ملاحظات واستنتاجات حول معالجة الأزمة في سورية

19.05.2011

خاص بالحوار الديمقراطي

   محمود جديد

      لم يستمرّ نظام حاكم في تاريخ  سورية الحديث  مثلما استمرّ هذا النظام الراهن (حوالي 41 عاماً ) ، وكانت هذه الفترة كافية لبناء تجربة متميّزة ، ولكنّ فاقد الشيء لايمكن أن يعطيه ، لأنّ هذا النظام لم يمتلك في يوم من الأيام مشروعاً ديمقراطياً حقيقياً في الحكم ، وإنّما اعتمد نهج الاستبداد والإفساد ...ولذلك بعد أن هبّت رياح التغيير في الوطن العربي بعد الثورة التونسية،ونفاذ صبر المواطنين السوريين ،وفقدانهم أيّ أمل بالإصلاح جاءت انتفاضة الشعب السوري ، والآن بعد أن   دخلت شهرها الثالث ، واختار النظام الحاكم الحلّ الأمني طريقاً لفرض إرادته قسراً على الجماهير السورية  دون اكتراث بالمخاطر الداخلية والخارجية التي تهدّد قطرنا العربي السوري من جرّاء ذلك ،لابدّ من استعراض موجز لمجريات الأحداث حتى نتمكّن من إجراء تقدير موقف  يساعدنا على معرفة المسار المحتمل لمجريات الأحداث في المستقبل ..

   -  إنّ اعتقال حوالي عشرين طالباً إعداديّاً في مدينة درعا ، والأسلوب الهمجي الذي عوملوا به من قبل رئيس فرع المخابرات فيها   /عاطف نجيب / ، وقلّة الأدب ،والغطرسة ، والعنجهية التي عامل بها وفداً شعبياً من أبناء درعا برئاسة أحد شيوخ العشائر هناك ، يُعتبَر هذا كلّه ( بو عزيزي ) سورية الذي فجّر الحراك الشعبي في مدينة درعا والذي تصاعد ليصبح انتفاضة شعبية  شملت معظم المدن والبلدات السورية ، والتي طالبت  بالحرية ، وبإجراء إصلاحات سياسية ديمقراطية، ومكافحة الفساد ،ورفعت شعارات تنادي بالوحدة الوطنية ، وبسلمية التظاهر ...غير أنّ استخدام العنف معها من قبل الأجهزة الأمنية وممارسات ( الشبّيحة) التي برزت بوضوح في منطقة اللاذقية وبانياس ، وتلكؤ النظام الحاكم وتردّده في اتخاذ القرارات الصحيحة ، وخيبة الأمل الشعبية الكبيرة في الخطاب الأول  للدكتور بشار الأسد أمام مجلس الشعب أفقدت الأمل بوجود نيّة حقيقية لدى النظام بإجراء إصلاحات سياسية  ذات معنى ، ممّا زاد غضب الجماهير في الشارع ،ودفعها لإطلاق شعارات ساخنة ضد النظام وبعض رموزه ،وقد زاد الموقف تصعيداً عوامل وتأثيرات خارجية بعضها  كان يستهدف صبّ الزيت على النار ،وتجيير الإنتفاضة لصالح أطراف أجنبية غربية ، وقد لعبت بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية دوراً بارزاً  في هذا المجال ، وخاصة في ظلّ إعلام سوري قاصر ، وجاهل وعاجز عن مواكبة الأحداث ، والقدرة غلى اكتساب مصداقية في نقل صورة صحيحة بالحدود الدنيا ، وبالرغم من إيصال وجهات نظر صائبة وصادقة من بعض السياسيين السوريين المعارضين في الداخل إلاّ أنّ قرار السلطة باعتماد الحل الأمني أغلق الأبواب في وجه أيّ حوار وطني ديمقراطي جاد وصادق يمكن أن يجنّب سورية كوارث الحلول الأمنية ، وآثارها وانعكاساتها بعيدة المدى في المستقبل على الوحدة الوطنية في حال نجاح أو فشل هذا الطريق الخطير ...

 استنتاجات و ملاحظات  حول أداء النظام الحاكم في معالجة الأزمة :

-  عدم امتلاك الإرادة السياسية الواضحة والجادّة في الرغبة في إجراء إصلاحات ديمقراطية حقيقية في سورية ،لأنّ هذا النظام أدمن على احتكار السلطة منذ البداية ، ومارسها وجسّدها طيلة أربعة عقود ..

- بدا التردّد والتخبّط واضحين عند اتخاذ القرارات  ، ومن هنا جاءت قرارات الإصلاحات المعتمدة من النظام مجزّأة ، ومتأخرة عن مجريات الأحداث ، وفاقدة للمصداقية ، ولو عبّر الدكتور بشار الأسد عنها حزمة واحدة في خطابه الأول ربّما تطوّرت الأحداث بشكل مغاير لما جرى  ولاقت استحساناً لدى الشعب ...

-  عدم تلمّس وجود رغبة صادقة للنظام بإجراء حوار وطني جاد يجنّب القطر السوري ويلات الحلّ الأمني الكريه ، وإنّما راهن على اللقاءات مع رجالات الدين من مختلف الطوائف والمذاهب ، وتلبية معظم مطالبهم ، وعلى إجراء صفقة مع الأكراد ،والتي تمّ بموجبها صدور القرار الوحيد الذي نجمت عنه آثار ملموسة ...

 

-  فشل النظام في اكتساب المصداقية الكافية والمقنعة من جرّاء القرارات التي أصدرها ، فلم يلمس المواطن السوري أيّ مؤشّر فعلي على تبدّل نهج وسلوك الأجهزة الأمنية بعد إلغاء حالة الطوارئ ، فالاعتقالات الواسعة طالت بأغلبيتها الساحقة أناساً أبرياء من تهمة استخدام العنف ،وأحياناً جرت لأتفه الأسباب دون الاستناد إلى أي مذكرة قضائية بهذا الخصوص ،كما لم يُطلق سراح المعتقلين السياسيين الذين أعتِقلوا بناءً على وجود حالة الطوارئ وقانونها سيّئ الصيت ، ولم يسمحوا بعودة المنفيين والمبعدين قسراً عن سورية الذين تضرّروا بهذه الحالة ...وفي الوقت نفسه بقي متمسّكاً بالمادة الثامنة من الدستور التي تخوّل حزب البعث  الحاكم بقيادة الدولة والمجتمع ، هذه المادّة التي أصبح إلغاؤها مطلباً تجمع عليه كافة القوى والأحزاب ...

-  اعتماد سياسة إعلامية قاصرة ترتكز على حجب الحقيقة قولاً وصورة ، وتقزيم وتشويه حركة الشارع ، وإلصاق تهمة التآمر على كلّ المشاركين في المظاهرات ، وتضخيم تدخلات الخارج بشقيه السوري والأجنبي ، ودعوة ساسة وإعلاميين من البلدان العربية وخاصةمن لبنان لاستخدامهم في جوقة التشويه ، وقد زاود بعضهم حتى على أبواق السلطة نفسها ، وكانت أصداء مقابلاتهم ذات مردود عكسي في نفوس الجماهير السورية ...وهذا كلّه جعل وسائل الإعلام العربية والأجنبية تعبّئ الفراغ الإعلامي الذي تركه الإعلام السوري الرسمي ، وتمزج  بين الحقائق و الكثير من السموم والشحن الطائفي عند تغطيتها للأحداث السورية الداخلية ...

-  بعد اعتماد الحل الأمني ، وزج الجيش في مواجهة المتظاهرين ، بلغ القمع ذروته ممّا سبّب في إراقة دماء سورية غزيرة في غير زمانها ومكانها ، وأصبحت لغة الرصاص هي السائدة لتفريق المظاهرات السلمية ، وصار نهج الإذلال والترهيب هو المعتمد بوضوح ، وهذا ما جرى في مدن درعا وما وجاورها، وفي ريف دمشق ، وفي حمص ، وبانياس ، وغيرها من المدن السورية ، ممّا عمّق الشرخ بين السلطة والشعب ...وهذه الممارسات الخاطئة والمدانة خلقت الأجواء للجوء بعض المتظاهرين إلى العنف نتيجة ردود الأفعال غير المسيطر عليها ، وكنوع من الثأر لما تعرّضوا له أثناء تظاهرهم السلمي ( وهنا أفسّر ولا أبرّر) كما فسح المجال للمندسين من خارج المظاهرات لتنفيذ أجنداتهم سواء من التكفيريين ،أم من عملاء جهات عربية وأجنبية.

-  عمّقت السلطة نهج الاستقطاب الحاد داخل المجتمع السوري سواء أكان هذا الاستقطاب سياسياً أم طائفيّاً ، ولولا الرصيد الكبير من الوعي الوطني المختزن لدى الشعب السوري لأخذ الصراع منحىً طائفياً خطيراً ..وفي هذا السياق انقسم المجتمع إلى مع أو ضدّ ، ولم تفسح المجال للعقلاء والحكماء من وضع النقاط على الحروف ، وتجسيد رأي ثالث فاعل حريص على إيجاد حلّ وطني ديمقراطي يجنّب الشعب مزالق خطيرة ، وما جرى لبعض الفنّانين السوريين الذين تعاطفوا إنسانيّاً مع سكان درعا المحاصرين من هجوم إعلامي ،ومحاصرة ومقاطعة لهو خير شاهد على ذلك ...

-  إنّ استخدام الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد كأداة رئيسية في تنفيذ الحلّ الأمني خلق الكثير من الأجواء والمناخات السلبية التي تساعد على الشحن الطائفي ، وردود الأفعال السلبية ...

-  إنّ إلصاق تهمة التآمر على كلّ متظاهر هو التآمر بعينه ، فالمواطنون بعد 41 سنة من الاستبداد والفساد توّاقون بحق للحرية والديمقراطية ، وخاصة بعد أن عايشوا لحظة بلحظة مسار الحراك الشعبي الثوري في تونس ومصر وغيرهما من الأقطار العربية ، ولذلك فإنّ الذين شاركوا في المظاهرات السلمية براء من أيّة تهمة بالتآمر ومطالبهم عادلة وصحيحة ...وفي الوقت نفسه فإنّه من المكابرة النفي بالمطلق وجود مندسين ، وهؤلاء لايشكّلون سوى نسبة ضئيلة جدّاً من عدد الذين نزلوا إلى الشارع ،ومشاركتهم مستنكرة ومدانة ، وألحقت أضراراً كبيرة بسمعة المتظاهرين ، وقد استخدم النظام ورقتهم ووظفها لتشويه المظاهرات السلمية ، ولتبرير عنفه تجاه المتظاهرين ، والسير قدماً في حلّه الأمني ، مع العلم أنّ وجود مثل هؤلاء المندسين ليس مفاجئاً ولاغريباً ، وقد سبق أن شاهدنا من أمثالهم في سلحات أخرى ، كما أنّ المخططات الأجنبية موجودة قبل الاستقلال وبعده وستستمر ، وستتحول عند تنفيذها إلى مؤامرة لأنّها تتناقض مع القوانين والأعراف الدولية ...

-  يبدو أنّه كان يوجد تيّاران داخل المطبخ السياسي والأمني في سورية ، الأول كان يميل إلى إجراء حوار مع المعارضة ،واستبعاد الحل الأمني بصورته الدموية الأخيرة ،والتيار الثاني كان يرى ضرورة قمع المتظاهرين ، وإسكات الشارع ،ثمّ إجراء حوار وطني مسيطر عليه من حيث فرض صيغ الحوار وآلياته ، وحدوده ونتائجه ، وبمعنى آخر إجراء حوار من موقع قوة ، وبالتالي استيعاب حركة الشارع والمطالب الجماهيرية، وقطع الطريق على انتشار وتوسّع الانتفاضة ، وإجهاضها قبل أن تتمكّن من تحقيق أهدافها الوطنية والديمقراطية ...وهذا التيار هو الذي فرض رأيه بعد مظاهرات الجمعة العظيمة ، واختار الحلّ الأمني أسلوباً للتعامل مع المظاهرات ..

-  يُلاحظ أنّ القوى السائدة في النظام قد أجرت تقييماً دقيقاً لما جرى من ثورات في الوطن العربي مؤخّراً ، واستخلصت دروسها وعبرها بمنظور سلطوي بهدف التشبّث بالسلطة إلى آجال بعيدة ، وضمن هذا السياق رصدت الثغرات وأخطاء الحكام في تونس ومصر واليمن بعيداً عن الحقوق الشعبية الديمقراطية المشروعة ،وآثار الاستبداد المزمن ، والفساد المستشري ، وحاولت تجنّب تلك الأخطاء بمفهومها حتى تضع الخطط لتجنّب النتائج التي آلت إليها تلك الأنظمة  ، ومن أهمّ الدروس المحتملة التي استخلصوها هي :  

1 - أهمية المحافظة على وحدة القيادتين السياسية والعسكرية ، لأنّ نقطة ضعف النظام التونسي كانت انفراد قيادة الجيش (رئيس الأركان) بقرار مغاير لرغبة / بن علي / ممّا صان حركة الشارع من عنف النظام ، وفسح المجال للثوار التونسيين من تحقيق بعض أهدافهم ، وخاصة رحيل رأس النظام ، وتفكيك بعض هياكله ..

2 -عدم إفساح المجال للمتظاهرين من الوصول إلى الساحات والاعتصام بها كما حدث في مصر واليمن ، ومن هنا نجد تفسيراً لاستخدام الذخيرة الحيّة ودون سابق إنذار على المجموعات التي حاولت التقدّم من دوما وحرستا والزبداني باتجاه ساحة العباسيين في دمشق ، وغيرها من الساحات في المدن الأخرى .

3 - تشديد اللحمة بين الأجهزة الأمنية والجيش ، وإبراز الانعكاسات السلبية عليها في حال سقوط النظام ، والدرس التونسي والمصري شاهد حيّ على ما حدث ،ممّا زاد تلك الأجهزة شراسة وثباتاً في خدمة النظام الحاكم .

4 - عزل حركة الشارع عن وسائل الإعلام العربية والدولية ممّا جعلها تحت رحمة ( شهود العيان) الذين يسهل التشكيك بصدقيتهم ، والاستفادة من عدم صدق بعضهم لتدعيم هذا التشكيك .

5 - استغلال التدخلات الخارجية الدولية لإبراز وجود مخططات خاصة لها تجاه النظام السوري ، والتركيز على سياسته الخارجية ، ودعم المقاومات العربية لتغطية عوراته الداخلية ...وفي الوقت نفسه فإنّ بعض تدخلات السوريين المعارضين في الخارج ، وارتباطات البعض بدوائر غربية تمويلاً وسياسياً ، وربما أمنيّاً ، وتسجيل محادثاتهم الهاتفية وبثّها جعل بعض شرائح المجتمع يتردّد في تأييد حركة الشارع ، ويشكّك بهذه الحركة ..

 6 - استخدام ورقة المتشددين الإسلاميين والتكفيريين كفزّاعة من جهة ، وكمبرّر لاستخدام العنف وقمع المتظاهرين من جهة ثانية ، وساعد على ذلك الاستخدام ا

 

حتمال وجود بعض المندسين بين صفوف الجماهير المسالمة التي نزلت إلى الشارع بصدق وعفوية تطالب بحقها المشروع في الحرية والديمقراطية ،والتي تشكّل الأغلبية الساحقة من الانتفاضة ،ممّا أساء إلى سلمية وطهارة حركة الشارع ، وساعد الأجهزة الأمنية على فبركة مثل هذا الدور في بعض الأحيان ...

7 - إنّ المآل المزري  الذي وصل إليه مبارك وأسرته في مصر ، برز كدرس وعبرة لمن يعتبر في سورية وغيرها ممّا جعل النظام الحاكم يختار المواجهة حتى الرمق الأخير ، ويتخذ قراره باستخدام الحلّ الأمني قبل فوات الأوان ، وتمكّن الانتفاضة من تحقيق المدّ الشعبي اللازم لفرض إرادتها على النظام ، واستلام المبادرة منه بوضوح وثبات ، وقد استغلّ التيّار المتشدّد في الحكم شعار إسقاط النظام الذي رفعه المتظاهرون كإحدى الذرائع من أجل تبرير حلّهم الأمني ...

8 -  لم تكن تصريحات رامي مخلوف لمجلة أمريكية عفوية ، ولا منطلقة من فراغ ، ولا زلّة لسان عندما ربط استقرار      (إسرائيل) باستقرار سورية ، فلا يُعقَل أن يقدم على إطلاق تصريح من هذا القبيل دون توجيه أو ضوء أخضر من جهات عليا في النظام ، وعلى كل حال تركت أثراً سلبياً في نفوس المواطنين ، وفسحت المجال للطعن في مصداقية النظام من شعار الممانعة  الذي يتغنّى به أتباعه وحلفاؤه ...ولكنّ مقابلة عبد الحليم خدام مع التلفزيون الإسرائيلي وتصريحاته المشينة غطّت بعض الشيء على ذلك الأثر ...

- توجد لدينا ملاحظات واستنتاجات حول المظاهرات والمعارضة ،ولكن  نظراً لأهمية هذا الموضوع وحساسيته ،  وجدنا من الأفضل تخصيص مقال مستقل حوله  لاحقاً ...

مقترحات حول أداء المعارضة في المرحلة القادمة :

ونقصد هنا أولاً المشاركين في المظاهرات ،وخاصة الشباب منهم ، وثانياً الأحزاب والقوى السياسية المعارضة التي التحقت بالحراك الشعبي الثوري ..

1- المحافظة على استمرار الانتفاضة السلمية ، والسعي لنشرها على ربوع القطر العربي السوري لتعمّ كلّ مدنه وبلداته ، وبالأعداد الممكنة ، لأنّ إخمادها سيزيد النظام غروراً ،ويجهض أي حوار قبل انطلاقه ..

2 - تأطير حركة الشارع ، والسعي لإيجاد صيغة تمثيلية لها في كل مدينة ،ثمّ في كل محافظة لتكون مستعدّة للمشاركة المباشرة في أيّ حواروطني جاد ، ولصيانة وترشيد حركتها الجماهيرية ..

3 - على الأحزاب والقوى الوطنية والديمقراطية إيجاد حوار مباشر وسريع للتوصّل إلى تصوّر موحّد فيما بينها قبل الدخول في أي حوار مع النظام ، وعلى الخصوص أطراف التجمّع الوطني الديمقراطي بكافة مكوّناته الستة  ..

4 - الرفض الصريح والواضح لأي شكل من أشكال التدويل الذي يشكّل الذريعة للتخل الأجنبي بشؤون سورية الداخلية ، وتنفيذ مخططاته الخبيثة فيها ...

5 - تجنّب أيّة شعارات وتصريحات وتعليقات تسيء إلى الوحدة الوطنية التي يجب أن تبقى دائماً الحصن الذي يحمي ويصون الانتفاضة من الشطط والانحراف ، ويجعلها تسير على الطريق الصحيح ...

6 - تجنّب المساس قولاً وعملاً بأيّ مقاومة ( فلسطينية ،لبنانية ، عراقية ) لأنّ الإقدام على ذلك سيكون تعبيراً عن قصر نظر سياسي خطير،  وخلق ثغرة صالحة للاستغلال من قبل التحالف الإمبريالي - الصهيوني ، وأعوانه ،وعملائه ، فأيّ نظام حاكم في دمشق يضع نفسه في دائرة التناقض والصراع معها  يعني أنّه اختار طريقاً خاطئاً سيوصله شاء أم أبى إلى فخّ ذلك التحالف ، وسيكون نظاماً غبيّاً جاهلاً ، أو تابعاً متواطئاً ،أو حتى عميلاً .. . وبهذه المناسبة نودّ التحذير من الإشاعات والدسّ الرخيص الذي يستهدف تشويه سمعة المقاومين في لبنان  والذي يختلق "فبركات" حول مشاركة مباشرة لهم في قمع المظاهرات ،  وكأنّ النظام تنقصه أدوات قمع إضافة لما في حوزته ، علما أنّ أيّة مشاركة لهم من هذا القبيل تؤذي النظام نفسه أوّلاً كما تلوّث سمعتهم كمناضلين حقيقيين ثانيأ ، وقادتهم يملكون من الوعي السياسي الكافي لعدم الوقوع في مطبّ مسيء مثل هذا ، ولكن هنا ،لا أعني بشكل من الأشكال المكابرة والقول أنّهم لايدعمونه إعلامياً ،  ولكنّني أدرك الدوافع لذلك ، والتي ترتكز على إدراكهم لأهمية الجغرافيا السورية وتأثيرها  على صمودهم ، وربما وجودهم ، وكنوع من ردّ  الجميل لحليف لهم  تعرّض لمحنة ، بغض النظر عن فهمنا لمنطلقات وأهداف النظام السوري وحساباته من وراء دعمهم ومساندتهم ...

7 - التمسّك ببعض الشروط التي يجب تنفيذها قبل إجراء أيّ حوار مع النظام من أهمّها : سحب الأجهزة الأمنية بكافة أشكالها ومسمياتها ،ووحدات الجيش من المدن والبلدات ،ووقف العنف تجاه المظاهرات السلمية ،وإفساح المجال للمواطنين للتعبير عن آرائهم بكل حرية ...وإطلاق سراح جميع المتقلين السياسيين ، وتشكيل لجنة قضائية  نزيهة للتحقيق بكل حوادث العنف والقتل التي تمّت خلال فترة الانتفاضة ، وتحديد المسؤوليات ، والمباشرة الفورية في أعمالها ضمن فترة محدّدة  غير طويلة .

وأخيراً ،  فإنّنا نستطيع القول : إنّ النظام الحاكم لن يفلح في قهر إرادة جاهير كسرت حاجز الخوف من بطشه ، وقررت الاستمرار في انتفاضتها حتى تحقيق أهدافها الديمقراطية السلمية مهما غلا الثمن...   وبغض النظر عن نتائج الحل الأمني ، وما فرضه ، أو يمكن أن يفرضه من وقائع على الأرض ،فالحراك الجماهيري سيستمرّ بهذا الشكل أو ذاك لأمد طويل ، وسيستنزف نظام الاستبداد والفساد سياسياً ومادياً وبنيوياً ومعنوياً في الداخل والخارج هذا من جهة ، ومن جهة أخرى لا أزعم أن المتظاهرين استطاعوا حتى الآن تأمين الزخم والحشد الشعبي اللازمين لفرض إرادتهم على هذا النظام ...ومن هنا ، يصبح الحوار الوطني العريض طريقاً وممرّاً إجباريّاً لابدّ من عبوره للتفتيش عن حلول تصون سورية من ويلات دخول مستنقع سيوصل الجميع إلى الدمار والخراب والانتحار  ، ولإدراكنا أنّ النظام الآن  أصبح مضطراً للتفتيش عن مخارج سياسية ، واللجوء إلى تنظيم شكل من أشكال الحوار ، وبغض النظر عن حرصه على محاولة احتواء الحوار ونتائجه من خلال المبادرة في عقده ، أو من حيث الأطراف والشخصيات المشاركة فيه ، وتوقيته ، ومكانه ، وجدول أعماله ، للتوصّل إلى حدّ أدنى من الإصلاحات التي لا تمسّ بنية النظام الأساسية كما يستهدف،ومهما كابر فإنّه أصبح في موقف صعب سيملي عليه التنازل بالحدود القصوى غير المألوفة  منه سابقاً    .... وفي حال رفض الحوار من قبل الإنتفاضة سيجني النظام أرباحاً بين صفوف  القاعدة الشعبية العريضة الصامتة أو المترددة حتى الأن ، والتي هي تؤيد الإصلاحات الديمقراطية  ... وفي الوقت نفسه، فإنّ مثل هذا الحوار سيكشف أوراق النظام وزيفها  ، والسقف الأعلى الذي يمكن أن يصل إليه ، وفي حال التأكّد من عدم جدوى هذا الطريق لتحقيق إصلاح ديمقراطي حقيقي يلبّي تطلعات الشعب السوري ،  فلن يثني الانتفاضة عن الاستمرار في حراكها لعدم وجود خيارات أخرى لديها بعد أن كشفت أوراقها ، وصمّمت على الدفاع عن كرامتها وحقوقها ، وفي هذه الحالة ستلاقي دعماً وتعاطفاً أقوى وأوسع من الشعب ، وحتى من الهياكل التي يرتكز عليها النظام ... وستبقى إرادة الشعب هي الأقوى في النهاية ...

في 19.05.2011