‏20‏ آذار‏، 2011

 

 

                                                انتفاضة درعا بين دكتاتورية القمة وانتهازية الحاشية 

                                                                                                   

                 محمد الزعبي 

 

لاأكتب عن درعا ، لأنني أحد أبنائها  فقط ، ولكن أكتب عنها  بسبب أن الشعارات والأهداف السياسية والاقتصادية التي علت حناجر شباب درعا وجماهيرها بترديدها يوم الخامس عشر من مارس 2011، وما زالوا يرددونها حتى هذه اللحظة   رغم التزايد اليومي لعدد الشهداء والمصابين ، ناهيك عن الحصار والاعتقال ، إنما هي نفس الشعارات الوطنية والقومية والإنسانية التي نادت وتنادي بها كافة الجماهير العربية في كل المدن السورية ، في دمشق وحلب وحمص وحماة ودير الزور وبانياس ( وهذا على سبيل المثال لاالحصر ) ، والتي نادت وتنادي بها الجماهير العربية في تونس الخضراء ، والتي توجت برحيل بن علي في 14 /01 / 2011 ، ونفس الشعارات التي نادت بها الجماهير العربية في مصر (ثورة 25.01.2011 ) والتي توجت برحيل حسني مبارك في 11.02.2011، ونفس الشعارات التي نادت و تنادي بها الجماهير الليبية الثائرة في بنغازي ومصراتة والزاوية ،  ونفس الشعارات التي نادت وتنادي بها الجماهيراليمنية في ميدان التغيير في صنعاء  وتعز وعدن وايضا في بقية المدن اليمنية  ، والتي يمكن تلخيصها ــ أي الشعارات جميعها ــ  بكلمة واحدة هي " الحرية " ، ذلك أن غياب الحرية في المجتمعات العربية كانت هي السبب الرئيسي الذي وقف ويقف وراء بقية كافة المفاسد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ولاسيما التغييب المتعمد للديموقراطية وبالتالي لكل من مبدأي العدالة والمساواة في المواطنة ، والتي ــ أي هذه المفاسد ــ باتت تشكل السمة المخجلة والمؤسفة والمؤلمة والغالبة لكافة أنظمة الحكم في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج  .

لقد سبق للكاتب أن أشار في مقالات ودراسات سابقة له (أنظر مقالتنا " بعض إشكالات المعارضة العربية " في : مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية تاريخ 3.10.10 ،وأيضاً في:كلنا شركاء All4syria نفس التاريخ  ) إلى أن الصفة الغالبة لأنظمة الحكم في الوطن العربي هو كونها أنظمة " حكم الأقلية " . هذا مع العلم أن مفهوم الأقلية لاينصرف ــ وفق رؤية الكاتب ــ  إلى الجانب الديني أو المذهبي أو الإثني فقط  ، وإنما أيضاً إلى الجانب القبلي والأسري والعشائري والمصلحي ، أي أن مفهوم " الأقلية " يتماهى ، ــ وفق هذه الرؤية ــ مع مفهوم " الطغمة" Oligarchie ، ولا سيما ، إذا ماوصلت هذه الطغمة  إلى السلطة بما هي أقلية أي عمليا بطريق غير ديموقراطي ( القوة ، الخداع ، التزوير) . إن محافظة هذه الأقلية / الطغمة على بقائها في السلطة إنما يستلزم نظرياً وعملياً  أن تكون إصبعها دائماً على الزناد خوفا من الأكثرية الشعبية التي قامت تلك الأقلية با ستبعادها واستعبادها وقمعها بقوة السلاح .

إن موجة الثورات الشعبية التي تجتاح معظم مدن الوطن العربي هذه الأيام ، ومن جملتها معظم المدن السورية ، وعلى رأسها مدينة سيدي بوعزيز السورية/ درعا ( سبقني إلى هذا الوصف الأخ هيثم مناع ) اقتضت وتقتضي من كل الشرفاء في الوطن العربي ، أن يساندوا هذه الثورات الوطنية والقومية والإنسانية بكل ماملكت أيديهم ورؤوسهم وقلوبهم ، ذلك أنها ثورات الجماهير العربية المستضعفة والمضطهدة  والمغلوبة على أمرها من قبل الحلف الإمبريالي غير المقدس

المتمثل بمثلث: الدول الإستعمارية ، الصهيونية العالمية ، والأنظمة العربية التابعة لهما ( أنظمة سايكس ـ  بيكو ) ،

والذي يعود تاريخه الأسود ( الحلف غير المقدس)  إلى نهاية الحرب العالمية الأولى ، أي بداية القرن العشرين .

 

وبخصوص ماجرى ويجري في سورية ، ولاسيما في مدينة درعا ، فإن الكاتب يرغب أن يشير إلى أن من استأسد واستنسرعلى أطفال مدرسة ابتدائية في درعا وأودعهم غياهب السجن ، وأن من امتدت يده وبندقيته على متظاهرين مسالمين في معظم محافظات سورية  ، ليس هو محافظ هذه المدينة او تلك  ، ولا قائد شرطتها ، ولا ذلك الجندي او الشرطي الفقير الذي يطيع أوامر قادته  ورؤسائه المباشرين حفاظاً على لقمة عيش أطفاله ، بل وليس هو ذلك العنصر الأمني الذي اندس بلباسه المدني  بين المتظاهرين ليفسد شعاراتهم  وتصرفاتهم السلمية المشروعة ،وليتعرف على قياداتهم الوطنية ويقدمها إلى قادته من الجلادين ، وإنما هو من أعطى لكل هؤلاء الأوامر الهمايونية لكي يعتقلوا ويسجنوا ويعذبوا ويقتلوا ماطاب لهم السجن والتعذيب والقتل، ألا وهو" الرئيس الشاب " قائد مسيرة " التطوير والتحديث !!" الذي ورث عن أبيه ليس فقط كرسي الرئاسة وإنما أيضاً ذلك الأسلوب الهمجي والوحشي الذي يعامل به أبناء بلده ووطنه سورية ، بمن فيهم الأطفال الصغار ، وذلك من اجل الحفاظ  على ذلك الكرسي .

 

وتقتضي الموضوعية من الكاتب ، أن يشير هنا أيضاً ، إلى أنه يضع في نفس السلة التي يضع فيها الرئيس الوريث، شلة الإنتهازيين والمنتفعين ممن يحيطون به ، ويزينون له زوراً وبهتانا الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي في سورية ، ويتبارون على صفحات الجرائد والفضائيات في كيل المديح له ، ولمن ورثه السلطة ، ولكافة أفراد اسرتهما الكبيرة والصغيرة  .

لقد ظن سيادة الوريث ، أنه باستيزاره بعضاً من أبناء هذه المحافظة أو تلك يمكنه ان يرضي جماهير وعشائروشباب  وأحزاب تلك المحافظات وبالتالي  يضعها في جيب نظامه ، وجاءت اتفاضة الـ 15 ، من مارس / آذار لتكذ ب كل تلك الأفكار والآراء والتصورات المريضة وغير العلمية بل وغير الأخلاقية  ولتلتهم كل ماسطروه وما يسطرونه  ، رغم محاولاتهما اليائسة البائسة  في تغليف هذه الترتيبات بستارة حزبية ( بعثية )  منمقة الشعارات بيد أنها بدورها كانت لعبة مكشوفة ، بعد أن تبين لكل ذي بصر وبصيرة في سورية العربية ، الخيط الأبيض من الخيط الأسود في هذه اللعبة الحزبية المكشوفة الأهداف والأبعاد والنوايا، ولاسيما بعد صمت النظام لأكثر من أربعة عقود على احتلال الجولان من قبل الكيان الصهيوني ، وبعد إعلان الأسد الأب الصريح ، وأمام العالم كله ، أن الخيار العسكري لاستعادة الجولان بات من الماضي، وأن الخيار السوري الإستراتيجي أصبح الآن هو فقط وفقط  خيار المفاوضات  وبالتالي خيار " السلام " مع إسرائيل ، أي التخلي العملي عن القضية الفلسطينية ، حيث " كل شاه معلقة بكرعوبها" وعلى كل بلد عربي أن

" يقلع شوكه بيده " كما صرح علانية أحد أفراد حاشيته.   

 

إن مايمكننا قوله الآن ، ونحن بعيدين عن وطننا الحبيب هو : تحية إلى كل من خرج من المواطنين في كافة المدن السورية ، ومن بينها مدينة درعا ،  ليصرخ بأعلى صوته نيابة عن 90% من الشعب السوري ، وأيضا عن كل ضحايا هذا النظام من المشردين في كل أصقاع المعمورة ، و منهم كاتب هذه الكلمات : " الله ، سورية ، حرية وبس " ، وتحية إلى كل من خرج من المواطنين في كافة مدن الوطن العربي الكبير  ليصرخ  أيضاً بأعلى صوته ، نيابة عن الأمة العربية كلها : " الشعب يريد تغيير النظام ، الشعب يريد تطهير البلاد " ، ويسمح الكاتب لنفسه هنا أن يضيف إلى هذه الشعارات الوطنية والقومية  الرائعة، شعاراً يمكن أن يختزنها جميعا ، بل ويضيف إليها بعداً إنسانيا ألا وهو شعار :"الشعب يريد الحرية والعدالة والمسواة " لاأكثر ولا أقل .