في العنف السياسي

د.مرهف ميخائيل

 العنف السياسي

هوأسلوب وأداة ووسيلة  لدفع الأخر لتغيير موقفه،او التخلي عن طموحاته ،ويختلف من نظام سياسي إلى آخر ،ومن مجموعة سياسية  إلى أخرى.وتُشير أهم الدراسات التاريخية  أو التجريبية ،دائما،إلى معيار  تَعُّمد استخدام  القوة المفرطة ،وتًقُصد الإصابة الجسدية أو القتل الفيزيائي(1).

 

 يُعرّف نيبورج(2) العنف السياسي  بأنه مجموعة من التصرفات ، والأعمال  التي تبدأ من الفوضى  الى الهدم والتدمير ،فهي تختار الأهداف والضحايا،كما تختار الظروف ووقت التنفيذ،وتصبغ العواقب بمعاني سياسية .فهدفها النهائي دفع الشخص أو المجموعة إلى تبديل  مواقفها أو التخلي عن أفكاره وسلوكه نحو الأخر الذي يُمارس العنف...وبالتالي يقبل المساومة مما يؤدي إلى نتائج وعواقب تنعكس على النظام الاجتماعي  برمته.

أما ميشو(3) فإنه يُغاير ويختلف في نظرته مع المؤلفين الأمريكيين  أمثال جير وجراهام وهيبس وميلر وفيريربند الذين يرون  العنف كأعمال يُمكننا قياسها وتعدادها ويضربون مثلاً على ذلك، الاضطرابات والاعتصامات..الخ. كما يعتبر ميشو أنه من الصعوبة بمكان  وضع عنوان لكل عنف سياسي ، لأن هذا يعتمد على المنظور الذي يتبناه الفاعل وحيث يكون موقع هذا الفاعل او المحرض.

 

نماذج العنف السياسي

 

وهي بحسب النظام السياسي الذي يُمارس العنف (ديمقراطي، استبدادي ،شمولي)...ولا نستطيع أن نتكلم عن هذه النماذج دون الإشارة إلى أعمال جير ...فهذا الأخير تأثر بأعمال بيركوفيتز(4)فقدم فكرة الترابط  أو التداخل أو التأثير المتبادل بين العنف السياسي  والعنف الاجتماعي،واستنتج أن في كل أصل صيرورة للعنف السياسي  هناك فكرة الإحباط.وهو يُرجع هذا الإحباط  إلى عملية مقارنة يقوم بها الفرد أو المجموعة السياسية  ،بين المكتسبات التي يطمح الحصول عليها ، وتلك التي يستطيع الحصول عليها واقعيا ..ففي هذه المسافة  بين الاثنتين  او الهوة  الكبيرة لايوجد إمكانية التعويض...يُضاف إلى ذلك ،انعدام الظروف المؤاتية  للشخص أو المجموعة  من اجل التعويض لهذا اللاتوازن...هذا الإحساس بقوة الإحباط  سبب كافٍ يدفع الناس إلى العنف السياسي.كما يُصبح هذا واقعيا عندما يُصيب الإحباط مجموعة كبيرة من الأفراد أو كتلة اجتماعية معينة .ولذلك يرى إن العنف السياسي مرتبط بشكل عضوي  بالعنف الاحتجاجي،للسكان ضد السلطة المحلية ،مهما كان  نوع هذه السلطة .إلا أن العنف الممارس من قبل  السلطات  فقد سقط من حساباته وتم إهماله  في مقاربته هذه.وهو العنف الذي يُعتبر تاريخيا الأكثر تدميرا بحسب تيلي(5)وزيمرمان.

النموذج الأول :العنف السياسي الثوري

يقول شازيل(6) انه بإمكاننا أن نُميز بين ثلاثة أنواع لها ارتباط بالصيرورة  الثورية للعنف السياسي،وهي:

 

النماذج التسلسلية

 

النماذج النفسية الاجتماعية

 

النماذج الاجتماعية  التاريخية

 

 

النموذج التسلسلي

 

 يرى برنتون(7)أن محددات الثورة هي شدة  أو حدة الصراع الطبقي أو الأزمة الطبقية ،وثانياً :أزمة مشروعية السلطة.

ففي هذه المقاربة ،هناك علاقة عضوية ،بديهية ،بين العنف السياسي والثورة الذي يأتي من السلطة أو الشارع.

أما سكوبول(8) فيُعرف الثورة على أنها  صيرورة  مشاركة  شعبية ،تهدف إلى تحولات  اجتماعية ،وتؤدي إلى إعادة تأسيس وتشكيل  نظام اجتماعي جديد .بينما جينيفيه (9)

يقترح كمؤرخ للثورة الفرنسية ،توضيحاً لهذا النموذج الثوري ،فيُميز بين ثلاثة أشكال من أنواع العنف السياسي ،وهي:

العنف المتوحش والعفوي الذي  يُحرج القادة، ويعتمد الرعب كسياسة  متعمدة ،ويتم تطبيقها  من خلال القانون والإجراءات الابادية  وتهدف إلى تدمير  أنواع معينة من البشر .وعموما يتلخص النموذج التسلسلي للعنف السياسي في ثلاث مراحل عامة ،هي :

المرحلة الأولى :تُحاول السلطة عن طريق القوة، مقاومة الاحتجاجات والمطالب  الشعبية .

المرحلة الثانية :حيث أصحاب السلطة من الثوريين المعتدلين يصبحون  موضوعاً للاحتجاج.

المرحلة الثالثة :حيث الثوريين المتطرفين  يفرضون سلطة ديكتاتورية .

 

النموذج النفسي الاجتماعي

 

في هذا النموذج تُلقى المسؤولية على الإحباط ،كنقطة انطلاق للصيرورة الثورية .

دافي(10)يعتقد ان الثورة تُنتج نفسها عندما تعقب الفترة الطويلة نسبيا والمتقدمة اقتصاديا  واجتماعيا ،بأخرى قصيرة وحادة حيث ان الفجوة بين مايُنتظر فعله ، وبين الممكن تحقيقه، تتسع سريعا ويصبح غير ممكن تحمله .فالإحباط الناتج ،عندما يُصبح معمما في المجتمع، يبحث عن أشكال للتعبير ، وخاصة في الفعل العنفي.

 

النموذج الاجتماعي التاريخي

 

ويستند إلى تحليل مقارن للظواهر الثورية .فالمؤلفون سكوبول  ومور وزيمرمان (11)يلحون على النتائج  السياسية للثورات ،بما معناه تشكيل نوع جديد من الدول  تؤسس لأشكال جديدة من المشاركة الشعبية .فهو نموذج يعتمد بشكل كبير على المقارنة ،لأنه يبحث في عملية الصيرورة الثورية على محددات التعبير، لأشكال السلطة السياسية التي تتأسس بسرعة .

 

تعبيرات العنف السياسي في النظم السياسية

 

 السيطرة  او الضبط  الاجتماعي

هي إحدى  مظاهر  تعبيرات  العنف السياسي ،ويُمكننا  أن نعتبر إن أي شكل من أشكال  السيطرة الاجتماعية  الذي يقف  او يُعيق طموحات  ويفرض أراء  وسلوكات ،يُعطل  المسار الاجتماعي  أو  إطار الحياة ويُفرض على  مجموعة  من الأفراد  او الجماعات ،هو شكل من العنف السياسي(12) فيشر يُعرف السيطرة أو الضبط الاجتماعي  بأنه مجموعة الإجراءات التي تؤخذ كقواعد للعواقب التي تثبت السلوكيات الاجتماعية ،ويعتقد انريكيز(13) أن هناك ستة نماذج  للسيطرة الاجتماعية :

السيطرة المباشرة من خلال القمع المباشر  عن طريق العنف .وفي هذا النموذج تُعبر السيطرة عن نفسها  بالعنف  العاري بمعنى انه لايوجد أي خطاب موجه،والإطار المثالي للتعبير عن هذا النموذج من العنف هو النظام الاستبدادي التسلطي والشمولي ، اللذان يُرسيان  مشروعيتهما ،وبقائهما عن طريق العنف المتوحش.

 

السيطرة عن طريق النموذج التنظيمي:من خلال الآلة البيروقراطية ،ومن السهل ملاحظتها  في الممارسات الإدارية،ويتركز في تطبيق قواعد العمل الصادرة عن طريق السلمية.وهذا النوع من السيطرة يكون موجهاً ليس فقط لتقييم  المردود ولكن نحو انقياد الأفراد للأوامر والتعليمات.هيرميت(14)يعتبر أن البيروقراطية التسلطية  يُمكن  تطبيقها  على بعض الأنظمة السياسية (مابين الحربين العالميتين)أمثال المكسيك والبرتغال ...فالسلطة البيروقراطية  تعبر عن نفسها (تُمارس فعلها) من خارج الدولة ،لان المؤسسات التي تُنظم الحياة  الاقتصادية والثقافية والمهنية  لديهم سلطة القرار  الخاص بهم .وهنا، كما يُشير هيرميت،  يتعلق الأمر  بممثلين للدولة  ولكن بشكل  وسطاء  ،والتي تصبح نوع من اماكن التحقق من ولاء وخضوع الأفراد.

السيطرة على النتائج من خلال التنافس الاقتصادي:هي نموذج اخر من نماذج السيطرة  الاجتماعية  ،والمبدأ بسيط  وهو :من أجل النجاح يجب "القتال أو الجهاد "والعالم  هو عبارة  عن ساحة  واسعة للقتال  وفي نهاية الحرب  او المطاف يوجد الرابحون والخاسرون .والمنافسة في هذا النموذج تبقى الشكل البارز للصراع وبالتالي العنف.ويتعلق الأمر بتكثيف حركة الطاقات، الرغبة في الربح ،التفاني،الشجاعة قبول التضحيات ،إخوة السلاح، بينما باكارد وتشاكوتني(15) يعتقدان أنها منافسة  بشكل جوهري تنفي الآخر، ويتعلق الأمر بحالات من الضغوط والقمع، منافسة متوحشة تصل إلى حد الإقصاء والأبعاد التي يتحملها  او يخضع لها الأفراد في المؤسسات ...فالأنظمة الديمقراطية في الغرب  هي الحامل والمولد لهذا النوع  من العنف .وهو عنف الدولة (المؤسسة) في الدولة الديمقراطية وهي ليست بدون عواقب ،وكثير من الأعمال  أظهرت النتائج (الانتحار والعذاب النفسي)الكارثية على كل المستويات السلمية  ،بسبب هذه الضغوط المفروضة  على الموظفين (16)دوريو،جوردين ،ديجور هيريجوين،،ليمان...وهذا كله يتم مع الإهمال التام والشامل.

السيطرة الأيديولوجية: هو النموذج الرابع  من السيطرة الاجتماعية وهو مؤسس على المبدأ التالي:الدولة تضع للشعب ماذا يجب عليه التفكير به من أجل إن يعمل  ماتريده.الإيديولوجية تخدم  كإطار وضعي وكإنجيل ،فدرجة الالتحام بالايدولوجيا تخدم عملية تقييم درجة اندماج الفرد.وضمن هذا الفهم ،الالتزام لايمكنه أن يكون إلا شاملا أو كليا .لان كل اختلاف يُقيّم كانشقاق أو انحراف أو جريمة.هذا النوع من السيطرة يحدث تحت شكل التلقين ،ويحدد فكفكة اجتماعية للسلوكات والتفكير .فالإيديولوجيات هي قبل كل شيء  أنظمة للتمثيل، بهذا المعنى ترتكز على حد أدنى من المنطق الداخلي ،والبناء العقلاني.هذه الأنظمة او المنظومات من الإيمان هي المحددات لظهور سلوكات عنفية فردية كانت أم جماعية .

فروم ولوفي (17)يعتبران أن المعذبين(بكسر الذال) النازيين كانوا من نفس قماش البشر الآخرين وأن أفعالهم كانت النتيجة لتعلم ثقافة أيديولوجية خاصة .وميلير (18) يدافع عن نفس النظرية التي تعتبر ان نموذج معين من التعليم  والبيداغوجيا ويطلق  عليها  اسم "البيداغوجيا السوداء",هي في الأصل وراء تصنيع المعذبين(بكسر الذال)  النازيين ويعتبر أننا لسنا محميين من ظهور هذا النوع من الايدولوجيا الاقصائية العنفية التي تنفي الاخر فيزيائيا من خلال  منظومة  فكرية  أيديولوجية  .وماحدث في يوغسلافيا  سابقا  هو اكبر مثال على ذلك.

أما بيرنبوم(19) وهيجه فيعتبران ان الجوانب النفسية والعاطفية  او النفسية العاطفية تلعب دورا  جوهريا في آلية السيطرة

السيطرة عن طريق الردع:هو عبارة عن تنظيم جهاز بهدف تطوير مجموعة  من الوسائل  للتدخل بحيث يقوم دورها الرئيس ،ليس في استخدامها  وإنما  لردع الأعداء أو الأطراف المعادية المفترضة.فالردع كوسيلة  سيطرة  تُطبق أيضا ضد الأفراد في داخل  كل نظام  اجتماعي من خلال السيطرة  البوليسية مثلا.وهذا النوع من الإجراءات يوجد في الأنظمة الديمقراطية  ،فما يُميز الدولة العادلة  أو دولة الحقوق،بالمعارضة لكل الأنظمة الاستبدادية ليس باستحالة استخدام  قوة العنف وإنما في الترميز  والتشفير الواعي للشروط المستخدمة فيه .قراءة وفهماً من الجميع ، فالعرف العدلي يبقى هو الممنوع ولكن عدم الاحترام يبرر شرعيا اللجوء إلى القوة أو إلى القيود والإرغام .في جوهرها  تُظهر الأنظمة الديمقراطية عن طريق الصيرورة  الردعية إلى أي درجة ترتكز قاعدتها  حتما على القوة المادية للبوليس والعدالة .

الإرهاب كشكل من أشكال العنف السياسي

الصعوبة الكبرى هي في تعريف الإرهاب لان الكلمة هي على حدود العلوم الاجتماعية والسياسية. تايلور 1991 (20)يقول هي تسمية لها دلالات يستخدمها السياسيون  او العاملون  في السياسة بشكل سلبي من أجل حرمان الأخر من الحقوق .

أما بالنسبة لفريديل 2001(21) فهي تسمية تُطلق من قبل طرف على آخر ،في الوقت الذي يكون فيه، من يكون إرهابيا لهذه الجهة ،هو بطل للجهة الأخرى.

ولذلك تُصبح نوعاً من السلاح السياسي الهائل ،فالخصم الذي يُعتبر  إرهابيا هو محروم من الحقوق والاحترام ،ولذلك تلغى كل قواعد اللعبة السياسية وهي ذات مستوى ماتحت السياسي...ولذلك مع الإرهابي لا مفاوضات ولامحادثات ولامهادنة  ..فهذه نوع من أنواع الاعتراف به إن حصلت .فيفيوركا 1988(22) لا يوجد عنده لاعب سياسي مؤهل  كإرهابي،فكل شيء مشروع  ضده،وضمن هذا المنطق لاخطاب معه بل يجب محاربته وتدميره.

بينما شانيولاند 1996(23)يُميز بين ثلاث نماذج من الإرهاب: الحركات التحررية،الطوائف السياسية ،الدول  . 

 

الديمقراطية والعنف السياسي

 

الديمقراطية هي ان يحكم الشعب نفسه.هي حركة تتجه للمساواة والحرية المثاليتين، ومشاركة المواطنين في الحياة العامة ،نحو" مجتمع منفتح "كما يُعَرّفهُ كارل بوبير(24)في كتابه عام  1945 الذي يتحدث فيه  عن مجتمع المؤسسات حيث تؤمن فيه الحماية  لحقوق المواطنين ،ولحرية الاختيار والكلام .

في الأنظمة الديمقراطية يوجد العنف السياسي  ،وهو وسيلة  من الوسائل لإدارة أزمة مثلاً.بالرغم من أن هذا العنف يوجد غالبا بشكل محدود  فهو مرتبط بوسائل أكثر سلمية  تُستخدم بطريقة موازية .

ففي إطار الأزمات الاجتماعية او الاحتجاجية ،غالبا  مايحدث إن الأنصار  يدعون إلى استخدام القوة ،حتى ولو كان استخدام القوة  في اغلب الأحيان  بحجم خفيف .

وربما استخدمنا كلمة العنف "الناعم" كوسيلة فعالة من اجل فرض  شروط التفاوض  في نظام  ديمقراطي  حتى ولو ان برود(25) يعتقد انه يجب ان يتوفر شرطان  وهما :

الاول :شرط وضوح الرؤية (الأعلام يقوم بدوره لتوضيح الرؤية)

الثاني:عدم تجاوز حدود معينة  وإلا ارتد العنف على أصحابه  في عملية التفاوض.

بينما يرى كوسر(26)إن الدولة الديمقراطية لا تقوم فقط بتخفيف وقع استخدام القوة ولكن تحمل عمدا مستويات معينة من العنف.

ونعود إلى برود الذي يُميز بين عنف حاد أو نتيجة للغضب ،وعنف محسوب ومتدرج .

فالعنف الغضبي (من الغضب) له سمات أساسية ،هي: تعليق ولو جزئيا في قلب الحدث حساب العلاقات اي الربح والخسارة ونتكلم عن شدة العنف المُطبق في هذه الحالة .والذي يُصبح  غير مُنتج  سياسياً.فاختيار الهدف  في هذه الحالة غريزي على الغالب .

اما العنف المُوجَّه فيُطبق دون انفعال أو عدوانية  غير منضبطة ،تهدف للوصول الى أهداف محددة ،وهي تأتي ضمن حسابات  منطقية وفعالة .وهذا يقتضي ضمنا  البحث الواعي  عن تناسب الوسائل  التي  وضعت  مقارنة  بالهدف المرمي .

هذه الأنواع من العنف في الأنظمة الديمقراطية  موجودة ، ولا تستطيع ان تعفي نفسها منها ،ولكنها لا تُشبه باي حال  من الأحوال  العنف المطبق في الأنظمة الديكتاتورية ، الاستبدادية ، والشمولية .

 

العنف الشمولي والعنف الاستبدادي التسلطي

 

 

لكل نظام مهما كان شكله سلطان ،وتتحدد  مدى سلطويته  بعملية استخدامه  بشكل عشوائي للعنف .ونتكلم عن التسلطية او الاستبداد  فقط عندما  تُفرط السلطة  في استخدام  القوة  اكثر من الاقناع .و الافراط في استخدام القوة يجعله  غير شرعي في نظرة المجتمعات الغربية  ،وهذا أكيد في  نظر السكان في الدول الاستبدادية.

كما أننا نستطيع ان  نقول  بان رفض المرشحين للسلطة  ممارسة  التنافس السياسي هو فعل تسلطي  استبدادي  وعنفي .ففي الدول التسلطية الاستبدادية  يستخدم الحاكم  العنف دون رحمة وتُعالج الازمات معالجة بوليسية وتكملها الالة القضائية التي تُكمل العنف البوليسي بهدف تخويف وتيئيس كل احتجاج.أما في الانظمة الشموليةحيث تتركز السلطات في يد سلطة واحدة ،وحضور ايديولوجية رسمية منتشرة  من خلال  الدعاية  ومحددة من قبل حزب سياسي  وحيد،فعبادة الفرد  والدولة  شيء كلي الحضور.حيث يعم النظام الصارم  ،ونفي الفرد  وتعميم  الخوف البوليسي  الجمعي.فالعنف الذي يُميز الدول الشمولية  يبقى بشكل كبير  مؤسس على القمع .فهي دول لاتعرف الخطاب  وانما اللكمات والتعذيب الجسدي والسيطرة .إن التأسيس لمثل هذا النظام السياسي يفترض انعدام  المؤسسات التي  تعترض ديناميكية النفوذ على المجتمع .مع انعدام التعددية وتدمير المعارضة ،ووضع المجتمع  تحت وصاية النقابات  المفبركة والسلطات الدينية ،مراقبة الجيش والبوليس ،خلق آلة اعلامية للدعاية .

 

كان لابد من هذا التقديم المختصر لمعرفة  نماذج العنف واشكاله ونوعية القوى التي تستخدم العنف،ففي بلداننا التي عانت كثيرا من العنف تحت ظل دولنا الاستبدادية ،التي لم توفر يوما استخدامها للقوة والإفراط بها ضد مجموع السكان السلميين .

تُجب الإشارة إلى أن دولنا الاستبدادية تستخدم العنف بشكله المتوحش العاري ضد شعوبها ،كما علينا عدم إغفال ذكر أن هناك قوى سياسية استخدمت وتستخدم العنف كلما أُتيحت لها الفرصة ،ففي عام ال1982 مارس النظام السوري العنف المتوحش في حماة ،رداً على ممارسة العنف من قبل فئة الاخوان المسلمين ،حيث قامت هذه الجماعة بعمليات قتل جماعية وتفجيرات ،كانت تستخدم فيها العنف العاري المتوحش .ورد عليها النظام (حافظ الأسد ) بل واستغل هذا العنف ليصفي حساباته مع جميع خصومه السياسيين ،فمارس القتل العاري والسجن وتهديم البيوت بمدافعه ،وخاصة في مدينة حماة القديمة (المدينة القديمة).

لم تسلم جسر الشغور التي أيدت الإخوان المسلمين  في تلك الفترة ،فكان لها نفس المصير من تدمير وتخريب .

في تلك الأيام مارس النظام والإخوان عمليات قتل واغتيالات راح  ضحيتها الألاف من الأبرياء.

بينما مايحصل الان ومنذ 15 آذار 2011 لم يكن سوى التطبيق الفعلي لنظرية العنف المتوحش ،فالفعل العنفي الذي مارسه النظام السوري (بشار الأسد) لم يكن سوى عنفا عاريا متوحشا ،لاياخذ بعين الاعتبار سوى مصلحة السلطة المستبدة الشمولية القائمة، وهي سلطة موروثة  بالرغم من ادعاء النظام بانها جمهورية :ففي مرحلة معينة من الصراع بين الانتفاضة التي هي فعل ثوري واعي سلمي وبين النظام ..حاول النظام جر الجيل الأول للانتفاضة إلى الفعل العنفي لكنه لم ينجح،وقد نجح لاحقاً بفعل اعتقال الجيل الأول والثاني للانتفاضة ،ووضعهم في السجون والزنازين بل وتمت تصفية الكثيرين منهم  وهم بالآلاف ...

في المرحلة الثانية أطلق النظام المساجين المعروفون بأفعالهم الإجرامية من سرقة وتهريب وقتل ...الخ وأعطاهم السلاح وأطلق أيديهم مع ميليشيا خاصة تم استئجارها وقد أطلق عليها فيما بعد اسم (الشبيحة )...

وقد ادعى النظام انه يطارد العصابات المسلحة وأن الانتفاضة هي مؤامرة كونية عليه، علماً أنه كان قد سهل في البداية دخول مجموعات من القاعدة ومجموعات أسلامية متطرفة عبر الحدود العراقية السورية خاصة.

من المعروف تاريخياً أنه يوجد العنف حيث يوجد الاستبداد والتسلط  السياسي،لكن العنف السياسي يُمارس في جميع الدول ،فحيث تكون السلطة يكون العنف بإشكاله المتدرجة ،من الناعم في الدول الديمقراطية الى العنف المتوحش  في الدول الاستبدادية ،فهو يرافق السلطة كما يُرافق الظل صاحبه .

إن تعمد استخدام  القوة المفرطة بهدف الإيذاء  وخلق العاهات الجسدية  لحد القتل المتعمد والتصفية.وهذا المعيار الذي يُفرق بين الدول الاستبدادية التسلطية والدول الديمقراطية. .

ففي هذه الأخيرة ،يتم استخدام العنف الناعم  من قبل السلطات عندما يفشل  الحوار والتفاوض مع الأطراف  التي تقوم بالإضرابات والاعتصامات....الخ ويُستخدم العنف الناعم بشكل محسوب  لدفع الأخر إلى  تغيير موقفه  او تعديل موقفه  وتبديله. أما  في الدول الاستبدادية والشمولية (الدول العربية وسورية في المقدمة)يتم استخدام العنف المتوحش العاري وهذا ينسجم مع طبيعة وتركيبة هذه الدول ،فلاقيمة للنقابات المستقلة ولاوجود للأحزاب السياسية ،لان كل من يُعارض المستبد هو ملغى ومشروع تدميره والقضاء عليه .فالمعارضين السياسيين موجودون  إما في الزنازين أو في المنافي،وغالبا  مايُحاول المستبد أن  يمحي من الذاكرة الوطنية وجود هؤلاء المعارضين.ولذلك فمن الطبيعي  ان يُمارس الطرف الأخر  في هذه الدول المستبدة العنف السياسي بهدف تغيير  الاستبداد  وفرض سلطة ديمقراطية. وهذا النوع من العنف أسميناه في المقدمة النظرية بالعنف الثوري  وهو فعل عنفي ردا على تراكم من الأفعال العنفية عبر  صراع طويل بين الدول الاستبدادية والمجموعات السياسية التي تؤمن بالديمقراطية وتعمل في السر بشكل سلمي للوصول إلى إلغاء هذه الدولة الاستبدادية والشمولية . فهي تتراكم  عبر عشرات السنين ثم تنفجر مرة واحدة  وعبر الفعل الثوري العنفي  المبرر والمشروع  من قبل من يمارس هذا العنف .ففي سورية تم تحطيم التماثيل التي كانت في الساحات للمستبد حافظ الأسد،لأنها تُذكر الناس  بتلك السنين التي تم تعذيبهم وسجنهم ومنعهم من التعبير عن حريتهم ...كما تم تدمير مباني المخابرات ومكاتب الأمن  فالثائرون يسمحون لأنفسهم إن يدمروا كل ماله علاقة بهذا المستبد ودولته. وهو نوع من محي المستبد واقتلاع جذوره ،لان تلك المباني ترمز إلى  الفعل العنفي الذي مارسه المستبد خلال مراحل  حكمه للمجتمع المعني.ففي الوقت الذي تُمارس الحكومات المنتخبة  في الدول الديمقراطية  الحوار والتفاوض لحل اي تناقض مع السكان والمواطنين،تُمارس الحكومات التسلطية الضرب والتعذيب الجسدي والقتل للتخلص من المعارضين الذين تجرؤوا على النقد والكلام .لان المستبد لايمكنه أن يتخيل وجود معارضين  له ولنظامه ،لأنه يعتقد انه  على حق في كل مايفعل  ويقول ،فالفعل العنفي الممارس من قبل الآلة الاستبدادية يكون قويا ومتوحشا ،كلما  كان الاعتقاد  بالحزب الواحد  والقائد الواحد والشعارات الواحدة  قوياً ومكيناً. فعبر الآلة الإعلامية الضخمة التي تؤلف الأكاذيب وتفبرك القصص والاتهامات تتقوى نفسية الاستبداد في المستبد ويصل إلى مرحلة يصدق المستبد هذه الآلة  من الكذب الدعايات .

 

   .

أسماء المؤلفين الذين اقتبسنا منهم شواهد وتعاريف وأراء :

(1)  TILLY 1986,HIBBS 1973,CHESNAIS 1981,GURR 1970.

(2)NIEBURG 1969;

(3) MICHAUD 1979,

(4)BERKOWITZ 1962 ,1969,1989,1993.

(5)TILLY 1986, ZIMMERMANN 1983.

(6)CHAZEL 1985,1989.

(7)BRINTAN 1938.

(8)SKOCPOL1985 .

GUENIFFEY 2000. (9)

DAVIES 1971. (10)

(11)SCOCPOL,ZIMMERMANN,MORE

1991(12)FISCHER

(13)ENRIQUEZ

(14)HERMET 1983

(15) packard 1958,TCHAKOTINE 1992

(16)DURIEUX,DEJOURS 1998 ,JOURDAIN 1999

(17)LEYMANN 1996,HIRIGOYEN 1998

(18) LEVI 1989 , FROMM 1975

(19)MILLEr 1984

(20) BIRNBAUM 1975,HUYGHE

(21) TAYLOR 1991

(22)FRIDELL 2000

(23) WIEVIORKA 1988

(24)CHAGNALLAND  1996

(25) BRAUD1993

(26)coser 1982