الاعلام السوري: ديكور السلطة الفاسد

مصطفى علوش

 

 

حرب الإعلام إذاً، لكنها قبل كل شيء حرب الواقع الذي يحصل على الأرض، حتى اللحظة هناك من يعيش في الثمانينيات ولايريد أن يصدق أن العالم تغير، تغير كثيراً، هناك من يعتقد أن الكذب وسيلة مجربة لتحقيق النجاح والضحك على الناس، الكل يرجم في الإعلام.
الكل يتحدث عن الإعلام الصادق والإعلام الكاذب وهناك من يبتكر نظريات إعلامية جديدة، وهناك من يريد أن يقول لنا حبذا لو تشاهدون الشمس من هذه النافذة المغلقة، ورغم كل مايحصل في الواقع اليومي، هناك من يريد أن يلعب دور شيخ القبيلة، أو شيخ العشيرة رغم أنه لايعرف الفرق بين الدال والذال، والجدل مستمر ليلاً نهاراً فقط، والغيم الإعلامي يمطر علينا نحن الذين لم نتعود بعد أن العالم قد انفتح إلى درجة مخيفة.
وبعد لابد قبل كل شيء أن نقول أن الجسم الإعلامي المحلي ليس بخير، كل الإعلام المحلي بخاصه وعامه، فالفساد الذي أصاب الإعلاميين هو جزء من الفساد العام، فهذا الموظف (الصحافي) صار يقبض من رؤساء البلديات رواتب شهرية مقابل سكوته، وذاك صار ينجز تحقيقه ويذهب في آخر المشوار إلى المدير العام ليبيع تحقيقه بكمشة مال، لا يلتقي إعلاميان في سورية إلا ويتحدثان عن فساد الإعلاميين والإعلاميات، وهناك من تحول إلى ناطق رسمي لهذه الوزارة أو تلك خاصة بعد أن أغرق الفم بالمال، وكثر الحراس في الجسم الإعلامي، كأنه لايكفي قانون العقوبات الإعلامي، فرئيس التحرير لايريد أن يزعج رئيس الحكومة، وأمين التحريرلايريد أن يزعج الوزير، ومدير التحرير تعرف البارحة على أحد الوزراء ويريد تأمين وظيفة لابنته، وإذا تركنا الفساد المعلن جانباً هناك من سكت بسبب كثرة المهمات الخارجية فصار همه تأمين سفرات جديدة قبل أن يعود للبلاد ،ويبدو أن هذا النموذج المسافر قد صار عدده كبيراً، وأهم نوع ،ذاك النوع المخادع الذي يقدم لك نصف معلومة، إنه غسيل دماغ في زمن لم يعد غسيل الدماغ وارداً أو ممكناً، وتدور الدائرة كل يوم، ولسان حال الصحفي (شو بدي) مع أن شغله الأساسي هو مع مشاكل الحياة، مع النصف الفارغ الذي ابتلعته السلطات وابتلعت معه الكأس أيضاً، وأخطر أنواع الصحفيين هو ذاك الصحفي المقاول، الصحفي الذي يسهر مع (الشباب) في الليل ويشتم الحكومة في النهار، فقط الحكومة، هذا الصحافي لم يعد يشعر بشوارع الحجر الأسود ولا بشوارع جرمانا، ولم يعد يشعر بقيمة الراتب الشهري لموظف يريد العيش بكرامة، وتربع على الدوائر الإعلامية عدد من الموظفين الذين ينتظرون (تنك) الزيت من المراسلين في المحافظات، وفي المحافظات صار الهم الأكبر لأي مراسل أن يتعرف على المحافظ أو مدير مكتبه.
وأمام هذا الحال الإعلامي ضاعت الحقيقة، مع العلم أن كمية التنظير لدى الشريحة الفاسدة من الإعلاميين لا يمكن لمقياس ريختر أن يقيسها، تنظير غايته الاحتماء الآني وإراحة الضمير الميت من أية محاسبة.
وصارت الحقيقة الواحدة التي يعيشها الناس مجموعة أكاذيب على لسان إعلاميين كل همهم أن يسهروا مع المسؤول الفلاني أو المسؤول الفلاني، إعلاميون وإعلاميات بات همهم الأكبر مقدار الغلة السنوية، وفي هذه الأجواء المسمومة، ماذا يمكن أن يفعل صحفي جريء أمام رئيس تحريره في اجتماع سنوي، ما دام هذا الصحافي يعرف مسبقاً أنه خاسر سلفاً وبالضربة القاضية أمام هذا المسؤول الذي صار رئيس تحرير، من يحمي الصحفي الذي لا ينتمي لأي حزب، ولا ينتمي لأي قبيلة ولايعرف استخدام سلاح الفساد، وطبعاً الصمت ليس حلاً، فالطوفان الإعلامي وصل إلينا ولم يعد ينفعنا الإدعاء بأننا نماك خصوصية.
نسينا أن نتحدث عن مهرجي الصحافة من الذين يكتبون في السياسة، كما يكتبون عن الصرف الصحي، ولا مانع لديهم أن يتحدثوا عن فوائد البصل الأخضر والثوم، وهناك من حجزت له زوايا أبدية في الصفحات الأخيرة فقط لأنه يجيد النفاق على كل الجبهات.
وكارثة الكوارث هي في تلك المطابخ التي تصنع قرارات الإدارات الإعلامية، ترى هل هي مطابخ مفتوحة، أم أنها مطابخ تشبه الحمامات.
وأخطر أنواع الإعلاميين ذاك الصنف المخبر، الذي يبحث عن صيد هنا وصيد هناك، إعلاميون يشتمون الحكومة أمام الجميع ويقبضون من الحكومة ذاتها ثمن شتائمهم، وطبعاً هذه المذيعة هي الأصلح لتكون مراسلة هذه المحطة، لأنها جميلة ومدعومة، وذاك الصحفي يملك موقعاً إعلامياً ويشتغل على القطعة، ومستعد دائماً لشتم وزارة الإعلام لأنه يريد إخافتها دائماً، كما أنه مستعد لشتم أعداء سياسيين من مختلف الأصناف، والغريب أنه يمضي أيامه مسافراً مع وفود رسمية كبيرة.
ترى هل نمضي في تعرية الذات الإعلامية المنخورة؟ أم أن التوقف هو الأسلم حتى لا نوهن عزيمة الأمة؟
هل نختم بالحديث عن ذاك الصنف المصفق الذي يصفق في الليل والنهار، وقد يوصله تصفيقه إلى مواقع متقدمة في الإعلام وغيره، والكارثة أن كل هؤلاء يتحدثون عن حقيقة.
المؤكد أن هناك من يعرف أيضاً أن محرك الإعلام السوري هو السلطة التنفيذية التي تراه جزءاً من ديكورها العام، سلطة تنفيذية تعتقد أنها تصرف عليه من مالها الحلال، لذلك عليه فقط مدحها أو ملاعبتها بنقد سطحي يضحك ولايبكي، وتمر الأيام.
ومازال هذا الإعلام يمشي برجل واحدة، يقفز من حفرة إلى حفرة، من رصيف إلى رصيف، وكل همه النجاة، والإفلات من عقاب السلطات، كل السلطات، والغريب أن بعض الإعلاميين الذين تربوا على الدوام من الثامنة إلى الثانية ظهراً يتحدث عن تحديات إعلامية ـ وقد يسافر من محافظة إلى محافظة حاملاً معه تلك المحاضرة التي تخص التحديات الإعلامية.
مرة قال غاندي: (لست أخاف إلا الذي يخاف) ومتى تحررنا من خوفنا يكون عندنا إعلام.
كاتب سوري
m3alouche@hotmail.com