوادث قتل اثناء المحاولة الانقلابية في حلب أمثال: حمد عبيد، ومحمد إبراهيم العلي ... وبعد خروج الرفيق صلاح من السجن لم ينس رفاقه هؤلاء ، وعمل جاهدا مع رفاقه الاخرين من أجل تعيين محامين للدفاع عنهم، وتأمين المساعدات المادية لأسرهم وذويهم،ولازالت أتذكر أن الشهيد قد طلب مني تبرعا لهذا الموضوع، وقد قمت بواجبي حيال ذلك ... وعقب صدور الأحكام بإعدام بعض الرفاق الذين شاركوا في أحداث حلب زاد اهتمام الشهيد ابو اسامة ورفاقه كثيرا في الأمر، وكانت احد الأسباب بالتعجيل في الحركة العسكرية والتي قررت في البداية في 7 آذار كما تلقيته مسبقا قبل 24 ساعة من الشهيد بالذات، ثم تمت في 8/3/1963 وكانت مهمة الضباط الحزبيين في معسكرات قطنا معقل الانفصاليين منحصرة في تجميد القطعات المتواجدين فيها حتى لا تستخدم لضرب الوحدات التي ستتحرك من مناطق الجبهة وازرع والسويداء لتنفيذ الانقلاب، وبزغ فجر السابع من آذار ولم يحدث شيء، فاتصلت مع مجموعة من الرفاق الضباط الحزبيين العاملين في معسكرات قطنا، وكان أحدهم ابن دورتي وصديقي المرحوم: يوسف عرابي، وهو ضابط فلسطيني كان يعمل وقتها قائد سرية مدفعية مضادة للطيران في اللواء نفسه الذي كنت أخدم فيه، ولما كانت القوات بحالة استنفار شديد تم الاتفاق معهم على أن أستأذن ولو ساعات قليلة بحجة أسباب عائلية اضطرارية والاتصال مع الشهيد صلاح لمعرفة أسباب التأخر وتلقي تعليمات جديدة، وهذا ما حدث فعلا، فبعد جهد استطعت أن ألتقي معه فأخبرني بحدوث متاعب أمنية نجمت عن مداهمة أحد المنازل الذي كان الرفاق يجتمعون به، ولكن لا يعني ذلك العدول عن الأمر، وطلب منا الاستماع جيدا إلى إذاعة دمشق لتلقي النبأ مادامت مهمتنا مقتصرة على تجميد قطعاتنا العسكرية، وهنا لابد من الإشارة إلى كذب المعلومات التي زود بها الكاتب البريطاني /باتريك سيل/ ونشرها في كتابه /الأسد- الصراع على الشرق الأوسط/ بأن صلاح جديد دخل إلى دمشق أثناء حركة الثامن من آذار على دراجة هوائية، بينما في الحقيقة لعب دورا رئيسيا وفعالا في التخطيط والإعداد لها، وتنفيذها، إضافة إلى أنه كان يقيم ويعمل في دمشق نفسها ...

مرحلة السلطة: عُيّن الشهيد أبو أسامة نائباً لمدير إدارة شؤون الضباط بعد التحاقه بدورته التي ترفعت خلال فترة تسريحه إلى رتبة مقدم في بداية عام 1962، وبعد فترة قصيرة أصبح مديرا لإدارة شؤون الضباطلأن مديرها أصبح وزيراً، وبالرغم من مسؤولية هذه الإدارة متابعة كل ما يتعلق بشؤون الضباط من نقل وترفيع وتسريح واستدعاء إلى الخدمة الاحتياطية.. الخ، إلا أن مديرها لا يملك صلاحية الإقرار، وإصدار الأوامر الخاصة مباشرة، كما كتب وأشار إليها بشكل غير دقيق بعض الصحفيين والكتاب من العرب والأجانب، لأن الجهة المختصة بذلك كانت موزعة بين "لجنة الضباط"، وقائد الجيش (أو وزير الدفاع بعد إلغاء منصب قائد الجيش)، ورئيس أركان الجيش، وذلك تبعا لرتب الضباط المشمولين بذلك ولأهمية المناصب العسكرية... ونظرا لكفاءة الشهيد وإخلاصه في عمله، ولثقة رفاقه ورؤسائه فيه رُفع إلى رتبة لواء بشكل استثنائي ليتسلم رئاسة أركان الجيش، علما أنه كان سيرفع إلى رتبة عقيد في نفس الفترة أسوة بباقي رفاقه من خريجي الدورات العسكرية المؤهلين ... وإلى جانب هذه المسؤوليات العسكرية فقد عين عضوا في مجلس قيادة الثورة الذي شكل عقب 8 آذار، وكان يضم بعثيين وناصريين ومستقلين، كما انتخب في القيادة القطرية لحزب البعث فيما بعد ... وخلال هذه الفترة حدثت خلافات بين الفريق أمين الحافظ الذي كان رئيسا للدولة وقائدا لجيش وبين اللواء محمد عمران كانت نتيجتها إصرار أمين الحافظ على إخراج محمد عمران إلى خارج القطر السوري وتعيينه سفيرا، وقد تم ذلك بشكل غير نظامي/ وبدون موافقة القيادة القومية للحزب التي كان محمد عمران عضوا فيها،.. ولاعتبارات طائفية متخلفة أقدم الفريق امين الحافظ على ترفيع حافظ الأسد الذي كان آمراً لقاعدة ضمير الجوية من رتبة مقدم إلى لواء وتعيينه قائدا للقوى الجوية والدفاع الجوي، وهنا لابد من الإشارة إلى أن الشهيد صلاح لم يكن موافقا على هذه الخطوة لعدم توفر المبررات المنطقية والجوهرية لذلك، علما أن العلاقة كانت جيدة يومها بين الشهيد وحافظ الأسد....

ونظرا لإيمان الشهيد بأن السلطة ليست غاية بحد ذاتها، وبأن أهداف أمتنا العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية تحتاج إلى الأداة الثورية المؤهلة والقادرة على النهوض بالمهام الموصلة إليها، وللثغرات التنظيمية والسياسية والفكرية التي كانت موجودة في الحزب نتيجة ظروف نشأته وحله وأخطاء بعض قادته التاريخيين فإن أبا اسامة تخلى عن رئاسة الأركان ليصبح أمينا قطريا مساعدا للحزب في الوقت نفسه الذي كان فيه الفريق أمين الحافظ أمينا قطريا للحزب، ورئيسا للدولة وقائدا للجيش ... وكان يستهدف، من ذلك بذل قصارى جهده لبناء تنظيم ثوري حقيقي يستجيب للمتطلبات النضالية الشاقة التي من المفروض تحقيقها على مختلف الأصعدة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والكفاحية ... غير أن القيادة القومية التي تهيمن عليها القيادة التاريخية عمدت وبشكل تعسفي إلى قطع الطريق على تطلعات التيار اليساري في الحزب وحلت القيادة القطرية، بشكل مخالف للنظام الداخلي للحزب الذي نصّ على وجوب دعوة المؤتمر القطري للإنعقاد، وإبلاغه بقرار القيادة القومية، وفي حال رفضه هذا القرار يدعى إلى مؤتمر قومي ليبيت بالأمر، ونظرا لعدم تقيد القيادة القومية بذلك فقد "تقدم أكثر من نصف أعضاء المؤتمر القطري السوري بمذكرة نظامية للقيادة القومية يطلبون فيها، انعقاد المؤتمر القطري في دورة استثنائية خلال المدة النظامية المحددة في النظام الداخلي، أي شهر ... ولكن القيادة القومية لم تعبأ بذلك.. كما تحركت القواعد الحزبية والكوادر القيادية المعارضة لمواجهة إجراءات القيادة القومية بطلب دعوة المؤتمر القومي للانعقاد في دورة استثنائية ... ولكن القيادة القومية كانت تهدد باتخاذ اشد الاجراءات السلطوية و(الحزبية) صرامة ضد أصحابها ... حتى اعتقال أعضاء المؤتمر وعند اللزوم استخدام القوة المسلحة ضد المؤتمر"...

وهكذا لم يبق امام قادة 23 شباط سوى (العنف الثوري) (والشرعية الحزبية الثورية) لاسترداد سلطة الحزب التي اغتصبت من خلال سلسلة من إجراءات وقرارات القيادة القومية والتي أطلق عليها بـ (القفزة النوعية) والتي كانت بمثابة انقلاب أبيض جاء بالمرحوم الستاذ صلاح البيطار رئيسا للوزراء واستدعاء اللواء محمد عمران من خارج القطر ليعمل وزيرا للدفاع ... وهكذا وفي اواخر عام 1965 وحتى عشية 23 شباط 1966 كان الشهيد أبو أسامة مجردا من صلاحياته الحزبية، وبدون أية مسؤوليات سياسية أو عسكرية، بينما كان اللواء حافظ الأسد قائدا للقوى الجوية وعضو قيادة قومية للحزب، وهذا ما يدحض كل الأقاويل التي تشير إلى أن صلاح جديد هو الذي أبرز حافظ الأسد، وساعده بالوصول إلى مسؤولياته العسكرية والحزبية العليا، لأن حافظ الأسد –بعيدا عن كل شيء- لم يكن نكرة في حياته الحزبية بل كان مساهما بشكل فاعل في أحداث الحزب ومسؤوليات قيادته منذ تشكيل اللجنة العسكرية، وخلال التحضير لحركة الثامن من آذار وتنفيذها، وبعدها ...

وإزاء هذه الأزمة التي أدارت القيادة القومية فيها ظهرها للقيم والمفاهيم والأسس الحزبية الشرعية وأوصدت الباب نهائيا أمام أي حل ديمقراطي للأزمة ... كان لابد من اللجوء إلى القوة لتقويم الإعوجاج والخلل الذي حدث، فكانت حركة 23 شباب 1966 التي أطاحت بتلك القيادة، وجاءت بالتيار اليساري إلى السلطة، وقد انتخب أمينا عاما مساعدا للحزب في الوقت الذي انتخب فيه الرفيق الشهيد الدكتور نور الدين الأتاسي أمينا عاما للحزب، وعين رئيسا للدولة، وعين الرفيق الدكتور يوسف زعين رئيسا للوزراء، والرفيق الدكتور إبراهيم ماخوس نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية، وحافظ الأسد وزيرا للدفاع ونظرا لانشغال الأمين العام للحزب بمسؤولياته الرسمية كرئيس للدولة فإن الأمين العام المساعد أصبح متفرغا للشؤون الحزبية، وقد بذل بالتعاون مع رفاقه جهودا خارقة عقب 23 شباط مباشرة من أجل السير على طريق إعداد الحزب إعدادا ثوريا، فأصدروا تعليمات بتجريد الحزبين من أية امتيازات عن غيرهم، وفرضوا قيما وطنية ونضالية وحزبية تقوم على البذل والعطاء ونكران الذات والتقشف ومحاربة الرشوة والفساد والبيروقراطية والوساطة... كما فرضوا على كل حزبي الانخراط في دورات العمل الفدائي، وألزموا الرفاق القياديين بزيارة قواعد العمل الفدائي بشكل دوري ومنظم، وفي الوقت نفسه تم الاهتمام والعناية بالتثقيف السياسي والعقائدي ففتحت مدرسة خاصة للإعداد الحزبي، وحددت دورات إجبارية حزبية تثقيفية لخريجي الكليات العسكرية بهدف صهر التنظيم العسكري في بوتقة التنظيم الحزبي العام وإعداد الكوادر العسكرية سياسيا وفكريا ... كما تحول القطر العربي السوري إلى ورشة عمل كبيرة سواء أكانت رسمية أم شعبية ... وسعى الرفيق صلاح جديد ورفاقه لازالة التناقضات التناحرية بين حزب البعث والقوى الوطنية والتقدمية داخل القطر وخارجه وفي هذا السياق صُحِحت العلاقة مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وطورت حتى وصلت إلى مرحلة متقدمة من الوفاق والانسجام والثقة المتبادلة وبدأت ثمارها تبرز باللقاءات والمعاهدات والاتفاقيات كما تعززت العلاقة مع الجزائر والمنظومة الاشتراكية.. وفي الوقت نفسه فقد أقيمت علاقات نضالية مع الكثير من قوى حركة التحرر العربية والعالمية، وقُدِّم الدعم المادي والمعنوي غير المشروط لها (ارتيريا، عربستان، عمان، اليمن الجنوبي .. الخ) كما احتضن الحزب برعاية وحرص واهتمام العمل الفدائي الفلسطيني مما جعل صيحات قادة العدو الصهيوني تتعالى ضد القطر السوري مهددة بإسقاط نظامه ودخول دمشق ... وقد تصاعدت فعلا حتى وصلت إلى تنفيذ عدوانها في 5 حيزران 1967 المعروف، وما أدى من هزائم عسكرية على الجبهات المصرية والسورية والأردنية.

وبعد هزيمة حزيران بذل الشهيد صلاح جديد جهودا شخصية كبيرة من أجل إعادة الثقة إلى نفوس الجنود السوريين، وفي هذا الصدد كثف زياراته لقوى ومواقع الحد الأمامي للجبهة مع العدو الاسرائيلي، والتقى مع المواطنين وتعرّف على مشاكلهم وظروفهم وسعى جاهدا لحل ما يمكن حله مع الجهات المختصة، كما تحدث مع الجنود والضباط لرفع معنوياتهم، ولم يكتف بالكلام بل كان يشاركهم أحياناً خدمتهم طيلة الليل... لأنه رحمه الله كان متفهما لعمق الآثار (السيكولوجية) التي تركتها الهزيمة العسكرية داخل القوات المسلحة، وضرورة إيلاء الجيش أهمية خاصة لإعادة تدريبه وإعداده حتى يستطيع القيام بالمهام الكبيرة المناطة به.. ومن هذا المنظور، وبعيدا عن الاستهداف الشخصي فقد طرح في الاجتماع المشترك للقيادتين: القومية والقطرية (أعلى سلطة في القطر) مسألة استبدال قيادة الجيش، اعتمادا على الدروس المستفادة من تجارب الشعوب والقائلة بأنأية قيادة عسكرية منتصرة أو منهزمة يجب أن تُغيَّر، فالمنتصرة سيصيبها الغرور الذي يقودها في غالب الأحيان إلى الديكتاتورية والمغامرات التي تجلب الكوارث على الوطن والأمة... والمنهزمة غير قادرة على استخلاص عبر الحرب بموضوعية وصدق، والسير بخطا جادة على طريق إعداد الجيش، وتأهيله معنويا وماديا من أجل تنفيذ المهام الوطنية والقومية الموكلة عليه، وعلى رأسها خوض معارك التحرير المقبلة، وقد يقودها عجزها عن ذلك، وتغطية فشلها السابق إلى التسلط والجنوح إلى الدكتاتورية .. وكانت نتيجة التصويت على اقتراح تغيير قيادة الجيش بقيادة الجيش بفارق صوت واحد ...

وكان الشهيد يرى أن حرب التحرير الشعبية هي الأسلوب الرئيسي الأفضل لتحرير الأراضي العربية المحتلة وتحرير فلسطين، لأنها قادرة على ردم الهوة في مجال التسليح بيننا وبين العدو الصهيوني، وخلق التفوق الاستراتيجي على العدو، وتجارب الثورة الجزائرية وفيتنام شواهد حية على ذلك... وفي الوقت نفسه فإن إمكانات القطر السوري المادية غير قادرة على الخوض بسباق تسلح مستمر ومتصاعد مادام الغرب عامة والولايات المتحدة الأمريكية خاصة يقفون مع عدونا الاسرائيلي ويعتبرونه قاعدة أمامية متقدمة لهم ويمدّونه بكل وسائل الحياة والقوة، ومادامت الثروة العربية بيد أنظمة تابعة للامبريالية، وتوظف لصالح أعداء الأمة العربية... ولهذا كله فقد اهتم الشهيد مع رفاقه اهتماما خاصا بموضوع العمل الفدائي، وضرورة ممارسة دورات خاصة بذلك من قبل كافة الرفاق الحزبيين لتأهيل الحزب لمعارك تحريرية طويلة الأمد، وتخليص الحزب من العناصر الانتهازية التي يمكن أن تتسرب إليه في ظل وجوده بالسلطة،  وفعلا فقد فُصِل العديد من الحزبيين، ومنهم أعضاء في قيادات فروع وشعب حزبية بسبب ذلك...

آمن الرفيق صلاح بقوة بأن السير الجدي على طريق تنفيذ المهام الوطنية والقومية يحتاج إلى وحدة وطنية متينة، ولذلك كان يعتبر أن أمراض المجتمع من طائفية وعشائرية وقبلية وإقليمية وجهوية وعائلية هي الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها أعداء الأمة لتفتيتها، وحرف الصراع الحقيقي مع اعدائها عن مجراه الطبيعي، ولهذا حرص كل الحرص على محاربة تلك الأمراض بصدق وجدية، وجسد ذلك في سلوكيته ومواقفه، فقد رفض اكثر من صفقة شخصية عرضت عليه ومن أكثر من جهة نافذة في الدولة منذ آذار 1963 وحتى الردة في عام 1970، ولو قبل أيّا منها لربما بقي في السلطة حتى الآن ... ولست إلا أحد النماذج التي يمكن أن استشهد بها، فبالرغم من أواصر القرابة المركّبة، والصداقة المتينة التي تربطني به، ومن انتسابي المبكر للحزب (1952)، ومن دوراتي العسكرية التي أتبعها في مصر وسورية والتي اعتز بالنتائج التي حصلت عليها، فقد أمضيت خدمتي منذ عودتي من مصر عقب الانفصال عام 1961 وحتى عام 1970 في كتيبة مشاة واحدة في قطنا مبتدئا بقائد سرية مشاة ثم رئيس أركان الكتيبة، فقائد الكتيبة.. ولم يفكر الشهيد بنقلي لأستلم منصب أو قطعة عسكرية ذات أهمية خاصة تعزز موقعه السياسي.. كما هو مألوف في بلدان العالم الثالث، وفي الوقت نفسه لم اسع إلى ذلك أبدا، لا بل كنت مجحف الحق في أحيان كثيرة، وكنت أسكت على ذلك منعا  للقيل والقال ... وكذلك فقد كان أخوه الأصغر ملازما يخدم في الجبهة بعيدا عن دمشق، وكأي قائد فصيلة آخر... وربما يرد البعض على كلامي هذا، ويقول: لقد استلم المرحوم العقيد: عزت جديد مراكز هامة خلال حكم الحزب، أليس هذا شاهدا مناقضا لما ذكرت؟... للوهلة الأولى قد يبدو الأمر كذلك، ولكن من يعرف الحقيقة يدرك أنه مخطئ، لأن المرحوم عزت جديد ليس أخا أو قريبا لصلاح جديد، وليس من قريته، ولا من محافظته، وفي الوقت نفسه فإن المرحوم عزت كان مؤهلا عسكريا، ومن أفضل القادة العسكريين الذين اهتموا بإعداد وتدريب قواتهم، يضاف إلى ذلك إلى أنه مناضل صلب، وضابط قديم، وهو من بين الضباط البعثيين الذين نقلوا إلى مصر أثناء حكم الوحدة، وسرحوا بعد جريمة الانفصال عام 1961، ومن الذين ساهموا في المحاولة الانقلابية الفاشلة في ربيع 1962، واعتقل في سجن القلعة في دمشق عقب ذلك، كما لعب دورا بارزابعد حركة 8 آذار 1963، ودورا ابرز في حركة 23 شباط، وهكذا فقد كان كادرا حزبيا فاعلا ومناضلا حقيقيا، ولم يك نكرة متسلقة على تشابه أسماء أو قرابة أو انتماء طائفي.. الخ..

وللأمانة والتاريخ والإنصاف سأروي حديثا جرى بيني وبين الشهيد صلاح.. ففي احدى زياراتي له في منزله (لم أزره في مكتبه إلا نادرا جدا ولأسباب هامة)، قلت له: "لماذا يا رفيق أبو أسامة لا تعطي (ريقا حلوا) للضباط الأكثر اهتماما بالأمور السياسية أمثال فلان وفلان.. وسيكون استقطابهم سهلا لقوة حجتك ومنطقك، ولصفاتك وسلوكياتك المعروفة" فردّ علي قائلا: "يا محمود والله لو بقيت وحيدا في الحزب لن أقيم أية علاقة غير موضوعية مع إنسان، لأن هدفنا هو بناء أداة ثورية، وتوحيد أمة ورفع شأنها، وهذا لن يتحقق بهذا الأسلوب، ولابد من زرع قيم صحيحة، وترسيخها في المجتمع حتى نستطيع تحقيق أهدافنا الوطنية والقومية"..وبالرغم من أن /باتريك سيل/ حاول في كتابه المشار إليه سابقا أن يبرز عامل الطائفية في توجهه السردي والتحليلي لمؤلفه، ولكنه كان يقدم شواهد حية تتناقض مع ذلك بايراد أمثلة باعتماد الشهيد صلاح على ضباط من طوائف أخرى أمثال اللواء أحمد سويداني (المعتقل حتى الآن بدون محاكمة)، والمرحوم الشهيد عبد الكريم الجندي، والمرحوم الشهيد محمد رباح الطويل، ولم يستشهد بمثال واحد قابل للتصديق وتضليل الناس سوى اسم المرحوم عزت جديد الذي فندت موضوعه قبل قليل...

وخلاصة القول في هذا المجال: أن الشهيد صلاح كان اشد الناس كرها للطائفية، وأدراهم معرفة بمخاطرها على الوطن والأمة، ولم يجسد قولا أو عملا عكس ذلك في يوم من الأيام، لأنه كان يحصر انتماءه الوحيد بأمته العربية الواحدة، ويحدد انحيازه الصريح والواضح إلى جانب كادحيها وفقرائها، وبالرغم من ذلك تعرض إلى حملات ظالمة، بعضها كان مشبوه المقاصد، وبعضها الآخر نتيجة الضلال والتضليل، وجهل جوهر وحقيقة ومعدن الشهيد /أبي أسامة/ وإن كان المرء يتفهم بعض الدوافع والمبررات للتقييمات الخاطئة للشهيد قبل عام 1970، فهل يبقى الآن إنسان مصمم على الاستمرار في خطئه هذا بعد استشهاده وصموده الأسطوري 23 سنة داخل سجن المزة العسكري الشهير، إلا وكان قاصر العقل أو جاهلاً ،أو مأجورا؟...

صفات ومناقب وسلوكية الشهيد:

عرف أبو أسامة منذ طفولته بتميزه عن أقرانه، ثم تبلور هذا التميز ونضج عندما بلغ سن الشباب، فكان وسيماً أنيقاً ببساطة ودون تكلف، طويل القامة بهي الطلعة، ذا مهابة كبيرة، نظراته أفصح من أبلغ كلام، سواء عند رضاه أو عدمه عن تصرف يستوجب الثناء أو التأنيب، وكلّ الذين عايشوه عن قرب يعرفون ذلك جيدا... وفي الوقت نفسه كان قمة في العفة والطهارة والشرف، فلم يعرف عنه عادة سيئة واحدة، فهو الرجل الذي لا يتعاطى المسكرات، ولا يرتاد أماكن اللهو، ويكره الأضواء والتباهي وحب الظهور، ولا يلهث وراء الثروة والجاه والمال، فكان بحق حصنا حصينا من الأخلاق والفضيلة عجز أعداؤه والعملاء والجواسيس عن اختراقه...

كان الشهيد صلاح صادقا، فإذا تحدث فلا يمكن أن يكذب، ولكنه يعرف جيدا متى يتكلم بلسانه أو بنظراته، ومتى يصمت... ويمقت الكذابين ويتجنب التعامل معهم... وفي الوقت نفسه يحترم محدثه، وينصت إلى حديثه باهتمام دون أن يقاطعه، ولكن ليس بمفهوم (باتريك سيل) (كان يجعل الآخرين يحسون وكأنه يحصي عليهم كلماتهم ليستعملها ضدهم ذات يوم)، فهذه مقولة ظالمة أطلقها أولئك الذين عجزوا عن فهمه، أو أرادوا ذلك، وبقوا غارقين في تأويلاتهم الحاقدة، وفي الوقت نفسه كان يتجنب إهمال أي جليس ولو كان طفلا، فلا بد أن يهتم به، ولو بسؤال صغير عن الدراسة والأهل، ليكسر به هيبة الجلسة، ويشعره بأهميته ودوره...

كان ابو اسامة شجاعا، يعتبر حياته لا تساوي شيئا في سبيل الحزب والوطن فاختياره الصادق والقاطع لخط سياسي كفاحي معاد للامبريالية والصهيونية والرجعية، وصموده عليه حتى آخر لحظة من حياته هو بحد ذاته بطولة، ومساهمته بفعالية وجرأة في المنعطفات الهامة داخل القطر، وما يترتب عنها من مسؤوليات هو شجاعة ... وهنا من المفيد أن أروي حادثة معبرة عن صوابية تقييمي هذا... ففي 8 أيلول /سبتمبر/ 1966 رتب سليم حاطوم (ضابط سوري سابق) مكيدة أحضر بها الرفيق الشهيد الدكتور نور الدين الأتاسي الأمين العام للحزب ورئيس الدولة، والرفيق الشهيد اللواء صلاح جديد الأمين العام المساعد للحزب إلى مدينة السويداء تحت ذريعة دعوة أمانة فرع الحزب في المحافظة، وعند وصولهما تم اعتقالهما من قبل مجموعة مغامرة كانت قد رتبت عصيانا مرتكزا على لواء مشاة متمركز في بلدة ازرع بالقرب من السويداء، ويرأسه أحد أصدقاء /سليم/ والمتعاونين معه (فواز ابو الفضل)... وبعد الاعتقال وضع /حاطوم/ بندقيته الرشاشة في صدر /أبي أسامة/ وطلب منه تعهدا شخصيا بأن يسلمه قيادة اللواء /70/ المدرع المتواجد في الكسوة قرب دمشق، وهدده بإطلاق النار عليه إذا امتنع عن ذلك وهو الشخص المعروف بتهوره وبعد نظرات مليئة بالاحتقار وجهها الشهيد إلى /حاطوم/، وبرباطة جأشه ونبراته الحازمة المعروفة قال له : "إنني أرفض رفضا قاطعا إعطاء أي تعهّد، وإنما سأطرح أمرك على قيادة الحزب، وقرارها هو الذي يُنفذ"، ولولا تدخل عضو القيادة القطرية آنذاك /جميل شيا/ ربما كان الشهيد شهيدا منذ عام 1966... وخلال فترة السجن الطويلة (23 سنة) بكاملها حافظ الرفيق صلاح على صموده الأسطوري فلم تلن قناته لحظة واحدة في وجه النظام السوري المرتد الديكتاتوري، وبقي ملتزما متمسكا بقيم الحزب وأسسه ومبادئه وأهدافه، ورفض رفضا قاطعا أية مساومة شخصية مع السلطة الغاشمة، وهذه آخر كلمات كتبها قبل أيام قليلة من استشهاده في معرض إهداء على كتاب قدّمه لابنته /وفاء/ التي ولدت بعد 3 أشهر من دخوله السجن: "... لا أدري يا حبيبتي.. قد نلتقي يوما ما بدون رقابة وبدون سجن فنتحدث.. ونتحدث طويلا.. ولكن هذا حلم.. حلم بعيد.. قد لا يتحقق أبدا... إذن فليس لي الآن إلا الصمت، والأحلام والصمود... على طريق الرسالة التي نذرت نفسي لها... وسأموت من أجلها.. فهل سنلتقي يا وفاء.. على هذه الطريق..؟ .. أبوك صلاح.. في 7/8/1993"

إن أبرز صفة اتسم بها الشهيد هي تجسيد ما يؤمن به ويطرحه على نفسه أولا لأنه كان يرى أن غرس قيم صحيحة لابد منه لتغيير المجتمع وتطويره، وفي هذا السياق، كان متقشفا زاهدا بمفاتن الحياة ومباهجها فهو من طليعة الرفاق الذين كانوا قد أصدروا قرارا حزبيا بحرمان أي موظف أو ضابط يُرَفع ترفيعا استثنائيا في عمله أو رتبته من أية زيادة مادية في راتبه الشهري، ويبقى يتقاضى ما يأخذه في وظيفته السابقة، وكان أول من طبق ذلك على نفسه فبقي يأخذ راتب عقيد عندما كان لواء، وعندما أحيل إلى التقاعد وتفرغ للعمل الحزبي أمينا عاما قطريا مساعدا، ثم أمينا عاما مساعدا للحزب بقي يتقاضى راتبه التقاعدي فقط، علما أن راتبه منذ 23 شباط/1966 وحتى 13 تشرين الثاني نوفمبر 1970 كان يلي راتب رئيس الدولة .. ولهذا كانت زوجته تلجأ إلى الاستدانة في كثير من الأشهر... كما حارب الشهيد ابو اسامة الوساطة واستغلال السلطة والمسؤولية، وكان أحد أخوته من الذين حاسبهم في هذا المجال عندما حاول التوسط لدى أطباء عسكريين لاعفائه من الخدمة الوطنية (ظافر بيطار-محمود زغيبي)، ولما علم بالأمر أمر باحضاره فورا من قبل المباحث الجنائية، واقتياده مخفورا إلى مركز التدريب العسكري في حلب... وفي إحدى إجازاتي رغبت بالتوجه إلى /اللاذقية/ وقبيل سفري سألته إذا كان يريد شيئا من هناك، فكان طلبه الوحيد: أن أزور رئيس فرع المخابرات العسكرية، ورئيس المباحث، وأطلب منهما باسمه عدم إفساح المجال لأي مخلوق من أقربائه أو أصدقائه أو رفاقه أن يستغلوا اسمه ومحاسبتهم على ذلك... وقد نفذت ما رغب به.

كان الرفيق صلاح ينظر إلى الأمور نظرة شمولية مسؤولة عادلة، ومن خلال ذلك يرى فرد من أفراد أسرته وحق أي مواطن سوري متساويين، وهنا سأروي واقعة جرت مع أخيه الأصغر، فبعد حصوله على شهادة الثانوية العامة انتسب إلى جامعة دمشق-كلية الحقوق، وأقام في منزل أخيه صلاح، ولما كانت كلية الحقوق لا تتطلب حضورا دائما فإن أخاه /بسام/ فكّر في العمل وسعى لذلك، فعيُّن في وظيفة صغيرة في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، وعندما سمع الشهيد بالأمر اتصل بالمدير المسؤول وطلب منه تسريح أخيه، لأنه لا يحتاج لهذه الوظيفة، وبرر ذلك بأن أخاه يسكن ويعيش عنده، ويتقاضى منه /25/ ليرة سورية (مصروف جيبه) بينما هذه الوظيفة قد تنقذ حياة أسرة محتاجة.( وهذاما رواه لنا الشاعر علي الجندي ومعه الشاعر ممدوح عدوان عندما كانا في الجزائر للمشلركة في مؤتمر للأدباء العرب )..

ألا تذكرنا هذه الوقائع بما كان يجري في صدر الإسلام؟...

ولم تك تصرفات الشهيد وسلوكيته ضربا من التمثيل بل كانت تجسيدا حيا لما يشعر ويؤمن به، ولم تك وقفا على مرحلة معينة من حياته، بل عرف بها منذ طفوليته حتى استشهاده، ولا وسيلة للتباهي والتفاخر والاستغلال لأنه كان يكره ذلك، ولم اسمعه مرة واحدة يسرد حتى مجرد السرد عمل طيب قام به، وهناك الآلاف من المآثر التي بقيت سرا في أعماقه دفنت مع جثمانه الطاهر، ولكنني على يقين بأن الكثيرين سيتكلمون عنها عندما يقدرون على ذلك كتعبير عن الوفاء والحقيقة، وعموما فهو الرجل الذي كان يعمل عشرات المرات أكثر مما يتكلم... ولذلك لم يستلم عملا إلا وأتقنه، كبر به ذلك العمل، وأصبح محط احترام وتقدير وحب رؤسائه ومرؤوسيه، وذلك منذ تخرجه من الكلية العسكرية حتى الردة في عام 1970، فحصل على درجة امتياز في دورة قائد كتيبة مدفعية ميدان، وكذلك في دورة أركان حرب، وخلال العمل السياسي السري بعد الانفصال وحتى قيام حركة 8 آذار كان رأيه مرجعا أساسيا لا غنى عنه لرفاقه في كافة الأمور السياسية والتنظيمية والعسكرية، وبعد قيام 8 آذار كان كل عمل يستلم يصبح مركز استقطاب واهتمام دون الاعتماد على فرض آرائه بالقوة، أو التلويح بمغريات السلطة والمال، أو القفز فوق القوانين، أو تجاوز الرؤساء... فعندما استلم نائباً لمدير إدارة شؤون الضباط أصبحت الأنظار تتوجه إليه، وبرزت هذه الوظيفة أكبر بكثير من حجمها الحقيقي، ولما استلم الإدارة نفسها أصبحت حجر الزاوية في مبنى الأركان العامة، وكذلك الحال عندما عين رئيسا لأركان الجيش... وبعد أن ترك القوات المسلحة طواعية ليتفرغ لبناء الحزب كأمين قطري مساعد للحزب صارت القيادة القطرية مركز الثقل الأساسي في الدولة، ولما انتهى به المطاف إلى تسلم أمين عام مساعد للحزب بعد حركة 23 شباط 1966 أصبحت بصماته بارزة واضحة في الحياة الحزبية داخل سورية وخارجها...

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا مادام الشهيد صلاح كان بهذه المواصفات فلماذا انتهى به المطاف إلى الاعتقال الطويل، والاستشهاد داخل السجن؟..

لقد كان أبو أسامة مؤمنا إيمانا قاطعا بالقيادة الجماعية، ويكره التسلط الفردي وفرض الآراء بالقوة وكان يظن الناس والكثير من الحزبيين خطأ أن صلاح جديد يستطيع فعل ما يشاء بعد 23 شباط 1966، وانه قادر بمفرده على حسم أي موضوع بنجاح في سورية نظرا لمكانته الحزبية ومؤهلاته القيادية والشخصية في الوقت نفسه الذي كان يشعر فيه أن البعض يحاولون دفعه وتحويله إلى ديكتاتور جديد في سورية من أجل إحباط تجربة الحزب المتميزة... وعموما لو ألقينا نظرة سريعة إلى المحطات الهامة التي حدثت فيها وجهات نظر متباينة في قيادة الحزب لوجدنا أن الكثير من آرائه لم تحصل على رأي الأغلبية، فبعد هزيمة 5 حزيران 1967 –كما أشرت سابقا- هو الذي طرح تبديل قيادة الجيش ، وهو الذي وقف بقوة وراء قرار قيادة الحزب بتبديل مراكز القوى في عام 1968 وكان يرى ضرورة ووجوب تنفيذه على الجميع مهما كلف الأمر، وخطأ التراجع عنه بالنسبة لقيادة الجيش... وهو الذي طرح مسألة  الطائفية في الجيش وهي لا تزال في مراحلها الأولى (حيث أخذت تبرز في مرحلة "الازدواجية" وتمرد قيادة الجيش على الأسس الحزبية الوطنية في هذا المجال دون أن يلقى ذلك أية استجابة من قيادة الجيش آنذاك).. وعلى ضرورة معالجتها كما كانت له آراء خاصة (لا داعي لذكرها هنا) خلال أزمة الحزب طيلة عام 1970، ولو سارت الأمور وفق منظوره السياسي والحزبي لربما تطورت الأوضاع في سورية بشكل آخر وتجنبنا الردة في عام 1970... ولكن تردد القيادة ونقص وعيها ودون المساس بوطنيتها وإخلاصها، (ولا أعني شخصا بعينه، ولا أستثنيه من المسؤولية داخلها) وعدم قدرتها على اتخاذ القرارات الحاسمة في الوقت المناسب، وقبل استفحال الأزمة كان عاملا هاما من عوامل سقوط سلطة الحزب، يضاف إلى عوامل ذاتية وموضوعية أخرى تمت الإشارة إليها في نقد تجربة الحزب المقرة من المؤتمر القومي 11 المنعقد عام 1980، ولكن من المفيد التأكيد هنا على أن مجموعة عريضة من القوى اليمينية والرجعية الداخلية والخارجية تلاقت وعززت موقف قيادة الجيش وقدراتها الذاتية، بالرغم من أن كلا منها كان له حساباته التكتيكية الخاصة، ولكنها كانت تجمع على إزاحة /صلاح جديد/ باعتباره رقما صعبا في المعادلة الأساسية في سورية، وضرب تجربة الحزب الثورية، بالإضافة إلى حرص التحالف الامبريالي الصهيوني الرجعي على إزالة العقبة الكأداء في وجه مخطط تصفية القضية الفلسطينية، وترتيب الأوضاع في المنطقة، ووضعها على سكة التصالح مع العدو الصهيوني الذي نعيش فصوله المأساوية الخطيرة في هذه الأيام السوداء...

وبالرغم من أن الكثير من أعدائه وجميع أصدقائه ورفاقه يشهدون بأن الشهيد صلاح كان مثالا رائعا للخلق والشرف والفضيلة فإن بعضا من الصحفيين والكتاب العرب الذين تناولوا سيرته بكثير من التشويه والظلم واعتمدوا في بعضها وبشكل أساسي على ما أورده سلبا /باتريك سيل/ في مؤلفه المشار إليه سابقا، ونسوا أو تناسوا ما ذكره من ايجابيات، فبالرغم من تحيزه الواضح لصالح حافظ الأسد في سرد الوقائع والأحداث وتشويه الكثير منها، وهذا شيء طبيعي لأن معظم معلوماته استقاها من مصادر السلطة في سورية، إلا أنه مع ذلك على المستوى الشخصي انصف الشهيد صلاح ورفاقه بعض الشيء، وفيما يلي مقتطفات مما أورده عن هذا الجانب*:

(كان صلاح جديد ذكيا... ذا مبادئ وله آراء واضحة اليسارية .. وكان معروفا بأن له أخلاقا شخصية عالية، ولم يكن مهتما بالثورة، ولا حتى بالراحة والتنعم، بل كان يعيش في شقة بسيطة قيل أن أثاثها كانت قيمته تعادل اقل من مائة جنيه استرليني ... فهذا الزعيم الجديد لم يشاهده أحد يلعب النرد، أو يرتشف فنجانا من القهوة التركية في مقاهي دمشق الظليلة في الهواء الطلق كبعض زملائه... كان يأتي إلى مكتبه مبكرا... ويغادره في وقت متأخر... كان طبع حكومة جديد وشعورها الوطني والقومي محموما ساخنا، وكان إحساسها بالقضية الفلسطينية عميقا، وقد احتلت تلك القضية مكانا مركزيا في عقيدة البعث... وعندما ظهر المقاومون الفلسطينيون رأى فيهم نظام جديد رجالا ثوريين ورحب بهم.. فصلاح جديد وفريقه كانوا على وجه العموم شرفاء نزيهين، ولم تكن منجزاتهم سيئة أو ضارة بالسمعة..)..

وبالرغم من تفاني الشهيد في سبيل حزبه وأمته، وتخصيص معظم وقته في سبيل ذلك فكان ابنا بارا، وزوجا وأبا فاضلا عطوفا حنونا، وأخا كريما بما يملك، وقريبا مهتما بشؤون أسرته الصغيرة والكبيرة، ولكن اهتمامه وكرمه كانا يرتكزان على إمكاناته المادية الذاتية المحدودة المشروعة، وليس على المال العام، ويعرف جيدا كيف يفرق بين ما يخصه، وبين ممتلكات الشعب والدولة، فعلى سبيل المثال كان يرفض استعمال سيارة الدولة التي كانت موضوعة تحت تصرفه خلال مشاركته في السلطة لصالح اسرته، وإذا أحب الانتقال مع احد أفرادها يستدعي سيارة أجرة ليذهب بها (لم يمتلك سيارة في حياته)... وقد اثار أحد تصرفاته البسيطة دهشة العائلة: فعندما كانت زوجتي في منزله (وهي أخته)، شاهد ابنتي مريضة (التي كان عمرها عامين، ويومها كنت في شمال العراق ضمن قوات اليرموك) أمر سائقه بنقلها، إلى المستشفى العسكري الذي يبعد 200م عن منزله، وربما تكون المرة الوحيدة التي يستخدم سيارته الحكومية لأغراض خاصة..

هذا غيض من فيض من مناقب وسيرة الشهيد صلاح الذي اعتقل في 13/11/1970 وهو ابن الأربعين من عمره، وحجب هذا العملاق عن أسرته وحزبه وشعبه وأمته وهو في أوج قدراته وعطاءاته... علما انه كان داخل السجن كما كان خارجه متميزا بصبره وصموده، ودقة تنظيم حياته، وبعد نظره، واتساع أفقه الاستراتيجي فأدرك مسبقا وتلمس فداحة المخاطر التي تحيق بهذه الأمة وقضاياها، وحذر بشكل دائم من العواقب الوخيمة والكوارث التي ستنزل بها... واعتقد أن رفاقه الذين سجنوا معه، والذين بقوا أحياء سيغطون هذه المرحلة القاسية من حياته لتكتمل وتتوضح لنا جوانب أكثر فأكثر من شخصية صلاح الدين جديد الفذة، لتشكل مدرسة ثورية غنية بالفضيلة والأخلاق والايمان والوفاء لحزبه ووطنه وأمته ينهل منها المناضلون جيلا بعد جيل على طريق نضالهم الشاق، وخاصة في هذا الزمن الأسود الذي يلفّ أمتنا والعالم...

فوداعا يا ابا أسامة، ونم قرير العين في مثواك الأخير، وكن مطمئنا أن الراية التي حملتها مع رفاقك لن تسقط أبدا... وأن المبادئ التي آمنت بها، والأهداف التي سعيت من اجلها هي قدر هذه الأمة مهما قست الظروف، وتخاذل المتخاذلون، ونعق البوم في ربوع الوطن... نم يا أعز وأسمى وأثمن إنسان في الوجود على قلبي ونفسي، واطمئن أنك ستبقى كما كنت دائما رمزا خالدا من رموز الأمة العظام، ومنارة يهتدي بها المناضلون مهما حاول الحاقدون والظالمون والمزوّرون تشويهك، والتعتيم على ضياء نورك، فأصدقاؤك ورفاقك بعد استشهادك سيكونون أكثر، لأن استشهادك زاد معدنك الماسي بريقا فأبصر جيدا المُضَللين ولو متأخرين... وأبهر أعين الحادقين.. وأعمى أعين المأجورين...

... نم يا من جُبِلت بالفضيلة من أخمص قدميك حتى أعلى شعرة من راسك، وتشربت كل خلية من خلايا جسدك الطاهر وطنية وإيمانا، وإخلاصا ووفاء، وأعلم أنك خالد في قلوب الرفاق والأصدقاء والشرفاء أبدا... أبدا... أبدا...

وسلام على المؤمنين الصادقين الأبرار الأوفياء حتى يوم التحرير والتوحيد.

رفيقك: أبو نضال                                 أواخر آب / 1993


 

 

* - كتاب: الأسد –الصراع على الشرق الأوسط- تأليف باتريك سيل طبعة عام 1988 – دار الساقي، الصفحات (123، 175، 179، 204، 205).