الهدف: كسر التوازن

العنوان: إقالة لحود

 

جوزف سماحة- جريدة السفير

 

 

 

أطلقت قوى <<14 آذار>> العد العكسي لإقالة رئيس الجمهورية إميل لحود: عريضة نيابية، آلية قانونية ودستورية،

 تحركات شعبية، وصولاً إلى لحظة الذروة بعد أربعة أسابيع وربما قبل ذلك.
مقوّمات هذه المعركة متوافرة بتفاوت.
الشعار جذاب بالنسبة إلى قطاعات شعبية عريضة، والتعبئة حوله قابلة لأن تلقى صدى. وثمة أكثرية نيابية يسعها أن تجمع التواقيع التي تطالب إما بالتنحي، أو بإعلان شغور المنصب، أو بالطعن في دستورية التمديد، أو في اعتباره مخالفاً ل<<القانون الدولي>>.
إلا أن العقدة التي لم يجد أحد حلاً مقنعاً لها هي تلك المتعلقة بالجوانب القانونية والدستورية. فلا المجلس النيابي في دورة انعقاد عادية، ولا أكثرية الثلثين مؤمنة، ولا الآلية المنشودة قادرة على تأمين حسم قريب. إلى ذلك ثمة عقبات شعبية وسياسية أيضاً.
إن <<الآلية>> التي يفضلها صفير (حديثه إلى الزميلة <<النهار>> أمس) تتمايز عن أي آلية تطمح إليها الأغلبية النيابية. فالبطريرك تقدم خطوة على طريق رفع الغطاء عن رئيس الجمهورية ولكنه لا يزال بعيداً عن تحبيذ اللجوء إلى الشارع، كما أنه يميل إلى التوافق المسبق على البديل. ويمكن القول إن قوى <<14 آذار>> (مَن تبقى منها) لا تستبعد <<الشارع>> ولا تبدو متحمسة لتوافق مسبق. لا بل تبدو دعوتها إلى الإقالة كأنها استباق لحوار مفترض وتعطيل له وسحب العنوان الرئاسي من جدول أعماله لأنه عنوان <<غير قابل للحوار>> (د. سمير جعجع).
إلى ذلك فإن <<التيار الوطني الحر>> لا يؤمّن التغطية الشعبية المسيحية لهذا التوجه. وليس سراً أنه يريد التوافق المسبق على البديل شرطاً لتأمين أكثرية الثلثين النيابية. والمشكلة هنا أن فكرة التوافق هي الفكرة المطلوب إسقاطها لأنها تتضمن ما يتجاوز اسم الرئيس الجديد إلى البرنامج، والمهمات، والتوازنات، إلخ...
ثم إن القوى السياسية الشيعية تتجاهل الموضوع تماماً معتبرة أنها كانت عاملة وموعودة بحوار يتناول عناوين وقضايا وطنية كبرى. ويجب أن نضيف إلى مَن تقدم شخصيات وقيادات وأحزاباً ذات حيثية تمثيلية في الطوائف كلها وتملك مقاربة مختلفة عن مقاربة الأغلبية شكلاً ومضموناً.
تعرف قيادات <<14 آذار>> هذا الواقع تماماً. وهي على اطلاع كامل على خريطة القوى وعلى التعقيدات الدستورية. ومع ذلك فإنها اختارت عنوان الإقالة شعاراً للمرحلة القادمة. والواضح أنها لا تريد تبديد ما تعتبره زخم 14 شباط 2006 بعدما أضاعت زخم 14 آذار 2005. إلى ذلك تبدو مهتمة بالاستفادة من مناخ دولي مؤات، وراغبة في اقتناص فرصة تعليق أي مبادرة عربية.
لقد أقدمت قوى <<14 آذار>> على تقييد نفسها عمداً بموعد حد أقصى بما يوحي أن ما تقدم عليه هو توجيه إنذار وربطه بمهلة محددة من دون توضيح ما ستفعله في 15 آذار 2006 سواء نجحت أو فشلت.
لن ندخل في تقديرات حول ما إذا كان هذا الهدف سيتحقق أم لا. نفترض أن الجواب صعب. إلا أن ما يمكن قوله هو الإشارة إلى عدد من النقاط التي يمكن تأكيدها بلا خوف المجازفة:
أولاً لقد قرّرت قوى <<14 آذار>> التركيز على ما تراه <<النقطة السياسية الرخوة>> لدى الآخرين. إن الرئيس الحالي ليس في أحسن أحواله شعبية هذه الأيام وللدعوة إلى إقالته مفعول تعبوي.
ثانياً تنوي هذه القوى حشر <<التيار الوطني>> وتعديل ميزان القوى لغير صالحه في البيئة المسيحية. ليس ذلك مرتبطاً بالانتخابات الفرعية في بعبدا عاليه فحسب بل بقضايا أكثر أهمية باتت شديدة الارتباط بما تكشفه هذه الانتخابات من توازنات.
ثالثاً استكمال حصار <<حزب الله>> سياسياً بدليل تفاوت لهجة التعاطي معه عن تلك المستخدمة مع العونيين.
رابعاً قد يكون الهدف الأسمى للمعركة المفتوحة قليل الصلة بشخص الرئيس لحود. أي إن هناك مَن يصوّب على بعبدا، ويستنهض الهمم تحت هذا الشعار، وفي ذهنه تحقيق أمر آخر: تعويم القرار 1559، وتركيز إلزاميته المطلقة في وجدان اللبنانيين، والتمهيد، من خلال ذلك، للنفاذ إلى صلب الموضوع الخاص بسلاح المقاومة. ويجب أن نلاحظ هنا تطورات طارئة على مواقف أطراف منضوية تحت لواء <<14 آذار>>. لقد تزحزح موقف <<تيار المستقبل>> بعض الشيء ولكن ذلك حصل باسم المسؤولية الملقاة على مَن يمارس السلطة ولا يريد الاصطدام بما يسمى <<المجتمع الدولي>>. إلا أن التحوّل البارز هو الطارئ على <<اللقاء الديموقراطي>>. لقد انتقل هذا <<اللقاء>> من التحفظ المعلن على نقاط محددة في 1559 إلى المطالبة بعدم الاكتفاء بترداد مقولة <<احترام الشرعية الدولية>> (البيان الوزاري مثلاً) من أجل التقدم صراحة نحو التشديد على <<تطبيق القرارات الدولية>>. هذا تحوّل مهم. ولو قيلت مواقف اليوم بالأمس لأثارت، ربما، بعض التساؤل. إلا أنها تعلن اليوم بسهولة ملحوظة وهي سهولة ستزداد في المستقبل وتزداد وضوحاً وانحيازاً بعد المرور ب<<مطهر>> الدعوة إلى تطبيق 1559 في بنده الخاص بالانتخابات الرئاسية. ويمكن الرهان، منذ الآن، على أن <<اللقاء الديموقراطي>> ماض في طريقه نحو كسر المحرّمات، وأن ما قد يقوله بعد شهور هو ما لا مجال لإعلانه اليوم.
إن مَن يقرأ بيان اجتماع البريستول الأخير يلاحظ، بسهولة، أن حجة جديدة تضاف إلى ملف المطالبة بإقالة لحود وهو ملف متشكل منذ حوالى السنة ولم يمنع التعايش مع الرئيس طيلة هذه المدة. لذا فإن السؤال المطروح بإلحاح هو: لماذا الآن؟
إن التوقيت مهم وهو يعلن تدشين مرحلة جديدة من مراحل الأزمة اللبنانية المفتوحة وذات العنوانين الأساسيين: أي موقع إقليمي للبنان؟ وأي سلطة فيه؟
لقد بات معروفاً أن دول الوصاية سبق لها أن أعطت لبنان فترة سماح في ما يخص تطبيق القرار 1559، ومن المعروف، أيضاً، أن هذه المهلة جرى تمديدها في الأسابيع الأخيرة. ولكن دول الوصاية نفسها إذ تعطي فترة سماح فإنها تطلب مقابلاً لها هي كناية عن خطوات تجعل الهدف النهائي أكثر قابلية للتنفيذ (رأس المقاومة).
يمكن الزعم أن فترة السماح الثانية أعطيت بناءً على تقديم جردة بما حصل في الفترة الأولى: طرح موضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وداخلها، تشكيل لجنة لبنانية للحوار مع الفلسطينيين، استمرار الحكومة برغم الاعتكاف الشهير، كسر عدد من المحرّمات الخاصة بالمقاومة، تعطيل المبادرات العربية، خوض معارك إعلامية ناجحة، تعزيز الحصار السياسي حول <<حزب الله>>، إلخ...
إن هذه الحصيلة، في فترة شهور قليلة فقط، تغري دول الوصاية بالتمديد. وهذا ما حصل. إلا أن مفاجأتين جاءتا تعكّران جدول أعمال المرحلة الثانية: فوز <<حماس>> في الانتخابات التشريعية وانعكاس ذلك إقليمياً ولبنانياً، مذكرة التفاهم بين <<حزب الله>> و<<التيار العوني>>. لذا لم يكن ممكناً أن تبدأ هذه المرحلة الثانية بقدر من <<السلاسة>>. كان لا بد من خطوات صادمة ودراماتيكية تلغي آثار ما استجد، وترفع من وتيرة <<الإنجاز>> وتدفع برنامج هذه المرحلة ومضمونها إلى حدود قصوى.
إن هذا ما يحصل الآن. العنوان <<إقالة لحود>>. الهدف في مكان آخر: استكمال عملية نقل لبنان إلى الدوران في الفلك الأميركي الراعي للتوسعية الإسرائيلية، واستكمال الإمساك بالسلطة عبر مَن يبدي استعداداً وأهلية أكثر من غيره لتنفيذ هذا البرنامج.
إن هذا الهدف هو، ببساطة، أكبر من طاقة لبنان الموحّد على الاحتمال. لذا فإن المسؤولية الملقاة على عاتق <<التيار الوطني الحر>> استثنائية في أهميتها. إن نجاحه في الدفاع عن نفوذه وخياره يوفر شرطاً لا بد منه كي يجتاز لبنان المحنة المكتملة الملامح.