لبنان والمعادلات الجديدة

عبد الباري عطوان
 


عندما يحث الرئيس الامريكي جورج بوش فرنسا علي المشاركة باعداد اكبر من جنودها للانضمام الي قوات الامم المتحدة المزمع ارسالها الي جنوب لبنان تطبيقاً لقرار مجلس الامن الدولي رقم 1701، فان هذا يعني ان ازمة تلوح في الافق، تعكس وجود صعوبات جمة في هذا الخصوص وتهدد بتجدد خطر الحرب.
ففرنسا كانت اكثر الدول حماسة، ليس للمشاركة باعداد كبيرة في هذه القوات الاممية فقط، وانما لقيادتها، ولكن هذا الحماس فتر بشكل مفاجيء، واعلنت الحكومة الفرنسية عن استعدادها لارسال مئتي جندي فقط، وهي التي كانت مستعدة لارسال عشرين الف جندي.
وهذا الموقف المتردد لا يقتصر فقط علي فرنسا بل يمتد الي معظم الدول الاوروبية، حيث اضطر السيد كوفي عنان امين عام الامم المتحدة الي توجيه نداء اليها، اتسم بطابع التوسل، للتخلي عن ترددها هذا، والمساهمة بشكل كبير في القوات الدولية.
اسباب كثيرة تقف خلف هذا التردد، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
اولاً: انتصار حزب الله وفشل الجيش الاسرائيلي في احتلال منطقة جنوب نهر الليطاني تتمركز فيها القوات الدولية، قلبا كل المعادلات، واجبرا العديد من الدول علي مراجعة مواقفها علي ضوء هذه الحقيقة.
ثانياً: تجربة القوات المتعددة الجنسيات في افغانستان والعراق كانت مؤلمة بكل المقاييس، فلا يمر يوم دون الاعلان عن مقتل مجموعة من افراد هذه القوات، فقوات طالبان اعادت تجميع صفوفها بعد خمس سنوات تقريباً من بدء الحرب الامريكية علي الارهاب، ونجحت في تحرير اكثر من خمس محافظات في افغانستان، والمقاومة العراقية اوقعت خسائر كبيرة في صفوف قوات تحالف الراغبين الذي ايد الاحتلال الامريكي، الامر الذي دفع معظم الحكومات الاوروبية الي سحب قواتها تقليصاً للخسائر واعترافاً بفشل المشروع الامريكي.
ثالثاً: تدرك الحكومات الاوروبية جيداً ان قرار وقف العمليات العسكرية الصادر عن مجلس الامن لا يعني وقفاً لاطلاق النار، وان اندلاع القتال يمكن ان يقع في اي لحظة، ولهذا لا تريد ان تكون قواتها وقوداً في اي حرب مقبلة، خاصة ان اسرائيل لم تتردد عن قصف مواقع للامم المتحدة في جنوب لبنان بشكل متعمد، وقتل اربعة من افراد قوات (اليونيفل) في وضح النهار.
رابعاً: شروط اسرئيل التعجيزية حول تشكيل القوات والدول المشاركة فيها، فقد اعلن مندوبها في الامم المتحدة انها لن تقبل بقوات من دول لا تقيم معها علاقات دبلوماسية كرد علي عرض ماليزيا واندونيسيا بالمشاركة. هذا الفيتو الاسرائيلي يتسم بالوقاحة، فهذه القوات لن ترابط علي ارض اسرائيلية، وهي للمراقبة وحفظ السلام وليس للمواجهة، وفوق هذا وذاك تابعة للامم المتحدة، ويجب التصدي لهذه الشروط بقوة لان الزمن الذي كانت تفرض فيه اسرائيل شروطها قد ولي الي غير رجعة، بعد ان انتقلت من خانة المنتصرين الي خانة المهزومين لاول مرة منذ بدء الصراع العربي ـ الاسرائيلي.
خامساً: تراجعت مصداقية الامم المتحدة الي ادني مستوياتها في اعين اللبنانيين، وابناء الجنوب منهم علي وجه الخصوص، خاصة عندما فشلت المنظمة الدولية في ادانة اغتيال اسرائيل لجنودها الاربعة، وحماية المدنيين اللبنانيين من ابناء قرية مروحين الذين لجأوا الي احد مقرات جنودها طلباً للنجدة، فخذلتهم وقدمتهم صيداً سهلاً للطائرات الاسرائيلية التي ارتكبت مجزرة اودت بحياة العشرات منهم معظمهم من الاطفال والنساء.
اللافت ان حزب الله يتصرف حالياً، ليس من موقع المنتصر فقط، وانما من موقع من لا يعير اهتماماً لمسألة نشر القوات الدولية او اللبنانية، فقد باشر فوراً في عملية اعادة الاعمار، وتوزيع المساعدات المالية علي المتضررين من الحرب بطريقة منظمة وفاعلة، وكأنه الدولة، والحزب الحاكم، بينما ظهرت الحكومة اللبنانية وكأنها حكومة ظل .
حزب الله كسب قلوب وعقول غالبية اللبنانيين، ومعظم العرب والمسلمين، بينما خرجت الولايات المتحدة بالرصيد الاكبر من الكراهية والاحتقار، ومعها الانظمة العربية التي تسرعت بتحميل الحزب مسؤولية الحرب، ووفرت الغطاء العربي للعدوان الاسرائيلي.
المنطقة العربية تشهد تغييرات جذرية في المعادلات السياسية والعسكرية، فالمحور الايراني ـ السوري المدعوم بمقاومتين اسلاميتين الاولي في فلسطين والثانية في لبنان، وربما في العراق قريباً، بات الاكثر قوة ونفوذاً لانه يحظي بدعم الغالبية العظمي من الشارع العربي، بينما باتت الانظمة العربية الحليفة لواشنطن مكروهة ومعزولة وفاقدة الشرعية والمصداقية. بمعني آخر يمكن القول ان صمود حزب الله، وانجازاته العسكرية في ميادين القتال كسرا العزلة عن ايران وسورية وفرضاها علي المثلث الامريكي الجديد المتمثل في مصر والسعودية والاردن، علاوة علي الشق الرئ