خواطر شاهد عيان حول مؤتمر المعارضة السورية الأخير في القاهرة 

 

 

                                                       محمود جديد 

 


 

        - لم نعلّق الآمال الكبيرة على النتائج التي يمكن أنْ تنجم عن مؤتمر القاهرة ، كما لم نعلّق الآمال على ما سبقته من مؤتمرات مشابهة والتي قاطعناها ، لأنّ معظمها مسبق الصنع ، فالجهة التي تموّل عقد مثل هذه المؤتمرات ، وتدعمها ، وتسوّقها  تبغي تحقيق نتائج سياسيّة صالحة للتوظيف على الصعيد العربي والإقليمي والدولي وفقاً لأجنداتها الخاصّة ، وكنّا نبغي من المشاركة أهدافاً أخرى تتركّز حول التواصل مع قوى وعناصر قادمة من الداخل السوري ، وللتفاعل مع بعض القوى والعناصر  الوطنية السورية المشاركة ....

حول المؤتمر : 

-------------

كما هو معروف فإنّ لجنة تحضيرية انبثقت عن مؤتمر استنبول الذي سبقه بأيّام قليلة ، ولم تحضره هيئة التنسيق الوطنية ، وقد أعدّت تلك اللجنة مشروع ورقتي عمل ، ثمّ خضعت لحوار معمّق في القاهرة بعد أنْ التحقتْ باللجنة  وشاركتْ فيها جميع الأطراف الأساسية ، وقد أُدخِلَت تعديلات وإضافات على الورقتين ، وكان من بينها اقتراح بتشكيل لجنة متابعة وتنسيق تنبثق عن المؤتمر من أجل متابعة تنفيذ قراراته حتى لا تبقى حبراً على ورق . وسأقتصر على ذكر ما هو ضروري وبشكل مختصر : 

- بعد الجلسة العلنية ، وانسحاب الوزراء والسفراء انعقدت الجلسة المغلقة الأولى ، واختارت رؤساء الجلسات المقرّة وفق جدول الأعمال ، وتمّ التوافق على السيد : عبد الحميد درويش ( من الأكراد )لرئاسة الجلسة الأولى ، والسيد : عبد المجيد منجونة لرئاسة الجلسة الثانية ( من هيئة التنسيق ) ، والسيّد : علي البيانوني ( من المجلس الوطني ) لرئاسة الجلسة الثالثة . 

كان الحضور بحدود ٢٦٠ مشارك ، وهذا العدد أكثر من العدد المخطّط له في الأصل ، حيث أشيع بأنّ المجلس المجلس الوطني استطاع إضافة خمسين اسماً كممثّلين عن هيئات وتشكيلات وجمعيّات في الخارج ومنها مجموعات ( فيسبوكية ) بهدف تحقيق تفوّق عددي في المؤتمر ، كما لوحظ مشاركة كردية واسعة من المسميات الكردية المختلفة ، هذا بالإضافة إلى مشاركة عناصر مستقلّة بتزكية من أحزاب وقوى سوريّة .... لن أدخل في تفاصيل مملّة ، وسأعرض المسائل الأساسية التي كانت محوراً للتفاعل والخلاف والنقاش : 

١ - حول مقترح تشكيل لجنة متابعة وتنسيق : 

--------------------------------------------

تمّ مناقشة هذا المقترح في الجلسة الثالثة التي رأسها السيّد : البيانوني ، وبالرغم من الممانعة الملحوظة من ممثّلي المجلس الوطني في اللجنة التحضيرية لهذه الفكرة إلّا أنّ جميع أعضاء اللجنة وقّعوا عليها في النهاية ، وتقرّر عرضها على المؤتمر للبتّ بها ، وقد علمنا بأنّ قيادة المجلس الوطني المتواجدة في القاهرة  عقدت اجتماعاً عشيّة المؤتمر ، وقرّرت رفضها وإفشالها مهما كان الثمن ، لأنّهم يرون بالمجلس الممثّل الشرعي للشعب السوري ، وأنّ ٩٠ دولة تعترف بذلك وفق ادعاءاتهم ، ولذلك يعتقدون أنّ تشكيل مثل هذه اللجنة سيمسّ بتمثيله ودوره ، ويفسح المجال لمشاركة آخرين من المعارضة في دائرة استئثارهم . 

حاول البيانوني جاهداً التملّص من بحث هذه المسألة دون أنْ يعطيَ تفسيراً منطقيّاً مقبولاً لسبب رفضه ، على الرغم من أنّ المتدخّلين ، ومنهم بعض أعضاء هيئة التنسيق وضّحوا أنّ مهمة هذه اللجنة هي المتابعة والتنسيق فقط ، وليست المشاركة في اتخاذ القرارات ، أو ممارسة قيادة بديلة لأيّة جهة ، وبعد الأخذ والردّ ، والإصرار من هيئة التنسيق وأطراف أخرى على عدم القفز فوق توصية اللجنة التحضيرية ، وضرورة اتّخاذ قرار حول قيامها ، أو عدمه ...وجد رئيس الجلسة نفسه مضطراً لعرضها على التصويت ، وخاصّة أنّه كان مطمئنّاً ، أو موهوماً بأنّ نتيجة التصويت ستكون لصالحه ، ولكنّه لم يدرك أنّ بعضاً من القوى غير الإسلامية وحلفائهم كانوا أقرب الى موقف هيئة التنسيق ، وشجّعوا الهيئة على الثبات على موقفها ، وفعلاً جاءت نتيجة التصويت مخيّبة لآمال البانوني ، فأخذ يناور ، ويماحك بمنطق ضعيف للتملّص من نتيجة التصويت ، وسبّب ذلك ارتفاع ضغطه ، وإعلام الحاضرين بأنّه أصبح بحاجة الى حبّة ضغط تحت اللسان ، وأنّه غير قادر على متابعة إدارة الجلسة، وسواء أكان وضعه الصحّي بهذا السوء ، أم كمحاولة للالتفاف على نتيجة التصويت طلب من أحد حلفائه السيّد : عقاب يحيى للقيام بإدارة الجلسة بدلاً عنه فلبّى الطلب . 

حاول عقاب يحيى الاستمرار في محاولة الالتفاف على نتيجة التصويت بحجّة أنّ الحاضرين في الجلسة لا يمثّلون أكثرية أعضاء المؤتمر لوجود البعض خارج القاعة مكمّلاً الدور الذي قام به البيانوني ، وقد كرّر ادعاءه عدّة مرّات ، فتعالت الأصوات من أطراف عديدة تطالبه بأنْ يباشر في عدّ الحضور ، وعلى الرغم من تكرار هذا الطلب فإنّه لم ينفّذ ذلك لإدراكه أنّ عدد الحاضرين كان كافياً لجعل نصاب الجلسة صحيحاً ، ممّا زاده ارتباكاً وحرجاً ، وربّما ارتفع ضغطه أيضاً ممّا جعله يتخلّى عن إدارة الجلسة، وقد خلفه السيّد : كمال اللبواني ، الذي لم يكن موفّقاً في ذلك  لاستخدامه بعض عبارات التهديد والوعيد ضدّ أشخاص آخرين موجودين في القاعة لا تليق بشخص ينادي بالديمقراطية  .....

 

المسألة الثانية : 

--------------

إنّ المسألة الثانية التي أثارت جدلاً ونقاشاً كانت وثيقة العهد الوطني ، وبالرغم من توقيع أعضاء اللجنة التحضيرية الموسّعة عليها ، إلّا أنّ السيّد البيانوني طالب بحذف عبارة " الدين لله والوطن للجميع " ، أو تأجيل الوثيقة الى لقاء قادم للمعارضة ، ولكنّ هيئة التنسيق كانت مصرّة على الانسحاب نهائيّاً  من المؤتمر اذا تمّ الالتفاف على هذه الوثيقة ، كما طالب التيّار العلماني وبعض الأكراد والمستقلّين بإقرارها ، وقد نجم عن موقف البيانوني من تلك العبارة دهشة واستغراب أوساط واسعة في المؤتمر ...

- من المفيد الإشارة الى أنّ اللجنة التحضيرية اتفقت على عدم استخدام أيّ من العلمين السوريين بعد أنّ حاول ممثلو المجلس الوطني طرح فكرة تعليق العلم القديم في قاعة المؤتمر ولكنّ ممثّلي هيئة التنسيق وآخرين رفضوا ذلك ...

 المسألة الثالثة : 

----------------

كان الملف الكردي الموضوع الثالث الذي أثار نقاشاً حادّاً في المؤتمر ، وحتى الأكراد أنفسهم لم يكونوا متفقين على صيغة موحّدة ، وكان بعضهم يسعى الى ابتزاز مواقف سياسية من  بعض أطراف المعارضة المتنافسة والمتلهفة للسلطة ، وانتزاع وتثبيت مكاسب قوميّة على غرار ما جرى في العراق دون التجرّؤ على طرحها بشكل واضح ، فهم لا يقبلون صيغة " المواطنين الأكراد " ويصرّون على الإشارة الى عبارة " االشعب الكردي وحقوقه القومية " حتّى تتضمّن مفهوماً سياسيّاً وحقوقيّاً في القانون الدولي صالحاً للبناء عليه ووفقاً له من أجل المطالبة الصريحة مستقبلاً  بإقامة فيدرالية ، ولذلك عندما قدّمت لجنة الصياغة تصوّرها لم يلقَ  قبولاً من الأكراد فحدث لغط وهرج تطوّر الى الضرب والشتائم وانسحاب ممثّلي الأكراد من القاعة ، فتدخّل أمين الجامعة وآخرون وأعادو الموضوع ثانية الى لجنة الصياغة وكان ذلك حوالي منتصف ليل اليوم الأخير من المؤتمر وكانت النتيجة وضع عبارة "القومية الكردية " بدلاً من "الشعب الكردي ." حح 

ملاحظات واستنتاجات : 

------------------------

- استطاع المجلس الوطني أنْ يتملّص من تشكيل لجنة متابعة وتنسيق ، ويطمس نتيجة التصويت عليها ، وبمساعدة ولفلفة من الجامعة العربية خوفاً من فشل المؤتمر وانفضاضه بدون وثائق ، وقد سبّب ذلك مع الموضوع الكردي  انسحاب ممثلي هيئة التنسيق من الجلسة الأخيرة مع تعليقات صاخبة من بعض أعضائها احتجاجاً على ماجرى ، وهنا نتساءل إذا كانت لجنة متابعة تثير هذا المستوى من الاهتمام ، وينجم عنها هذا القدر من التمترس والخلافات فكيف الحال في المرحلة الانتقالية أو بعد سقوط النظام فكيف سيكون الأمر عندما يُعاد تشكيل النظام من أساسه وتُطرَح أمور سياسية استراتيجية ، وتعيين وزراء ومحافظين ، ورؤساء أجهزة أمنية ... اللهمّ أنقذنا من شرّ أطماعنا وتطلّعاتنا غير المشروعة ....

وعلى الرغم من ذلك لم يكن المؤتمر هذه المرّة مريحاً لمعظم أعضاء المجلس الوطني المشاركين فيه بسبب مواقفهم غير الديمقراطية ، والضعيفة وغير المبرّرة بالنسبة لموضوع تشكيل لجنة المتابعة ، وشعار " الدين لله والوطن للجميع " .

- يلاحظ تعصّب الأخوة الأكراد لانتمائهم القومي وهذا من حقّهم ، ولكنّهم يرفضون هذا الحق للآخرين  فهم شديدو الحساسية من أيّة كلمة أو عبارة تشير الى العروبة والقومية العربية ، ويستخدمون عبارات بعيدة عن الكياسة نحو أيّ طرف يطالب بذلك ، وقد نجحوا الى حدّ ما في إرهاب البعض في هذا المجال  ممّا غيّب عبارة "الأمة العربية "  بمفهومها الحضاري والإنساني عن وثائق كافّة المؤتمرات ، وقد وصل بهم الأمر أنّ طرحوا استبدال عبارة " الوطن العربي " بعبارة " المنظومة العربية " ...

 - لم تنجح الجامعة العربية ، والمجلس الوطني في الإشارة الى الفصل السابع في الوثائق الصادرة عن المؤتمر ، والذي كان من أحد أسباب عقد المؤتمر  ... 

- إنّ بعض المشاركين في المؤتمر كانوا غير جديرين ومؤهّلين لبحث مسائل تخصّ سورية في اللحظة التاريخية الراهنة ، وصدرت عنهم تعليقات سوقية تركت أثراً سلبيّاً في نفوس العناصر التابعة للجامعة العربية المتواجدة في القاعة ، ومنهم أمين الجامعة نفسه الذي انسحب من الجلسة أكثر من مرّة كتعبير عن عدم رضاه .

- كانت خطة عنان الغائب الأكبر عن المناقشات ، ووثائق المؤتمر ، على الرغم من أنّها الباب الوحيد المفتوح لمعالجة الأزمة في سورية حتى الآن . 

- إنّ ازدهار مواسم انعقاد المؤتمرات أوجدَ نوعاً من ( السياحة الثورية ) في فنادق خمس نجوم مدفوعة الأجر ، وأصبح البعض تحت الطلب للمشاركة في أيّ مؤتمر ، حتى ولو كان بعضهم قد تجاوز الثمانين ، وابتدأ الخرف يلعب في أدمغتهم  ، وإذا أضفنا ما يُشَاع عن رواتب مجزية لدى بعض التشكيلات السياسية فإنّ هذا كلّه سبّب انتفاخ ريش بعضهم ، وتضخّمت شخصيتهم ، وأصبحوا يرون أنفسهم محور الكون ...

- لم يوضّح  المؤتمر جيّداً السبيل الصحيح للوصول الى المرحلة الانتقالية من اللحظة الحالية ، وكيفيّة كسر حالة الاستعصاء الراهنة ، وتوقيف شلّال الدم اليومي ، وحسب رأينا هي الفترة الأخطر والأكثر إلحاحاً ، فالجهة التي تكون قادرة على إسقاط النظام مستقبلاً  لن تكترث بكلّ الأطياف السياسية التي حضرت مؤتمر القاهرة ، وسيتحوّل مَنْ يقبل بالتعاون معها الى صورة مستنسخة عن " الجبهة التقدمية " التي تغطّى النظام بها طيلة ٤٢ عاماً .... ومن هنا فإنّ وضع شروط غير قابلة للتطبيق لإزاحة رأس النظام يعني شئنا أم أبينا الموافقة والإصرار على استمرار المسيرة الدموية والتدميرية الراهنة لسورية  ، ودفن رؤوسنا في الرمال حتى يأتي الفرج من التدخل العسكري الخارجي كما يتوهّم البعض ، ولذلك لا نرى من معطيات جديدة تغيّر شيئاً من موقفنا حول ضرورة الدخول في مرحلة انتقالية مضمونة دوليّاً ، وخاصّة من داعمي النظام السوري نفسه ، وفقاً لما اعتمدناه في مقال سابق ، لأنّه أقلّ الحلول سوءاً وثمناً ، وأقصرها على طريق إجراء التغيير الديمقراطي الجذري الشامل بما فيه إسقاط كافّة رموز النظام المستبدّ والفاسد ...


 

في ١٤ /٧/ ٢٠١٢