الانتصارات الكبيرة التي
أحرزتها المقاومة الوطنية اللبنانية، المتمثلة في (حزب الله) سواء في عام ,2000
عندما تمكنت من إجبار العدو الصهيوني على الاندحار من جنوب لبنان ليلاً، أو في
تصديها الصلب والموجع للعدوان الإسرائيلي في عام ,2006 ولمدة تنوف عن الشهر...
تدعو إلى الإعجاب، وهي ستترك آثارها وتداعياتها ليس فقط في مواجهة لبنان مع
إسرائيل، وإنما في مجمل الصراع العربي الإسرائيلي، إن في دلالاتها الجديدة بفتح
أبواب كانت مغلقة، أو في المتغيرات الإستراتيجية والعوامل المؤثرة في هذا
الصراع. لذا يكون من الطبيعي أن نتساءل والحالة هذه: لماذا استطاعت المقاومة
اللبنانية تحقيق انتصارين كبيرين في سنوات قليلة، بينما لم تستطع المقاومة
الفلسطينية الأطول زمناً كسب أي انتصار ملموس على صعيد قضيتها الوطنية، إن لم
نقل أنها تسببت في إخفاقات كبيرة لحقوق شعبها رغم تضحياته الهائلة والكبيرة؟
مدى دقة
المقارنة:
قد يرى
البعض أن المقارنة بين المقاومتين لا تجوز من الأساس، انطلاقاً من الظروف
الموضوعية والذاتية لكل منهما، ففي الحالة اللبنانية، فإن أهداف المقاومة تتلخص
في تحرير باقي الأرض المحتلة (مزارع شبعا) والإفراج عن الأسرى اللبنانيين
المعتقلين في السجون الإسرائيلية، إضافة إلى أنها تتواجد على أرضها، وتقاتل بين
صفوف جماهيرها، وهي محكومة بأيديولوجية وسياسات الحزب الواحد، والاستعداد
العالي لدى كل من إيران (بشكل خاص) وسوريا لدعمها مالياً وسياسياً وتسليحاً،
وغير ذلك من العوامل، بينما المقاومة الفلسطينية انطلقت وقاتلت لفترة زمنية
طويلة من خارج أرضها وبعيداً عن صفوف جماهيرها، وتعرضت لتآمر عربي ودولي كبير،
وهي تتألف من اتجاهات عديدة تتمثل في فصائل ذات توجهات مختلفة: دينية وقومية
ويسارية، وأهدافها مختلفة عن أهداف شقيقتها اللبنانية، وصولاً إلى أسباب عديدة
أخرى.
ولكن، ووفقاً للمقولة الفلسفية، بأن الظواهر
لا تأتي من فراغ، فإن المقاومتين مرتبطتان بشكل أو بآخر بتجارب كل حركات
المقاومة التي سبقتهما، وبخاصة في العصر الحديث، الذي شهد انتصار حركات مقاومة
عديدة على صعيد آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، حركات تحرر وطني، مرّ البعض
منها بإخفاقات كبيرة في بعض مراحلها، ثم استطاعت أن تستفيد من أخطائها ومن
تجارب الآخرين، حيث وصلت في نهاية المطاف إلى شاطئ الانتصار وطرد المحتل وتحقيق
أهدافها.
من جانب آخر، فإن العدو الذي تواجهه كلٌ من
المقاومتين لا تقتصر أخطاره وأهدافه الإستراتيجية على فلسطين أو لبنان (بغض
النظر عن الاختلاف لما يريده من أهداف في كلٍّ منهما) وإنما على كافة الدول
العربية والمنطقة عموماً، رغم الانتقال في وسائل تحقيق هذه الأهداف بفعل
متغيرات العصر وحقائقه الجديدة والقوى المتحكمة فيه، من وسائل السيطرة العسكرية
المباشرة وتحقيق الحلم بإنشاء إسرائيل الكبرى، إلى أخرى من خلال تحقيق الهيمنة
الاقتصادية.
ثم إن القطع النهائي بين المقاومتين يصب في
نهاية المطاف في مجرى الاعتراف بتقسيمات سايكس بيكو، والتي كانت قبلها كل من
فلسطين ولبنان تتبع إلى المنطقة الجغرافية الواحدة المعروفة ب(بلاد الشام) وما
يعنيه ذلك من قضايا كثيرة مشتركة بين الشعبين الفلسطيني واللبناني، هي أقرب إلى
(الوحدة المشتركة) منها إلى أية أسس اختلافية.
بالتالي، فإن مشروعية المقارنة بين
المقاومتين: الفلسطينية واللبنانية هي مسألة موضوعية وصحيحة وعلمية وممكنة، على
طريقة استفادة كلٍّ منهما من تجربة المقاومة الأخرى.
التقييم المختلف للنصر
الذي حققه حزب الله
قد تختلف التقييمات بالنسبة لنتائج العدوان
الإسرائيلي على لبنان، ما بين اعتبارها نصراً مؤزرّاً للحزب، واعتبارها هزيمة
مدويّة له، انسجاماً مع الآراء المختلفة إزاء اعتبار (من هو المتسبب في اقتراف
الحرب؟) فالكثير من وجهات النظر تحمّل (حزب الله بعملية أسره للجنديين)
المسؤولية المباشرة في الحرب التي شنتها إسرائيل على البلد العربي وتدمير
الكثير من منشآته واقتراف المجازر بحق مواطنيه، بعيداً عن وجود خطة مبيتة
للقضاء على بؤرة المقاومة التي يشكلها، وبعيداً عن عدوانية إسرائيل الدائمة
والمتواصلة.
كذلك الأمر، هو اتهام الحزب بأنه يخوض حرباً
بالنيابة عن إيران أو عن سوريا... إلى غير ذلك من وجهات النظر المشابهة.
بالطبع، فإن أصحاب هذه الآراء لا يمكن أن
يعترفوا بالنصر الذي حققته المقاومة اللبنانية.
... غير أن أصحاب هذه الآراء المغرقة في
سوداويتها والمنطلقة من مصالح وتوجهات سياسية منسجمة في تقريب مقاطع الكلمة مع
ما يريده الجانب الأميركي للبنان وللمنطقة عموماً، لن يستطيعوا إنكار الحقائق
التالية، والتي تتلخص في:
استطاعة الحزب الوقوف نداً لإسرائيل لفترة
تتجاوز الشهر، رغم الفارق الهائل في الإمكانيات التسليحية بين الجانبين، ورغم
تميز إسرائيل في امتلاك الطائرات المقاتلة الحديثة الصنع والدبابات العملاقة
والسفن البحرية العسكرية، وأحدث أنواع الأسلحة في الترسانة الأميركية من قنابل
ذكية وفوسفورية وفراغية وعنقودية (وهي محّرمة الاستعمال دولياً) والتي جرى
تزويد إسرائيل بآخر الأشكال المطوّرة منها أثناء القتال، ووصول المقاومة إلى
حالة كبيرة من توازن الردع مع الجانب الإسرائيلي بتهديد عاصمته.
إنها المرّة الأولى في الصراع العربي
الإسرائيلي، التي تتمكن فيها حركة مقاومة في بلد عربي يعتبر صغيراً، من الوصول
إلى هذا المستوى القتالي في مواجهة إسرائيل، وإلحاق الأذى بها في مستعمراتها
ومدنها وقراها واقتصادها وبعض مصانعها ومؤسساتها الأخرى، وإجبار حوالى مليون من
سكانها على المبيت في الملاجئ.
لقد كان لافتاً للنظر كذلك أن الحيوية التي
تمتع بها حزب الله في الأيام الأخيرة من القتال، كانت بنفس المستوى الذي تميزت
به في الأيام الأولى.
إن المظاهر التي تم الحديث عنها، تنم عن
استعداد مسبق، وتخطيط عسكري وسياسي سليم، ودقة كبيرة في تنفيذ المهام، وعدم
الظهور على سطح الأرض إلا في أوقات معينة إن بالنسبة للمقاتلين (الذين لم يكن
يراهم أحد)، أو بالنسبة لمنصات إطلاق الصواريخ، التي فشل العدو تماماً في تدمير
حتى ولو جزء صغير منها، إنها أيضاً السرعة الهائلة في الحركة وفي استخدام
الأنفاق الكثيرة التي ربطت بين كل مواقع الحزب والتي جرى إنشاؤها مسبقاً. تجربة
المقاومة أضافت أشياء كثيرة إلى العلم العسكري الحديث.
إن النظرة إلى نتائج المواجهة بين المقاومة
والأعداء، يتوجب أن تنطلق أيضاً من الإحساس بالكرامة الوطنية، الذي ارتفعت
وتائره عالياً لدى الإنسان العربي في كل مواقعه بعد المواجهات.
ومن جملة المتغيرات الإستراتيجية التي فرضها
قتال المقاومة وتداعيات ذلك ليس على صعيد لبنان، وإنما على المنطقة العربية
والساحة الدولية أيضاً آنياً ومستقبلاً، الجيش الإسرائيلي هو جيش يُهزم ويقهر
(بعد أن كان سائداً أنه الجيش الذي لا يقهر)، والمقاتل العربي المسلح بالإرادة
والقرار السياسي بالقتال وبوسائل بسيطة مقارنة مع ما يمتلكه العدو قادر على
اجتراح المعجزات، ولقد فوجئ الجيش الإسرائيلي بالكفاءة القتالية العالية التي
يتمتع بها مقاتلو المقاومة، ومستوى تدريبهم، ونوعية الأسلحة التي يمتلكونها.
إن النظرة إلى النتائج يتوجب أن تُرى أيضاً
من خلال ما أحدثته المقاومة من تداعيات في الشارع الإسرائيلي على صعيديه:
السياسي والعسكري... لذلك من الطبيعي القول، أن معركة المواجهة الأخيرة لمقاتلي
المقاومة قد أسست لمرحلة جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي، وأن مرحلة ما قبل
المواجهة، هي مرحلة مختلفة تماماً عمّا بعدها.
بمثل هذه البانوراما الواسعة يتوجب النظر إلى
نتائج ما حصل من مواجهة. كذلك يتوجب النظر أيضاً من أن إسرائيل فشلت تماماً في
تحقيق أيٍ من أهدافها العدوانية على لبنان. مجمل القول، أن المقاومة اللبنانية
سجلّت انتصاراً كبيراً في معركة المواجهة مع إسرائيل في عام ,2006 مما يعزز
انتصارها الأول الذي اجترحته في عام .2000
بعض أسس الانتصار وتطبيقاتها
في المقاومتين اللبنانية والفلسطينية
مثلما أن المقاومة تتخذ معنىً عريضاً: من
مقاومة الاحتلال إلى رد الظلم الداخلي القائم في مطلق دولة، فإن أشكالها تتعدد
أيضاً من مقاومة الاحتلال بالسلاح وطرق نضالية عديدة أخرى، وصولاً إلى الإضراب
الذي تنظمه فئات جماهيرية من أجل تحقيق مطالب حياتية معينة في دولة من الدول.
ما سنركز عليه في هذا البحث هو موضوع (مقاومة
المحتل) وليست الأشكال الأخرى من المقاومة.
مقاومة المحتل هي قضية مشروعة على مدى
التاريخ، وهي تدخل في فئة المعارك العادلة التي تخوضها الشعوب المحتلة ضد
أعدائها، الذين فرضوا على هذه الشعوب معاركهم الظالمة من خلال احتلالها
والسيطرة عليها وعلى مقدراتها، وهي أولاً وأخيراً رد فعل على واقع الاحتلال
نفسه.
يقول القائد الكوبي الشهير: خوسيه مارتيه، من
الجريمة افتعال معركة، ولكن من العار والجبن أن تهرب من معركة مفروضة عليك،
لذا، فإن المقاومة هي رد فعل مفروض، وهي مشرّعة دولياً وفق قوانين الأمم
المتحدة، عبر منظومة حقوق تمارسها الشعوب الواقعة تحت الاحتلال، بما في ذلك
الحق في استخدام الكفاح المسلح في معاركها.
مقاومة الشعوب ضد الاحتلال تتم من خلال حركات
مقاومة تنشأ في أوساط هذه الشعوب، وتبدأ في ممارسة نضالها ضد قوات الاحتلال، أي
أنها تخوض مواجهتها وفقاً لقوانين الحرب الشعبية، بعيداً عن قوانين الجيوش
المسلّحة والتابعة لدول مستقلة. بالتالي فإن لها قواعدها المختلفة تماماً عن
قواعد الحرب التي تقوم بها الجيوش.
الأهداف الإستراتيجية للحركة المقاومة
من دون تحديد الأهداف الإستراتيجية للنضال
الوطني، فإن هذا النضال يبقى مائعاً ومعرضاً لانتكاسات خطيرة تلحق به أفدح
الضرر.
والأهداف الإستراتيجية هي الأسس الهادية
للكفاح الوطني، ومن دون الإيمان العقيدي بها من قبل الحركة المقاومة، واعتناقها
من قبل الجماهير الشعبية السند الرئيسي للحركة، فإن الخلل سيفرض نفسه في
الانحراف عن النضال، ولذلك فإن السياسات التكتيكية التي تمارسها الحركة
المقاومة يجب أن تصّب في النهاية في خدمة هذه الأهداف، وليس في مجرى النقيض
لها.
كما أن تحديد الأهداف بالمعنى الإستراتيجي،
لا يتعارض مطلقاً مع تحديد شعارات مركزية يتمحور حولها النضال في هذه الفترة
الزمنية أو تلك، باعتبارها مهمات ملحة التحقيق آنياً على طريق الوصول إلى
الأهداف النهائية للنضال.
على صعيد الأهداف الإستراتيجية، حددتها
المقاومة اللبنانية بتحرير كل الأراضي اللبنانية المحتلة إسرائيلياً، وتحرير
الأسرى اللبنانيين من سجون العدو الصهيوني. ومارست سياساتها ضمن هذه الأسس، غير
المختلف عليها من كافة ألوان الطيف السياسي اللبناني، والتي تلاقي إجماعاً
وطنياً من الجماهير اللبنانية.
غير أن ذلك لا يمنع القول: أن لحزب الله
(عماد المقاومة اللبنانية) رؤيته الإستراتيجية في ضرورة إزالة الكيان الصهيوني
من فلسطين، كرأس جسر متقدم للمخططات الاستعمارية في المنطقة، إضافة إلى ما
يمارسه من عدوان متواصل ملازم لوجوده على الأمة العربية. ويؤمن الحزب أيضاً ومن
منطلقات متعددة، بعدم إمكانية التعايش العربي والإسلامي مع دولة إسرائيل، ولهذا
فهو ضد عقد أية معاهدات أو إقامة أية علاقات معها (وكافة الاتصالات التي جرت
بين الجانبين من أجل عقد صفقات لتبادل الأسرى، أو للاتفاق على تفاهمات حول
الشأن العسكري، كانت تتم عبر طرف ثالث هو الوسطاء).
الحزب لا يضع تحرير فلسطين على أجندته كمهمة
مباشرة له، عليه القيام بها والنضال من أجل تحقيقها، ولكنه يؤمن إيماناً قطعياً
بضرورة مساندة المقاومة الفلسطينية (وبخاصة القوى المشاركة معه في رؤاه
الإستراتيجية) وتقديم كافة أشكال الدعم الممكنة لها.
وعلى هذا الأساس، إن لبنانياً، أو فلسطينياً
أو عربياً، فإن الحزب يمارس سياساته ويقيم علاقاته التحالفية في تَوَاؤم كامل
مع منطلقاته الإستراتيجية، ومن الصعب تسجيل ثغرة عليه في هذا المجال.
فلسطينياً، ورغم تعدد فصائل النضال الوطني
الفلسطيني، فإنها جميعاً وفي بداية انطلاقاتها، التزمت بالميثاق الوطني (المقرّ
في دورات المجلس الوطني لمنظمة التحرير) وفي أدبياتها التنظيمية، بتحرير كامل
التراب الفلسطيني (كل فلسطين) كهدف استراتيجي لها، وإنشاء دولة فلسطين
الديموقراطية التي يتعايش فيها الفلسطينيون (مسلمون ومسيحيون ويهود من أصل
فلسطيني) دولة مستقبلية ذات أبعاد وانتماءات قومية عربية، وحددت أن الطريق
الوحيد لإنجاز هذه المهمة هو الكفاح المسلح من خلال حرب التحرير الشعبية
الطويلة الأمد.
استراتيجياً، فقد رفضت أيضاً تنظيمات
المقاومة قرار التقسيم، والقرار (242)، وكافة المحاولات الرامية لإنشاء كيان
فلسطيني مزيف، وكافة المبادرات التي تهدف إلى الانتقاص من الحقوق الوطنية.
وحول البعد العربي في النضال، حددت الفصائل
وأكدت على التلاحم الفلسطيني العربي في النضال من أجل التحرير وأن الوحدة هي
طريق التحرير.
نقطة التحول الإستراتيجي البارزة في الأهداف
الفلسطينية تمثلت في البرنامج المرحلي (برنامج النقاط العشر) الذي أقرته
(الدورة الثانية عشرة) للمجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة عام ,1974 فقد احتوى
البرنامج السياسي الجديد على: النضال بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح،
وكذلك إقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة على كل جزء من الأرض يتم تحريره...
لمتابعة تحقيق استراتيجية م. ت. ف في إقامة الدولة الفلسطينية الديموقراطية
المنصوص عليها في قرارات المجالس الوطنية السابقة.
جدير ذكره، أن البرنامج المرحلي جاء بعد صدور
قرار مجلس الأمن الدولي (إثر حرب تشرين) والذي يدعو إلى عقد مؤتمر دولي للسلام
في الشرق الأوسط.
تمثلت مواقف الفصائل الفلسطينية من البرنامج
المرحلي في تيارات ثلاثة، الموافق عليه، والمتحفظ الذي ارتأى فيه موقفاً
اعتراضياً على المبادرات التي تستهدف القضية، والرافض له.
وعلى الرغم من رفض البرنامج السياسي للمنظمة
(في الدورة الرابعة عشرة) اتفاقيات كمب ديفيد ومشروع الحكم الذاتي في الوطن
المحتل، إلا أنّها أكدّت على قرارات الأمم المتحدة حول الحقوق الفلسطينية في
العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة.
وفي عام 1988 وفي دورة المجلس الوطني
(التاسعة عشرة) جرى خرقان كبيران جديدان للميثاق الوطني أولهما: إعلان
الاستقلال، والثاني، ما سمي بالمبادرة الفلسطينية للسلام.
ومن ثم توالت الخروقات الإستراتيجية لبنود
الميثاق، إن بحضور مؤتمر مدريد للسلام، أو بتوقيع اتفاقيات اوسلو وما تلاها من
اتفاقيات وخطوات أبرزها: قيام السلطة الفلسطينية، وصولاً إلى تعديل كل مواد
بنود الميثاق التي تتعارض مع نصوص الاتفاقيات، وتحديداً حول إلغاء الكفاح
المسلح (عملياً كافة البنود) في الدورة (الحادية والعشرين) للمجلس في غزة عام
,1996 ومن ثم إلغاء الميثاق.
في هذا المجال من الضروري القول: إن
التنظيمات الفلسطينية المعارضة لهذا الخط الانحداري في استراتيجية الحقوق
الوطنية، لجأت إلى تشكيل صيغ متعددة رداً على الاتجاه السائد في الساحة
الفلسطينية، فمن جبهة الرفض إلى التحالف الديموقراطي وإلى صيغة المنظمات العشر
وغيرها من الأشكال الاحتجاجية.
هذا التدرج الانحداري في فهم الأهداف
الاستراتيجية للحقوق الفلسطينية انعكس في سياسات منتهجة، أبعد ما تكون عن الخط
السياسي السليم، الذي لم يصب لا في خدمة الأهداف الاستراتيجية السابقة، ولا في
خدمة الحل المرحلي لاحقاً.
أيضاً، فإن هذه المتغيرات الاستراتيجية لم
تكن مبنيّة على متغيرات حصلت في استراتيجية العدو، ولذلك فقد مثلت خسارة كبيرة
للقضية الفلسطينية في ظل ثبات استراتيجي إسرائيلي بالنسبة للحقوق الفلسطينية،
والتي يراها من خلال ممارسة حكم ذاتي على الشؤون الحياتية للسكان، بعيداً عن
أية مظاهر سيادية لأية سلطة فلسطينية متشكلة... لا على الأرض ولا على البحر ولا
على الأجواء والمياه والمعابر، في ظل لاءات إسرائيلية صريحة وواضحة لحق العودة،
وللانسحاب من القدس الشرقية، ولسحب المستوطنات من الضفة الغربية التي ستُضم إلى
إسرائيل، ومع التواجد العسكري الإسرائيلي في غور الأردن... وهي قواسم مشتركة
بين اليمين واليسار الإسرائيلي.
(?) كاتب فلسطيني