ماذا يجب ان يطرح في موسكو

ابراهيم معروف

أما وأن هيئة التنسيق قد بذلت جهدها، وتعاملت سياسياً، بالشكل الذي رأته مناسباً وضرورياً، مع دعوة موسكو لانعقاد ندوة، او منتدى للنقاش، أو جولة حوار بين سوريين من الموالاة والمعارضة، أو ماشئتم من أسماء وأوصاف، وبعد أن تلقت الهيئة الجواب الروسي على رسالتها، فلم يبق سوى أن تتخذ الهيئة قرارها النهائي بخصوص هذه الدعوة. لقد أصبح واضحاً أن الدعوات لم توجه للهيئات السياسية، وبشكل دقيق لم توجه دعوة للهيئة كتنظيم، للذهاب والمشاركة في اللقاءات. وكما أنه من الحكمة أن لا يعلن المرء أنه سيذهب إلى لقاء لم يدع إليه، فإن الحكمة، واللياقة كذلك، تقتضيان أيضاً أن لا يعلن أنه لن يذهب إلى لقاء هو غير مدعو إليه. وبالتالي فهيئة التنسيق غير مطالبة بإعلان رأيها أو موقفها من الدعوة. وبكل تأكيد التهرب من المسؤوليات لا يليق بالوطنيين، أفراداً ومؤسسات، ولا يفيدهم أيضاً. وهو ليس موقفهم. خاصة ان مايجري يتعلق بأوضاع مأساوية وكارثية يعيشها شعبنا وبلدنا. وبالتالي لا بد من التصرف بما يخدم القضايا الوطنية. وبدون اي تردد تناقش الأمور المطروحة، وتحدد المواقف بدقة، وترسم الخطوات بين المحطات المتوقعة، مع ملاحظة أن الحكمة تقتضي أن لا يتم الافصاح عن كل ذلك. هيئة التنسيق الوطنية لم تحمل يوماً السلاح، ولم تدع لحمله، ولم تُستَجَر إلى ذلك، ولم تقدم غطاءً لمن حمله أو لمن استخدمه، لأنها كانت تدرك مخاطر ذلك على شعبنا وبلدنا. ويخطئ من يظن أن قرار الحل، بالنسبة لما يجري في بلدنا، هو عند من يحمل ويستخدم السلاح. نعم هؤلاء قادرون على متابعة عملياتهم، طالما كانت الظروف ملائمة ومساعدة على ذلك. ولكنهم عاجزون عن إيجاد حل وطني يوقف المأساة، ويفتح طريق التغيير الذي يستجيب لمطالب شعبنا. بل إن القوى الفاعلة الأساسية لهؤلاء لها مشاريع تتناقض جوهرياً مع مطالب وتطلعات ومصالح شعبنا وبلدنا. في بداية الأحداث، كانت أصوات وطنية كثيرة تدعو السلطة لاتخاذ خطوات عملية، تستجيب للمطالب الشعبية التي اعترف أكثر من مسؤول في النظام أنها مطالب مشروعة. وكانت هذه الأصوات تؤكد الحرص على سورية الوطن والدولة، وأن اصلاحات حقيقية يمكنها أن تقطع الطريق على من يريد ويعمل لاستغلال الأوضاع والظروف للنيل من سورية شعباً ووطناً. كانت تسوية سورية-سورية ممكنة في ذلك الحين. وكان ذلك أفضل من الذهاب الى تسوية سورية-أجنبية يمثل النظام الطرف السوري فيها. لم تستجب السلطات لهذه الأصوات والمطالب، بل اتجهت نحو الحل الأمني العسكري كما هو معروف. ومع استمرار المواجهات بين السلطة ومختلف التيارات المعارضة ازدادت الأوضاع تعقيداً، وازداد تدخل القوى الخارجية. ووصل الأمر إلى أن أصبح الحل رهن توافق دولي، روسي-أمريكي بالدرجة الأولى. وبالتالي أصبح واضحاً أنه لم يعد بمقدور السوريين الآن الوصول وحدهم إلى حل وطني، وهذه إحدى الصور التي تعبر عن مدى تدهور الأوضاع والأضرار الناتجة عمّا حدث خلال السنوات الأربع الأخيرة. كما أنه ليس بمقدور أي طرف دولي أن يجد بمفرده حلاً. لا الولايات المتحدة الأمريكية ولا الاتحاد الروسي. لقد جرب الأمريكيون كل مابوسعهم وفشلوا. وإن حاول الروس وادّعوا أنهم سيجدون بمفردهم حلاً سيفشلون أيضا. هذا ليس نتيجة رغبة أو أمنية، وإنما نتيجة لموازيين القوى، وتصارع المصالح المتناقضة بين الأطراف المتشابكة. وبالتالي، ماهو الموقف الذي يمكن ان تأخذه هيئة التنسيق؟ كما سبق القول فإن الهيئة، كتنظيم سياسي، غير مدعوة، وبالتالي فهي غير مضطرة لاعلان أي موقف تراه. وهذا لا يعني أن لا تتخذ الهيئة موقفاً محدداً ودقيقاً، بل عليها اتخاذ موقف، وتطلب من أعضائها المدعويين، وهم من الصف القيادي الأول، الذهاب الى موسكو، وطرح وجهات نظر الهيئة ومطالبة السلطة السورية، وليس ممثليها في اللقاء، بتقديم مايؤكد أنها تريد حلاً سياسياً للأزمة القائمة. كل مطالب الهيئة يمكن ان يطرحها الأخوة أعضاء الهيئة المشاركون، ومنها المطالب التي تصاغ كخطوات عملية تمهد الطريق وتحضر الجو المناسب للحل السياسي. يمكن أن يطرح الأخوة المشاركون اطلاق سراح المعتقلين السياسيين وفي مقدمتهم الأخوة عبد العزيز الخير ورجاء الناصر وغيرهم. وتسهيل وتأمين العمليات الاغاثية التي يحتاجها شعبنا في معظم أنحاء بلدنا. طبعاً لا يوجد أي وهم بأن هذا اللقاء او أمثاله سيؤدي لحل للأزمة السورية. ومن الضروري والهام أن لا يساهم الوطنيون برسم وهم كهذا. فكما سبق القول فإن الحل، بعد كل ماحدث، لن يكون إلاّ باتفاق أمريكي-روسي. وكل المعطيات تؤكد عدم التوصل لهذا التوافق حالياً. ففي الوقت الذي تدعو موسكو للّقاء ووتهيأ لتنظيمه، يعلن الأمريكيون عن خططهم لتدريب وتسليح آلاف المعارضين خلال السنوات القادمة. وليكن واضحاً أنه لا موسكو ولا واشنطن سيكون لأي منهما حظُ باحتضان مؤتمر أو لقاء ينتج حلاً. فأي من العاصمتين لا تحظى بهذا الفضل، بل سيكون المكان المناسب هو عاصمة حيادية، وتبقى جنيف كعاصمة أممية وحيادية هي الأكثر حظاً لذلك. ليذهب الأخوة المدعوون إلى موسكو، وإلى القطب الشمالي أو الجنوبي إن لزم الأمر، وليطرحوا مواقف ورؤية الهيئة، ويدافعوا عن قضايا شعبهم ووطنهم. إن لم ينتج عن اللقاء مايفيد هذه القضايا فلن يلحق بها أضراراً إضافية.