رسالة مفتوحة إلي سماحة السيد حسن نصر الله
مريد البرغوثي
سيدي،
أكتب لأشكرك، لا لأمدحك. أنت لا تحب المديح ولا تنتظره من أحد. وهذه وحدها تستحق أن
يفتتح بها الشكر. لكن معها من خصالك ما يفيض عن رسالة قصيرة كهذه. اريد أن اشكرك
علي ارتياح يغمرني حين أراك، ولا يجدر بي ذكر ما يصيبني عند رؤية كثيرين سواك أو
تسميتهم كي لا أجرح مقام مخاطبتك. أشكرك علي المتعة العقلية التي توفرها لي
دِقَّتُكَ حين تقف بين يدي هذه اللغة، وهدوءك عندما تتصرف داخل هذا التاريخ.
لا أقول إنك تتصرف معصوماً عن الخطأ الإنساني فذاك مما لا يرضاه سمعك ولا يرضاه
نطقي، وإنك يا سيدي قائد سياسي يصيب ويخطئ، لكن موقفك من مسألة الخطأ والصواب عندك،
هو موقفٌ صائبٌ دائماً لأنه صادق دائماً، وما أندر نموذجك هذا بين نماذج من عرفنا
من قادة فينا وحولنا، ولهذا أشكرك بعينين مفتوحتين، وظَهرٍ مستقيم، ودون لعثمة.
أشكرك لأنك علَّمت جيلاً يعاصرك أنه إن كان التذلل للعدو والشعور بالهوان أمامه
جزءاً من (موازين القوي) فإن (الشعورَ بالكرامة) جزءٌ من موازين القوي أيضاً.
أشكرك علي هدية قدمتَها لي وانتظرتُها منذ سنوات طويلة عندما سمعتك تقول ما تفسيره
عندي أن اللهَ قضايا الناس علي هذه الأرض، مَن حارَبَ في سبيلها حارَبَ في سبيله،
إنك في ظني أول من صاغها هكذا أو أوضح من فعل. فربطك بين تراب العروبة وسمائها لم
يتجسد هكذا إلا علي يديك ولم يكن مقنعاً إلا علي لسانك. إن كان لتاريخٍ جديدٍ أن
يبدأ في عالمنا العسير هذا فمن هنا سيبدأ، أغلب الظن أنه من هنا سيبدأ. أقصد عندما
يتعلم القوميّ والإسلاميّ أنهما مفردٌ لا مثنّي. أما داخل الخريطة اللبنانية فقد
حققت يا سيدي انعطافاً عفياً في الجدل الداخلي، إذ نراه الآن يتحول من اصطفاف طائفي
إلي اصطفاف سياسي، أي انه انتقل إلي جوهره حول الموقف من العدو علي ارض السياسة لا
الموقف من الأديان والمذاهب علي أساس اللاهوت، وهذه نقلة عظمي ستتجلي آثارها في
قادم الأيام.
أشكرك علي حداثتك أيها الشيخ الجليل، اتقنتها تماماً في العلوم العسكرية
والدبلوماسية وأمور التنظيم والإعلام والهندسة ونبرة الصوت وانتقاء المفردات عند
مخاطبة المواطن والحليف والعدو. أشكرك علي ما يصلني من رقتك حين تأتي علي ذكر الألم
الإنساني. أنا أصدِّق حديثك المتألم ولا أصدق حديث زعماء كثيرين عن الألم . أصدق
معاناتك معي ومع أهلي ولا أصدق حرصهم اللفظي علي رفعها، فكم بحجة رفع المعاناة عن
الشعب خسرت الشعوب تقريباً كل شيء، أو تنازل حاكمها تماماً عن كل شيء. كنت أسمع رفع
المعاناة هذه فأنتظر كارثة أكيدة، وكانت دائماً تقع. أشكرك لأنك (وحدك بينهم) تعترف
بصنيع مجموع الأفراد مهما صغر، وما أنا إلا فردٌ في أمة قد لا يكون له صنيعٌ غير
كتابة الشِّعر واحترام ما يقتضيه ذلك من كرامة الكلام واختيار كاتبه لموضع قلمه
وموضع خطاه، لكن خطاباً لك أشعرني أنني صاحب مساهمةٍ ولو ضئيلة في حدثٍ غيرِ ضئيل.
أريد أن أشكرك لأنني فلسطينيّ يعي أن ظل فلسطين مضمر في خلفية كل مشهد مر بنا
إيجاباً وسلباً، ولأنك قائد لبنانيّ بدأت العز بالعَرَقِ ولم ترثه بالميلاد. فحاربت
إسرائيل جولة بعد جولة بينما أدمن الوارثون محاربة بعضهم مرة بعد مرة. أشكر لمعة
عينيك إحساساً بالفقد الإنساني في كل جولة مع العدو، وفي هذه الجولة، وأكذِّبُ
الذين سكتوا عن كل موتنا السابق للثاني عشر من تموز (يوليو)، كأن الآلاف ممن فقدنا
جراء مذابح الغزاة الماضية لم يكونوا أهلنا وكأن بيوت طفولاتنا في الجنوب وغزة
والضفة سقطت بفعل النسيم. أريد أن أشكرك علي عدالة روحك حتي بشأن خصومك في لبنان
وخارجه، يكاد البعض منهم أن يطالبك بالاعتذار عن أنك تفديه وتحامي عنه، الاعتذار عن
شجاعة قلبك وخطاك، كم أنت جميل القلب واللسان حتي إزاء الذين يطالبونك بالاعتذار عن
جَمالك.
أريد ان اشكرك لأنك تجعلني أشعر وأنا أخاطبك الآن أنني اخاطب في الواقع كل مقاتل من
رجالك، وكل امرأة ساهمت معهم برفع أثقال الأفق والصبر والفولاذ، فقد تَكَوَّنوا كما
شئت لهم أن يكونوا، ولهم أختم بالقول يا أهل حزب الله، ظاهرين أو مستترين، أحياءَ
أو شهداء: تعرفون أنكم دائنون ولستم مدينين، فلا تعتذروا عن جَمالكم لأحد.
ہ شاعر فلسطيني