الخطة الأميركية لإعادة هيكلة أوطاننا! وضعت سوريا ووضع لبنان في رأس قائمة أهداف العمليات الأميركية
نصر شمالي
الخطة الأميركية لإعادة هيكلة
أوطاننا!
وضعت سوريا ووضع لبنان في رأس قائمة أهداف العمليات
الأميركية
التي تلي احتلال العراق مباشرة!
بقلم: نصر
شمالي
أصبحت سورية هدفاً شبه معلن للإدارة الأميركية الحالية
منذ عام 1996، ففي ذلك الوقت المبكر، أي أثناء استعدادها للوصول
إلى الحكم، أعطى فريق العمل الأميركي الذي يتقدمه بول وولفوتيز
وريتشارد بيرل توجيهاته لقادة الكيان الصهيوني بالاستعداد
للمرحلة القادمة التي ستنهض على مبدأ "السلام للسلام والسلام
بواسطة القوة" وإدارة الظهر تماماً لمبدأ "الأرض مقابل السلام"!
بل لقد دخلت التوجيهات في التفاصيل، فحدّدت للإسرائيليين مهماتهم
العسكرية الميدانية في لبنان وفي سورية، ففي التقرير الذي حمل
عنوان "حول استراتيجية إسرائيلية جديدة نحو العام 2000" جرى
الحديث عن ضرب البنى التحتية في لبنان، وضرب أهداف عسكرية سورية
في لبنان وأهداف محدّدة داخل سورية، والتآمر ضدّ سورية باستغلال
عدد من "السلبيات" الداخلية والإقليمية التي عدّدها التقرير،
ليخلص إلى القول:" نظراً إلى طبيعة النظام في دمشق فإنه لمن
الطبيعي والأخلاقي على حد سواء أن تتخلى "إسرائيل" عن شعار
السلام الشامل، وأن تنتقل إلى "احتواء سورية"، وأن تلفت الانتباه
إلى برنامج أسلحة الدمار الشامل الذي يعده النظام (السوري) وترفض
اتفاقات الأرض مقابل السلام في ما يتعلق بمرتفعات
الجولان"!
طبعاً، انكفأت تلك التوجيهات المبكرة للإسرائيليين
(بصدد العمل العسكري ضدّ لبنان وسورية) بفضل المقاومة اللبنانية
التي أرغمت الإسرائيليين على الانسحاب من جنوب لبنان عام 2000،
قبيل وصول إدارة بوش إلى سدّة الحكم، غير أن ذلك كان مؤقتاً، إذ
ما كاد الرئيس الجديد يدخل البيت الأبيض حتى بدأ الاستعداد
لاحتلال العراق في نطاق مشروع "الشرق الأوسط الأكبر"، بينما توجه
الإسرائيليون بكل جبروت آلتهم الحربية الأميركية لسحق الانتفاضة
الفلسطينية.
* * *
لقد أصبحت سورية هدفاً محدّداً معلناً
للحملات الأميركية المزمعة منذ عام 2001، وهي الحملات التي سترفع
رايات التحرير والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، مثلما لو
كانت شرائع دينية على حد تعبير بول لابريك، وقد حّلت نظريات
مادلين أولبرايت وكونداليزا رايس محل نصوص القانون الدولي، فلم
يعد ضرورياً أن تتعرض الولايات المتحدة لهجوم كي تتصدى له، ولا
لتهديد كي تقوم بعمليات وقائية، بل صارت تعطي نفسها حق الضرب
"الاستباقي" للدول التي تريد ضربها وفي الوقت الذي تختاره، وذلك
في نطاق المشروع الهائل الذي يحمل عنوان "إعادة هيكلة الشرق
الأوسط الأكبر"!
وبينما كانت القوات الأميركية تتأهب، براً
وبحراً وجواً، للانقضاض على العراق، راح القادة الأميركيون
يعلنون ببساطة ووضوح أهدافهم التي سوف تلي احتلال العراق، في
نطاق إعادة هيكلة الشرق الأوسط الأكبر، فكانت سورية ومصر
والسعودية في جملة تلك الأهداف، بل في مقدمتها! من دون أن تشفع
لبعض هذه الدول صلاتها الحميمة بالولايات المتحدة!
ومع أن خطط
الاحتلال تعثرت في العراق، بفضل المفاجآت الميدانية المذهلة التي
حققتها مقاومة الشعب العراقي، فإن ذلك لم يبدّل في مخططات
الإدارة الأميركية، التي أصبح شعارها على لسان رئيسها:" الإخفاق
في العراق غير مسموح به"! وإنه لمفهوم ما سيترتب على مثل هكذا
شعار من أهوال وويلات تحل بالشعب العراقي العظيم، وبقوات
الاحتلال والشعب الأميركي أيضاً.
* * *
في العشرين من
كانون الثاني/يناير 2005 ألقى الرئيس الأميركي خطاباً أثناء
تنصيبه أكّد فيه على سياسته "الشرق أوسطية"، وأعاد الكرة في بعد
أقل من أسبوعين، في الثاني من شباط/فبراير، عبر خطابه حول وضع
الاتحاد، وفي كلا الخطابين ورد اسم سورية كهدف من أهداف الحملة
العسكرية والسياسية الأميركية الشرق أوسطية، في وقت لم تكن قد
وقعت فيه بعد حادثة اغتيال الرئيس اللبناني رفيق الحريري، أي أن
عدم وقوعها ما كان ليبّدل شيئاً على الإطلاق في الأهداف
الأميركية، وفي جملتها سورية ولبنان.
لقد تضمن الخطابان
الإمبراطوريان الموجهان إلى دول العالم ثلاثة توجهات تتعلق
بمنطقتنا العربية والإسلامية، التوجه الأول يتعلق بفلسطين،
والثاني يتعلق بسورية وإيران، والثالث يتعلق بالشرق الأوسط
الأكبر:
فيما يتعلق بفلسطين أعلن الرئيس بوش أن واشنطن ترغب
في "التخفيف" من حدّة الصراع الإسرائيلي/الفلسطيني، وذلك بعدم
ترك الإسرائيليين يفعلون ما يشاؤونه بالفلسطينيين، لأن وضع
القوات الأميركية المنتشرة في العراق لا يسمح بذلك، وأيضاً
بتقديم منح مالية للسلطة الفلسطينية الجديدة، وهي المنح التي
كانت ترفض منحها للرئيس الراحل ياسر عرفات، الذي قررت تصفيته!
لقد كانت الإدارة الأميركية بأمس الحاجة لتهدئة الجبهة
الفلسطينية كي تتفرغ للجبهة العراقية، والجبهة السورية
واللبنانية أيضاً!
وفيما يتعلق بسورية فقد وضعها الرئيس
الأميركي في رأس قائمة أهدافه المقبلة، هي وجنوب لبنان إضافة إلى
إيران، واعتبرها من الدول التي ينبغي أن يطبق ضدّها أسلوب "القوة
القاسية" الأميركية، لإدماجها عنوة في "الشرق الأوسط الأكبر"!
وأسلوب "القوة القاسية" يجمع بين الحملات السياسية والإعلامية
الشرسة وبين التآمر، ويمكن أن يتطور إلى الحصار والعمل العسكري
رغم الصعوبات الجمة التي تعرقل مثل هذا التطور، والناجمة عن تعثر
السياسة الأميركية وتأزمها في أكثر من مجال ومكان، وتجدر الإشارة
إلى أن بعض الدول العربية اندمجت في المشروع الأميركي الشرق
أوسطي تحت ضغط "القوة اللينة" الأميركية التي كانت كافية
لإقناعها!
وفيما يتعلق بالشرق الأوسط الأكبر أطلق بوش مشروعه
المتعلق بإعادة هيكلته، باعتباره منطقة جغرافية مقتطعة من العالم
كإقطاعية للأميركيين، مثلها مثل أميركا اللاتينية التي يعتبرونها
حديقتهم الخلفية، ويحرّمون دخولها على غيرهم من الدول
الاستعمارية الأخرى بناء على مبدأ مونرو! وفي معرض إعادة هيكلة
المنطقة الشاسعة، مابين قزوين والأطلسي، تحاول واشنطن فرض
قوانينها وإرادتها عبر "القوة اللينة" القابلة للتطور إلى "القوة
القاسية"!
* * *
يشكل قطاع غزة نموذجاً مصغراً، ومثالاً
صارخاً مروّعاً، لما يمكن أن تؤول إليه أوضاع البلدان التي سوف
يعيد الأميركيون هيكلتها، فقد أظهر الأميركيون والإسرائيليون
أقصى حالات كرمهم وتضحياتهم بتحقيق الانسحاب من القطاع، وبما
أنهم ينوون أن يكون ذلك هو تنازلهم الأخير لصالح ما يشبه "وطن
ودولة" فلسطينية فإنهم يبحثون في مصيره فيجدونه غير قابل للحياة
في حد ذاته، ويعترفون أنه لا يملك مقومات الاستقلال الكريم،
ولذلك يقترحون أن يكون قطاع غزة حقلاً اقتصادياً مساعداً ومكملاً
للاقتصاد الإسرائيلي، حيث سيحقق للإسرائيليين امتيازات واضحة،
بسبب تدنّي أجور اليد العاملة الفلسطينية، وبسبب إمكانية جعل
قطاع غزة مقاولاً ثانوياً للصناعات الإسرائيلية، فيتحول في حال
هدوئه الأمني إلى مصدر خدمات لا تحصى يحتاجها الإسرائيليون، في
ميدان السياحة على الشواطئ، وإنشاء المطارات لنقل السائحين..
الخ! ولا نعتقد أن الشعب الفلسطيني، وكذلك اللبناني والسوري
والعرب والمسلمين عموماً، يقبلون لأي منهم مثل هذا المصير.