لا تلوموا الاسد.. قد يكون هو ايضا ضحية! 
 

خضير بوقايلة

 

 

سؤال واحد نسيت الصحافية الأمريكية بربارة والترز طرحه على بشار الأسد خلال مقابلته الأخيرة له، (هل بإمكانك أن تدلنا على اسم الشخص الذي يحكم البلد فعلا؟). كان هذا يكفينا شر إضاعة حوالي ساعة من الوقت في الاستماع إلى أجوبة رجل لا يعلم ماذا يجري في بلده ولا يدرك خطورة الوضع الذي آلت إليه سورية، بل أكثر من ذلك ظل مصرا على الضحك أمام صحافية منعها الحياء وهول ما رأته هناك من مجرد الابتسام في وجه مضيفها. أقول مضيفها بتحفظ وأنا أعيد تمرير تلك اللقطة التي كانت فيها بربارة واقفة ورئيس سورية يقطع القاعة متوجها إليها وكان طيلة الأمتار الخمسة التي خطاها نحوها مادا يمناه لمصافحتها.
الخارجية الأمريكية علقت بعد بث المقابلة بالقول إن الرئيس بشار الأسد إما أنه منفصل عن الواقع أو به مس من الجنون، وقد اختارت صحافية شبكة آي بي سي الوصف الأول بناء على ما سمعته من الرجل. أما أنا فأرى أن الأسد ليس لا منفصلا عن الواقع ولا مجنونا، بل رجل غير مؤهل للمنصب الذي يشغله وهو ليس الوحيد في قائمة الحكام العرب على كل حال. تسعة أشهر من المظاهرات والاحتجاجات الدامية في معظم التراب السوري وآلاف القتلى وأضعاف ذلك من حالات انتهاك حقوق البشر التي تهز الحجر ورئيس البلد غارق في حالة غيبوبة لا تضاهي إلا حال ذلك الصبي الذي اقتضت بروتوكولات الإمبراطورية أن يتولى العرش وقد صبر على ذلك لحين انقضاء دقائق المراسم ثم عاد بعد ذلك إلى غرفته يلهو بلعبه ولا علم له بما يجري حوله. رئيس لا يدري أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة في بلده ولا يدري أنه مسؤول عن أمن البلد وسلامة جميع المواطنين وأن عليه أن يتدخل لوقف انتهاكات حقوق الإنسان وردع البوليس وأنصاره إذا ما بدرت عنهم أفعال غير قانونية معزولة أم منظمة. رئيس يرفض تصديق الصور والتقارير التي بثت عن الطفل المغدور حمزة الخطيب ويرد على ذلك بالقول إنه التقى والد الطفل وأكد له أن ابنه لم يتعرض للتعذيب، وليته أضاف أن ضيفه قال له إن حمزة سقط من ظهر حصان أو من جدار المدرسة أو من درج بيته وتوفي. رئيس لا تتحرك شعرة من رأسه وهو يسمع أن رساما كسرت أصابعه لأنه تجرأ ونشر رسوما ينتقد فيها سيادته، ولو سأل الصحافية عن اسم هذا الشخص لعلم أنه الكاريكاتوري علي فرزات الذي كان يوما ما محسوبا ضمن معارفه وأكيد أنه عندما يعرف ذلك سيطلب مقابلته وسيقول له هو أيضا إنه لم يتعرض إلى أي اعتداء بل قرر من تلقاء نفسه التوقف عن الرسم مختارا تلك الطريقة البشعة لتنفيذ قراره. رئيس يصر على أنه لم يسمع في حياته عن الفنان المفجوع صاحب الحنجرة المستأصلة إبراهيم القاشوش ولا يعرفه رغم كل ما كتب عنه ورغم كل الصور الفظيعة التي نشرت له وهو يتمرغ في دمائه، ألم يكن جديرا بفخامته أن يسأل عن حقيقة تلك الصور وتكون تلك فرصة للتعرف على الرجل وربما مقابلة أحد أفراد عائلته ليؤكد له أن ما يشاع عن الشهيد ليس إلا أكاذيب وأن حباله الصوتية انفجرت وقطعت حنجرته إثر نوبة شخير على سريره.
الرئيس الأسد استغرب كيف لصحافية أمريكية لا تعيش في سورية أن تتحدث عن فظاعات يعيشها الشعب السوري منذ تسعة أشهر على يد قوات الأمن والشبيحة بينما هو لا يعلم عنها شيئا، فلا مستشاروه ولا مساعدوه أطلعوه عليها ولا حتى أولاده الذين يتنقلون بين فيديوهات اليوتيوب (كما قال) أخبروه بشيء من هذا. لم تسأله الصحافية إن كان هو شخصيا يستعمل الإنترنت ويتابع مثل أولاده الصغار ما يجري في البلد أم له انشغالات أخرى. شخصيا اعتقدت لفترة قصيرة أن الرئيس الأسد لاه في أمور أخرى غير متابعة أخبار الفضائيات، فهو في كل مرة تسأله الصحافية سؤالا يرد عليها بسؤال آخر، ماذا جرى؟ أين؟ من؟ من قال لك ذلك؟ لكن لما رأيته يومئ برأسه وهي تحدثه عن صور الرئيس حسني مبارك وهو في السجن وعن اللقطات البشعة التي تخللت لحظات القبض على معمر القذافي وقبره أيقنت أن هناك خللا ما. كان الأجدر بالأسد أن يرد أنه لم ير تلك اللقطات وأنه لا يصدقها ويسأل ضيفته أو مضيفته كيف تصدق أشياء لم ترها بأم عينيها ثم يعطيها درسا آخر في التضليل الإعلامي وتزييف الوقائع قبل أن يضيف أنه تحدث قبل قليل إلى الرئيس مبارك وإلى القذافي وأكدا له بما لا يدع مجالا للشك أنهما لا يزالان في منصبيهما وأنهما لم يتعرضا إلى أي مكروه والدليل أنهما دعياه كلاهما إلى زيارتهما وقد قبل الدعوتين وسيلبيهما قريبا.
كنت أنوي الاتصال بأخ سوري مختص في الطب النفسي لأسأله عن تحليله لشخصية الرئيس بشار من خلال مقابلته التلفزيونية مع مراسلة شبكة الآي بي سي لكنني عدلت عن الأمر على اعتبار أن الأمر لا يتعلق بحالة مرضية بقدر ما هي صورة عبثية لرجل يعرف تماما من هو بينما العالم كله مخطئ في تقدير موضعه. فهو لا ينكر أنه رئيس لكنه يرفض أن يحمَّل وزرا آخر فوق ذلك، فهو رئيس وكفى، ليس مسؤولا عما يجري في البلد ولا يهمه من يقتل أو يعذب من أفراد شعبه ولا أي مصير ستؤول إليه البلاد في خضم أمواج العنف والظلم الذي يحيط بها. لا يهمه ما يقوله العالم كل العالم من حوله، بل كل ما يهمه هو رأي السوريين وصوتهم لكنه مع ذلك لا يرى حرجا في أن يعترف أن الغالبية العظمى من الشعب السوري ليست معه ولا تؤيده بل يكفيه أنها ليست ضده. رئيس حاول إقناع محاورته أن أباه الرئيس لم يكن حريصا في وصيته السياسية على أن يورّثه الحكم، بل يكاد يحلف أن والده لم يفاتحه أبدا في الموضوع وأنه لم يخبره يوما أنه يعده لتولي المنصب الذي هو فيه، بل كل ما جرى هو أن حزب البعث اختاره بعد موت والده من بين آلاف المناضلين وكبار رفقاء الرئيس الخالد ليكون هو وليس أحدا غيره رئيسا على سورية، وليته أخبرنا كيف أن الأمر كان مفاجئا له وكيف أنه وجد نفسه وهو المواطن أو لنقل الضابط العادي يجلس إلى جانب وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت من دون أن تكون له أية صفة سياسية تؤهله لذلك.
خلال حديث سريع مع صديق خبير في مسائل الحكم والديكتاتوريات كلمني عن عجز طغاة العهد الحديث عن تفعيل وسائل القمع التي أحسنوا هم أو آباؤهم استغلالها بفضل مساعدة فعالة من الاتحاد السوفياتي سابقا ومنها آلة التشويش التي كانوا يطلقونها لمنع مواطنيهم من التقاط موجات إذاعة (هنا لندن) عندما تبث أخبارا لا تسرهم، عندها قلت في نفسي لعل الرئيس بشار ضحية هذه التكنولوجيات السوفياتية، فأزلام نظامه الذين ورثهم مع نظام والده عندما عجزوا عن منع السوريين من التقاط وبث شهادات حية عن المناكر التي تجري في سورية وعندما عجزوا كما عجز نظام القذافي قبله عن التشويش على بث الفضائيات الإخبارية المزعجة قرروا أن يشوشوا على سيادة الرئيس نفسه ولعلهم أفلحوا في ذلك بحيث منعوه من رؤية الصورة كاملة حفاظا على راحته وعلى سلامة النظام واستمراره. عندما سئل خلال المقابلة التلفزيونية إن كان يرى نفسه مذنبا إزاء الجرائم التي تحصل وعندما قال إن علاقة بلده بهيئة الأمم المتحدة لا تتعدى علاقة طرفين يمارسان لعبة صبيانية لم يحرم الرئيس الأسد نفسه من إطلاق ضحكتين من ضحكاته المتميزة التي دأب عليها منذ أول خطاب له غداة اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سورية، حينها قلت لعل الضحكتين اللتين أطلقهما دليل على أنه فعلا معرض لموجة تشويش قوية المفعول.

' كاتب وصحافي جزائري
khoudir.bougaila@gmail.com