بداية نهاية العصر الاسرائيلي لنكن عونا للمقاومة لا عونا عليها

أحمد السنوسي



هناك تقاطعات في تاريخ الشعوب تبعث علي التأمل والاندهاش. وبصفتي مغربيا فقد لمست في ملحمة حسن نصر الله اعادة انتاج مبهرة لملحمة بطل الريف المغربي محمد عبد الكريم الخطابي الذي قاد من 1921 الي 1926 ثورة ضد الاحتلالين الاسباني والفرنسي، بالاضافة الي مواجهته لمؤامرات داخلية مدبرة من سلطة محلية تعيش بالاملاءات الخارجية ولا تسعي سوي للحفاظ علي ما تبقي لها من امتيازات وسلط شبه وهمية. وكان علي الخطابي ان يخوض بوسائل محدودة حربا لا هوادة فيها علي الجبهات الثلاث وحقق نصرا باهرا علي جحافل أكبر جيشين نظاميين في العالم آنذاك بواسطة تكتيك حربي متحرك كان نواة لما سمي في ما بعد بحرب الكريلا اي مقاومة شعبية التي شهدت اوجها في الهند الصينية وساهمت في انتصار الشعب الفيتنامي علي النمر الورقي الامريكي، كما كان يحلو لقادة حركة التحرير الفيتنامية ان يصفوا الولايات المتحدة الامريكية بها.
واذا كان الخطابي لم يستطع، لأسباب ليس هنا مجال تفصيلها، الحفاظ علي انتصاره الساحق علي القوي الاستعمارية التي كانت تقتسم العالم كما تقتسم الكعكة، فإن زعيم حزب الله ومن ورائه الشعب اللبناني يواجه تحديا خطيرا في مجال تدبير انتصاره، الاول من نوعه، علي اسرائيل. وكان حسن نصر الله قد خاض غمار الحرب بثقة وطمأنينة ورجاحة في التخطيط وادارة المعارك، اما بعد ان سكتت المدافع، مؤقتا، لأن اسرائيل كيان ارهابي عدواني لا ثقة فيه، فإن التعاطي مع الفوز التاريخي يبدو شاقا ويتطلب النفس الطويل بعد ان لاحت في الافق بوادر فتح جبهات معادية ليس مصدرها امريكا واسرائيل فقط، بل طبيعة التركيبة الداخلية اللبنانية من جهة، وتداعيات الصدمة المزمنة التي حلت ببعض الانظمة العربية المتخوفة من عدوي المقاومة وانتصار الفئة الصغيرة علي الفئة الكبيرة بفضل الايمان الخلاق وليس ايمان الاستكاتة والخنوع.
وكانت الولايات المتحدة ورأس حربتها اسرائيل قد خططتا منذ زمن بعيد لارساء شرخ اوسط جديد، لكن انتصار المقاومة اللبنانية قلب كل المعادلات رأسا علي عقب، وفرض علي الجميع، امريكيين واسرائيليين وعربا، اعادة ترتيب الاوراق ووضع مقاربات جديدة للتعاطي مع هذا الواقع الجديد الذي لم تتمكن من التكهن به حتي اكبر الاجهزة الاستخباراتية في العالم واكثرها دهاء ومكرا.
وبالنسبة للعالم العربي ظهر الشرخ واضحا بين الانظمة وشعوبها، وتجلت القطيعة في استفحال ظاهرة الريبة والحذر والتوجس لدي الحكام من رعاياهم اذا لم يعد هناك، منطقيا، من يستطيع ان يحمي الانظمة من شعوبها، اذا ما تم الايمان بكون المقاومة هي السبيل الاول والاخير نحو الانعتاق لشعوب حرمت من حقوقها كاملة ومورست عليها وصاية تامة بدعوي عدم نضجها وقابليتها للانخراط في قيم الحرية والديمقراطية والمنظومة الحقوقية.
وكان الانتصار الساحق للمقاومة اللبنانية بمثابة شرارة لكي تعيد الشعوب العربية طرح الكثير من الاسئلة، خصوصا بعد ان تم ايهامها لمدة نصف قرن بأنه لا جدوي من محاربة العدو لكونه لا يقهر بفعل قانون غير مكتوب. فأصبحت جيوش الدفاع العربية هي مجرد جيوش للدفاع عن المصالح وتحول كبار الضباط الي رجال اعمال متفرغين تماما للمضاربات البورصوية والعقارية والاستثمار المنتج للثروات دون حسيب او رقيب. وان كل هذه الاسلحة موجهة لصدور الفقراء والعاطلين ولكل من حاول الاحتجاج علي الظلم والاستبداد من ابناء شعوبنا المضطهدة، ولعل هذه الشعوب اصبحت تتساءل اليوم، ما الجدوي من هذه الجحافل العسكرية وهذه الترسانات وصفقات الاسلحة الضخمة المبرمة علي حساب الميزانيات العامة، وقوت الطبقات المسحوقة! وهو سؤال مشروع علي كل حال، يمكن لأي