ما سر صمت السياسيين العراقيين العرب أمام الهيمنة الكردية في العراق؟

2006/05/17

سمير عبيد



هل سمعتم يوما ان الاقليم يبتلع الوطن الأصلي ويسحق هويته بالأقدام ويُبدلها بهوية الاقليم؟
الجواب: لا لم نسمع ولم نقرأ ان الاقليم والقومية الصغيرة يستفحلان ويمسحان التاريخ الخاص بالوطن الكبير والشعب الكبير الا في العراق، وبعد سقوط النظام ومجيء الاحتلال الذي شيّخ الاقليم الكردي والقومية الكردية ليأخذا وجه العراق الداخلي والخارجي، ويتحول العراق العربي الذي حضارته أكثرمن (7 آلاف) عام ذيلا للاقليم الكردي، وتصبح القومية العربية مجرد نادلة لدي القومية الكردية، وبدعم من الاحتلال، وتواطؤ من السياسيين العرب العراقيين المبتدئين، والذين دربتهم دوائر الاحتلال، فتراهم يتنازلون عن عروبتهم وعروبة وطنهم، ويتنازلون عن تاريخهم العربي، وحضارتهم العربية مقابل امتيازات من الاحتلال علنا، ومن الأطراف الكردية سرا.
لا يعنينا من يتحامل علينا ويقذفنا بتهمة العنصرية و(القومجية) والشوفينية، لاننا نعرف ان هذه التهمة مصدرها حيتان كردستان الذين حاصروا الشعب الكردي المسكين في مصيدتهم، ومصيدة أحزابهم، ومصدرها الآخر من أبواق الاحتلال والأحزاب الكردية والتي أطرافها بعض الكتاب الانتهازيين والمنتفعين، والصحف الصفراء والمواقع الالكترونية التي تدعمها بعض السفارات والدوائر الرمادية، وبعض الأقلام والحناجر التي تكتب وتهتف لكل زمان وزعيم وتحت شعار (من يتزوج أمي فهو عمي)...
وعندما نقول لا يعنينا لاننا واثقون بنيتنا تجاه أهلنا الشرفاء في المنطقة الشمالية في العراق، وخصوصا العقلاء من الشعب الكردي، والذين يرفضون سياسات الأحزاب الكردية، ويؤمنون بعراق واحد فيه العربي والكردي والتركماني متساوون في الحقوق والواجبات، وكذلك فيه السني والشيعي والمسلم والمسيحي واليزيدي ــ الازيدي / تسمية مستحدثة) والصابئي وغيرهم متساوون بالحقوق والواجبات، ويجب حماية جميع الأقليات والقوميات الصغيرة فيه، ويُمنع منعا باتا ممارسة الديكتاتورية وقضم الحقوق وتطبيق سطوة القوي علي الضعيف، والكبير علي الصغير.

صدمة رجل دين شيعي عربي!

اشتكي لي أمس رجل دين عربي وشيعي المذهب، ويُعتبر مساعدا للمرجع الخاص بأحد التنظيمات المهمة في العراق، وهو رجل دين من المرموقين والمحترمين فقال لي (سافرت من مدينة النجف الأشرف نحو بغداد، وبمهمة من المرجع الديني والسياسي للتنظيم، وكانت وجهتي بعض الأماكن المهمة في الدولة، ومن هذه الأماكن كنت في ــ وزارة الخارجية ـ فدخلت الوزارة واذا بي أتفاجأ بانتشار كردي من مليشيات ـ البشمركَة ـ مما أشعرني بالرعب والخوف، وكان انتشارا مرعبا وكانني في مقرات الحرس الجمهوري في عهد صدام حسين، ويبدأ الاتتشار الكردي من خارج أسوار وبناية الوزارة حتي مكتب الوزير حيث الانتشار مستمر علي باب الوزير، ولكن المصيبة عندما انتبهت ان الجميع يضعون علي صدورهم العلم الكردي، وكذلك يضعون علي صدورهم قطعة معدنية ـ باج ـ اعتقدت في بادئ الأمر انه مجرد رمز، أو ربما اسم المنتسب، واذا بي أتفاجأ بانه خارطة ـ كردستان الكبري ـ وفيها الدول المجاورة، فحينها خرجت عن الدبلوماسية ولم أتمالك أعصابي، وجلست مع مسؤول كبير في الوزارة وكان عربيا، وشرحت له أبعاد وخطورة هذا الوضع وهذه المظاهر، وكذلك قدمت امتعاضي واعتراضي الشديدين الي بعض منتسبي الوزارة، فلم يرد ذلك المسؤول الكبير الا بعبارة ـ سيدنا الجليل هذا هو الواقع وليس لدينا حل آخر).
فقلت الي السيد الجليل هوّن عليك يا سماحة السيد، فأتمني ان ترافقني الي السفارة العراقية في باريس لتشاهد الهيمنة الكردية، بحيث لن تسمع الا اللغة الكردية هناك ومن باب السفارة حتي مكتب السفير، مع العلم ان السفير عربي، وهكذا الحال في السفارة العراقية في لندن، ومع العلم ان السفير هناك عربي أيضا، وهكذا الحال وبصورة أكبر وأعمق في السفارات العراقية في فيينا وستوكهولم وهولندا وغيرها من السفارات، وان السفارات الأخيرة يترأسها سفراء من الأكراد، وقلت له كم أتمني ان ترافقني لتلتقي بالجاليات العراقية بهذه العواصم لتسمع الشكوي والآلام من سياسات السفراء الأكراد تجاه العرب والتركمان تحديدا.
وقلت له ان الذين يجلسون في البرلمان العراقي، وفي مقدمتهم رئيسهم ـ دكتور هومسك ـ متواطئون في سحق كرامة وعروبة العراق، ومتواطئون في ابدال هوية العراق لتكون هوية كردية، والسبب ان قسما من هؤلاء النواب يخافون الموت من قبل الخلايا الرمادية، والتي هي مشكلة برعاية الاحتلال، ومنتقاة من مليشيات الأحزاب المهيمنة علي العملية السياسية، وان الأكثرية من هؤلاء هم من البشمركة، والقسم الآخر رضي بفتات الموائد مقابل سكوته وخنوعه، والقسم المتبقي تم اسكاته بالمواقع والمناصب والتبرع بحمايته من قبل البشمركة مقابل سكوته ودعمه للمخططات الكردية التي تريد ثلاثة أرباع العراق حسب خارطتهم الجديدة ـ خارطة نيجرفان ـ أما البقية القليلة جدا فهي تعرف الحقيقة المرة ولكنها مغلوبة علي أمرها.
فأيد سماحة السيد كلامنا وقال (لا بد ان يكون هناك ضغط خصوصا بعد ان لمسنا الحالة لمسا مباشرا، ولا يجوز ان تستمر الهيمنة الكردية السياسية علي أمور ووجه وهوية العراق العربي) وبالفعل فان التقاعس بهذه المرحلة يعني اعطاء العراق العربي علي طبق من ذهب الي الأحزاب الكردية، ومجموعات الانفصاليين من الأكراد (مع احترامنا للأحزاب الشريفة من السلفيين، ومن الحركة الاسلامية الكردية وغيرها، والذين لهم مواقف مشرفة نحو الوطن الواحد).
فتصور عندما يكون الرئيس كرديا ووزير الخارجية كرديا، ولأربع سنوات قادمة، أي يكون وجه العراق الداخلي كرديا والوجه الخارجي كرديا، فهذا يعني سنعطي فرصة لهؤلاء ليثقفوا الأجيال العربية في الوسط والجنوب، وكذلك الأجيال الكردية في المنطقة الشمالية ولأربع سنوات قادمة علي الايمان بان العراق مقسّم، وانه ذو وجه كردي وليس عربي، وسوف تستمر هذه الحقيقة، وحينها ستتم عملية سلخ العراق من الأمة العربية، ومن محيطه العربي ليكون بلا هوية، وبكرامة وجغرافية مهدورتين ومثلومتين.
لذا فهو واجب شرعي ووطني وأخلاقي ان ينهض الشرفاء لايقاف هيمـــنة الأكراد علي الوجهين الخاصين بالعراق العربي، وقبل فوات الأوان، وهـــناك وسائل عديدة، وليســــت بالضرورة تكـــون عنيفة، أو تزيد العنف عنفا، خصوصا ونحن لا نؤمن بحــــلول العنف والاستقواء....

أين دور الجامعة العربية؟

وعلي الجامعة العربية أخذ دورها بهذا الاتجاه، وعليها الوقوف وقفة شريفة بعدم الاعتراف بالوزير الكردي حتي تتم معالجة الأمر، وكذلك الدول العربية التي لديها مسحه من الخجل والغيرة علي العروبة، وعلي العراق العربي فلا بد من اتباع سياسة عدم التجاوب مع وزارة الخارجية التي يرسم سياستها الأكراد، فهم لديهم 40 وزيرا ولديهم حكومه أطلقوا عليها ـ الحكومة الموحدة ـ واحتفل لأجلها حتي الصباح بعض السفراء الأكراد في أوروبا حسب ما قرأنا في بعض المواقع العراقية علي شبكة الانترنت هذين اليومين، فماذا يريدون من الشعب العراقي بعد، ايكون لهم (دولة ونصف دولة) وهم لا يتعدون أربعة ملايين نسمه، ويكون للعراقيين العرب والتركمان وغيرهم (نصف دولة) وهم البالغ عددهم أكثر من 21 مليون نسمه، فتحت أي سياسة وأية قسمة وأية رياضيات يحدث هذا؟
فنحو صرخة واحدة ضد استراتيجية (الاختراس) التي يتبعها الطرف العربي تجاه الاستهتار السياسي الذي يُمارس من قبل السياسيين الأكراد، فلا بد من مساومة هؤلاء العرب، فإما الوقوف وقفة رجل واحد نحو اعادة هوية العراق العربي، أو التنحي ليجلس مكانهم في البرلمان والحكومة الرجال الذين لديهم الشجاعة للوقوف بوجه جلال ومسعود وزيباري وغيرهم، فان سبب تمادي هؤلاء هو ضعف الفريق العربي الذي أمامهم، فعجبي علي هذا الطرف العربي الذي جلس بالأمس يبارك حكومة نيجرفان برازاني، وهو الذي قال بكلمته (انتهينا من المعركة السياسية وسوف نبدأ بالمعركة الجغرافية لاعادة أراضينا) وطبعا كان يعني الأراضي التي تنص عليها خارطة الأكراد، والتي كل يوم تكبر وتتوسع وعلي الطريقة الاسرائيلية، بحيث وصلت وحسب الرسم والتحديد الأخير الي مشارف مدينة العمارة جنوبا، ولكن لم نر أو نسمع هناك فردا عربيا واحدا من الحكومة والبرلمانيين الذين كانوا هناك في شمال العراق نهض وقاطع كلمة نيجرفان برازاني الذي يتوعدنا بالحرب والسبي، فهل شاهدوا الرئيس الايراني ــ نجاد ــ عندما نهض وقاطع كلمة أمير قطر علما ان الأخير ضيف كبير، وقال له الرئيس نجاد معترضا (انه الخليج الفارسي وليس العربي) لان أمير قطر قالها (الخليج العربي) هل رأيتم مواقف الرجال، فمن أين نهلتم رجولتكم وسياساتكم، ومن أين جلبكم الزمن علي العراق وأهل العراق ــ الله أكبر ــ !

فقليلا من الخجل والوطنية والكرامة!

وأهلا بالعراق الذي كان موحدا وفيه العربي والكردي والتركماني اخوة وأحبة وأقرباء وأصدقاء (وهنا نعني العراق الاجتماعي والجغرافي، وليس السياسي كي نقطع الطريق علي الذين يتصيدون بالمياه العكرة ويقذفوننا بتهمة اننا نترحم علي عهد صدام حسين!).
ہ كاتب عراقي
samiroff@hotmail.vom