مجتمع مدني هش ومشتت لمصلحة من؟

مها جديد

• نوهت المفوضية السامية المساعدة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالمعاملة الإنسانية والأخوية التي لقيها المهجرون اللبنانيون في سورية.

•المواطنون السوريون يقدمون 100 طن من المساعدات يومياً لإيصالها إلى لبنان.

• مصادر الهلال الأحمر السوري تشير إلى أن جميع المساعدات مقدمة من تجار و رجال أعمال ومواطنين عاديين ومن بعض الجمعيات الخيرية والإنسانية، هذه المساعدات تشمل كل شيء بدءاً من الأغذية والأدوية والأغطية إلى الألبسة وحتى ألعاب الأطفال.

• أكثر من 65% من المهجرين اللبنانيين تمت استضافتهم في المنازل (مصادر الهلال الأحمر).

• رئيس بلدية عرطوز(ريف دمشق): ليس عندنا أحد من المهجرين اللبنانيين في المدارس، جميع الوافدين أكثر من (800) يعيشون في بيوت أهالي المنطقة.

• السوريون يلبون حملة تبرعات بالدم شملت جميع المحافظات لمصلحة الجرحى والمصابين من الشعب اللبناني والمقاومين للاحتلال الإسرائيلي.

• مجاناً للأخوة اللبنانيين، لوحات وضعها العديد من سائقي الأجرة السوريين وبعض أصحاب المطاعم على واجهات محلاتهم.

• مئات المئات من الشباب والشابات تطوعوا لتقديم أعمال الإغاثة الإنسانية للمهجرين.

إذاً هاهو المجتمع المدني(البعض يفضل أن نقول الأهلي) يعبّر ربما للمرة الأولى عن حيوية وديناميكية فائقة كسرت صفة الركود والنمطية والهامشية واللاانتماء واللامسؤولية التي يتهم بها الجيل الشاب في سورية.

إذاً يمكن التكلم عن ظاهرة جميلة وملفتة رافقت أبشع عدوان شنته "إسرائيل"، ظاهرة تجاوز فيها المجتمع المدني السوري تذرره وهامشيته وأدى دوره بشكل منسجم مع شعوره اللامحدود بدعم المقاومة، متجاوزاً عاماً كاملاً من التوتر والشحن المتبادل بين شعبي البلدين ساهم فيه الجميع على أكمل وجه، ومتجاوزاً الشحن المذهبي الذي رافق الاحتلال الاميركي للعراق،وأبواق المروجين للكيانات الطائفية ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد، فـ (الروافضة) اليوم ليسوا ضيوفاً بل هم أهل الدار(65% منهم استضيف في البيوت)،والسوريون يشعرون أن ما يؤدونه هو (أضعف الإيمان) تجاه أسر المقاومين وضحايا العدوان.

واليوم وبعد عودة المهجرين اللبنانيين،وعودة السوريين لسباتهم لا بأس من تسليط الضوء على بعض الظواهر التي رافقت أعمال الإغاثة :

1.الغياب التام لفكرة إدارة الأزمة:وذلك بغض النظر عن الدعم اللامحدود والشعور بالتعاطف،لإن غياب وجود خلية إدارة أزمة جعل العمل يقتصر على تقديم الإغاثة الإنسانية،إذ لم يرتق العمل في معظم مراكز الاغاثة لتنظيم الأهالي المهجرين وتفعيل دورهم وإشراكهم في أعمال الإغاثة،وذلك بهدف جعل المهجر متطوعاً،مع غياب تام لفرق الدعم النفسي والاجتماعي وخاصة للأطفال،رغم توفر الآلاف من خريجي كليات التربية والاجتماع وعلم النفس،إذ لم يلحظ وجود جهات تابعة للدولة أو للحزب أو مبادرات فردية(ربما لأنها تحتاج إلى أذن أمني) تقوم بدراسة وتعبئة استمارات نفسية واجتماعية بغية دراستها ووضع نتائجها في خدمة الطلاب والكليات ومراكز الأبحاث وهيئات الدفاع المدني.

2. لوحظ غياب الدعم من قبل الهلال الأحمر وغيره من الهيئات الدولية للأسر التي تمت استضافتها في البيوت،وهنا كان الدور الأكبر للمتطوعين والمتطوعات المدنيين الذين سدوا هذا النقص و أدوا دوراً كبيراً لا يقل عن دور أية جمعية خيرية.

3.عدم وجود منسقين من قبل الهلال الأحمر بين مراكز الإغاثة، والذين كان بإمكانهم الاستفادة من مئات المتطوعين الذين سجلوا أسماءهم لدى الهلال الأحمر ولم يتم الاستعانة بهم أبداً،وكان من الممكن الاستفادة منهم كعناصر ربط بين المراكز وذلك لحسن توزيع وتبادل مواد الإغاثة.

4.وجود نزعة احتكارية لطريقة العمل لدى القيمين على بعض مراكز الإغاثة، وخاصة من قبل بعض اللجان الحزبية، أو أفراد بعض الجمعيات الخيرية خاصة الجديدة منها على العمل، والتي لم تشجع بعض المتطوعين المدنيين بل قامت بطردهم.

في المقابل تجاوزت المشرفات من الجمعيات الخيرية ذات الطابع الديني المشرفة على إدارة بعض مراكز الإغاثة اختلافات المظهر الخارجي،والانتماء الفكري والمذهبي لدى بعض المتطوعات المدنيات،وأدت الثقة التي تولدت بين الطرفين إلى سد ثغرة الربط بين المراكز،والتزويد الفوري للمراكز الجديدة بمستلزمات الإغاثة الأساسية.

وهذا يدل على أن العمل العام والتطوعي يساعد الجميع في كسر الأفكار المسبقة والصور النمطية ويعزز ثقافة الاختلاف.

5.جمود ونمطية الأداء الإعلامي والصحافي، والتي تظهر أهميتها البالغة في مثل هذه الأزمات، وهنا يكفي للدلالة أن نشير أن "إسرائيل" قامت بتكليف 5000 متطوع للعمل على الانترنت خلال العدوان للتواصل مع الرأي العام الخارجي وإظهار وجهة النظر السياسية الخاصة بالحملة العسكرية الإسرائيلية.

بينما رافق العدوان عندنا ظهور إعلانات طرقية تخاطب الرأي العام السوري تظهر فيها صوراً فظيعة لضحايا العدوان وتتساءل إلى متى، وكأن المخاطب هو شخص من عالم آخر، بينما كان يجب تكثيف الحملات من أجل تجذير فكرة المقاطعة الشعبية لمنتجات الشركات الداعمة للاحتلال الصهيوني،وعدم اقتصارها على المناسبات أو استغلال مشاعر الجماهير عاطفياً وتوجيهها إلى الهدف الخطأ بمقاطعة المنتجات الدانمركية كما حدث بسبب الرسوم الكاريكتورية ،والتأكيد على دعم المنتجات المحلية كمنتجات بديلة خاصة بعد الدور الكبير الذي لعبه الصناعيون والتجار السوريون في دعم عمليات الإغاثة.

6. تغيبت عن المشاركة الكثير من الجمعيات النسائية التي أعلنت عن نفسها في الفترة الأخيرة عن أعمال الإغاثة علماً أن أولى ضحايا الحروب هم الأطفال والنساء.

وأخيراً نقول إن العمل الشعبي والجماهيري لايمكن أن يؤدي مفعوله إذا كان عشوائياً،أو نشأ نتيجة رد فعل تأثراً بمجرى الأحداث،بل يجب تفعيله ضمن إطارات متنوعة تحترم الاختلاف وترفض النمطية و احتكار العمل العام،وتعزز ثقافة الديمقراطية والتنوع والشفافية بدءاً من المدرسة والجامعة والنقابة والمعمل والبلديات ،وانتهاء بالمطالبة الدائمة والضغط على الحكومة لإعطاء تراخيص ليس فقط للجمعيات الخيرية والدينية ضمن مفهوم (الجمعيات الأهلية) التي لا تتسع أطرها إلا للعلاقات الضيقة من دينية ومذهبية ومناطقية،وتكتفي بعمل الإحسان دون أي دور تنموي.

وإنما أيضاً لهيئات مدنية مستقلة تحت غطاء القانون تسهم بترسيخ مفهوم المواطنة التي هي المشاركة بوعي في الشؤون العامة، مواطن يشعر بعمق بحقوقه و واجباته في الفضاء الاجتماعي والثقافي والسياسي، ولا يبخل بأداء واجباته تجاه وطنه و مجتمعه.