بين المقاومتين الفلسطينية واللبنانية...جوانب مقارنة (3)
فايز رشيد
حول
نظرية المؤامرة. من الطبيعي أنه وطالما تواجدت مطلق حركة مقاومة أن تتعرض للمؤامرات
التي تحاول إجهاضها وتحطيم أهدافها على طريق القضاء عليها.
ولعل المقاومة الفلسطينية من أكثر حركات التحرر الوطني على الصعيد العالمي، التي
تعرضت لمؤامرات كثيرة ومتشعبة وقاسية وفي كل الساحات التي تواجدت فيها، وذلك بحكم
أنها تتعرض وتتجاوز خطاً أحمر أميركياً وأوروبياً ودولياً وهو إسرائيل.
التعرض للمؤامرات اتخذ خطين: معارك عسكرية ضد المقاومة، وأخرى وهي محاولة تفتيتها
من الداخل... ولعلني أسوق الحادثة التالية:
في نهاية عام 1970 وفي بيروت، جاء وفد من الأكاديميين ضموا أميركيين، وأميركيين من
أصول عربية، واجتمعوا مع الأمين العام للجبهة الشعبية حينها الدكتور جورج حبش وبعض
من رفاقه، وقالوا <بأن البنتاغون وبعد انطلاق حركة المقاومة الفلسطينية في نهاية
عام 1967 وبداية ,1968 أنشأ مؤسسة (راند) للدراسات (والتي ما زالت تعمل حتى اليوم)
وتحديداً حول الحركة الفلسطينية، وخلصت المؤسسة إلى نتيجة تحولت شعاراً يقول سنقتل
المقاومة الفلسطينية بالدراسة:
We study the Palestenian
Resistance tell death
في تحليلات فلسطينية كثيرة لغالبية التنظيمات الفلسطينية يجري الاتكاء على نظرية
المؤامرة والظروف الصعبة والعقدة التي تمر بها الثورة، والتي تكاد تكون مقدمة كل
بيان سياسي فلسطيني، لتبرير الإخفاقات والأسباب الذاتية فيها، وللهروب من دفع بعض
الاستحقاقات المهمة. وفي الوقت الذي ننكر فيه هذه النظرية، فإن للظروف الذاتية
أيضاً دورها المهم.
ولعل من أهم المسائل للحركة المقاومة هي الأموال، وبخاصة في هذه المرحلة التي تحارب
فيها كل حركات المقاومة مالياً، وسط محاولات حثيثة لجعل المقاومة المشروعة للشعوب،
إرهاباً!
لقد حصلت المقاومة الفلسطينية على أموال كثيرة على مدى تاريخها، وجزء من هذه
الأموال كانت تعطى للثورة، في محاولة لإفسادها من خلال إغراقها بالأموال. إن أوجه
صرف غالبية تنظيمات المقاومة لم تكن تتم بالشكل الصحيح، فعدا عن الفساد والإفساد
والثراء غير المشروع والسرقات الكثيرة التي كانت وما زالت تتم، فإن الأموال
الخارجية جرى استعمالها من أجل التطويع السياسي للفلسطينيين، حيث تقترب الثورة من
مواصفات الدولة البيروقراطية.
شكل خاطئ لاستعمال الأموال كذلك، أن بعض تنظيمات المقاومة الفلسطينية، كانت تصرف
أموالاً للشباب كي يقوموا برمي الحجارة على قوات الاحتلال في الانتفاضة الفلسطينية
الأولى، وبغض النظر عن طبيعة نوايا من قام بصرف هذه الأموال لأجل هذا النشاط، فإنه
ربط قصداً أو عن غير قصد مقاومة شعبية مدنية ضد الاحتلال بمكاسب مادية تحد بالتأكيد
من نشاطاتها وتُبهِّت صورتها في أذهان العموم.
من ناحية أخرى، فإن بعض إشكالات التنظيمات في الثورة الفلسطينية تتمثل في: تغييب
الجانب الديموقراطي من الحياة التنظيمية لصالح المركزية العالية، وهذا مما يساعد
على خلق ظواهر انفلاشية داخل الحركة المقاوِمة، أي أن المزاوجة الخلاّقة ما بين
الديموقراطية والمركزية وهو ما يصطلح عليه غالباً (المركزية الديموقراطية) والتي
تمكّن العضو من مناقشة رأيه، وفي النهاية يتم حسم الرأي للتنظيم بالغالبية النسبية
في التصويت في الهيئات المركزية... مسألة عانت منها تنظيمات كثيرة، ولا يجوز أن تظل
في مرحلة انفتاح ديموقراطي كبير، ولكن على قاعدة التزام كافة الأعضاء بآراء
الغالبية النسبية في التنظيم.
الديموقراطية الحزبية هي الرافعة الحقيقية نحو التطور الديموقراطي في الحركة
المقاومة، وهي مرادفة تماماً لمعاني أساسية أخرى مثل الاستفادة من الأخطاء السابقة
ومعالجة الثغرات أولاً بأول، وإتاحة الفرصة لظهور الآراء المتعددة التي تغني
المناقشات الداخلية، وإمكانية الرؤية المستقبلية وترقب الأحداث قبل وقوعها، وهذا
يختلف عن اللحاق وإبداء الرأي في الحدث بعد وقوعه، مثلما كان يتم في مراحل ومنعطفات
كثيرة في الساحة الفلسطينية، وذلك للافتقاد إلى وضع تصور للاحتمالات الممكنة!
يبقى القول، إن الوحدة الوطنية الفلسطينية كانت وفي كل مراحلها تعاني خللاً ما،
فالتقصير يطال إنشاء الهيئات الجماعية من مختلف التنظيمات ذات المهمات المحددة،
والقيادة الجماعية للنضال الفلسطيني ليست قائمة لاعتبارات خلافية كثيرة، ولكن يمكن
الاتفاق على قواسم مشتركة في كافة المجالات، فالوحدة الوطنية هي إحدى شروط
الانتصار. كذلك فإنه وفي كل مرحلة نضالية يمكن تغليب شكل نضالي مقاوم على آخر، وهذا
ليس عاراً، ولكن يتوجب أن يتم وفقاً للتوافق بين التنظيمات. وأن إحدى المهمات
الملحة في الساحة الفلسطينية هي تشكيل القيادة الوطنية الموحدة من الجميع، والتي
تكون بمثابة المرجعية الوطنية للمقاومة الفلسطنية في كافة الأمور.
بالنسبة للمقاومة اللبنانية، فقد تعرضت وما تزال هي الأخرى لمؤامرات دولية
وإسرائيلية كثيرة في سبيل اختراقها والقضاء عليها، ولكن الثابت في هذا العنوان، أن
المقاومة ومنذ عام2000 (بعد إجبارها إسرائيل على الانسحاب من الجنوب اللبناني) كان
تعد إعداداً قوياً لمعركة تتوقعها مع إسرائيل، وفعلاً كان العدوان الإسرائيلي،
الذي، وباعتراف مصادر إسرائيلية وأميركية (ما نشره سيمون هيرش في النيويوركر)، كان
يجري الإعداد له على قدمٍ وساق وبغض النظر عن اختطاف الجنديين الإسرائيليين.
الثابت أيضاً وباعتراف العدو ومعاهد بحثية دراسية كثيرة، صعوبة اختراق صفوف
المقاومة وحزب الله أمنياً نتيجة للانضباط الحديدي الصارم بين صفوفه.
من النقاط التي تسجّل للمقاومة اللبنانية، إحسانها التصرف فيما تتلقاه من أموال، إن
في نسيج علاقاتها الداخلية أو في علاقتها مع الجماهير، وبالتأكيد فإن ما تتلقاه من
أموال وأسلحة من إيران تحديداً يساعدها في الصمود العسكري والمادي أمام ما تواجهه
من ضغوطات... وبخاصة في ظل (حسن التصرف).
بالنسبة للديموقراطية في صفوف المقاومة اللبنانية فلا نستطيع القول إنها ظاهرة في
العلن، ولكن وفقاً لتصريحات أمين عام حزب الله ومسؤوليه الآخرين، فلا شيء يتم إلا
وفقاً للقرارات الجماعية.
توضيح لا بدَّ منه
أود التوضيح، بأن هذا البحث لا يهدف إلى المفاضلة بين مقاومة وأخرى، فهما مرتبطتان
بشكلٍ أو بآخر، والانتصارات التي تحققها إحداهما هي انتصارات للأخرى، كذلك هي
الإخفاقات، فالعكس بالعكس صحيح أيضاً.
من جهة أخرى، ورغم اختلاف ظروف كلِّ من المقاومتين الواحدة عن الأخرى طبيعةً
جغرافيةً وأهدافاً، إلا أنني حاولت المقارنة في مسائل أساسية ملازمة لمطلق حركة
مقاومة من أجل انتصارها، فأحياناً ورغم النوايا الحسنة... فإن الأخطاء قد تقود إلى
جهنم (وفقاً للمثل المشهور) فلا يجوز أن تقع الحركة المقاومة في خطأ مرتين.
من ناحية ثانية، فإن مهمة الكاتب ليست البحث عن الإيجابيات، بل إلقاء الضوء على
السلبيات التي يراها، فهي ليست دخولاً إلى محرّمات أو تجاوزاً لخطوط حمراء... مثلما
قد يفهم البعض!
إنها السلبيات وفي صورها العامة جرى الحديث عنها وباعتراف التنظيمات التي تعاني
منها.
إضافة أخرى لا بد منها: هي أن كاتب هذا البحث هو من داخل البيت الفلسطيني، وممن
عانى في حياته سجناً إسرائيلياً، وإبعاداً من وطنه، ومعاناة طويلة ما زالت قائمة.
قد يقول البعض، إن الوقت غير ملائم لطرح قضايا شائكة مثل التي وردت، ولكن أردّ:
ومتى نستطيع أن ندق الجرس؟ علينا أن ننقد وننقد موضوعياً وبتجرد ودون تجريح، فمن لا
يعمل هو الذي لا يخطئ.
ثم إن المجال مفتوح لمناقشة كل ما ورد في أوجه المقارنة هذه، التي كنت موضوعياً في
استعراضها، دون الإساءة لمطلق تنظيم أو قائد أو أي إنسان، وأرجو وآمل أن أكون قد
وُفقت.
(?) كاتب فلسطيني