منذ إعادة انتخاب جورج دبليو
بوش جرت محاولات لإعادة توجيه الاقتصاد الاميركي الى مناح عدة لم يعرفها من
قبل، أولها تخصيص الضمان الاجتماعي وإصلاح نظام الضرائب (أي تخفيضها عن الشركات
والرأسماليين وزيادتها على عامة الناس) ولكنه واجه من قبل ويواجه الآن تهديدات
اقتصادية بالغة قد تطيح بخطته بالنسبة للاقتصاد الاميركي وللاقتصاد الدولي ايضا.
وتقتضي تلك المشاكل إيجاد حلول وسطية، وتعاونا وثيقا من الاقتصادات الرئيسية في
العالم.
أولها
المشاكل التي يواجهها الاقتصاد الاميركي هو العجز المتنامي في الميزانية
الحكومية، والذي يبلغ الآن حوالى 6 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي، كما قد
يبلغ 10 بالمئة في السنة القادمة أي ما يعادل 10 بالمئة من الناتج المحلي
الاجمالي (أي ما يقدر ب1000 مليار دولار) سنويا. ويقتضي ذلك اقتراض مبلغ 5
مليارات دولار يوميا، كي تمول أميركا استثماراتها الخارجية، والعجز في الميزان
التجاري. والمثير في الأمر أن انخفاض قيمة الدولار الاميركي، والذي يتوالى
تباعاً حتى بلغ الآن 30 بالمئة من قيمته الحقيقية. ان هذا الانخفاض يأتي بعد
الارتفاع الذي بلغ ذروته عام .2002 وهذا الانخفاض سيخفض العجز التجاري بنسبة
النصف. ولكن ذلك الانخفاض المستمر قد يقود الى هاوية سحيقة ويعيد الى الذاكرة
يوم الاثنين الاسود الذي حدث في عام ,1987 أو قد يؤدي ذلك الى مشاكل أكبر اذا
عمدت البلدان الرئيسية الاخرى، الى إيقاف ارتفاع سعر صرف عملتها.
تعود
المشاكل التي يواجهها الاقتصاد الاميركي الى قلة نسبة الادخار في الداخل والذي
يجبر أميركا على الاقتراض بكثافة من الخارج وتحمل عجز تجاري كبير جدا في الحساب
الجاري، مع عدم وجود سياسة لتحفيز الادخار الداخلي. وكان على جورج دبليو بوش
وفريقه الاقتصادي أن يجريا إصلاحات اقتصادية عديدة للجم عجز الميزانية
الفدرالية بطريقة مؤثرة. بعد إعادة انتخابه في خريف عام 2004 وسيطرة الجمهوريين
على مجلسي النواب والشيوخ، ولكن ذلك لم يحدث. أما إعادة الحديث عن الفائض
والوفورات التي اكتملت في عام ,2001 فإن ذلك كان محض خرافة. إن الفشل في تحقيق
تلك الاهداف كان يعني خسارة الثقة العالمية في الاقتصاد الاميركي (الغريب أن
ذلك لم يحدث) والانحذار المتواصل في قيمة الدولار تجاه العملات الأخرى. اذا
اتبعت الادارة الاميركية تدابير فعالة في المجال النقدي، فإن باستطاعتها دعوة
البلدان الرئيسية وخاصة في أوروبا، الى القيام بإصلاحات كبرى في السياسات
الماكرو اقتصادية لخفض نسبة النمو في اقتصاداتها، ولخفض الوفورات الناتجة عن
ارتفاعات قيم أسعار عملاتها. ومشاركة أميركا في تلك الاجراءات المقترحة من قبل،
لإنجاز النمو في الاقتصاد الدولي، كان يساعد تلك البلدان على مقاومة المعارضة
الداخلية، التي تعارض اتخاذ مثل تلك الاجراءات. وتبقى الصين الدولة الرئيسية في
المجال النقدي الدولي، التي تستغل ضعف الدولار، في رفع تنافسية بضائعها في
الاسواق العالمية. ولكن البلدان الآسيوية الاخرى، لا توافق على إبقاء الدولار
ضعيفا أمام العملة الصينية، لأن ذلك يعني خسارة مؤكدة لقدرتها التنافسية. ان
الاجراءات التي قد تتخذها الصين، في المجال النقدي، والذي يطالب بها صندوق
النقد الدولي تعني خفض نسبة النمو في الاقتصاد الصيني، وذلك بواسطة خفض
الصادرات الصينية الى الخارج وايضا بواسطة خفض نسبة التضخم في الاقتصاد الصيني
الذي يحوز على استثمارات خارجية هائلة، وتوسع كبير في الكتلة النقدية. ولا تزال
الصين ترفض اتخاذ إجراءات لتعويم عملتها. وتفضل إجراء تقويم أحادي لسعر عملتها.
يعاني الاقتصاد الاميركي ايضا من مشكلة
ارتفاع أسعار الطاقة التي ارتفعت خلال السنة الحالية الى 70 75 دولارا للبرميل
الواحد. على الرغم من انخفاضها الحالي الى 57 دولارا للبرميل. إن الطلب العالمي
على النفط لا يزال في ارتفاع. ويعود ذلك في جزء منه الى محدودية وانخفاض قدرة
المصافي الاميركية على تكرير النفط الخام، ولأسباب بنيوية اخرى في الولايات
المتحدة الاميركية، كما ان عدم الاستقرار السياسي في بعض البلدان المصدرة
للنفط، يزيد من احتمالات زيادة أسعار النفط الخام. ان ارتفاع أسعار النفط
الخام، والانحدار المتواصل في سعر الدولار، سيتسببان في إعادة الأمور الى ما
كانت عليه عام ,1973 بعد الصدمة النفطية الأولى أي الى حالة الركود التضخمي
Stagflution
التي سادت الاقتصاد العالمي في تلك الفترة (لم يحدث ذلك حتى الآن).
يقترح بعض
الخبراء الاقتصاديين الغربيين على الولايات المتحدة استعمال احتياطها
الاستراتيجي وذلك بمقايضة مليون برميل من الخام الخفيف بمليون برميل من الخام
الثقيل. ويؤدي ذلك الى تخفيض عبء انخفاض طاقة التكرير في الولايات المتحدة، كما
يخفض أسعار النفط بحوالى 10 الى 20 بالمئة من كلفتها. كما يقترحون ايضا أن تضع
الادارة الاميركية ضريبة دولار واحد على الغالون من البنزين. وتشمل الاقتراحات
كذلك وضع استراتيجية للطاقة في أميركا الشمالية تضم مناطق التجارة الحرة الثلاث
في أميركا الشمالية. كما يقترح بعض الخبراء الغربيين ضم الصين والهند الى
البلدان الغربية الصناعية لإعادة سعر النفط الى ما كان عليه من قبل، أي 22 28
دولارا للبرميل، والذي نرى انه أمر غير واقعي تماما، فارتفاع الاسعار ناتج عن
ارتفاع الطلب الذي يسببه النمو الاقتصادي الكبير في الصين والهند، والذي لا
يمكن خفضه. انه أمر مستحيل على ما يبدو.
يبقى على
الادارة أن تعود الى دراسة الاجراءات التي اتخذتها الادارات الجمهورية من قبل،
مثل نيكسون وريغان. فقد اتخذ نيكسون من قبل إجراءات حول تحويل الدولار والذهب،
كما اتخذ إجراءات اخرى أدت الى تخفيض سعر صرف الدولار، بواسطة الاجراءات
الحكومية لا بواسطة تسعير البورصات في العالم. كما أجرى ريغان تخفيضا يعادل 30
بالمئة من سعر صرف الدولار عالميا، وذلك ضمن اتفاق عالمي أطلق عليه اتفاق بلازا
Plaza Agreement
ولم تلجأ إدارة بوش الى أي من الخيارين حتى الآن، في حين ان الدولار خسر 30
بالمئة من قيمته في الاسواق العالمية. الشيء الذي ينقذ الاقتصاد الاميركي، هو
الايداعات الأجنبية التي بلغت 13 تريليون دولار في نهاية سنة 2005!
(?) كاتب
لبناني