بدأ حديثه بمجرد دخولنا إلى منزله، وحين سنحت لي فرصة استئذانه لتشغيل الكاميرا، كان نصف الحكاية، حكاية البداية، قد ضاع، لكن ما
تبقى منها يشي
أنها كانت محادثة تجري بينه وبين مسؤول كبير. على أية حال يبدأ التسجيل
مع مصطفى رستم هكذا:
"قلت له ( أي للمسؤول الكبير) كيف تستطيعون تحمل كل هذا العلق؟ أجاب
وما هو العلق؟ قلت القيادة القطرية ومجلس الشعب والجبهة التقدمية. ضحك
وقال نسيت مجلس الوزراء، فقلت: لم يخطر لي على بال…"
يستطرد مصطفى رستم القيادي السابق في حزب البعث،
السجين لمدة 23 عاماً:
"أنا أول شخص قال لا لحافظ الأسد، وأنا معارض جدي، لكنني لست عدواً
لأحد، أما أن يعاملوك كعدو فهذا يعود لهم.
قلت لهم: أنتم عاملتموني بعداء شديد، وفيما بعد
تساءلت عن السبب ثم اكتشفته، لأنكم سجنتموني 23 عاماً، إذاًَ أنتم
تفترضون أنني عدو وبالتالي عاملتموني بعداء أشد، تصور لهذه الجريمة
التي اقترفتها ولا يسعني التنصل منها".
هنا تذكرت السؤال الذي طرحته فور دخولي: أنت ذهبت في بداية الأحداث والتقيت مسؤولين كبار، ماذا دار بينكم؟
* يجيب رستم: " قلت لهم
آخر مرة إلى أين تأخذون الوطن، وإلى أين تأخذون أنفسكم، أنا مقتنع أن
هناك معادلة، بقدر ما تقتلون من المعارضة وتوقعون بها الخسائر، بقدر ما
ستلحق بكم خسائر أكبر، وهذه معادلة رياضية طردية.
برأيي، بعد التوجه لحماه حدثت قطيعة، وعندما
وجهت لي دعوة للحوار، والتقيت شباب تنسيقيات السلمية، وسألتهم رأيهم
بالدعوة، مع أنها شخصية، ارتأوا رفضها، فأجبتهم إنني سأصر على الحوار،
لأن السلطة تدعي أنها تريد الحوار لكن الناس لا تريد، وفي الوقت نفسه
سأرفض هذه الدعوة لأن المقصود منها ليس الحوار، إنما تغطية الحل الأمني
لذلك اعتذر".
- برأيك هل هناك إمكانية لأن يتبنى النظام حلولاً إصلاحية جوهرية
للخروج من الأزمة، وبالتالي إيقاف الحل الأمني؟
* رستم: منذ اليوم الأول كنت مقتنعاً أن النظام سيضرب، ولن يتراجع لأن
الاستبداد لا يستطيع تغيير جلده، وثمة من أجاب على هذا السؤال بشكل
طريف عندما كنا ضيوفاً على عائلة ثرية منزلها مؤلف من ثلاثة طوابق،
سأَلتْ سيدة من أفراد العائلة عن سبب عدم إقدام د. بشار على حل الموضوع
وسبب عدم تساهله، فرد هذا الشخص، ما رأيكِ لو تعطيني الطابق الأول،
وتعطي الأستاذ مصطفى الطابق الثاني، وأنت خذي القبو فهو جميل جداً،
أجابت باستهجان: لكن هذا منزلي، فرد عليها، هكذا الأمر بالنسبة لبشار
الأسد بالضبط، رجل ورث سورية ونحن نريد أن نشاركك وبالتالي كيف نشاركك.
وماذا كان رأيهم عندما طرحت عليهم مخاطر الحل
الأمني ؟
*رستم: أنا مقتنع أنهم لن يتقدموا خطوة واحدة، لكن هذا شيء، وأن نحاول
الضغط إلى أقصى حد من أجل المشاركة شيء آخر، والضغط ليس على د. بشار،
هناك طبقة حاكمة.
طبقة أم أسرة ؟
*رستم: هناك أسرة وطبقة حاكمة، وهناك فئة اجتماعية تشعر أن مصيرها في
خطر، وهناك أناس يحبون بشار الأسد، وهناك فئة تعتقد أن مستقبلها غامض
إذا زالت هذه الأسرة، لذلك يجب أن يتركز خطابنا على هؤلاء جميعاً، وأنا
سمعت من أحدهم تعليقاً فحواه: هل يعقل أن يطلب مصطفى رستم من بشار
الأسد تحقيق مطلبين هما أن يكون المواطن حراً وأن يشارك في مصيره، وهل
رستم مقتنع أن بشار سيقوم بذلك ؟
على كل حال أنا متفق مع هذا الشخص، وبشار الأسد
لن يتراجع، المهم هناك فئة اجتماعية تحس أن مصيرها مهدد، ويجب إيصال
رسائل لها بأن ذلك غير صحيح، وهي لن تستجيب فوراً لأن هناك أحياناً
ردود فعل لا عقلانية، لذلك لدي قناعة أن التغيير لن يحدث إلا بتبديل
موازين القوى ومادام الرئيس يعتقد أن ميزان القوى لصالحه لن يتغير شيء.
قابلت ضباطاً ذوي رتب عالية، وأحدهم طلب مني
توجيه رسالة باسمي الشخصي للرئيس في 20 أيار، أخبرته أن الوقت تأخر،
وأن القرار المناسب في الوقت المناسب، لكنه ألح، فكتبت رسالة فحواها إن
نظام الاستبداد ساد لقرون مديدة والآن جعل التطور العلمي والتقني هذا
النظام في طور الانقراض وعملياً لم يعد هناك سوى بضعة أنظمة من هذا
النمط في أسيا، وبالتالي لا يمكنك لا أنت ولا غيرك الوقوف في وجه
التطور، لذلك انتبه لمصلحتك، أطلب منك إيقاف الحل الأمني والتوجه للناس
الذين تعتقلهم والنظر إليهم كشركاء في المستقبل، صحيح الوقت تأخر، لكن
يمكن إيجاد حل إذا ما سرت في هذه الاتجاه، وذكرت له أن لديه عدوين
أساسيين الأول الأجهزة الأمنية البارعة في استفزاز المواطنين وإثارة
حقدهم ضد السلطة والثاني إعلامه المستفز، وبصراحة الأمور تتفاقم بفضل
هذين الجهازين، وأشرت في الرسالة إلى وجود نوع من الفساد وأن مكافحته
تبدأ بإزالة الاستبداد، وهناك عبارة شهيرة تقول السلطة المطلقة فساد
مطلق، إضافة إلى وجود نوع من التزوير الفاجر والمزعج مثل الانتخابات،
وأشرت إلى أن عملية التزوير غير معقولة وتحدث ردة فعل طبيعية لدى
المواطن وهي مقاطعتها طالما تتقرر النتائج سلفاً.
وجهت هذه الرسالة في 28 أيار وفهمت أنها وصلت
للرئيس، لأنهم كانوا مرتبكين من لهجتها أو شيء من هذا القبيل .
أنا لم أسع للقاء أحد، وأريد لفت الانتباه،
للتاريخ، أنه عندما يأتيني أمن الدولة، يسألني ما الحلول العاجلة
والآجلة يعدني أن الإجابة ستصل لرئيس الجمهورية، وفي اليوم التالي يأتي
عقيد من الأمن العسكري ليسأل السؤال ذاته، وبعد ذلك أذهب إلى دمشق
فأفاجأ أن مدير مكتب الأمن القومي يطلب رؤيتي، والتقيته قبل خطاب
الرئيس الأول بيوم وسألته إذا كانت هناك قرارات إصلاحية فأجاب أجل،
مضيفاً أنه لا يعرف ما هي، لكنها ستكون على طاولة الرئيس الساعة
العاشرة صباحاً إذاً من حقي الاستنتاج أن هناك جهات في الأمن تريد
إصلاحات .
أعرف طبيعة الأمن، لا يجرؤون أحياناً على تقديم
اقتراح لكنهم قد يسوقون اقتراحاً، وأشرت للرئيس في الرسالة أن الحكاية
ليست تعديل مواد في الدستور، لان هذا الأخير لا يطبق أصلاً، وضربت له
مثلاً المادة 28 المتضمنة منع التعذيب الجسدي والنفسي منعاً باتاً،
وحتى المادة الثامنة لم تطبق أصلاً، وكنت تحدثت بشأنها مع حافظ الأسد
عندما حاول إقناعي بالتعاون مع بعضنا، قلت له إذا أقدمت غداً على
الحركة التصحيحة اعتبر أن الحزب انتهى، فرد إذا لم تكن واثقاً بنا
استلم أنت الحزب، فقلت له: فخارة وتقوم بتكسيرها، وتقول لي اجلس وابدأ
بتلزيقها، لا يمكن ذلك، الحزب مؤسسة إذا انضرب خلص انتهى.
لهذا أبلغني ناجي جميل بعد تسلم حافظ الأسد
السلطة بأن قرارنا هو أن يكون الفريق قائداً للمسيرة، فأجبته بأنكم
كقيادة استقلتم من دوركم وهذا أمر طبيعي. بالنسبة لي استقلت من
القيادتين القطرية والقومية منذ عام 67 لأنني طالبت بصحافة وانفتاح
وإقامة جبهة، رفضوا فاستقلت. أرسل لي عبد الحليم خدام وعبد الله الاحمر
والرائد عز الدين ادريس ليخبروني أن الفريق وافق على سياستي التي أطالب
بها منذ عامين، فأجبتهم مع فارق واحد، كنت أطالب بجبهة لتقوية وضع
الحزب، الآن ستستخدم لضرب الحزب، وبالتالي لن تقوم جبهة، ثم جاء أدهم
مصطفى وفايز إسماعيل ويوسف فيصل من أجل الموضوع نفسه فقلت لهم شخص لم
يتحمل رفاقه هل تعتقدون أنه سيتحملكم، لن تكون هناك جبهة، وهذه الدعوة
هي لتمضية مرحلة، والتغطية عليها، وهذا ما قادني إلى السجن.
أنا أقول للدكتور بشار الأمر لا يتعلق بالدستور،
وليست حكاية قانون، بل هل تمتلك إرادة التغيير أم لا، هذا هو المفتاح،
فإذا امتلك الإرادة، يحتاج إلى أدوات ويجب أن يتعاون مع أناس بالمعارضة
لهم مصلحة بالتغيير.
إذاً تعتقد أن هناك جزء من السلطة لديه رغبة
حقيقية بالإصلاح؟
*رستم: عندما يأتي البعض ليأخذ رأيك ويسوقه للرئيس، ماذا تستنتج، أليس
هناك من يرغب بالتغيير. وللإنصاف، ليسوا جميعهم كانوا يريدون التسويق،
لكن بعضهم مثل مندوب القصر الجمهوري ومندوب العميد ماهر كانوا يرون
ماذا يمكنهم الاستفادة مني، أنا ذهبت للضغط باتجاه التغيير، وهم بحثوا
كيفية الاستفادة مني، لذلك عندما ذهبت إلى اللاذقية أخذوني بسيارة
فخمة، وفي المساء عدت بحافلة، والحمد لله أنني كنت أحمل أجرة الطريق.
الحياة السياسية دبت في الشارع، وما يحدث الآن
لا ينتظر أي قانون على الإطلاق، فهو عمل سياسي مباشر بامتياز، والقول
ان المواطنين ليس لديهم وعي هو كلام فارغ فالمواطن يعي لب الموضوع
وداخل في عمق الحكاية.
إذا كان هناك من لديه رغبة حقيقة بالإصلاح، فهذا
يعني أن هناك إمكانية للحوار؟
*رستم : المتظاهر غير معني بالحوار، يدخل في لب الموضوع بأن النظام سوف
يسقط، دخلت في جدل مع المتظاهرين بأنني لن أطالب بإسقاط النظام لأنني
سأطالب بالتغيير الذي يتضمن الإسقاط،ولن أكون أسير الشكل،لأنني إذا
طالبت بالإسقاط ولم يكن ميزان القوى ملائماً، أكون وقعت في مأزق، أما
أن أتراجع أو أضع نفسي في طريق مسدود. وبصراحة أقول لك، ما دموا أقوياء
لن يحاوروا، وإذا المعارضة قويت، لن تحاور، لكن في لحظة ما قد ينشأ
تفاوض وليس حواراً .
هناك شيء اسمه عمى القوة، وليس بشار وحده المصاب
به، إنما بوش أيضاً أصيب به، وكان يعتقد أن الولايات المتحدة لديها
القوة الكافية لإنهاء هكذا أنظمة، لأنه كان يشعر أنها أنظمة ضعيفة
ومهلهلة، وبالتالي موجودة في فراغ وجاءت على فراغ، وعندما تورطت
الولايات المتحدة في العراق تحولت إلى قوة مدمرة لنفسها، ولأول مرة في
التاريخ تبدأ مقاومته خلال 15 يوماً، مقاومة للاحتلال وللقوى
الاجتماعية وللنفس، وما حدث في العراق ظاهرة جديدة في التاريخ يجب أن
تدرَّسْ، وبالتالي اكتشف بوش أن قوته لا تفيد وبدأت تضعف.
ألا يخشى أن يؤدي انهيار السلطة فجأة لأي سبب
إلى انهيار أجهزة الدولة بالتالي الدولة في آن معا؟
*رستم : لا، في إحدى مؤتمرات الإنقاذ الوطني ُطرحَتْ فكرة حكومة الظل،
وقال لي د. وليد البني ببساطة نحن نعتبر النظام سقط بالتالي يجب ألا
يكون هناك فراغ، وأجبته بأنه سقط أخلاقياً وأدبياً، هذا ممكن، لكن لم
تزل لديه درجة من القوة والتماسك واضحة، أما أن نقول سقط فهذا غير
معقول، وفي حديثي الأول على قناة الجزيرة قلت أن المسألة لا تتعلق بشهر
أو شهرين، وليست مسألة نظام أو نظامين، المسألة تتعلق بعقود، نحن نؤسس
لعقود، أقول الاستبداد انتهى لكن كم سيلزم من الوقت، لا أعلم، لكنني
مقتنع أن التاريخ يسير على هذا النحو، وبالتالي هو مهزوم، وعندما أمد
يدي له، أحاول إنقاذه، فالمهم في الصراع هو محاربة الوحش في الآخر وليس
قتل الآخر.
هل يعني هذا أنك تريد إنقاذ النظام ؟
*رستم: إنقاذه كإنسان من خلال ضرب توجهه وإنهاء المشكلة بأقل الخسائر،
ستسألني إن كان قلبي حنوناً عليه إلى هذه الدرجة، سأرد بأن المسألة
وطنية والقصة لا تتعلق بالحنان، إنما هناك خصوصية لهذا النظام، وهي أنه
يمثل فئة اجتماعية، شئنا أم أبينا، هم من أبناء وطننا، أولادنا
وأولادهم، أحفادنا وأحفادهم يجب أن يعيشوا سوية. وأنا حين أتحدث عن
التغيير هدفي الحفاظ على وحدة الوطن لذلك قلت إن ميزان القوى قد يملي
علينا في مرحلة من المراحل نوعاً من التفاوض وليس الحوار، وبالتالي
قبول حل وطني وسطي أو أكثر من وسطي أو أقل، لأننا لسنا وحدنا في
الصراع، لهذا قلت لوليد البني إن طرح حكومة ظل أمر خطير، لأنها خطوة قد
تتبعها خطوة ثانية وهي طلب الاعتراف الدولي فيها وبالتالي استدراج
للتدخل الخارجي.
لكن السلطة بإصرارها على الحل الأمني تهدد
الوحدة الوطنية وتفتح باباً للتدخل الخارجي؟
*رستم : قلت على قناة الجزيرة تعقيباً على خطاب الرئيس، سأسلم أن هناك
مؤامرة، لكن القضاء عليها يكون بعدم الاستجابة لها وسحب البساط من تحت
أرجل المتآمرين، ويجب قطع الطريق عليهم بإجراء إصلاحات، لذلك أرى أن
الحل الأمني هو الاستجابة للمؤامرة أوبصيغة أخرى، إذا استمر الحل
الأمني ستبدأ المؤامرة: لأنه لا توجد مؤامرة في الحقيقة، وبصراحة ما
يقلقني الآن هو ما صرح به أردوغان بأن مستقبل سورية غامض وفي خطر،
ويومها تساءلت ألا يوجد صحفي عربي يسأل أردوغان عن ماهية هذا المستقبل
الغامض، فإن أجاب نكون فهمنا شيئاً، وإن لم يجب نفهم أيضاً شيئاً،
لأننا في ثقافتنا نسمي لواء اسكندرون بالسليب، وهم يعتبرون سورية
سليبة، ولديهم خلفية تاريخية عبارة عن أربعة عقود من السيطرة، وبالتالي
طبيعي أن يعتبر المواطن التركي أن سورية اقتطعت من بلده، قد تقول لي إن
هذا خطأ أو صواب، هذا موضوع نقاش آخر، لكن هذه الحالة تجعلنا نحس
بالخطر، ولا بد في صراعنا مع الاستبداد أن نأخذ بعين الاعتبار أن القوى
الخارجية ستبدأ اللعب، ولذلك قلت لهم في مؤتمر الإنقاذ أن دعوتهم خطيرة
جداً، فأجابني وليد البني أنه يتفق معي، وطلب مني الحضور لنكون معاً ضد
هذه الفكرة، لكني رفضت، لأن على السياسي أن يعرف على أي أرض يضع قدمه
عندما يريد الإقدام على خطوة. الدعوة كلها قائمة على خطأ، أولاً قائمة
على أن النظام سقط، وهو لم يسقط، وثانياً على فكرة حكومة الظل، وهذه
لها أبعادها، فالسلطة المباشرة تمارس ضغوطاً وقادرة على خنقنا بالمادة
الغذائية والسلاح والشبيحة، وبالمناسبة قادرة على تجييش مئات الآلاف،
وإذا نظرنا إلى مظاهرات التأييد نجدها فعلاً مئات الآلاف، وأنا مقتنع
أنه قادر على إخراج الملايين، لذلك لا أقول له إنه يكذب، إنما أرد عليه
بأنني أتمنى لو يصدق أن هؤلاء مؤيدون له، فإذا صدق تحل المشكلة
بالانتخابات، لكن المشكلة أنه لا يصدق.
لو كانت لديه قناعة أنه يملك نسبة 70 – 80 % من
المؤيدين هل تتوقع منه إجراء انتخابات حرة وبرقابة دولية؟
*رستم: ليته يصدّق، لكنهم غير مصدقين، ويعرفون الحقيقة تماماً وهو ما
سمعته من أحدهم منذ عشر سنين، عند بدء التضييق على المنتديات فيما سمي
بربيع دمشق، قال لي نحن نعرف أن 80 % من الناس ضدنا و20 % معنا،
وبالتالي دورنا هو كيف نحول دون تجمع 80 %، وكيف نفتتهم، هذا هو جوهر
السياسة، كان هذا الرجل يتحدث بإخلاص وبعيداً عن الإعلام ولديه رؤية
صحيحة ويعرف القوى التي يملكها وسبل تجمع الناس. إذاً سيعتمد استمرار
النظام إما على قوته أو على عدم وجود بدائل قوية، لكن البدائل ضعيفة،
وهو لم يعد قادراً على البقاء قوياً لأنه هش جداً وقائم على الفساد
والرشوة وليس القناعة.
وذات مرة ألقيت محاضرة عن الفساد جاء فيها أنه
يمكن لأفريقيا الوسطى أن يكون لها زبائن عندنا وقادرة على أن تشتري
زبائن لأن من يستطيع أن يبيع ذمته بعشرة آلاف ليرة يبيعها بمليون،
وبالتالي نظامنا ضعيف جداً وهش، وحتى الآن أرى د. بشار أو السلطة ليست
هي من يدير البلد إنما الأجهزة، لكن ما يريده الرئيس ينفذ، مثلاً عندما
يطلب منهم أن يعتقلوا يقومون بالتنفيذ، أما عندما لا يتدخل ينفذون على
طريقة "حارة كل مين إيدو له"، لذلك سياسات الأجهزة الأمنية مختلفة.
هل يمكن القول أن انهيار السلطة قد يترافق مع
انهيار أجهزة الدولة وبالتالي الدولة، لأنه كما تقول نظام ضعيف وهش
ولأنه لم يبنِ مؤسسات حقيقية؟
*رستم : هنا موضوع السلطة والدولة، فالسلطة شئنا أم أبينا ابتلعت
الدولة أو دمرتها والدولة هي جملة من القوانين والأنظمة لمؤسسات تدير
مصالح الناس، ولكن السلطة لا تهتم بالقوانين، والدستور لا يطبق، ولا
توجد أنظمة ولا قوانين، ومساعد في أمن الدولة أو الأمن العسكري يقول
للوزير نريد توظيف فلان، عليه أن ينفذ سواء كان ذلك ممكناً أو غير ممكن.
إذاً، السلطة ابتلعت الدولة أو عزلتها ودمرتها،
لذلك عزل السلطة هو حماية الدولة، ومهمتنا هي العودة للدولة، وبالتالي
شئنا أم أبينا السلطة شلت المجتمع والدولة، والآن نهوض المجتمع حقيقي
ولا رجعة فيه، وأراه كالصوص الذي خرج من البيضة وأصبح كائناً حياً أو
عملاقاً خرج من القمقم، كان متكلساً بالرعب وانكسر وانتهى. لدي قريب
بسيط عبر عن ذلك ببساطة في أول يوم من التظاهر، أراد الخروج فأخطأ
الجامع، وذهب إلى مسجد آخر، انتظر حتى خرج المصلون، وبدأ يهتف حرية
حرية، لم يرد عليه أحد ووجد نفسه في ورطة، فقال لهم لطيزي. كان يوجد
هناك عناصر أمن، وأخذوا يضحكون عليه، فهرب وظل طوال يومه فاراً يعتقد
أن الأمن يطارده، وفي اليوم الثاني وجد نفسه رجلاً آخر، لا علاقة له
بالشخص الأول، قال لي أنه أحس أنه ولد من جديد، لذلك أنا مقتنع
بالانتصار، لكن كم يكلف وكيف يمكن تقليل عدد الضحايا.
منذ فترة شهر تقريباً، جاءني مساعد في الأمن
وقال لي ببساطة بالنسبة لبشار الأسد إما أن يضرب مثل الخلق أو يترك،
هذا مساعد، مع ذلك هو يمثل قوة، لذلك أقول دون أن أظلم فاروق الشرع أن
هناك مساعدون في الأمن أهم منه بكثير.
الواضح إذاً أن هناك توجه لضربة كبيرة، وأنا لم
أجادله بالموضوع لأنه ليس صاحب قرار، لكنه نقل لي توجهاً، لذلك علمت
أنهم سيوجهون ضربات كبيرة، ليس قتلا فقط، إنما اعتقالات واسعة أيضاً،
بمعنى إذا اعتقلنا في حماة 7 – 8 ألاف وفي السلمية 400 – 500، يمكن أن
نوقف التظاهر، لذلك كان ردي عليه، إنكم تقعون في أخطاء جدية وحقيقية،
وبالتالي سياستكم من ألفها إلى يائها فاشلة، أنتم قلتم الإصلاح وألغيت
حالة الطوارئ واتبعتم الحل الأمني فماذا كانت النتيجة، إذا كان القصد
هو الردع لم يرتدع أحد، بالعكس تزايد أو تضاعف عدد المتظاهرين، إذاً
المفروض التوقف، وهم لا يدركون أن الشروط في مرحلة حافظ الأسد كانت
مختلفة تماماً، أولاً كان هناك عمل مسلح من طرف حزب واحد محدد وواضح
اسمه الإخوان المسلمون، فانفرد بهم وضربهم، وثانياً كان الوضع الدولي
مناسباً، الآن الوضع مختلف، هناك حركة شعب يواجه بصدر عار. سر الخطأ
عندهم أنهم يعتقدون إذا قتلوا عشرة أو عشرين ألف أو اعتقلوا مئة ألف
تتوقف المظاهرات. لو كانت هناك منظمة مثل الإخوان المسلمين تعمل لكانت
الفكرة صحيحة، لكن شعباً قام، ولا يقاتل، أو يقاتل بروحية جديدة، وهنا
روعة الوعي، فهو مدرك أنه بسلميته يعبر عن نمط ثقافة جديد في تاريخنا،
والسلمية تعني أنه لا يرغب بقتل الآخر حتى لو كان عدوه إنما تعني تحرير
من يقتله أيضاً.
فكرة عدم قبول الآخر وقتل الآخر كنا نمتلكها
كحركات سياسية قديمة سواء كانت قومية أو يسارية أو دينية، فالآخر كان
دوماً عدواً محتملاً، لذلك علاقتنا ببعض كانت دوماً علاقة تآمرية أدت
إلى صدامات واسعة معروفة بين الشوعيين والقوميين في العراق، وكيف علق
الشوعيون القوميين على المشانق، وكيف وضع القوميون الشوعيين في
الزنازين عندما استلموا السلطة، أي أصبحت عشائرية، عشيرة البعث ضد
عشيرة الشيوعيين، فالخلفية الثقافية تستنبطن دوماً أن الآخر هو عدو
محتمل، بينما الآن أنت تطرح بالسلمية ثقافة ووعي جديدين، وروعة هذا
الوعي أنه يتضمن مصحلتك لأن الأمن قد يقتل في حماة حتى 1000 لكن لو
حملوا السلاح سيكون القتلى بعشرات الآلاف، إذاً عملياً هناك مصلحة
مادية مباشرة بمسألة السلمية، وبلغني أن سلاحهم السري في حماة سيكون
على النحو التالي، إذا دخل الجيش الزواريب والحارات سيكون هناك فدائيون
يتمددون أمام الدبابات وثمة صور تنقل مباشرة عبر الأقمار الصناعية
الحدث، فعملية التضحية هذه تبرز وحشية الخصم، لكنهم حتى الآن لم يدخلوا
الأحياء.
الواضح أن الحامل الأساسي للحراك هو الإسلام
الشعبي، وهذا له تداعيات خارجية وداخلية، وأنت تحدثت عن مطامع خارجية
تركية، وداخلياً هذا يثير مخاوف الأقليات وله تداعيات فيما بعد، إذ قد
يجري تسييس هذا الإسلام الشعبي؟
*رستم: أولاً يجب الاعتراف أن مجتمعنا متدين، والتدين شيء وتسييس الدين
شيء آخر، بمعنى أن الإخوان المسلمين برأيي أضعف مما نتصور.
نحن كحركة كنا أقوياء وتلقينا الضربات 17 مرة،
ومع ذلك طلبوا منا أن نعيد البعث الديمقراطي، لأننا كسجناء نعادل من
حيث الحجم كل التجمع..الوطني الديمقراطي
حاوره معن عاقل