الاحد‏، 17‏ نيسان‏، 2011

                                                            قول على قول .. أو

                                                 المسكوت عنه في وعود " الرئيس"  !

            د. محمد أحمد الزعبي

1.

يشير الكاتب بداية ، إلى أن وضعه كلمة الرئيس  في العنوان  أعلاه ،بين مزدوجين، إنما يشير إلى قناعته الخاصة في أن كل من يصل إلى هذا المنصب عن غير طريق صندوق الاقتراع الشفاف والنزيه والحقيقي ( غير المزوّر ) ، لايمكن اعتباره رئيساً شرعياً للجمهورية العربية السورية ، فكيف إذا كان وصوله إلى هذا المنصب عن طريقي الدبابة والوراثة  

 

ومن جهة ثانية ، فإن الكاتب  قد تابع  باهتمام كل ماجرى ويجري على ساحة وطنه  ، سورية ، منذ 15 /3 / 2011  وحتى اليوم 17 / 4 /2011 يوم الذكرى الخامسة والستين لجلاء القوات الفرنسية المحتلة عن سورية عام 1946 ، كنتيجة للثورة السورية الكبرى التي ابتدات باستشهاد يوسف العظمة في معركة ميسلون الشهيرة على يد الجيش الفرنسي عند احتلاله لدمشق 1920 ثم تتابعت عام 1925على يد الثوارابراهيم هنانو وسلطان باشا الأطرش وصالح العلي وحسن الخراط وغيرهم من المناضلين الأبطال الذين غطت ثوراتهم كافة أرجاء ومحافظات الجمهورية العربية السورية الحالية .

 

 لقد كان أبر ماشهدته هذه الفترة القصيرة التي لايزيد عمرها على الشهر الواحد من انفجار ثورة الشباب السوري في كافة محافظات القطر، وخروجهم إلى الشارع في مظاهرات وطنية سلمية عارمة اشتركت فيها كافة فئات الشعب ، وجميعها تردد بقلب واحد وصوت واحد وإرادة واحدة " الشعب يريد الحرية والكرامة " .

إن المضمون الحقيقي الذي ينطوي عليه هذا الشعار الوطني العام ، هو أن النظام السوري الحالي قد سلب من الشعب السوري كلاًّ من الحرية والكرامة ، وأن هدف هذه الجماهير السورية التي خرجت إلى الشارع في كل مكان من أرض الوطن إنما هو استعادة هذا الحق الشعبي المسلوب منذ أربعة عقود إن لم نقل منذ نصف قرن .

 

 لقد وصلت رسالة الشعب السوري الثائر إلى النظام ، وفهم فقهاؤه ومرتزقته ومن يدور في فلكه  من أصحاب الياقات البيضاء والزرقاء والكاكي المضمون العميق والحقيقي لرسالة الشعب في المطالبة بالحرية والكرامة ، ألا وهو ( أي المضمون العميق )  " الشعب يريد تغيير النظام " ، ولهذا فقد جيشوا قواهم الأمنية وشبيحتهم ورجال إعلامهم لتشويه هذه الهبّة الشعبية وحرفها عن مسارها الوطني والسلمي الجامع المانع ، البعيد كل البعد عن كل أشكال التعصب وعن الاستعانة بالخارج ، حتى ولو كان هذا الخارج عربياً . لقد بلغ عدد شهداء هذه الانتفاضة الشعبية المئات ، وعدد جرحاها ومفقوديها وسجنائها الآلاف ، ولكنها كانت في كل صباح تبدو أكثر إصراراً على الصمود والاستمرار ، وعلى متابعة الطريق نحو أهدافها المعلنة والمشروعة في الوصول إلى الحرية والكرامة ، وعلى  الطابع الحضاري والسلمي لمسيراتها ومظاهراتها ، وعلى مواجهة رصاص النظام  بالصدور العارية ، وبشعار" سلمية سلمية" وشعار " لا للطائفية " .

2.

في إطار عملية التجييش والاستيعاب الرسمي لإنتفاضة 15 / 3 /2011  الشعبية ، أدلى " الرئيس الشاب!" بدلوه أيضاً ، وذلك في خطابين ( تاريخيين !) له ، كان الأول بتاريخ  30 / 3 /2011 في مجلس الشعب  ، وكان الثاني في مجلس الوزراء الجديد يوم أمس ( 16 /4 /2011 ) . لقد سبق الخطاب الأول لـ " سيد الوطن !" حسب تعبير بعض المنافقين ، وفي إطار التمهيد والترويج لهذا الخطاب ، مؤتمرًا صحفيا للمستشارة السيدة بثينة شعبان ، وتصريحاً صحفيا للسيد فاروق الشرع النائب الأول للرئيس ، فهم الناس منهما ( التصريحين التمهيديين ) ، أن الخطاب المنتظر لسيادته ، سوف " يفرح" الشعب ، وأنه سوف " يخرج الزير من البير " .

 جاء اليوم الموعود ، واستمع الناس للخطاب ، وشاهدوا القهقهات الرئاسية الملفتة للنظر ، والتصفيق الحاد والمتواصل المشفوع بالهتافات والقصائد الشعرية و" بالروح بالدم .." من قبل أعضاء مجلس الشعب !! ( ربما باستثناء نائب حوران المحترم يوسف أبو رومية الذي تم إخفاء كلمته في وسائل الإعلام السورية ، ذلك أنه قد أبلغ المجلس أنه كان يوم المذ بحة الأولى (17.3.2011) متواجداً في مدينة درعا ، وأنه شاهد بعينه القوات الأمنية التي وصلت إلى درعا بالطوافات ، وأخذت تطلق النار على المتظاهرين ، وذلك خلافاً للرواية الرسمية التي تدعي بوجود مندسين بين صفوف المتظاهرين وهم من أطلق النار وقتل من قتل منهم ) ، وإذ بالحصيلة النهائية لهذا الخطاب التاريخي للرئيس ، كما عبر عنها أحد الكتاب السوريين في مقالة له منشورة : ( مستفعلن فاعلن فعول   مستفعلن فاعلن فعول ) ، أي أن الخطاب  كان  عمليّاً بلا لون ولاطعم ولا رائحة ، فواعجبي !!.

3.

لقد حاول سيادته ، أن يتلافى نواقص وعيوب الخطاب الأول ، في ماسمي بـ " الكلمة التوجيهية " التي ألقاها على مسامع أعضاء وزارة الدكتورعادل سفرالجديدة ،والتي اعترف هو فيها بان الشعب بحاجة إلى : الخدمات ، والأمن ، والكرامة مشيراً بذلك إلى اعترافه بشرعية المطالب الشعبية ، التي كان  تغييبها من قبل النظام ، هو السبب الحقيقي وراء الإنفجار الجماهيري  في الـخامس عشر من آذار 2011 .

ومن أعجب ماجاء في هذه الكلمة التوجيهية ( الخطاب رقم 2 )، أن قانون الطوارئ الذي طالبت كافة المسيرات والمظاهرات الشعبية بالإلغاء الفوري له ، سوف يلغى في مدة أقصاها نهاية الأسبوع القادم ( !! ) ،إضافة إلى أن بقية مطالب المتظاهرين هي قيد الدرس والتنفيذ ،  وهذا يعني أنه ــ والكلام للرئيس ــ لم يبق من مبرر لاستمرار هذه المسيرات والتظاهرات ، وإلاّ فإن القوى الأمنية سوف تقوم بواجبها في هذه الحال (!! ) .

إن مثل ( بفتح الميم والثاء ) " سيد الوطن !" في هذا الربط بين إلغائه لقانون الطوارئ ، وتهديده  بقمع المظاهرات السلمية ، بعد إلغاء القانون ( تنفيذاً لطلب المتظاهرين ) ، كمثل شخص قام شخص آخرأقوى منه بإغلاق فمه بعصابة سميكة لمنعه من الكلام ، ثم قرر لاحقاً رفع العصابة عن فمه ، ولكن بشرط ألاّ ينطق بكلمة واحدة بعد رفع تلك العصابة عن فمه ! وإلاّ فإنه سوف يقطع لسانه !!.  إن الوعد بقطع أعناق وألسنة  كل من يتظاهر من الشعب السوري بعد خطاب  سيادته الثاني  إنما هو الشيء المسكوت عنه  في ووعود " الرئيس الوريث "والذي أفصحت عنه , وإلاّه ، وطبقته قواته ميدانيّاً على متظاهري 17 نيسان ، في عدد من المحافظات السورية .  مرة أخرى واعجبي (!!) .

 إن الشعب يطالب برفع قانون الطوارئ ياسيادة الرئيس ، من أجل أن يصبح قادراً على التظاهر والتجمع السلمي دونما خوف من أحد ، وبالذات دونما خوف من هذه الـ " وإلاّ " . إن قواتك الأمنية التي قتلت وجرحت عشرات المواطنين في حمص وتلبيسة والسويداء وغيرها من المدن والقرى السورية ، في ذكرى السابع عشر من نيسان ( عيد الجلاء ) ، إنما كانت تنفذ ًميدانيا وعمليّاً تهديداتك التي أطلقتها يوم أمس في  مجلس الوزراء ، مع عدم احترامي لما سمعته من التفسيرات المقرفة وغير الأخلاقية لبعض الردّاحين والمنافقين من أزلامك هذا المساء ، على شاشة أكثر من فضائية تلفزيونية ، في تعليقهم على المذابح التي قامت بها القوى الأمنية هذا اليوم ( عيد الجلاء ) في أكثر من منطقة في سورية .

4.

لقد تراوحت الشعارات التي أطلقها المواطنون السوريون في كافة المسيرات والمظاهرات التي عمت المدن والقرى والبلدات السورية ، بين المطالبة بإصلاحات ، اقتصادية واجتماعية ، وأخرى سياسية ديموقراطية والتي تصب كلها عملياً في طاحونة شعار " الشعب يريد الحرية والكرامة ". هذا مع العلم  أن المطالبة بالحرية والكرامة ، إنما  تتقاطع وتتداخل نظريّاً وعمليّاً  مع المطالبة بتغيير النظام ، لأن التوريث والديكتاتورية  وتزوير الإنتخابات ، لايجمعهما مع الحرية والكرامة جامع . وراى الكاتب أن يقتبس من  ورقة لديه تحمل عنوان " وثيقة مطالب الشباب السوري " و تعكس معظم المطالب الشعبية التي ينادي بها المتظاهرون ، بنوعيها ، الاقتصادي والسياسي . هذه المطالب هي :

أولاً : معالجة الوضع المعيشي بشكل جذري ... وذلك من خلال :

ــ رفع الحد الأدنى للأجور ... ،

ــ معالجة مشكلة البطالة ... وتخصيص راتب .. لكل عاطل عن العمل ،

ــ محاربة الفساد المستشري ومحاسبة المسؤولين عن كل أشكال التجاوزات والرشاوي والسطو على أموال الدولة والمجتمع

ــ التأكيد على مجانية التعليم ... وإلغاء كافة المعيقات التي تعرقل الحياة الجامعية للطلبة ...،

ــ إعادة النظر في السياسة الصحية ، والعودة إلى تأكيد الحق في الضمان الصحي والضمان الاجتماعي وحق العمل

ــ اعتماد الكفاءة والمهنية في التوظيف والعمل في المؤسسات الحكومية ،

ــ التأكيد على مبدأ الشفافية وحرية تداول المعلومات ....]

ثانياً : المطالب الديموقراطية :

ــ رفع حالة الطوارئ والأحكام العرفية ...،

ــ تعديل الدستور لكي يعبر عن التوق لتأسيس دولة مدنية حديثة تنطلق من مبدأ المواطنة ، وهذا يقتضي إلغاء المادة الثامنة

   التي تقررقيادة حزب البعث للدولة والمجتمع ، وأن يقوم على فصل السلطات وإقرار الحريات العامة ... ،

ــ التأكيد على استقلالية القضاء ونزاهته ، وعدم خضوعه إلى أي سلطة ، أو لضغوط من أي جهة كانت ...،

ــ أن تكون السلطة التشريعية ... هي الممثل الحقيقي للشعب...،

ــ التأكيد على وحدة الوطن ، وإقرار الحقوق الثقافية للمواطنين الأكراد ...،

ــ ضبط دور الأجهزة الأمنية ، ومنع تدخلها بالشأن السياسي ...،

ــ تجريم الميل الطائفي من أي طرف كان ، ومحاسبة كل الذين أصدروا قرارات بإطلاق النار على المتظاهرين ، وكل من

   يريد استخدام العنف ،

ــ حل مجلس الشعب ... والتحضير لانتخابات حرة ونزيهة تخضع لرقابة جهات سورية حقوقية مستقلة ،

ــ رفض أي تدخل خارجي مهما كان شكله ومبرراته فيما يتعلق بحقوق وخيارات الشباب السوري المنادين بهذه المطالب.

( انتهى الاقتباس ) .  

5.

إن اعتراف  الرئيس بشارالأسد في كلمته التوجيهية في مجلس الوزراء يوم أمس ، بمشروعية مطالب الشعب في الحرية والكرامة ، يقتضي منه ، أن يضع هذه المطالب موضع التنفيذ .  فالتحقيق العملي لإعطاء الشعب حريته يستلزم أن يقوم النظام ، على الفور ، بإلغاء المادة الثامنة من الدستور ، وإطلاق الحريات العامة للمواطنين في مختلف المجالات ، وإطلاق سرااح مساجين الرأي والضمير ، وإلغاء القانون 49 المتعلق بالإخوان المسلمين ، والسماح للمبعدين والمهجرين بالعودة إلى وطنهم  ،  وحل المجلس النيابي المعيّن (انتخاباً ) وتحديد موعد قريب لانتخابات نزيهة وشفافة  لجمعية تأسيسية تضع

دستورا جديدا  يحقق الحرية والكرامة للجميع ، وقبل ذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية يتفق عليها كل من النظام والمعارضة من أجل الإشراف على الانتخابات وضمان حريتها ونزاهتها . ولنا في إخوتنا بتونس ومصر أسوة حسنة .

ويرغب الكاتب أن يختتم مقالته هذه ، بجملة اقتبسها من بيان أصدرته ثلة من المثقفين اللبنانيين تضامنا مع الشعب السوري ، ونشرته جريدة الأخبار اللبنانية في عددها الصادر بتاريخ 18 . 04 .2011 ، تقول :                                                      

"إن الأكاذيب الإعلامية لتغطية ما يجري في سوريا والبحرين والسعودية وعُمان وليبيا والجزائر والمغرب وكل قطر عربي آخر لن تنفع. فما أطلقه في تونس الشهيد محمد البوعزيزي لن يتوقف حتى تعم وطننا العربي شمس الحرية!"

 

                                                     ــــــ انتهى ــــــ