( سواسية ) المنظمة السورية لحقوق الإنسان

تقرير خاص حول أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في العراق

كان العراق، كما هو حال الأردن وسوريا ولبنان ومصر، من البلدان التي استضافت أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين منذ الحرب العربية الإسرائيلية في 1948 – 1949 التي سببت تهجيراً واسعاً للفلسطينيين من إسرائيل. وعلى خلاف الدول الأخرى، لم يوقع العراق اتفاقيةً مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) التي أنشئت عام 1949 إذ فضل معالجة احتياجات اللاجئين الفلسطينيين بنفسه. ولا توجد إحصائياتٌ دقيقة لعدد اللاجئين الفلسطينيين في العراق، لكن معظم صناع السياسة، بمن فيهم مفوضية الأمم المتحدة للاجئين والسلطات العراقية، يقدرون عددهم قبل الحرب في عام 2003، بأربعةٍ وثلاثين ألفاً.

ويمكن تقسيم هؤلاء إلى أربع مجموعات رئيسية: (1) اللاجئون الذين فروا أو طردوا أثناء حرب 1948 – 1949؛ (2) الذين فروا أو طردوا أثناء حرب 1967؛ (3) الذين فروا أو طردوا من الكويت ودول عربية أخرى في أعقاب حرب الخليج عام 1991 عندما أثار تأييد ياسر عرفات العلني لغزو العراق للكويت مشاعر معادية للفلسطينيين؛ (4) عدد كبير من فلسطينيي الدول العربية الأخرى الذين جاؤوا إلى العراق للعمل أو استقروا فيه.

وتعيش الغالبية الساحقة من فلسطينيي العراق في العاصمة بغداد. وقبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، كان قرابة 4000 فلسطيني يقيمون في مدينة الموصل الشمالية. كما كان نحو 700 فلسطيني يقيمون في مدينة البصرة الجنوبية. وتقيم نسبةٌ كبيرة من فلسطيني العراق في الأحياء التالية ببغداد: المشتل، وبغداد الجديدة، والسلام، والدورة، والكرادة الشرقية، والبتاوين، والزعفرانية، والبلديات، والحرية؛ إضافةً إلى وجود عددٍ منهم في منازل خاصة موزعة في أنحاء المدينة. ويقطن معظم الفلسطينيين في مبانٍ قليلة الارتفاع بنتها الحكومة العراقية. وتتخذ بعض الأسر مباني حكومية ملجأ لها (كالمدارس السابقة). ففي حي الزعفرانية مثلاً، كانت ثماني أسر تقطن في مدرسة كانت للمكفوفين، كما كانت ثماني أسر أخرى تقطن في ملجأ سابق للأيتام. وهناك أسر فلسطينية تستأجر منازل خاصة في بعض الأحياء.

لقد قاتل الجيش العراقي في المنطقة الممتدة من حيفا إلى جنين أثناء حرب 1948 .وعند انسحابه اصطحب عدداً من اللاجئين الفلسطينيين (وهذا ما يفسر كون كثير من العائلات الفلسطينية في العراق تنحدر من حيفا). وقد قامت الحكومة العراقية بإسكان آلاف اللاجئين الفلسطينيين في المدارس ومعسكرات الجيش كتدبيرٍ عاجل. وسرعان ما بدأت تبني "أنظمة إيواء" مؤقتة لإسكانهم. وفي السبعينات أقامت الحكومة لهم مجمعاتٍ سكنية مزودة بالخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والصرف الصحي. لكن شروط المنازل المؤقتة كانت سيئة، كما أن المساكن التي بنتها الحكومة لم تكن كافيةً لاستيعاب النمو السريع في أعداد الفلسطينيين. واستجابةً لحاجة هؤلاء إلى السكن، بدأت الحكومة العراقية استئجار منازل خاصة من أجلهم وإسكانهم فيها مجاناً. ويقدر أن 63% من اللاجئين الفلسطينيين في العراق استفادوا من هذا الإسكان الذي وفرته الحكومة.

وعندما أدت العقوبات الدولية المفروضة بعد حرب 1991 إلى إضعاف الاقتصاد العراقي مسببةً تضخماً هائلاً، جمدت الحكومة الإيجارات التي كانت تدفعها لمالكي المنازل التي يسكنها الفلسطينيون، وذلك على غرار كثيرٍ من المدفوعات الحكومية. وفي أواخر التسعينات، صار مالكو المنازل، وأغلبهم من الشيعة، يتلقون مبالغ زهيدة جداً كأجور للمنازل التي يسكنها الفلسطينيون وبحسب مصادر عراقية مستقلة فإن إيجارات البيوت، التي كانت تدفعها الحكومة للكثير من الفلسطينيين، لم تكن تعادل أكثر من دولار أمريكي واحد في الشهر). ويمنع القانون العراقي المالك من إنهاء علاقة الإيجار. وبالتالي فإن المالكين الذين أجبروا على تأجير بيوتهم للفلسطينيين مقابل مبالغ تافهة قد جردوا من تلك العقارات عملياً. وفي عام 1999، حاول عددٌ من المالكين الشيعة في حي الطبجي ببغداد حل مشكلة الإيجار عن طريق القضاء. لكنهم خسروا القضية.

لكن ترتيبات الإسكان المواتية التي تمتع بها الفلسطينيون لم تكن السبب الوحيد في عداء بعض العراقيين لهم. ففي سبيل تعزيز صورته كقائدٍ عربي، أعلن صدام حسين عام 2001 عن تشكيل قوة شبه عسكرية جديدة هي "جيش القدس" بهدف "تحرير" القدس. وكان الذكور العراقيون ممن بلغوا سن التجنيد، وخاصةً من الشيعة والأكراد، غالباً ما يجبرون على "التطوع" للخدمة في تلك القوة. كما كان صدام حسين يمنح علناً تعويض "الشهيد"، والذي يعادل 25000 دولار، لأسر الفلسطينيين الذين ينفذون تفجيرات انتحارية، وكذلك مبلغ 10000 دولار لأسر غيرهم من الفلسطينيين الذين قتلوا في الانتفاضة. وكانت التقارير تشير إلى أن العراقيين والذين يعانون من نظام العقوبات الصارم، أبدوا الاستياء من قرار صدام حسين بإرسال مليار يورو كمساعدةٍ للفلسطينيين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

وكانت الحكومة العراقية تعفي الفلسطينيين من الخدمة العسكرية، بما في ذلك الخدمة في جيش القدس، لكنها كان تخضعهم لبعض القيود. فمنذ عام 1950، منحت الحكومة الفلسطينيين العراقيين وثائق السفر الخاصة باللاجئين دون إعطائهم جوازات سفر عراقية. وقد بقي من وفدوا في أعقاب حرب 1948 – 1949 وأحفادهم المولودين في العراق مسجلين بصفة لاجئين، ولم يصبحوا مواطنين. (كان ذلك هو الممارسة السائدة في بلدان الشرق الأوسط باستثناء الأردن الذي منح اللاجئين الفلسطينيين الجنسية الأردنية). وقد جعلت وثائق السفر الخاصة باللاجئين من سفر العراقيين إلى الخارج أمراً شديد الصعوبة؛ كما أخضع الفلسطينيون العراقيون إلى نفس القيود المفروضة على السفر إلى الخارج والتي فرضتها الحكومة العراقية على جميع العراقيين في التسعينات، وذلك من قبيل دفع 400,000 دينار عراقي (قرابة 200 دولار) للحصول على تأشيرة خروج. وفي أوائل عام 2000، أعلنت حكومة صدام حسين عن سياسةٍ جديدة تتضمن منح الفلسطينيين المقيمين في البلاد منذ 1948 حق الملكية العقارية في بغداد.

شهد الوضع الأمني لما يناهز 34000 لاجئاً فلسطينياً في العراق تدهوراً حاداً منذ سقوط حكم صدام حسين في أبريل/نيسان 2003. وتقوم جماعات مسلحة، جلّها من الشيعة، باستهداف هذه الأقلية التي يغلب عليها الطابع السني. فهم يهاجمون مبانيهم، ويقتلون عشراتٍ منهم، ويتوعدونهم بالأذى إن لم يغادروا العراق فوراً. وفي خضم العنف السياسي والإجرامي في العراق، تم استهداف الفلسطينيين أكثر من الأقليات الأخرى بسبب الاستياء من المكاسب التي حصلوا عليها إبّان حكم صدام حسين، وكذلك للاشتباه بأنهم يناصرون المقاومة.

لقد أضحى اللاجئون الفلسطينيون في العراق هدفاً للعنف والمضايقات والطرد من المنازل عقب سقوط الحكومة العراقية عام 2003 على يد قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة. حيث دأب مهاجمون مجهولون على إطلاق أسلحتهم الهجومية وقذائف الهاون على أماكن سكن الفلسطينيين، وإلقاء القنابل داخل بيوتهم. ولعل من الأسباب الهامة للعداوة قيام الحكومة العراقية السابقة بتقديم السكن المدعوم للفلسطينيين، وغالباً على حساب المالكين الشيعة الذين كانت الحكومة تدفع لهم بدلات إيجار زهيدة. وفور سقوط حكومة صدام، قام المالكون الشيعة بطرد المستأجرين الفلسطينيين.

ومنذ ذلك الحين استمرت ظروف اللاجئين الفلسطينيين في العراق بالتدهور. وأدى تفجير 22 فبراير/شباط 2006 الذي دمر واحداً من أقدس الأضرحة الشيعية، وهو جامع الإمام العسكري في سامراء، إلى موجةٍ من القتل الطائفي لازالت مستمرةً حتى اليوم. حيث هاجم مسلحون قيل بأنهم من الشيعة أماكن سكن الفلسطينيين في بغداد فقتلوا عشرة منهم على الأقل كان بينهم شقيقا الملحق الفلسطيني السابق في بغداد، واللذين اختطفا من منزل والدهما يوم 23 فبراير/شباط ثم وجدا مقتولين في أحد برادات الجثث بعد يومين.

وفي أواسط شهر مارس/آذار، وزعت جماعةٌ مقاتلة تدعو نفسها " سرايا يوم الحساب" منشورات في مناطق سكن الفلسطينيين متهمةً إياهم بالتعاون مع مجموعات المتمردين. وقالت تلك المنشورات: "ننذركم بأننا سنطردكم جميعاً إذا لم تغادروا المنطقة نهائياً خلال عشرة أيام". وقد أدت حوادث القتل والتهديد به إلى جعل الفلسطينيين يعيشون "حالة صدمة" كما يقول مفوض الأمم المتحدة السامي للاجئين. كما دعت تلك الحوادث رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس والمفوض السامي للاجئين أنطونيو غوتيريس إلى مناشدة الرئيس العراقي جلال الطالباني التدخل لوقف أعمال القتل بحق الفلسطينيين. ومازال الذعر يحيط بتجمعات الفلسطينيين في بغداد، وهناك آلافٌ من فلسطينيي العراق يتلهفون لمغادرته. ومازال القتل مستمراً، فقد أفادت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين عن مقتل ما لا يقل عن ستة فلسطينيين عراقيين في بغداد وعن تجدد تهديدات القتل الموجهة إلى الفلسطينيين في الأسبوعين الأخيرين من شهر مايو/أيار.

تتحمل الحكومة العراقية شطراً كبيراً من المسؤولية عن محنة الفلسطينيين في البلاد. ويساهم عناصر وزارة الداخلية في ما يصيب الفلسطينيين من اعتقالات تعسفية وتعذيب وقتل وحالات "اختفاء". ورغم تمتعهم بصفة اللاجئين، فإن فلسطينيي العراق يخضعون إلى شروط تسجيل جديدة شديدة الوطأة تفسح المجال أمام العداوة البيروقراطية. وعلى النقيض من المواطنين العراقيين المعرضين للخطر، والذين يتمكن معظمهم من إيجاد ملجأ خارج البلاد، فليس أمام الفلسطينيين مكانٌ يفرون إليه. فدول المنطقة (مع استثناءاتٍ قليلةٍ عارضة) تغلق حدودها بإحكامٍ أمام الفلسطينيين الفارين من العراق. ولا يكاد المجتمع الدولي يفعل شيئاً لتخفيف هذه المحنة.

ولم تفعل الحكومات العراقية في مرحلة ما بعد صدام شيئاً يذكر لحماية الفلسطينيين العراقيين (الذين منحوا جميع حقوق المواطنين ما عدا المواطنة الفعلية وحق التملك). كما ساهم بعض العناصر داخل الحكومة مساهمةً فعلية في انعدام الأمن الذي يعيشونه. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2005، دعت وزيرة الهجرة والمهجرين الحكومة إلى إبعاد جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى غزة متهمةً إياهم بالمشاركة في الأعمال الإرهابية. وقد تلقت منظمات حقوقية دولية إفاداتٍ متطابقة من فلسطينيين عراقيين تتحدث عن قيام جهات تابعة لوزارة الداخلية بمضايقة اللاجئين الفلسطينيين في العراق وممارسة التمييز بحقهم واستهدافهم بالاعتقال واتهامهم بالإرهاب. وتحدث فلسطيني احتجز ثمانيةً وستين يوماً في قاعدة الكوت العسكرية جنوب بغداد عن التعذيب الذي يعتقد أنه تعرض له لمجرد كونه فلسطينياً: كان الحرس يدخلون غرفة الاحتجاز ويسألون عن "الفلسطيني"؛ وكانوا يضربونه بانتظام ويعرضون قضيبه للتيار الكهربائي. وقد قال محامي مجموعة من الفلسطينيين اعتقلوا في مايو/أيار 2005 بتهمٍ تتعلق بالإرهاب أن موكليه تعرضوا للضرب بالسلاسل الحديدية وللصدمات الكهربائية ولحرق الوجه بالسجائر، ووضعوا في غرفةٍ تغمرها مياهٌ مكهربة. كما اعتقلت وحدات الحرس الوطني العراقي في أبريل/نيسان 2005 فلسطينياً في الخامسة والسبعين من العمر؛ ومازال الرجل "مختفياً"، مع وجود شكوك بقيامهم بقتله أثناء الاحتجاز.

وبعد أن كان اللاجئون الفلسطينيون يتمكنون بسهولةٍ من تجديد إقامتهم في العراق فيما مضى، أصدرت وزارة الداخلية تعليماتها لهم بالحصول على تصاريح إقامة قصيرة الأجل معاملةً إياهم بوصفهم أجانب غير مقيمين بدلاً من معاملتهم كلاجئين معترفٍ بهم. كما أن إجراءات الحصول على الإقامة شاقةٌ ومرهقة، إذ تتطلب أن يُحضر اللاجئ الفلسطيني جميع أفراد أسرته إلى مكتب تابع لوزارة الداخلية بغية تجديد تصاريح الإقامة، وهو أمر قد يستغرق أياماً أو أسابيع. كما أن تصاريح الإقامة الجديدة تكون صالحةً لشهرٍ أو شهرين فقط.

ويواجه الفلسطينيون الذين يحاولون الفرار من العراق عقباتٍ أكبر بكثير مما يواجهه المواطنون العراقيون بمن فيهم أفراد الأقليات الأخرى المعرضون للخطر كالمندائيين والكلدان. حيث ترفض البلدان المجاورة كالأردن والكويت والسعودية وسوريا استقبالهم، ولا تسمح إسرائيل عموماً بعودتهم إلى أراضيها أو إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. أما فرص إعادة توطينهم في بلدانٍ أخرى فهي محدودة جداً.

لقد أدت الهجمات التي استهدفت اللاجئين الفلسطينيين العراقيين عام 2003 إلى تشريد الآلاف منهم داخلياً، إضافةً إلى فرار المئات إلى الأردن. وقد أغلق الأردن حدوده في البداية، ثم سمح بدخول عدة مئات منهم إلى مخيم الرويشد المعزول القاحل الذي يقع على مسافة 85 كم داخل الحدود الأردنية. أما بقية الفلسطينيين العراقيين فظلوا أكثر من سنتين في مخيم الكرامة الذي لا يقل قسوةً والواقع داخل المنطقة العازلة على الحدود العراقية الأردنية، إلى أن قامت السلطات الأردنية بإغلاقه عام 2005 ونقلهم إلى مخيم الرويشد. وخلال السنوات الثلاث الماضية، كان عدة مئاتٍ من الفلسطينيين بمثابة سجناء في مخيم الرويشد. وقد فضل قرابة 250 منهم العودة إلى الوضع الخطير الذي كانوا يعيشونه في العراق على البقاء في المخيم دون بارقة أمل بإيجاد حلٍّ لمحنتهم.

لقد بقيت مجموعةٌ من الفلسطينيين العراقيين يناهز عددها 200 شخصاً عالقةً على الجانب العراقي من الحدود مع الأردن منذ مارس/آذار حتى مايو/أيار 2006، بعد أن رفض الأردن إدخالهم وقامت قوات حرس الحدود العراقية بإعادتهم قسراً إلى الأراضي العراقية. وعلى إثر طلبٍ قدمه وزير خارجية السلطة الفلسطينية، سمحت سوريا لهؤلاء اللاجئين الفلسطينيين بدخول أراضيها ثم عادت فأغلقت حدودها أمامهم على الفور.

ليس اللاجئون الفلسطينيون بالجماعة السكانية الوحيدة التي تتعرض لخطرٍ خاص داخل العراق. فكثيرٌ من الأقليات الأخرى، كالكلدان والمندائيين، تجد نفسها عرضةً لهجماتٍ متكررة، وقد فرت أعدادٌ كبيرة من أفرادها خارج البلاد. كما يفر العراقيون العاديون من السنة والشيعة جراء النزاع المسلح والعنف الإجرامي داخل العراق.

وضع اللاجئين الفلسطينيين وضعٌ فريد لأنهم غير قادرين على التماس اللجوء في البلدان المجاورة أو في غيرها. فالبلدان المجاورة تقفل حدودها أمامهم بإحكام، وترفض إسرائيل السماح بعودتهم، كما أن فرص إعادة توطينهم في بلدانٍ أخرى محدودة جداً.

منذ تبني الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين عام 1951 (اتفاقية اللاجئين)، ظهرت ثلاثة "حلول دائمة" بموجب القانون الدولي والسياسات الخاصة باللاجئين من شأنها تمكينهم من إنهاء حالة اللجوء وإعادة بناء صلات فعلية في بلدٍ ما. وهذه الحلول هي: 1-الإعادة الطوعية إلى أوطانهم الأصلية، 2- الاندماج في بلد اللجوء، 3- إعادة التوطين في بلدٍ آخر.

وتشجع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين على الإعادة الطوعية (العودة الطوعية للاجئين إلى أوطانهم الأصلية) بوصفها الحل الأمثل لأزمات اللاجئين. وتترتب على المفوضية مسؤوليةٌ قانونية في تشجيع هذه العودة، وتسهيلها والتشجيع عليها.

إن حق المرء في العودة إلى بلده حقٌّ إنسانيٌّ أساسي تعترف به كثيرٌ من القوانين الدولية لحقوق الإنسان. وهو مضمونٌ بشكلٍ أكثر وضوحاً في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تحت الحق في حرية الانتقال الذي يتضمن حق الشخص في دخول بلده. ويمكن العثور على أساس الحق في العودة بموجب قانون اللاجئين الدولي في اتفاقية اللاجئين وفي البروتوكول الملحق بها عام 1967، إضافةً إلى كثيرٍ من الاتفاقيات الإقليمية الخاصة باللاجئين، وكذلك قرارات الأمم المتحدة والنتائج التي خلصت إليها اللجنة التنفيذية في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. كما أن هناك إعلانات محددة تتعلق باللاجئين الفلسطينيين، وأهمها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي حفظت حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة.

وقد عبرت السلطة الوطنية الفلسطينية أكثر من مرة عن استعدادها لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين الفارين من العراق في غزة، وإصدار جوازات فلسطينية لهم. لكن إسرائيل رفضت المساهمة في هذا الحل الذي تستطيع منع تنفيذه من خلال سيطرتها على حدود غزة والضفة الغربية. كما حاولت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، مرتين، تشجيع إسرائيل على السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين من العراق. وكانت المرة الأولى عام 2003 حيث كان موضوعها ستة أو ثمانية لاجئين فلسطينيين تربطهم صلات مباشرة بغزة. أما المرة الثانية فكانت عام 2006 عندما قدمت المفوضية لإسرائيل قائمة باللاجئين الفلسطينيين الذين تربطهم صلات مباشرة بغزة ممن كانوا عالقين على الحدود الأردنية العراقية. لكن إسرائيل رفضت في المرتين طلب المفوضية السماح للاجئين الفلسطينيين بدخول غزة.

لم يكن الحل الدائم المتمثل في الاندماج بالمجتمع المحلي متاحاً للفلسطينيين في العراق، وهو غير متاحٍ لهم في ظل الحكومة العراقية الجديدة أيضاً. فنجاح الاندماج مرتبطٌ بعوامل كثيرة منها استعداد اللاجئين للتوطين حيث هم، ومدى ترحيب والتزام البلد المضيف وسكانه باندماجهم فيهم.

أما الحل الدائم الثالث فهو إعادة التوطين، أي نقل اللاجئين من بلد اللجوء الأول إلى بلدٍ آخر يوافق على تقديم الحماية لهم. وتعتبر إعادة التوطين استراتيجية حماية ملائمة في حالة اللاجئين الذين لا يمكن ضمان سلامتهم وأمنهم في بلد اللجوء الأول، أو حالة اللاجئين الذين تكون لهم احتياجاتٌ إنسانية خاصة لا يمكن تلبيتها في بلد اللجوء الأول. كما أنه حلٌّ دائمٌ مناسب بالنسبة لمن لا يستطيعون العودة إلى بلدهم الأصلي أو الاندماج في بلد اللجوء، أو لا يرغبون بذلك. كما تمثل إعادة التوطين آليةً يمكن للبلدان الغنية من خلالها تحمّل قسط من المسؤولية عن مشكلة اللاجئين بشكلٍ عام.

لكن منظمة التحرير الفلسطينية والجامعة العربية تعارضان مبدأ اندماج اللاجئين الفلسطينيين في بلدان اللجوء أو إعادة توطينهم في بلدانٍ أخرى معارضةً مبدئية، كما سعت فعلياً إلى إفشال تطبيقه من الناحية العملية. وتتمثل وجهة نظرهم في أن من شأن اندماج اللاجئين أو إعادة توطينهم إبطال حق العودة وتشير الدول العربية التي تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين إلى واجب إسرائيل القانوني بالسماح لهم بالعودة، وذلك تبريراً لرفضها دمج اللاجئين الفلسطينيين وإعطائهم حقوقاً مساوية لحقوق مواطنيها. والأردن هو البلد الوحيد الذي منح المواطنة للاجئين الفلسطينيين مخالفاً ما ذهبت إليه بقية الدول العربية.

ويرفض كل من الأردن وسوريا (عدا بعض الاستثناءات) السماح بدخول الفلسطينيين الذين يحاولون الفرار من العراق؛ في خرق للحظر الدولي على "الإبعاد". وعندما وافقت الدولتان على حدوث استثناءات مؤقتة من رفضهما هذا، وضعتا شرطاً على قبول اللاجئين الفلسطينيين هو إبقاؤهم محتجزين داخل المخيمات كمخيم الرويشد في الأردن عام 2003 ومخيم الهول في سوريا عام 2006( وهو مخيمٌ قرب الحسكة تديره المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومعظم من فيه من العراقيين). وبفعل الالتزام الواسع بسياسة رفض إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين، انتظر سكان هذين المخيمين فترةً أطول مما احتاجه غيرهم من اللاجئين الفارين من العراق قبل التمكن من إعادة توطينهم في بلدانٍ أخرى.

مع تجدد الأزمة على الحدود الأردنية، حثت حكومة حماس الفلسطينية المنتخبة حديثاً دول المنطقة على استقبال الفلسطينيين الفارين من العراق فيما بدا خروجاً على موقف منظمة التحرير الفلسطينية القائل بأن الفلسطينيين العراقيين يجب أن يعودوا إلى فلسطين أو أن يظلوا في العراق. وخلال زيارته الأولى إلى سوريا، أعلن وزير الخارجية الفلسطيني الجديد محمود الزهار أنه تلقى وعداً من السلطات السورية باستقبال الفلسطينيين العالقين على الحدود العراقية الأردنية.

وجاء العرض السوري مخالفاً للسياسة السياسة السورية السابقة في إغلاق الحدود أمام الفلسطينيين، وذلك على غرار السياسة الأردنية. وكانت سوريا قد سمحت في السابق لمجموعةٍ من 18 فلسطينياً، ظلوا على الحدود السورية العراقية من 4 أكتوبر/تشرين الأول حتى 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2005، بالتوجه إلى مخيم الهول للاجئين، لكن ذلك لم يحدث إلا بعد مفاوضاتٍ مكثفة بين المفوضية والسلطات السورية.

وفي 9 مايو/أيار 2006، قامت منظمة الهجرة الدولية بنقل أكثر من 250 فلسطينياً عراقياً عالقين على الحدود العراقية الأردنية إلى سوريا. ثم نقلتهم السلطات السورية إلى مخيم الهول. ومن المفترض أن يتلقى هؤلاء اللاجئون بعد ذلك مساعدات الأونروا؛ ويرجح أن يكون ذلك بعد نقلهم إلى المخيم الذي تديره الأونروا حيث تفرض قيود على التنقل أقل مما يفرض في مخيم الهول. وقد عادت السلطات السورية في اليوم التالي فسمحت بعبور مجموعةٍ أخرى من 37 فلسطينياً عراقياً جاؤوا مباشرةً من بغداد إلى الحدود السورية. لكن السوريين، ومنذ مايو/أيار، يغلقون الحدود السورية العراقية أمام الفلسطينيين العراقيين. وعند إعداد هذا التقرير، كانت لاتزال مجموعةٌ تقارب 350 فلسطينياً عراقياً (ومنهم أطفال ونساء حوامل) عالقةً في المنطقة العازلة عند الحدود السورية( كانت منظمتنا قد طالبت بإيجاد حل عاجل وسريع لمشكلتهم وذلك بتصريح صحفي لرئيس المنظمة الأستاذ عبد الكريم ريحاوي بتاريخ 8/10/2006). وعلى النقيض من حال الفلسطينيين، يواصل المواطنون العراقيون دخول كل من الأردن وسوريا بأعدادٍ كبيرة، مما يظهر الطبيعة التمييزية للسياسات الأردنية والسورية تجاه الأشخاص الفارين من العراق.

هذا وترفض معظم دول الغرب، بما فيها الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي، قبول إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين لديها، إلا في "حالات إنسانية" قليلة وقد أفادت تقارير بعض المنظمات الدولية أن كندا تفكر في إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين الموجودين في مخيم الرويشد، لكنها لم تتخذ قراراً نهائياً بعد، لكن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تتوقع أن لا تتمكن كندا من إعادة توطين جميع الفلسطينيين في مخيم الرويشد؛ وهذا ما من شأنه ترك بعض الفلسطينيين في وضعٍ معلق.

إن السياسة الحالية التي تتبعها الدول المجاورة للعراق (إقفال الحدود في وجه اللاجئين الفلسطينيين ورفض دراسة الخيارات البديلة من قبيل التوطين في بلدانٍ أخرى) تنتقص بشدةٍ من قدرة اللاجئين الفلسطينيين على التماس السلامة خارج العراق.

وتقع المسؤولية الأولى عن حماية اللاجئين الفلسطينيين داخل العراق على عاتق الحكومة العراقية التي تتحمل مسؤوليةً دولية عن منع انتهاكات حقوق الإنسان التي تصيب الأشخاص الموجودين ضمن أراضيها، بمن فيهم غير المواطنين، وإنزال العقاب بمرتكبيها. ومن الضروري أن تتخذ الحكومة العراقية خطوات عاجلة لتوفير الأمن للاجئين الفلسطينيين في العراق وإنهاء الممارسات التمييزية والمسيئة بحقهم من جانب وزارة الداخلية والجهات الحكومية الأخرى. كما تظل القوات متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة مسئولة عن توفير الأمن في معظم أنحاء العراق؛ ويجب أن يتضمن ذلك حماية الأقليات المعرضة للخطر، ومنها اللاجئون الفلسطينيون.

إن (ســواســية) المنظمة السورية لحقوق الإنسان تدعو الدول المجاورة للعراق إلى فتح حدودها أمام اللاجئين الفلسطينيين القادمين من العراق ومنحهم نفس فرص النجاة من الاضطهاد والعنف المعمم التي تمنحها للعراقيين. إن أزمة اللاجئين الفلسطينيين الراهنة في العراق تستدعي حلاً إقليمياً، وعلى جميع دول المنطقة (بما فيها إسرائيل ودول الخليج) المساهمة في تحمل عبء قبول اللاجئين الفلسطينيين الفارين من العراق وإيوائهم. كما ينبغي على المجتمع الدولي كله مساعدة حكومات المنطقة والمساهمة في حمل ذلك العبء إما بالمساعدة المالية أو من خلال توطينهم في بلدان أخرى.

وعلى الدول المجاورة احترام حق اللاجئين الفلسطينيين بالتماس السلامة واللجوء خارج العراق طالما أنهم يواجهون انعدام الأمن والاضطهاد داخله. ولا يجوز أن يقع عبء توفير السلامة واللجوء على عاتق دولةٍ مجاورةٍ واحدة بل يجب أن تتقاسمه جميع دول المنطقة (إن مبادرة سوريا باستقبالهم يجب أن تكون مثالا يحتذى بالنسبة للبلدان المجاورة) . كما أن على إسرائيل أيضاً عدم انتظار التوصل إلى حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين على الحدود، وعليها السماح للاجئين الفلسطينيين العراقيين الذين تربطهم صلاتٌ مباشرة بغزة بالعودة إلى المناطق التي تديرها السلطة الوطنية الفلسطينية الآن.

وعلى المجتمع الدولي أيضاً أن يساهم في تحمل العبء، عبر تقديم مساعدات مالية إلى البلدان التي تستقبل اللاجئين الفلسطينيين من العراق، وكذلك دراسة حالة أصحاب الأوضاع الهشة من اللاجئين لمنحهم إمكانية إعادة التوطين لأسبابٍ إنسانية. وفي حين يمكن أن تتردد مختلف الدول في عرض إعادة توطين اللاجئين بسبب موقف منظمة التحرير الفلسطينية والجامعة العربية الرافض لذلك، فمن غير الممكن بعد الآن تجاهل الوضع الانساني الصعب للفلسطينيين الفارين من العراق.

اعداد دمشق12/10/2006

مكتب الاعلام في

( ســواســية) المنظمة السورية لحقوق الإنسان



 

info@sawasiah.org

+963 93 299555