عام بعد جريمة اغتيال الحريري
مسار التحقيق ...وانسداده ... وآفاقه المستقبلية
محمود جديد
- سبق أن تعرّضت في مقال سابق "حول القرار 1559 " إلى دوافع النظام السوري للضغط على أعضاء البرلمان اللبناني من اجل التمديد للرئيس / لحّود / ، والهلع الذي أصاب هذا النظام عندما لمس تقارباً فرنسيّاً – أمريكيّاً يستهدف تحويل الساحة اللبنانية من ورقة ضغط وقوّة في يده إلى شوكة موجعة في خاصرته ، لاستنزافه ،وإضعافه ، ثمّ ابتزازه وتطويعه أكثر فأكثر …. وضمن هذه الظروف لاأستبعد ، لا بل أنا مقتنع بأنّ الشهيد الحريري قد تعرّض للتهديد من أجل التمديد … ولكنّني من هذا المفصل أختلف مع بعض المحللين السياسيين الذين يستسهلون الأحكام استناداً إلى ظواهر الأمور ، دون عناء للتفتيش بعمق عن حقيقتها ، أو مع الذين أعماهم حقدهم بسبب سخطهم ومعارضتهم للنظام السوري نتيجة ممارساته اللاديمقراطية ، وإصراره على الاستمرار في قمع شعبه وخنق حرياته ، وأخطائه الجسيمة في سورية ولبنان ( ومعهم كل الحق في السخط والمعارضة ) ، وأنا أيضاً من الساخطين والمعارضين ، ومن القدامى في ذلك ، فبالإضافة إلى العوامل الحزبية والسياسية والوطنية للسخط والمعارضة ، فهنالك دوافع شخصية كثيرة أيضاً ... ( انظر تفاصيل عن ذلك في الملحق الخاص المرفق مع هذا المقال ) . " ، وهذه كلّها عوامل مشروعة للسخط ، ولكن عندما أسمح لنفسي في الكتابة وأنا مشبع بروح الحقد والانتقام فلن أكون سوى شاهد زور لأنني لن اهتدي إلى الحقيقة التي أنشدها ، وخاصة في ظلّ الهجمة الامبريالية – الصهيونية الراهنة على وطننا العربي ، وأيّ نظام أو فصيل تستهدفه لن تبغي بديلاً له إلاّ ماهو أكثر سوءاً منه …ولايعني ذلك التوقف عن النضال الديمقراطي لكافة القوى الوطنية الديمقراطية لإجراء التغيير الجذري الديمقراطي المنشود في سورية ...
ولذلك كلّه ، لم أكتب ، ولن أكتب سوى ما أشعر به صحيحاً ، ومهما قست الظروف عليّ ، ولن يختلف نهجي ومعاييري في الكتابة في أيّ زمان ومكان فوق الربوع العربية ، أو أيّة بقعة في العالم ، ولن يهمّني أو يرهبني فحيح بعض النفوس المريضة التي لا أمل في شفائها ، وقد تعاملنا مع النظام العراقي السابق بهذه المقاييس منذ استهدافه عام 990 ، بالرغم من كلّ الخلافات والتناقضات التي كانت قائمة بينه وبين حزبنا في الماضي ، والمعروفة من قبل الجميع…. وبناءً على هذه التوضيحات والمنطلقات فإنّني أعتبر أنّ /الموساد / هو المتهم باغتيال الحريري حتى يثبت العكس بشكل قاطع وقانوني ، وقد أشرت إلى ذلك في مقال سابق بعنوان " الطائف يغتال الحريري " وذلك في 24-2-2005 .... وبعد تشكيل "لجنة ميليس " ،وما توصّلت إليه حتى الآن زادت قناعتي بصحّة حكمي هذا …
الأسباب الموجبة لتأكيدي على هذا الحكم :
- بالرغم من أنّ النظام السوري يُعتبر من أصحاب السوابق في عملية الأغتيالات الفردية والجماعية ، منها:" المرحوم اللواء محمد عمران ، المرحوم الأستاذ صلاح البيطار ، والمتهم الأول في اغتيال المرحوم كمال جنبلاط ، المرحوم اللواء صلاح جديد ، ومجازر تدمر وحماه وحلب وجسر الشغور …الخ " ولكنّه كان في تلك الأوقات في مرحلة (صعوده) ومدعوماً من الخليج والغرب ، بينما الآن ومنذ صدور القرار 1559 أصبح قابعاً في دائرة الضوء وتحت الأنوار الكاشفة ، وعاجزاً عن متابعة الخطا خلف السياسية الأمريكية بالسرعة المطلوبة ، وفي إبجاد أيّ دعم عربي أو دوليّ يُعتدّ به …كلّ هذا سيجعله يعدّحتى المليار قبل أن يُقدم على اغتيال شخص بمكانة ودور وعلاقات الحريري … وخاصة بعد تهديده .
- لايجهل النظام السوري العلاقة الخاصة جدّاً التي تربط الحريري بالسعودية ، وعلاقته الطيبة مع النظام المصري ،وشيراك ، والإدارة الأميركية ...الخ وكل هذه الأطراف ستكون مهتمة بملف اغتياله ، ولن تسكت عن ذلك ، علماً أنّ هنالك معلومات لست متأكّداً من صحتها بأن الدكتور بشار الأسد كان قد تلقى تحذيراً من شيراك وبوش بعدم المسّ بكلّ من جنبلاط والحريري ... وعموماً مَن يهدّد شخصاً بهذه الأهميّة والعلاقات فغالباً لاينفّذ ، لأنّه يعلم جيدا أنّ الشخص الذي سيتعرّض للتهديد سيبلّغ أفراد أسرته وأصدقاءه في الداخل والخارج ، ويصبح الذي هدّد هو المتهم الأول وملف الاغتيال سيُفتح ضدّه من أوسع الأبواب ( وهذا ما حصل فعلاًفي ملف الحريري ) ، ولكن – وبحسب قناعتي – أنّ طرفاً آخر دخل على الخط ، واستغلّ التهديد كمظلّة لتنفيذ جريمة الاغتيال ، وما من جهة استفادت من هذه الجريمة أكثر من الكيان الصهيوني وأمريكا ...
- بعد صدور القرار 1559 كان النظام السوري بحاجة إلى شخص وسطي النهج في لبنان بمنزلة الحريري ، فبالإضافة إلى أنّه رضخ للتهديد وقبل بالتمديد ، فإنّ اتفاقاً كاملاً قد تمّ بين الحريري ، والشيخ حسن نصر الله على الأمور اللبنانية الداخلية ، وتأسيساً على ذلك ، قام حزب الله بوساطة بين الحريري ودمشق ، وقد أثمرت ، حيث توصّل الطرفان إلى اتفاق كامل لحلّها ،ووفقاً لتصريحات نصر الله ، ولما أفاد به بعض كوادر حزب الله ( وأنا أثق بصدق كلامهم) بأنّ المصالحة بين الحريري والنظام السوري كانت ستُتوّج وفق سيناريو دعوته إلى الغداء من قبل رئيس الوزراء السوري ، ولكنّ الحريري أصرّ على أن تكون الدعوة من قبل بشار الأسد نفسه ، وقد أجابه الوسطاء من حزب الله بأنّ هذا الأمر سهل ، وسيُحلّ خلال أيّام قليلة ، وعقب هذه الأجواء الإيجابية بين الطرفين أجرى الشهيد الحريري مقابلة في جريدة السفير اللبنانية قبل يومين من تنفيذ جريمة اغتياله أقرّ فيها بشكل قاطع أنّ السقف الأعلى لتوجهه السياسي هو تنفيذ " اتفاق الطائف" ، وهذا كان السقف الأعلى الذي كان النظام السوري ينشده بعد صدور القرار 1559 ، وتزايد الضغوط الدولية عليه ، ولاأستبعد أن تكون هذه المقابلة ، والإعلان الصريح من قبل الحريري حول " اتفاق الطائف" شرطاً سوريّاً للمصالحة ، واستعادة الثقة بين الطرفين ، غير أنّ اولئك المتربصين بلبنان – حسب تقديري – أرادوا قطع الطريق على أيّ تفاهم جديد بين الحريري ودمشق ، فاسرعوا في تنفيذ جريمتهم النكراء التي كانوا يعدّون لها منذ فترة لتكون مدخلاً ووقوداً ( للفوضى الخلاّقة) ، وخلط الأوراق في لبنان ، وإعادة صياغته بما يخدم المخطط الأمريكي – الصهيوني في المنطقة .... وبهذه المناسبة فإنّ بعض المحللين السياسيين لايعجبهم الاستشهاد بما صرّح به المرحوم الحريري في جريدة السفير لأنّه لايخدم اتهاماتهم المبنية على تحليلهم السياسي (دون أدّلة قانونية) الذي يتطابق مع الأدلة المفبركة على لسان / محمد زهير الصديق / ، وبهلوانية / خدّام ،وجنبلاط وأمثالهم ....
- إنّ تعطيل العتاد الفنّي المرافق لموكب الحريري أشدّ تعقيداً من القدرة الفنية للأجهزة السورية ، وقد قيل أنّ هناك ثلاث دول في العالم قادرة على ذلك ومن ضمنها أمريكا والكيان الصهيوني ... كما أنّ نوعيّة المتفجرات المستخدمة في تنفيذ الجريمة من طبيعة خاصة، ومحدودة الانتشار ، وليست متوفرة في سورية ...
- إنّ الاتصال الذي تمّ من سورية للإبلاغ عن شريط أبو عدس ، وقصة السيارة المسروقة من اليابان ،ثمّ العثور على رقم محركها في البحر يثير في نفسي الاستشعار بوجود فبركة ما قد حصلت ، وتذكّرني كيف قامت المخابرات الإسرائيلية في عام 1986 بإنزال /كوماندوس / من سفينة حربية إلى الشاطئ الليبي قرب مدينة بنغازي ثمّ الاتصال بعميل اسرائيلي في برلين وإعطائه أمراً بتنفيذ تفجير الملهى الليلي الذي كان يرتاده الجنود الأمريكيون ، والذي شكّل تبريراً للرئيس الأمريكي وقتذاك /ريجن/ لاتخاذ قرار قصف ليبيا عام 986 ، وهذه الرواية ذكرها الاسرائيلي /اوستروسفكي/ مؤلف كتاب " صناعة الأدلة الدامغة " ، والذي شارك مباشرة في التخطيط والفبركة للعدوان على ليبيا ، وقد أشار أيضاً إلى هذا الموضوع الدكتور : سعيد دودين في كتاباته ومقابلاته التلفزيونية أكثر من مرّة ....
وممّا يزيد من إحساسي بوجود الفبركة في التحقيق وتساؤلات ووقائع عديدة تحتاج إلى توضيح ومتابعة ، ومنها موضوع السيارة / الميتسوبيشي / والتي هي أداة الجريمة ،والتي ظهرت ومن خلال الصور التي عُرضت وهي تتقدّم ببطء بأنّها تمتلك مقوداً إلى الجهة اليمنى ، وهنك ثلاث دول ( حسب علمي ) تتبع هذا النظام ( انكلترا- استراليا – قبرص ) ، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل نظام السير في اليابان يعتمد هذا المبدأ ؟ وهل تتواجد سيارات يابانية في الشوارع اليابانية قابلة للسرقة ؟ أم سُرقت من المصانع اليابانية نفسها؟ وما الذي يدعو الأجهزة الأمنية في سورية ولبنان لاختيار اليابان كمكان للسرقة ؟ وهل تمتلك الأدوات والقدرات الحرفية لتنفيذ عملية السرقة من هناك ؟ أليس قبرص اختياراً أفضل وأكثر سهولة ؟ هذا مع العلم أنّ آخر الأخبار حول السيارة تقول أنّها جاءت من اليابان إلى الامارات العربية المتحدة ،ثمّ إلى بيروت ااااا
ثمّ ألا تثير قصة الاستراليين الستة الذين غادروا مطار بيروت عقب تنفيذ جريمة الاغتيال الكثير من الشبهة الجديرة بالمتابعة والاهتمام ؟ فهؤلاء ادّعوا بأنّهم عائدون من الحجّ بينما لم يكن بحوزتهم أيّة حقائب – كما ذُكر في حينه – فهل يُعقل أن يذهب إنسان على وجه الكرة الأرضية إلى الحج ويقضي فترة ليست بالقصيرة في الأراضي المقدّسة دون ثياب وأدوات شخصية ،أو أن يعود بدون شراء شيء ما من هناك ؟ إضافة إلى ذلك ، فإنّ البطاقات الهاتفية المدفوعة الثمن ، والمستعملة في الاتصالات التي ربطت منفذيّ الجريمة هي ست بطاقات ،أي مطابقة لعددهم ، وبأنّ السيارات في أستراليا ذات مقود إلى الجهة اليمنى ...أمّا القول بأنّ تحقيقاً ما قد جرى معهم في أستراليا ليس إلاّ ذر الرماد في العيون ، ولايبرّر إطلاق سراحهم فوراً ، لعلمنا الأكيد بالعلاقات الحميمة القائمة بين الحكومات الأمريكية والإسرائلية والأسترالية ...هذا مع العلم أنّ القضاء اللبناني كان مهتمّاً بهذا الخيط من التحقيق ( ومعه الحق في ذلك ) ، وقد اشار /ميليس في تقريره إلى هذا الاهتمام ، ولكنّه أهمله تماماً ...
والأمور الأخرى التي أثارت الشبهة لدي بحدوث فبركة هي : هل حوالي ألف كيلو من المتفجرات شديدة الانفجار ( تعادل ثلاث أضعافها من ت.ن.ت )ستبقي في مركز انفجارها على إمكانية التعرف على رقم محرك السيارة الذي صهره الانفجار ؟، ثمّ ما حاجة مَن بلّغ قناة الجزيرة بقصة أبوعدس أن يذهب إلى دمشق ليبلّغ عن الجهة المسؤولة عن التفجير ؟ أليس بإمكانه أن يبلّغ من لبنان ؟ أم أنّ الهدف من ذلك التضليل عن المجرم الحقيقي ؟ ولو كانت الأجهزة السورية هي المنفذة ، أليس من المنطق والحرفية الأمنية أن لاتلجأ إلى التبليغ من دمشق ؟
-وهناك قرائن وشبهات أخرى تحوم حول تسييس التحقيق وفبركة الأدلة ، واستخدام ذلك كأداة ببيد المحافظين الجددفي استكمال وضع اليد على سورية ولبنان ، وإعادة صياغتهما على طريق بناء شرق الأوسط الكبير المدموغ بالبصمة الأمريكية الصهيونية ،باعتبارهما بوّابة هذا الشرق لاغنى عنها لإنجاح هذا المشروع ...ومن أهمّ هذه القرائن والشبهات والحقائق :
1 – تشكيل لجنة التحقيق بهذه الكيفية ، وتعيين /ميليس / رئيساً لها ، حيث لايوجد ضمن اللجنة أيّ محقق من دولة عربية أو إسلامية ، أو من أيّة دولة من العالم الثالث ، ويقتصر معظم أعضائها على عناصر أمنية تنتمي إلى الدول المشاركة في تثبيت الاحتلال الأمريكي للعراق ...أمّا بالنسبة إلى رئيسها ، فهو معروف بعلاقاته وارتباطاته بالمخابرات الأمريكية والفرنسية ، وقد أشار إلى ذلك ، وبشكل موثّق الدكتورالفلسطيني : سعيد دودين المقيم في ألمانيا منذ 40 عاماً ، لدرجة أنّه طلب من / ميليس / على شاشات المحطات الفضائية أن يُقيم عليه دعوى أمام القضاء الألماني حول اتهامه له ...
2 – نهج /ميليس / المتحيّز في التحقيق ، بحيث أهمل أيّة شهادة لاتتمشى مع استهداف الطرف السوري ، ومحاولته في التكتّم والتعتيم على الدور الإسرائيلي والتنسيق معه ، بالرغم من إشارة الصحف الإسرائيلية إلى اللقاء الذي جمعه في سويسرا بثلاثة عشر عنصراً من الأمن الإسرائيلي عند بداية التحقيق ، وقد زوّدوه بمعلومات كثيرة ، وخاصة فيما يتعلّق بتسجيل الاتصالات اللبنانية ، والتي يسهل فبركتها بالصيغ التي تخدم مصالح الكيان الصهيوني ، وقد شكر /ميليس/ والأمين العام للأمم المتحدة الحكومة الإسرائيلية على جهودها ، وذلك خلال مؤتمر صحفي في / نييورك / ، وفي بيروت نفى /ميليس / ذلك ...
3 – لماذا لم تقدّم الولايات المتحدة الأمريكية صور الأقمار الصناعية التي قيل أنّها التقطت حادثة التفجير ، أو أيّة معلومات أخرى ، ألا كان بالإمكان استرجاع شريط الصور لكشف نقطة انطلاق / الميتسوبيشي / ؟ أم أنّ هذه المعلومات ستبقى احتياطاً أمنيّاً وسياسيّاً للتحكّم في نتائج التحقيق وفقاً لاستجابة النظام السوري أو عدمه حيال الشروط والمطالب الأمريكية منه ، مع العلم أنّ /ميليس/ أقرّ في تقريره بأنّه لم يستلم أي معلومات من أمريكا حول التحقيق ...
4 – لديً شكوك بأنّ زيارة / العلاّوي / إلى بيروت هي جزء من الخطة المرسومة (سواء بعلمه أو بدونه) ، بهدف حلّ لغز هويّة وأغراض سائق السيارة الذي فجّر نفسه فيها ، وتوجيه الاتهام إلى متطرفين عراقيين للتضليل عن الجهة المجرمة الحقيقية التي خططت ونفّذت الاغتيال ، ثمّ محاولة التفتيش عن كيفيّة ربط سوري بالعملية وبشخص آصف شوكت ، للوصول إلى بشار الأسد ، وهذا مابرز واضحاً في فضيحة المعتقل السوري لحساب القاعدة في السجون التركية المدعو :/ لؤيّ السقا/ ، والتي وردت في مراسلة يوسف الشريف بتاريخ 10-11-2005 عبر الحديث عن رسالة السقا لمحاميه التركي :عثمان كاراهان ، وفيما يلي مقتطفات ممّا جاء في تلك المراسلة والرسالة : "يقول السقا بأن محققين أجانب يتحدثون الإنكليزية حققوا معه قبل ثلاثة أسابيع ، وعرضوا عليه تهريبه من السجن ومبلغ عشرة ملايين دولار في مقابل القول : إنّ صهر الرئيس السوري آصف شوكت كان طلب منه تأمين انتحاري من العراق لاغتيال رفيق الحريري ، وإعلان مسؤوليته بعد ذلك أثناء تواجده في العراق ، كما عرضوا عليه استعدادهم لنقله معهم في الطائرة الخاصة الموجودة في المطار " ، وقال محامي السقا "بأنّ مادفع السقا إلى كتابة تلك الرسالة هو شعوره بالخطر على حياته وحياة عائلته بعدما هدّده –بحسب زعمه – المحققون الأجانب بقتله وإيذاء عائلته إن هو تحدّث بهذا الأمر إلى أحد " ، وشدّد المحامي على صدقية موكّله معتبراً أن لامصلحة له بالدفاع عن النظام السوري الذي كان يطارده ويعتبره إرهابيّاً مطلوباً القبض عليه "....
ثمّ جاء شاهد )ملك )جديد هو عبد الحليم خدّام ليغطّي ما كان مطلوباً من السقا بطريقته الخاصة ...
5 – اعتماد شهادات مفبركة تحت إشراف وإدارة مروان حمادة وشخصيات حريرية لايمكن أن تنطلي على أيّ محقق محترف إذا رغب في تفعيل احترافه ، وهي شهادات / محمد زهير الصدّيق – هسام طاهر هسام – ابراهيم ميشيل جرجورة / ، واعتبار شهادات هذا الثالوث عماد التحقيق ، فبدونها ينهار من أساسه على رأس / ميلس / ، وهذا ماحدث فعلاً ...والأمثلة على ذلك :
- شهادة الصدّيق حول الشقة المستأجرة في الضاحية الجنوبية ومجيء القادة الأمنيين للاجتماع فيها ورسم الخطط لاغتيال الحريري ، وهذه الشهادةهي السبب المباشر الرئيسي لاعتقالهم ...تصوّروا مجنّد فار من الخدمة ،نصّاب ، محتال ،( باعتراف أفراد أسرته الذين زارهم / ابراهيم حميدي / مراسل جريدة الحياة ، ومراسل مجلّة دير شبيغل الألمانية ، ونعتوه بذلك ) أن يجمع القيادات العليا للأجهزة الأمنية في شقته ، وكأنّهم مشردين في بيروت ، ولايملكون الشقق الكافية للقاءات السرية سواء بينهم ، أو مع شخصيات لايناسبها القدوم إلى مقراتهم الرسمية أسوة بكافة قادة أجهزة الأمن في العالم ،إضافة إلى أنّ مجرّد اجتماعهم في مكان واحد عند شخص آخر غريب يُعتبر خطأً أمنياً لايُغتفر ...علماٌ أنّ /ميليس / قد أثبت فيما بعد ومن خلال فحص الحمض النووي لهذا النصّاب ، ولزوجته ، وأولاده ، وأخوة زوجته ، ولم يثبت دخول أيّ منها هذه الشقة ، مع العرض أنّ هذا / الميليس / استلم ملفاً كاملاً عنه من الجهات السورية ، ولم يتعرّض في تقريره إلى ذلك .
- شهادة /هسام / حول السيارة /الميتسوبيشي /الذي يقول فيها أنّه شاهد السيارة في معسكر الزبداني وهي تُعبّأ بالمتفجرات ، ثمّ وهي تدخل الحدود اللبنانية وذكر الوحدة العسكرية التي ينتمي إليها السائق ، ومكان وجهته ، والمعسكر الذي استقرت فيه ...فهل يُعقل لأي إنسان أن يعرف كل هذا غير سائقها ، أو أن ينقل أحاديث جرت في القصر الجمهوري بين المسؤولين الكبار في قيادة النظام السوري ، وكأنّه كان حاضراً معهم ...
فهل / ميليس/ بهذه السذاجة ؟ أم يتظاهر بالتصديق لينفذ مهمته المرسومة له ، والإدانة الجاهزة في جيبه التي يفتش عن حبكة قانونية لها ...؟
وعلى كلّ حال ، إنّ تراجع الثالوث السوري عن شهادتهم ، وافتضاح بعضها ، وكشف وتعرية الأساليب القذرة لإغوائهم ، وبغض النظر عن نوعيّة هؤلاء الشهود ومدى صدقهم أو كذبهم منذ البداية حتى النهاية قد أدّى هذا كلّه إلى توجيه ضربة جديدة موجعة لسمعة المحقق /ميليس / ، وكانت أحد الأسباب لإنهاء مهمته وإرباك التحقيق ...علماً إنّ الشاهد الأخير /جرجورة / تميّزت روايته بالكثير من الجدّيّة والموضوعية ، ولم تكن – على ما يبدو – لهثاً وراء المال كالآخرين ...
6 – هل يُعقل أن يشارك قادة جميع الأجهزة الأمنية اللبنانية والحرس الجمهوري ، وقادة الأجهزة الأمنية السورية ، ورئاسة الجمهورية ، والعناصر المشتركة في الرصد والتفجير ، وعناصر من الأحباش ...الخ في اغتيال الحريري ؟هل هذه الجريمة النكراء وليمة، أو حفلة عرس لتكون بهذا الاتساع والتنوّع ؟ وهل يمكن أن تُحافظ على سريتها بعد ذلك ، ويعجز الثعلب / ميليس / عن كشفها؟ ، وخاصة أنّ الشهيد الحريري كان ثريّاً سخيّاً مستعدّاً لحماية أيّ عنصر يكشف له أسرار خطة اغتياله قبل تنفيذها ، وإغداق مال وفير عليه ...
7 – استهداف عناصر عروبية وطنية كفؤة في المجال الإعلامي مثل الاستاذ : شارل أيوب وغيره ، ومحاولة زجّهم في موضوع الاغتيال ، وإرهابهم ومساومتهم بهدف لجم أفواههم أو الانتقام من مواقفهم الوطنية ، وقد صرّح /أيوب / على شاشة محطة / anb / بأنّ كلّ همّ المحققين انصبّ أثناء التحقيق معه على دفعه لاتهام النظام السوري ...
8 – نشر تقرير لجنة التحقيق ، وعقد مسلسل من المؤتمرات الصحفية حوله يُعتبر مخالفة فاضحة لأبسط قواعد وأسس التحقيق ، ويتعارض مع الأصول القضائية ، ولم أسمع عن حدوث مثل ذلك في العالم ، بالإضافة إلى اطّلاع الإسرائيليين والأمريكان على أدق تفاصيل التقرير قبل الإعلان عنه ، ونشرمضمونه في الصحافة الإسرائلية ...
9 –محاولة استهداف "حزب الله " وزجّه بهذا الشكل أو ذاك في عملية الاغتيال ، وتسريب معلومات تخدم هذا الهدف ، ومنه أن / الميتسوبيشي / عبّئت في الضاحية الجنوبية ، ثم تمّ التراجع عن ذلك بعد افتضاح قصة الشقة المستأجرة.
10- ابتزاز وزير الدفاع اللبناني / الياس المرّ / لتطويعه ونجحوا ، إذ نشر ميليس اسمه ضمن لائحة المطلوب الكشف عن حساباتهم المصرفية ، وعقبها أعلن عن تهديد / رستم غزالة /له ، وبقدرة قادر تمّ حذف اسمه من تلك اللائحة بعد هذا الإعلان...
11 – إنّ استمرار مسلسل الاغتيالات الذي هو وقود ( الفوضى البنّاءة ) يصبّ لصالح النظام السوري ،وليس ضدّه كما يعتقد البعض ، إذا تفحّصنا الأمر بعمق وبمهنية نزيهة ، لأنّ الضحايا كلّهم من أصحاب السوابق في نقده الحادّ ، وهذا يقود تلقائياً لتلبيس هذا النظام المسؤولية عن ذلك بدون عناء ، بينما المنطق والعقل يقول : لو كان هو المنفّذ الحقيقي لما تابع هذا المسلسل الإجرامي بعد خروجه من لبنان ، ووضعه تحت الضغط الدولي ، والعصر والترهيب الأمريكي والفرنسي ، وتحت الأنوار الكاشفة ، ويعيش حالة من العزل السياسي العربي والدولي ، والمخابرات الأمريكية والإسرائيلية والفرنسية والبريطانية تعجّ بالساحة اللبنانية ، إضافة إلى المناخ الاجتماعي والسياسي الذي أصبح جزءاً مهمّاً منه معادياً لسورية ، ...بينما التصرف الملائم لوكانت أجهزته هي الجهة التي نفّذت جريمة اغتيال الحريري هو التزام الحذر والصمت والكمون ، لأنّ أيّ خطأ كبير أو صغير ، أو أيّة صدفة طارئة ليست بالحسبان يمكن أن تكشف أيّاً من هذه الجرائم ، وعندئذ ستُوحّه الأنظار إلى الجريمة الأم ( اغتيال الحريري ) ، وتضع النظام السوري في دائرة الاتهام أكثر فأكثر ....
وعموماً إنّ أسلوب الاغتيالات بعد استشهاد الحريري سبق أن اتبعه / الموساد / ضدّ مناضلي حزب الله ، والشهيد جهاد أحمد جبريل ، وغيرهم ...
12 – إنّ تطوّر الأوضاع الأمنية والسياسية في لبنان ، وتراجع البعض عن تاريخهم ،وإرث آبائهم وأجدادهم الوطني والقومي ، وانغماسهم في المخطط الأمريكي ، وزيادة التوتّر الداخلي بين القوى والطوائف ، وإعادة الاعتبار للمجرمين والعملاء ليس إلاّ دليلاً ملموساً على وجود مؤشّرات ومفاعيل " الفوضى البنّاءة" التي ستُودي بلبنان إلى المجهول الذي لايعرف عواقبه الوخيمة إلاّ الله...أو استدعاء قوات أجنبية إلى لبنان، ما لم يتكاتف كل الوطنين المخلصين لبلدهم وأمّتهم من أجل إيقاف هذا التدهور المرعب ، ووضع حدّ للإسفاف السياسي الذي انتهجه البعض ، لإنقاذ لبنان كلّ لبنان من سوء أقوالهم وأفعالهم ، ومن المخططات الصهيونية والأمريكية ....
- أمّا مقولة إنّ سيارة محمّلة بحوالي ألف كيلو غرام من المتفجرات ، وتجوب شوارع بيروت ، وعمليّة تحتاج إلى إعداد وتحضير كبيرين ، وبهذه الخطورة لايمكن أن تتمّ بوجود الجهاز الأمني اللبناني- السوري دون معرفته ...فهي معطى يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار لأيّ محقق ، ولكن من الخطأ أن يصبح سرداباً يغوص فيه المحققون ويضلّون عن الطريق الصحيح ، فعبر ودروس تفجيرات 11 أيلول / سبتمبر/ لاتزال ماثلة أمام أعيننا كيف استطاع العشرات من منظمة القاعدة أن يدخلوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، ويُقيموا فيها ، ويتدربوا في مطاراتها ، ويقلعوا منها ويختطفوا أربع طائرات ثم يفجرونها ، وفي وقت كانت فيه المخابرات الأمريكية بكل فروعها تتابع ملف القاعدة بكل اهتمام ... وفي بريطانيا وفي العاصمة وفي أوج الاستعداد الأمني البريطاني جرت تفجيرات محطات المترو ... وفي روسيا وصل الشيشانيون بالعشرات إلى قلب موسكو ونفّذوا عملياتهم في وضح النهار...
آفاق التحقيق المستقبلية :
إنّ غياب /ميليس / عن التحقيق يذكّرني بإنهاء مهمة / ريتشارد بتلر / الذي كان يعمل لصالح المخابرات الأمريكية خلال رئاسته للجنة التحقيق الدولية التي كُلّفت بالتفتيش عن أسلحة التدمير الشامل في العراق ، كما أنّ مجيء القاضي البلجيكي /سيرج براميرتز/ بديلاً عن ميليس يذكّرني بمجيء / هانس بليكس / بديلاٌ عن بتلر ...إذ أنّ سمعة / برامير / ، والمؤشرات الأولية لنهجه يعطي انطباعاً بأنّ التحقيق سيسلك طريقاً جديداً جديراً بالاحترام ، ولكنّه قد يطول ، لأنّه لن يقتصر في تحقيقه على اتجاه واحد ،كما فعل / ميليس/ ، وسيحاول الاهتمام بالخطوط الأخرى ...وهنا أقول :إنّ تركيز التحقيق في البداية باتجاه النظام السوري كان طبيعيّاً وموضوعيّاً نتيجة أنّ آل الحريري كادّعاء وأصدقاءهم كشهود كلّهم ركّزوا على موضوع تهديد بشار الأسد للمرحوم الحريري ، ولكنّ الشيء غير الطبيعي ، وغير الموضوعي أن يقتصر /ميليس/ في تحقيقه على متابعة ملفّ النظام السوري وحلفائه من اللبنانيين وحدهم فقط ، بالأضافة إلى العلاقة الخاصة غير الصحيّة التي قامت بين / ميليس/ وجماعة الحريري وحلفائهم ، وقبوله دعوات حفلات غداء وعشاء ورحلات في اليخوت ،لأنّ ذلك لوتمّ في بلدان متقدمة لشكّل فضيحة كبرى ...
كما أنّ إلقاء القبض على 13 عنصراً من القاعدة في لبنان ، وتردّد القول بأنّ بعضاً من هذه المجموعة قد شارك في تصوير شريط أبو عدس ، وأنّ المدعو / خالد طه / المعروف بصلته الخاصة بأبي عدس كان من ضمن المجموعة ، ولكنّه تمكّن من الفرار ...وهذه المعطيات الجديدة جديرة بالاهتمام والمتابعة ، وتعطي شيئاً من المصداقية على شريط أبو عدس الذي أهمله /ميليس/، ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل هذه المجموعة قادرة بمفردها على تنفيذ جريمة اغتيال الحريري ؟ أم أنّها كانت مخترقة ومدعومة من أطراف أجنبيّة خفيّة تذكّرنا بما جرى في تفجيرات 11 أيلول / سبتمبر / ، واحتمالات اختراقها واستغلالها في مخططات الآخرين ... ؟
وأخيراً ، فإنّ جلاء الحقيقة كاملة ومعرفة الجهة التي أمرت وخططت ونفّذت جريمة اغتيال الحريري ،ونيلها الجزاء الذي تستحق مهما علا شأنها ،أصبحت حاجة موضوعية ملحّة لوضع لبنان على طريق السلام الأهلي والاستقرار والتنمية، ومن هنا يترتب على النظام السوري مسؤولية أساسية في التعاون الكامل مع لجنة التحقيق الدولية ، وتقديم كافة المعلومات المتوفرة لديه حول جريمة الاغتيال ... وفي الوقت نفسه فإذا استمرّ التلاعب بملف الشهيد الحريري في لبنان ، واستغلاله سياسياً من قبل / كاراكوزات / سياسية غير مسؤولة أعمى الحقد والانتهازية بصيرتها وحوّلها عن قصد أو جهل إلى أداة سهلة بيد أعداء امتنا لاستكمال مخططها الخطير في المنطقة بأكملها ،فإنّ الفتنة قادمة في لبنان لإدخاله في حلقة جديدة من العنف المجنون لايدرك مدى خطورته إلاّ الله ...ولكنّ أملنا وثقتنا بعقلاء وحكماء لبنان من سياسيين وطنيين ، ورجال دين سيُبقي بصيصاً من الأمل لتداركه ...
فليحم الله لبنان ، ويفضح أمراء الطوائف والحروب الفاسدين والمُفسدين ، وتجّار السياسة ، والعملاء القدامى والجدد ... في 15-2-2006
الملحق الخاص: بالإضافة إلى الدوافع الحزبية والوطنية هناك دوافع شخصية كثيرة منها:
تسريحي من الجيش في عام 971 ونقلي إلى وظيفة مدنية ، ملاحقتي وتشريدي منذ عام 972 وحتى الآن ، وحرماني من سنيّ خدمتي الطويلة دون تعويض أو تقاعد ، ومنع زوجتي من حقها في زيارة أخيها المعتقل في السجن بدون محاكمة ولمدّة عشر سنوات كعقاب لها لهربي من الاعتقال ، ثمّ حرمانها من زيارتي بعد أن أصبحت في الجزائر ولمدة 13 سنة (986- 999 ) ، وحرمان ابني من زيارتي مدّة 16 سنة ( 988 – 2004 ) ، اغتيال الشهيد / صلاح جديد / في عام 993 ، واعتقال 11 شابّا من أولاد بعض أخوته وأخواته عقب الجنازة ، ومن بينهم ولديّ …الخ