تعليق حول الخطاب الأول لبشار الأسد في عام 2012"

 

محمود جديد

 


تتألٌف خطابات الدكتور بشار الأسد ، عادة ، من قسمين : الأول كلام تقليدي مكتوب من قبل المستشارين ، ومدقّق من قبل معاونيه ونوابه ، وهذا القسم يكون معداً للتاريخ والأرشيف بسلبياته وإيجابياته. أمّا القسم الثاني فهو المرتجل والخارج عن النصّ المكتوب والذي يعبٌر عادةً عن حقيقة موقفه الشخصي ، وما استقرّت عليه ، وتداولت به الدائرة المغلقة الضيّقة حوله التي يتفاعل معها في أمور وهموم خاصة وعامٌة ، وفي هذا القسم يتعرّض للهفوات وذلّات اللسان .... وعلى كلّ حال ، فقد رصدنا الملاحظات والاستنتاجات التالية:
1 - حاول أن يبدو متماسكاً وواثقاً من نفسه . 
٢- أكّد على تصميمَه على الاستمرار في السلطة حتى آخر رمق ، ودحض كلّ الإشاعات والأقاويل التي تحدٌثت عن وجود مشاريع خليجية أو روسية تحاكي الحل اليمني في سورية عن طريق التنازل لنائبه ، ويريد من ذلك توجيه رسالة مطمئنة لأتباعه وأدواته بأنّه باق معهم ولن يتركهم لوحدهم مهما كانت الظروف.
٣ - هاجم الجامعة العربية ومواقف بعض دولها دون تسمية ، على مبدأ " واللبيب من الإشارة يفهم " ، ودون تحديد موقف واضح من مبادرتها ولجنتها ، وهنا أراد التعبير عن مسألتين : الأولى : العتب دون قطع الأمل والرجاء من دول عربية قدّم لها دعماً في كلّ قضاياها كالسودان ، وأرسل لها الطيارين كاليمن ، أو ما يتعلّق بالدين القديم الموروث عند إرسال قوات الى الكويت للمشاركة في قتال القوات العراقية تحت الراية الأمريكية في عام ١٩٩١. أمّا المسألة الثانية فهو تعبير ضمني عن عدم ثقته بالمبادرة العربية ولجنة المراقبة ، ولا بالتقرير المنتظر في ١٩ ك٢ الجاري والذي سيكون ذريعة ومبرّراً لإيجاد الغطاء العربي لتدويل الملف السوري ، وهذا التعبير بمثابة تسجيل موقف مسبق من التطورات المحتملة اللاحقة . 
٤ - أعاد جدولة مشاريعه السياسية والأمنية ، حيث رحّل الاستفتاء على الدستور الى آذار القادم أي بعد مرور عام على الانتفاضة ، كما أجّل الانتخابات التشريعية الى شهر أيّار أو حزيران ، أي بعد مرور عام على قرار توريط الجيش في الحلّ الأمني ، وبالتالي يكون النصف الأول من هذا العام هو الفترة الزمنية التي يراها كافية لاستكمال تحقيق مهمات وأهداف الحلّ الأمني ( بالقضاء على الانتفاضة ) ، وتصفية الحساب مع المجموعات المسلحة المتناثرة هنا وهناك ، لأنّه من المتعذّر إجراء انتخابات تشريعية في ظلّ الظروف الصعبة الراهنة ( كما أشار في خطابه أكثر من مرّة ) . 
٥ - أراد أن يقول : لا إصلاحات في ظل الانتفاضة والفوضى الأمنية الراهنة ، وبذلك ربط الإصلاح باستتباب الأمن ، كما فلسف مفهوم حكومة الوحدة الوطنية وحصره في إطار ضيّق ، واستبدله بالحكومة الموسّعة ، كما قدّم تفسيراً للحوار الذي يعرضه ، وبدا واضحاً أنّه يريد حواراً متحكّماً بشروط وزمان ومكان انعقاده ، والمشاركين فيه ، وبجدول أعماله ، وبنتائجه ، أو بمعنى آخر يريد في جوهر الأمر " جبهة تقدمية موسّعة " تكون استنساخاً للجبهة الشائخة الراهنة .... وخلال استعراضه السياسي سقط في ذلّة لسان ، أو تعمّدها حين استخدم عبارة " إخوان الشياطين " للإشارة الى الأخوان المسلمين ، وفي الوقت نفسه دعا المعارضة في الداخل والخارج مع ضمانات لها وهو يدرك جيّداً أنّ الأخوان هم جزء مهم من معارضة الخارج . 
٦ - لم يلقِ الضوء على مقترحات لجنة تعديل الدستور التي أنهت مهامها واقترحت إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تخوّل حزب البعث قيادة الحزب والدولة ، لأنّه على ما يبدو قد ترك الحديث عن الدستور الى وقت لاحق ليكون مادة إعلامية تسدّ فراغاً ما في الزمن القادم.وأبقى في الظل مسألة مدة الولاية الرئاسية ( ٧ سنوات قابلة للتجديد )دون إشارة الى تحديد فترة مراتها ، وهنا نعتقد أنّ تصريح مسؤول في الخارجية السورية لجريدة القدس العربي عشيٌة الخطاب لم يكن صدفة وإنّما مقدّمة له ، إذ أشار فيه الى أنّ الرئيس باقٍ حتى انتهاء ولايته في عام ٢٠١٤ ، وبعدها ستجرى انتخابات رئاسية ديمقراطية وسيشارك فيها كغيره وإن الكلمة الفصل ستكون للشعب ، وهذا يعني أنّه لا يزال يراهن على استمراره في السلطة فترة رئاسية أخرى لتصبح ١٤ + ٧ = ٢١ سنة على الأقلّ . 
٧ - وجّه رسالة طمأنة أخرى للشعب بأنّ الأوضاع الاقتصادية والسياسية الصعبة غير مستعصية، بل قابلة للحل بفضل العلاقات الطيبة التي تربط النظام منذ فترة بالشرق وبآخرين ، وكذلك أهميٌة الانتاج الزراعي السوري في تحطيم جدار الحصار الاقتصادي المفروض على سورية . 
- وعلى ضوء ذلك كلّه نستطيع القول : إنّ المرحلة القادمة التي ستعقب توقّف عمل لجنة المراقبين العرب ستشهد تصعيداً خطيراً لبطش النظام بدون اكتراث لمضاعفاته الخطيرة ، لأنّ أتباعه وحلفاءه أصبحوا مجهدين وبالتالي فإنّ النظام سيركب رأسه حتى لو حلّت الكارثة الكبرى وغرق القطر ببحار من الدماء ،وسيتحمّل المسؤولية الأولى والأساسية عن ذلك أمام الشعب والتاريخ ، ويبدو أنّه لن يقتنع في يوم من الأيّام بأنٌ إرادة الشعب ستبقى هي الأقوى عندما تتكاتف جهود كل المخلصين الصادقين في مواجهة الاستبداد والفساد ، وإجراء التغيير الديمقراطي الجذري المنشود . 
 

 

في 11 كانون الثاني 2012