المعارضة السورية والمسألة الوطنية
معقل زهور عدي
ثمة أسئلة متعددة ما زالت بدون جواب حول أسباب عجز المعارضة السورية كي لا نستعمل
شماعة القمع ونرتاح.
من تلك الاسئلة: هل الغموض وعدم وضوح البدائل السياسية للمسائل الرئيسة التي يطرحها
الواقع الحي سبب من تلك الأسباب؟
نشأت المعارضة في صورتها الحالية كبذرة في رحم ربيع دمشق، ورغم اجهاض ذلك الربيع
فان ما تبقي منه، أعني ما أصر علي محاولة البقاء والتمدد هو ما أعطي للمعارضة
ملامحها الراهنة.
أفضل ما فيه كان دمج الفكر بالسياسة ونزول المثقفين لساحة الفعل السياسي، ذلك ما
أعطي المعارضة عمقا معرفيا وسمح بتأسيس العديد من المفاهيم السياسية التي بدأت تغزو
العقل السياسي السوري، وتخلق حقلا من الدلالات المعرفية انتشر من اطاره الأصلي
الضيق نحو الفضاء الثقافي - الفكري السوري حتي أصبح من السهل تتبع أثره في الصحافة
الرسمية التي يفترض ان تكون احدي قلاع الثقافة الشمولية.
لكن ذلك الانجاز لم يكن بدون ثمن علي ما يبدو، فدخول الثقافة للسياسة تسبب في ولادة
سياسة ثقافية تميل نحو ارجاع ما هو سياسي الي ما هو ثقافي لتتعامل معه في حقل
الثقافة قبل ان تعيده الي الحقل السياسي (ان فعلت) ذلك يعني حل الاشكالات السياسية
ثقافيا.
لكن حلا كهذا سيظل أعرج فالسياسة في النهاية سوقها أوسع من سوق المثقفين، وما لم
تتم صناعتها وفق متطلبات استهلاكها لن تعدو ان تكون ترفا مثل السيارات الرياضية
المكشوفة.
السياسة تتطلب الوضوح وبناء الاستراتيجية والتكتيك وتقديم البدائل والأجوبة للمسائل
المختلفة وفق الأرضية التي تطرح فوقها وليس عبر قلبها وتحويلها الي مسائل ثقافية أو
فلسفية وابقائها في هذا الحقل. أحد مظاهر ذلك الخلل خوف النخب المعارضة من الاهتمام
بما تطرحه التطورات والمتغيرات السياسية وحنينها المستمر للعودة للحقل الثقافي.
البعض أصبح يري في تناول القضية الوطنية منافسة للمسألة الديمقراطية ذارفا الدموع
حين بدأ يفتقد الخطاب التقليدي الثقافي ذا البعد الواحد، لقد بحث مليا في المسألة
الوطنية فلم يجد لها مفردات في ألواح الثقافة الديمقراطية.
هل ينبغي ان نقول للناس اما ان تكونوا وطنيين أو تكونوا ديمقراطيين؟
ذلك بالضبط ما يريده الاستبداد.
يعيدنا مثل ذلك الخطاب لاشكاليتين:
الأولي هي فهم وظيفة وحدود حقل الدلالات المعرفي الثقافي الديمقراطي ومكانته في
العقل السياسي السوري.
الثانية هي اخراج السياسة المعارضة من ان تكون ناتجا بسيطا لذلك الحقل، يمكن رد أي
جزء منها في أي وقت اليه علي طريقة الاستدلال بالنص.
من المفارقات أنه تحت وهج الحرب في لبنان وما أثارته من عواصف وجدت جمعيات مثل
جمعية حقوق الانسان نفسها مضطرة للخوض في المسألة الوطنية بينما يعمل بعض أطراف
المعارضة علي تحويل المعارضة السياسية ـ حسب ما هو مفترض ـ الي مجرد جمعية لحقوق
الانسان.
كيف يمكن للمرء ان يكون ديمقراطيا وهو يخاف من شعبه وينظر بحذر شديد للروح الوطنية
لحظة صعودها؟
الآن دعونا نطرح السؤال التالي:
هل هناك مسألة وطنية تتمثل باحتلال اسرائيل للجولان أم لا؟
اذا كان الجواب نعم فهناك سؤال آخر يطرح نفسه: هل يمكن للمعارضة الاستقالة من
المسألة الوطنية بمجرد القول ان حلها مؤجل لما بعد بناء الديمقراطية والتنمية.
كمعارضة سياسية تمثل مشروعا وطنيا ديمقراطيا متكاملا لا يمكن ابقاء المسألة الوطنية
خارج ذلك المشروع تحت اي ذريعة.
ثمة فارق بين القول ان تحرير الجولان يتطلب جبهة داخلية محصنة باعطاء الحريات للشعب
وازالة الاحتقانات ومحاربة الفساد ونحن نطالب بذلك كمقدمة لوضع استراتيجية وطنية
عقلانية يتم التوافق عليها لتحرير الجولان وبين التهرب من تحديد المسألة الوطنية
كمهمة راهنة وابقاء الغموض حول حقيقة الموقف منها. ويزداد الارتياب حين تهاجم ثقافة
المقاومة كثقافة (تعبوية تحريضية) لا تتماشي مع التقاليد (الديمقراطية).
فهل تتطلب التقاليد الديمقراطية ثقافة الهزيمة وقبول الاحتلال؟
ببساطة من ناحيتي أجد أن ثقافة المقاومة تتطلب الديمقراطية وحين تحتاج الأولي
للثانية ينتفي التناقض بينهما، بينما يحتاج الأمر للاستبداد لاقناع الشعوب العربية
بالتنازل عن حقوقها، ولا مانع من تجديد الاستبداد بلباس جديد، الم تقم الولايات
المتحدة بغزو العراق من أجل نشر الديمقراطية!
ہ كاتب من سورية