هزيمة قاسية وصفعة لعناد بوش ... مراجعة الرهانات الأميركية الخاطئة
عادل مالك الحياة - 12/11/06
عندما يمتزج الخيال الفني بالواقع السياسي يؤدي ذلك إلى انتاج فيلم سينمائي يُثير الضجة في السلب أو في الايجاب. والحديث هنا عن فيلم بريطاني بعنوان «موت رئيس» وهو يجسد عملية وهمية لاغتيال الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش من إخراج غابرييل رينج.
والناحية المحورية في هذا الفيلم تتمثل في التالي: بينما كان الرئيس الأميركي يغادر الفندق بعد القاء خطاب له يطلق عليه قناص النار من مبنى مجاور. ويتخيل الفيلم اغتيال الرئيس بوش ومطاردة قاتليه وهم أميركيون من أصل عربي وجندي شارك في حرب العراق.
واستناداً إلى تحريات الشرطة يلقى القبض على رجل سوري (هكذا السيناريو) ويدان بتهمة الاغتيال ويزج به في السجن رغم أن الأدلة تشير إلى رجل آخر.
وأثار الفيلم استياءً من كلا الحزبين الجمهوري والديموقراطي حتى أن هيلاري كلينتون عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك وهي ديموقراطية انتقدت فكرة قتل رئيس حالي، فيما قال العديد من المشاهدين أن عدم حبهم للرئيس بوش وسياساته المحافظة هو الذي دفعهم إلى مشاهدة الفيلم.
وما يعنينا في هذا المجال ليس الجانب الفني بل الجانب السياسي حيث تزامن عرض الفيلم السينمائي «موت رئيس» مع الهزيمة النكراء التي مني بها الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية والتي عبّرت فيها غالبية الشعب الأميركي عن غضبها من السياسات التي اعتمدها الرئيس بوش، وبصورة خاصة التورط الأميركي في العراق والخسائر التي منيت بها القوات الأميركية بشكل يومي ولا تزال.
وقد أظهرت هذه الانتخابات حدة اعتراض الناخبين الأميركيين على سياسات وتوجهات الرئيس جورج بوش أكثر منها تأييداً للحزب الديموقراطي، باعتبار أن الحزب الذي فاز لا يملك حلولاً سحرية لما تعانيه الولايات المتحدة الأميركية على غير صعيد في هذه الآونة، أي أن غالبية الناخبين صوتت على طريقة: ليس حباً بالديموقراطيين بل كره بسياسات بوش والجمهوريين.
وكان أول الخارجين من أركان الإدارة الحالية دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الذي يتحمل العبء الأكبر من ممارسة السياسات الخاطئة وخاصة في الحرب على العراق، وأدى عناد بوش بالتمسك بوزير دفاعه طوال هذا الوقت إلى توجيه هذه الصفعة لسيد البيت الأبيض رغم أن العديد من النصائح بعضها ودي الطابع وبعضها الآخر عدائي سبق أن وجه للرئيس بوش بضرورة التخلي عن رامسفيلد، لكنه كان يعتقد أن إقالة وزير الدفاع أو حمله على الاستقالة سوف تفسر على أنها الفشل بعينه لسياسة البيت الأبيض.
والآن وقد تبلغ الرئيس بوش الرسالة من الناخب الأميركي، يفترض أن ترغمه نتائج انتخابات الثلاثاء الفائت على إجراء عملية تقويم شاملة لجميع مواقفه وسياساته. ومع استمراره في البيت الأبيض لمدة سنتين فان هزيمته مع حزبه ستؤدي حتماً وفي غالب الظن إلى خسارة الجمهوريين معركة الرئاسة المقبلة. ويبرز منذ الآن اسم هيلاري كلينتون كمرشحة محتملة عن الحزب الديموقراطي في انتخابات عام 2008، وبدا الرئيس السابق بيل كلينتون خلال الحملة الانتخابية لزوجته هيلاري لتجديد فوزها عن مقعد ولاية نيويورك وكأنه «زوج الست» واقفاً خلفها.
وفي التحليل العميق للفشل الذريع الذي لحق بسياسات جورج بوش تأتي لعنة الحرب على العراق في طليعة أسباب الهزيمة التي مني بها. ويقول أحد المقربين منه إن آفات بوش كثيرة لكن أبرزها ليس فقط اصراره وعناده وتمسكه بالمواقف الخاطئة، بل تكرار نفس الأخطاء أكثر من مرة.
ومن مفارقات هذه المرحلة أن الرئيس هُزم بسبب حربه الاستباقية على العراق، كما أن رئيس وزراء بريطانيا توني بلير هو على طريق الاستقالة من منصبه ـ ربما خلال شهر أيار (مايو) المقبل ـ والحرب على العراق وتحالفه الانبطاحي مع بوش من الأسباب الرئيسية لهزيمته من داخل حزبه العمالي. ويضاف إلى رجلي واشنطن ولندن، رجل باريس. فالرئيس جاك شيراك سيغادر قصر الاليزيه في شهر أيار المقبل بعد انتهاء ولايته المجددة. ومقابل كل ذلك مازال صدام حسين بكامل شياكته ووسامته يظهر عبر التلفزيون حتى يبدو وكأنه هو الذي يحاكم محاكميه. وعندما صدر عليه الحكم بالإعدام شنقاً انهالت الأصوات الداعية إلى عدم تنفيذ حكم الاعدام بحقه من شتى أقطار العالم. وسيكون تقرير مصير الرئيس العراقي السابق أمراً مثيراً للقلق للسلطات القائمة سواءً في تنفيذ حكم الاعدام أو في عدمه، علماً أن صدام «يفضل» أن يتم تنفيذ الحكم عليه رمياً بالرصاص باعتباره عسكرياً.
والسؤال الأساسي بعد الانتخابات الأميركية يتركز حول التالي: هل من تغيير مرتقب في السياسات والتوجهات الأميركية في المنطقة بعد هذا التحول في أوساط الرأي العام، الذي يسائل المسؤول ويحاسبه عندما يخطئ؟
حتماً يبدو المأزق العراقي يحتل طليعة الأولويات. وإذا كان صحيحاً أن الحزب الديموقراطي لا يملك خطة متكاملة للخروج من هذه الأزمة، فان العديد من الوجوه البارزة كانت ولا تزال تطالب بالاتفاق على جدولة معينة لسحب القوات الأميركية من العراق. وفي رأي بعض المراقبين في واشنطن فإن بامكان الرئيس بوش الإفادة من هزيمة حزبه وسياساته بالاستعانة بزعماء الحزب الديموقراطي للاتفاق على حل معين من شأنه أن يحدد الخسائر والأضرار ليس إلا.
وقد لوحظ اعراب أقطاب الحزبين الرئيسيين فور صدور النتائج عن ضرورة الالتقاء والتعاون لإخراج أميركا من محنتها في العراق، وهذا ما شددت عليه نانسي بيلوسي التي ستكون أول سيدة تتولى رئاسة مجلس النواب في تاريخ الولايات المتحدة، وقابل الرئيس بوش هذه الرغبة بايجابية مماثلة عندما دعا بعض الزعماء الديموقراطيين الى الاجتماع في البيت الأبيض تعبيراً عن رغبته في تجاوز الخلافات السياسية والحزبية إلى ما يؤمن المصالح الأميركية العليا، رغم تمسكه بالانتصار في العراق !
أما بالنسبة الى الصراع العربي ـ الإسرائيلي فان العديد من أنصار الحزب الديموقراطي لا يقلون «إسرائيلية» عن أنصار الحزب الجمهوري، لذلك من غير المتوقع حدوث أي اختراق في الجدار المسدود رغم كل ما أبداه الرئيس بوش من اهتمام «شفهي» و «خطي» أحياناً من حيث العمل الجاد على تحقيق إقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية تعيشان جنباً إلى جنب وحدد لذلك العديد من المواعيد لكنها تأجلت كلها، وما لم يتمكن من تحقيقه خلال السنوات الست السابقة فلن يتمكن من تنفيذه خلال السنتين الأخيرتين من ولايته الثانية والأخيرة.
ولبنان الذي احتل الكثير من اهتمام الرئيس بوش أين هو من الوعود الوردية التي أغدقها على الوطن الجريح، وخاصة زخم التصريحات الداعمة للرئيس فؤاد السنيورة؟
وفي سياق مترابط يجب التوقف عند أقوال للوزير وليد جنبلاط في إطار جلسات التشاور عندما أشار تصريحاً وليس تلميحاً إلى «تراجع الخط الأميركي... وتقدم الخط الإيراني» موجهاً كلامه إلى السيد محمد رعد رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة». ولا تفارق زعيم المختارة القفشات التي عرف بها حتى في أدق الظروف، عندما طالب ممثل السيد حسن نصرالله (النائب رعد) «بتسليمه عشرة آلاف صاروخ (من مجموع عشرين ألفا صرح عنها) كي نتساوى فعلاً في الوطن»!
ومعروف عن وليد جنبلاط القدرة الفكرية والسياسية على قراءة المواقف الآتية ولو من بعيد.
• أظهرت مجموعة من استطلاعات الرأي في بريطانيا النتيجة التالية: 75 بالمائة يعتقدون بأن الرئيس جورج بوش الأكثر خطراً على الأمن العالمي ولم يتفوق عليه إلا ... أسامة بن لادن الذي احتل المرتبة الأولى.
• هزيمة سياسات بوش تعني تلقائياً إسقاط مبدأ الحروب الاستباقية تحت شعار محاربة الإرهاب وبالتالي اعتماد مبدأ التريث وعدم التورط في المزيد من المغامرات العسكرية.
• ومن نتائج الانتخابات الأميركية اضطرار إدارة الرئيس بوش لاعتماد سياسة أكثر مرونة والانفتاح حتى على بعض الدول التي صنفتها واشنطن بأنها من ضمن «محور الشر». وإذا كان الرئيس الأميركي يريد فعلاً التخفيف من ارتكاب الممارسات الخاطئة والرهانات الخاسرة عليه أن يقرأ جيداً التقرير الذي أعده جيمس بيكر بعد زيارته الأخيرة للعراق. لعل مستشار بوش الأب ينقذ ما يمكن انقاذه مما تبقى من رصيد بوش الابن. والقليل من التواضع والابتعاد عن الغرور وعن الغطرسة قد يحيي سيطرة بوش لاكمال ما تبقى من ولايته.
• ان التراجع الحاد في السياسات والتوجهات الأميركية سيكون له الكثير من التداعيات على حاضر ومستقبل العديد من دول المنطقة، وسيضطر الرئيس الأميركي في ضوء إجراء مراجعة جذرية لأخطاء سياسته إلى التعامل مع «الدول الممانعة» وخاصة إيران وسورية على أنهما جزء من الحل وليس من المشكلة فحسب.
• في الزيارة الثانية لرئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت إلى واشنطن ستتم مراجعة اخفاقات الحرب الإسرائيلية ـ الأميركية على لبنان. وتفيد معلومات موثوقة بأنه ربما تم تحريك أو إحياء عملية التفاوض بين سورية وإسرائيل خاصة في ضوء التصريحات الأخيرة المتبادلة من الجانبين، وفي ضوء تزايد مطالب أنصار حزب كديما وحزب العمل بضرورة فتح باب الحوار والتفاوض من جديد على الجبهة السورية.
وتوقعت الصحف الإسرائيلية أن يعلن اولمرت خلال اجتماعه غداً الإثنين في البيت الأبيض عن استئناف مفاوضات السلام مع سورية. وتتزايد الصرخات في الداخل الإسرائيلي التي تعكسها أجهزة الإعلام ومنها ما نشرته صحيفة «هآرتس» يوم السابع من تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي حول ذكرى اغتيال اسحق رابين: «مئة ألف شخص شاركوا في مسيرة بكوا عملية السلام التي تحولت إلى شتيمة». وتضيف: «ان اغتيال رابين قطّع مجرى العملية السلمية التي بدأها وأوصلنا إلى الحضيض الذي نغرق فيه اليوم». كذلك فان اخفاقات إسرائيل في حربها ضد لبنان غير الدمار الوحشي لا تزال تلاحق رئيس الوزراء اولمرت حيث العديد من المطالبات بتقديم استقالته مع وزير الحرب عمير بيرتس بالإضافة إلى رئيس الأركان حالوتس.
• ان ما يشهده قطاع غزة من بيت حانون إلى سائر المناطق من اعتداءات همجية إسرائيلية خاصة خلال الأيام القليلة الماضية يقابله عدم تمكن الفلسطينيين من التفاهم على الحكومة المقبلة وعلى المرحلة الآتية. وأياً كانت الانقسامات الأيديولوجية التي تفرق «حماس» عن السلطة الوطنية فلم يعد جائزاً استمرار هذا الحصار الجائر. وهذا هو الشهر الثامن الذي لم يتمكن فيه الموظفون من قبض رواتبهم. وعبثاً القاء المحاضرات في النضال والجهاد والبطون خاوية.
• ... ويبقى لبنان في عين العاصفة من جديد. وإذا لم يتمكن زعماؤه من العثور على صيغة عملية لحل المشاكل والقضايا العالقة وطنياً وشخصياً يخشى أن تخرج الأمور عن السيطرة وسط هذه الأجواء الإقليمية والعالمية الملبدة بسحب الخريف الذي يكون عاصفاً في كثير من الأحيان كما هو الحال.
* اعلامي وكاتب لبناني.