علاقة غير معلومة بين الرئيس المصري
ومذبحة بيت حانون: خطر
حسني مبارك علي فلسطين لا يقل
عن خطر أولمرت
محمد
عبدالحكم دياب
18/11/2006
من كتبوا
عن مذبحة بيت حانون تجاهلوا، عن عدم دراية أو عن عمد، دور
حسني مبارك فيها، ومن يريد أن يعرف أسباب وصول الصلف الصهيوني إلي
مداه، رغم هزيمته أمام المقاومة اللبنانية وحزب الله عليه
أن يدقق في دور حسني مبارك وموقفه من الفلسطينيين، والسبب
هو اعتماده علي التأييد الصهيوني في استمراره في الحكم، لتعويض
الشرعية الشعبية والدستورية المفتقدة.. يري في تقديم القرابين
الفلسطينية ثمنا لهذا التأييد، ومخرجا له من مأزقه الداخلي.
وتزامنت المذبحة مع استئناف حركة الرفض الداخلية دورها في
مواجهته، وضد انتقامه من القضاة، بحصارهم وحصار أنديتهم، والسطو
علي حقوقهم وامتيازاتهم المشروعة والقانونية. ولو لم يكن تأييد
حسني مبارك، ما وصلت المذبحة إلي ما وصلت إليه من بشاعة
ووحشية.. ساهمت قواته في تدمير الأنفاق، لكي لا تستخدم في
تهريب الأدوية والمواد الغذائية والأموال، تخفيفا من وطأة الحصار
والتجويع، بحجة منع تهريب الأسلحة.
والتطرق إلي بعض خفايا علاقة حسني مبارك
بالدولة الصهيونية قد يفسر هذا المسلك غير الوطني، والموقف غير
الإنساني، فالأبواب الموصدة أمام التوريث الديمقراطي ، علي
الطريقة العراقية بعد الاحتلال، ونفاد الصبر مع المصريين،
الذين لم يكسبهم في صف التوريث ، وافتضاح العجز عن ممارسة الديمقراطية
، حتي بمواصفاتها الأمريكية الشكلية والمصهينة، جعله يرمي بكل
رهانه علي تل أبيب، وإذا ما كانت السياسة في العرف العام
تقوم علي مراعاة المصالح، فإنها في العرف الأمريكي تؤسس
لإذعان الأضعف للأقوي، وتقوم علي تبعية الأفقر للأغني، أما السياسة
وفق المنظور الصهيوني، تقوم علي التماهي في العمل الصهيوني،
والرضوخ لمتطلباته، فلا تسمح للمتماهين، ومن يعمل لحسابه،
ولو بمساحة ضئيلة من الحرية أو المناورة، ورصد حركة حسني
مبارك ومحمود عباس والملك عبد الله الثاني تجاه الدولة الصهيونية تؤكد
قولنا هذا. وكما يتقرب بوش وبلير إلي رب ، منحاز لليهود والصهاينة،
فيولغان في الدم العربي والإسلامي، تقربا إليه، يقدم حسني
مبارك القرابين الفلسطينية لنيل الرضا الصهيوني.
وأولمرت، البطة العرجاء ، كما يصفه كتاب الغرب، والجريح الذي ينزف،
ومن ورائه جيش مهزوم من حزب الله، هذه البطة العرجاء تعوض ما حل
بها وبجيشها، بالعمل علي الجبهة الفلسطينية، وتغطي عجزها عن
تحرير الجنديين المخطوفين في لبنان، بالتركيز علي إطلاق
سراح الجندي المخطوف من قبل الفلسطينيين، ولم تجد أفضل من حسني
مبارك لمساعدتها في هذه المهمة. فالمطلب الصهيوني لديه أمر لا يرد،
ويدفعه لتقدم الصفوف لتأديب الفلسطينيين، وصار خطره لا يقل
عن خطر أي عدو آخر، إن لم يكن يفوقه.وما هو المقابل الذي
يمكن أن يحصل عليه من جراء اقتراف مثل هذه الأفعال المجرّمة
والمحرمة؟
لقد لُقّن حسني مبارك مبكرا بأن 99% من أوراق اللعب في يد
الولايات المتحدة، وأن القرار الأمريكي هو في حقيقته قرار صهيوني،
لا فرق فيه بين واشنطن وتل أبيب. وترسخ في عقله الباطن
والظاهر أن استمراره مرهون بالرضا الأمريكي، وإذا ما تخلت
عنه الإدارة الأمريكية، يسقط خلال 24 ساعة، كما قال المفكر والأكاديمي
المصري جلال أمين، في حديث نشر له مؤخرا في صحيفة الكرامة
القاهرية، وهو من ناحية أخري لا يأمن غدر السياسة الأمريكية
المعتاد، بعملائها وأتباعها وحلفائها، واستقر وعيه علي أن
تفانيه في خدمة الدولة الصهيونية يبقيه في مأمن من الغدر..فأخذ علي
عاتقه انتشالها عند كل عثرة.. أيدها في حربها ضد لبنان، وأدان حزب
الله ووصف زعيمه بـ البتاع ده ، وضغط، وما زال، للتخلص من
حكومة حماس المنتخبة! وحشد ويحشد المنطقة وراء المشروع
الصهيو طائفي في التصدي لإيران، ودائم فرض الحصار علي الشعب الفلسطيني
وتجويعه، واستغلت أوساط يهودية وصهيونية هذا الاستعداد لديه، وفتحت
أمامه أملا، أشبه بالسراب، بوعد بالترشيح لجائزة نوبل من
أجل السلام، مصورين له أن لجنة نوبل تمنحها لمن يخدم السلام
الصهيوني ، وبلع الطعم، وبلعته زوجته معه.
وإذا كان عبد
الناصر هو عقدة السادات، وأمام عجزه عن ملء الفراغ الذي تركه، وجد
الحل في الارتماء في أحضان أعدائه.. اندفع في اتجاه البيت
السعودي، والبيت السعودي زكاه وقدمه للإدارة الأمريكية، وهي
بدورها أوصلت طائرته لتحط في القدس المحتلة، وبعدها وقع
اتفاقية تسليم وإذعان، في كامب ديفيد .. لم توقعها مصر بعد هزيمة 1967، ووقعها
السادات بعد نصر 1973!!، إذن طريق الرياض تل أبيب سالكة دوما. وإذا
كانت تلك عقدة السادات، فإن عقدة مبارك هي السادات ذاته،
وإذا كان قرار الحرب قد حسب لصالح السادات، وحصل علي نصف
جائزة نوبل، بعد كامب ديفيد ، مع حصول مناحم بيغن علي نصفها
الأول، إذن لماذا لا يحصل هو علي كل الجائزة، ووجد من يقنعه بأن زوجته يمكنها
الحصول عليها هي الأخري، لجهودها الملموسة من أجل السلام . وتحول
هذا الوعد الكاذب إلي كابوس يتحكم في تصرفاته، وحفيت قدما
زوجته، وبددت أموالا طائلة لحضور وتصنيع وتعليب مؤتمرات،
نسائية وسلامية، سُدّتها الزيف ولحمتها النفاق. لا تساوي ما يصرف
عليها من ملايين الجنيهات، المنهوبة والمنتزعة من أفواه المحتاجين
والفقراء.
والصهاينة ذوو الخبرة العالية في الابتزاز، وظفوا الوعد الكاذب في تحويل القرار
السياسي المصري لصالحهم بالكامل. واستغرق هذا الوعد الكابوس حسني
مبارك حتي أضحي عاجزا عن رؤية التحولات المتسارعة في
المحيطين الإقليمي والدولي، وطبيعتها وأثرها، فانجازات
المقاومة العراقية، ووصول حماس إلي الحكم عن طريق صناديق الاقتراع، وتوابع
زلزال المقاومة اللبنانية وحزب الله، وأثر زيادة النفوذ الإيراني،
واستعادة الدور السوري لعافيته، وهزيمة الجمهوريين في
انتخابات نصف المدة الأمريكية مؤخرا، بالإضافة إلي ما يموج
به المجتمع المصري من حراك سياسي واجتماعي، غابت كلها عنه.
استمر واقعا في أسر نظرته التقليدية والقديمة. لم يشعر بعد بأن هذه التحولات أضعفت
بوش وبلير، ولم يع أنها لا بد وأن تكون قد أضعفت أولمرت وطاقم
الدولة الصهيونية.
والضعيف دوما شرس.. يلعب بما تبقي من أوراق، فيتحول من مغامر إلي مقامر ، فالمغامرة
محسوبة، والمقامرة تعتمد ضربات الحظ، وانعكست هذه التحولات علي
السياسة المصرية فتدنت إلي القاع، وجعلت من حسني مبارك
نموذجا أقرب إلي نموذج أنطوان لحد، قائد مليشيا لبنان
الجنوبي، انتهي لاجئا، داخل فلسطين المحتلة، وفور تخلي سادته عنه تخلي
فورا عن مليشياته وأتباعه، ووجد ضالته في إدارة ملهي ليلي، لبيع
الأعراض والأجساد، كما كان يبيع الوطن والشعب من قبل.
وما زال حسني مبارك يتصور أن العلاقة النوعية
التي تربطه بالصهاينة، تمكنه من تهيئة الظروف، الإقليمية والدولية،
لتمرير التوريث ، إذا ما تفرغ لهم ولمطالبهم، وترك شؤون
الداخل لابنه، الرئيس الموازي ، تعاونه مؤسسة أمنية شديدة
البأس والانحطاط، متجاوزة لكل الضوابط القانونية والسياسية
والأخلاقية، مهمتها الوحيدة الوصول بالمصريين إلي أقصي درجات الإذلال واليأس، فلا
يملكون إلا الاستسلام لجبروت الحكم ووحشية الموالي والجلادين.
ومن اطلع، من خلال
شبكة البث الالكتروني الانترنيت ، بالصوت والصورة، علي أحط مستويات
العمل الأمني.
حيث قام عدد من زبانية الشرطة بهتك عرض مواطن بوحشية لا مثيل لها. من اطلع رأي
وحوشا يضعون قضيبا صلبا، عنوة، في مؤخرة المواطن. يستمتعون بصراخه
وعويله، ويتلذذون بذله وتوسلاته، طلبا لمن يجيره، ويرحمه من
الشبق السادي، والنزف والآلام الجسدية والنفسية المبرحة،
ولا يجد هذا المسكين من يجيره، وتأكد لمن شاهد هذا الشريط أنه
أمام نماذج فقدت صوابها وعقلها وإحساسها وضميرها، فمن يمارس هذا
المستوي من الفحش.
تجاوز النازية والصهيونية، ومن عتاة المجرمين، ولنا أن نتخيل حال بلد وشعب يترك
أمنه ومقدراته تحت رحمة هذا النوع من المرضي والساديين، الذين لم
يكتفوا بفعلتهم إنما صوروها ووزعوها بشكل واسع، وهدف وزير
الداخلية واضح، هو كسر إرادة الناس، والحط من قدر من تسول
له نفسه التفوه بنقد أو اعتراض أو طلب حق، مع العلم أن الذي
هُتك عرضه ليس من السياسيين، وقد لا يكون من رافضي التوريث ، أو من مقاومي الفساد،
وقد لا تعنيه التبعية أو الصهينة ، ومن الممكن ألا يكون مناهضا
لحسني مبارك..فهو من المطحونين، وقد لا يملك الوقت ولا
الوعي لممارسة ترف لا يستطيعه، أو لتأدية دور لا يري له
أهمية، فمطحنة البحث عن لقمة عيش، له ولأولاده، سلبت منه الحياة.. إنه سائق
سيارة أجرة، كل جريمته أنه انتقد أحد آلهة الشرطة والأمن، فجعلوا
منه عبرة، ووزعوا فضيحتهم بين زملائه لإذلاله، وبثوها علي
شبكة البث الألكتروني، كرسالة لا تخطئها العين، ليست قاصرة
علي سائقي سيارات الأجرة، ومن الواضح أنها موجهة إلي السياسيين
والمثقفين والمعارضين والنشطاء والقضاة والمحامين والصحافيين
وأساتذة الجامعات والمهندسين وحركة كفاية.
مشكلة حسني مبارك في حقيقتها ذاتية وداخلية، تحركه
العقد والأطماع والعناد والتشفي والحقد علي الشعب، ومن المتوقع أن
تزداد المشكلة تعقيدا مع رؤيته لما بناه وهو يتصدع أمام
ناظريه، فمساعدوه انشغلوا بمصائرهم، و الرئيس الموازي ،
جمال مبارك زاد إحساسه بالخطر، فدفع بوكيل أعماله، أحمد عز لتصفية
ممتلكاته..
إن دور حسني مبارك في مذبحة بيت حانون هو، في جانب منه، هروب من
الضغوط الداخلية ومن مواجهة التصدع، الذي بدأ يصيب علاقات رجاله
ومواليه، فحبيب العادلي في مواجهة مع زكريا عزمي، وعزمي في
صدام مع أحمد عز، وكمال الشاذلي في حالة اكتئاب بعد محاولة
إعادته إلي دائرة النفوذ مرة أخري، وتعرضه للإهانة البالغة بعد
توسط زكريا عزمي في تدبير مقابلة له مع حسني مبارك. الصراع وصل
أشده بين سماسرة التوريث ..تفرقت بهم السبل، وتوزعوا علي
أكثر من معسكر وشلة.. كل معسكر يواجه الآخر، وكل شلة تلعن
اختها، والحديث عن التصدع يطول، وفي حاجة لمساحة أخري، نأمل أن
تتوفر في الاسبوع القادم بإذن الله.