أحداث 11 أيلول أيقظت «المارد» فغرق العالم في بحر من فوضى «الإرهاب» والتخلّف
في ذكرى الهجمات... تفسيرات تثير الشبهة ومذكرات ورسائل تكشف خفايا وأسرار العملية
الموظفون اليهود ابلغوا عدم الحضور إلى برجي التجارة واعتقال عناصر من الموساد راقبت المهاجمين
إعداد : ميشال نصر
لم يكن الهجوم الذي تعرضت له الولايات المتحدة الأميركية يوم الثلاثاء 11/9/2001، وأدي إلى تدمير برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك وقسم من مبنى وزارة الدفاع (البنتاغون)و أسفر عن خسائر بالغة سياسية واقتصادية وأمنية... لم يكن الحدث الإرهابي الأول أو الأبشع الذي تتعرض له البشرية في تاريخها القديم أو الحديث والمعاصر، وما زالت الذاكرة تعج بصور وأخبار قريبة لمآس إنسانية بشعة خلفتها أعمال إرهابية جنونية تتحمل مسؤولية بعضها دول كبرى يفترض فيها أنها تقود مسيرة الحضارة والمدنية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا.
ولكن هذا الهجوم هو الحدث الأكبر على مستوى الولايات المتحدة نفسها وهي العظمى المهيمنة في عالم تشكل فيه القطب الأوحد المتحكم في القسم الأكبر من حركته السياسية والاقتصادية والإعلامية والعسكرية
والحضارية، وقد أثار هذا الحادث من هوله ذهول العالم اجمع واستقطب تفاعل وتعاطف الجميع مع الولايات المتحدة وإبداء الاستعداد لبذل الجهود المكثفة للقيام بما ينبغي من إجراءات محلية وإقليمية ودولية لمواجهة ومحاربة الجهات التي تقف وراء الهجوم، وسرعان ما تسارعت الأحداث ليتصدر الرد العسكري الأميركي على الهجوم قائمة الإجراءات التي ستتخذ في الميادين المختلفة لمواجهته.
بالرغم من كون هذا الهجوم ليس الحادث الإرهابي الأول الذي يشهده العالم وتعرضت له الولايات المتحدة إلا انه تفرد بجملة من الخصائص ميزته عن غيره من الأحداث الإرهابية التي شهدها العالم في تاريخه المعاصر سواء ما كان منها ذا طابع سياسي أو عسكري أو اقتصادي، بما في ذلك ما شهده من أحداث الحربين العالميتين الأولى والثانية. وبقدر خصوصية وتفرد هذا الهجوم بقدر ما كانت الآثار وردود الفعل عليه بالغة ومتفردة، وكما أن الحروب الكبرى تكون دائماً بداية لتحولات عالمية كبيرة، فان هذا الحدث كان له ما بعده من التحولات الإقليمية والدولية.. لعل ابرز الجوانب التي تعكس خصوصية هذا الهجوم تتلخص بالنقاط التالية:
إن هذا الهجوم استهدف الولايات المتحدة الأميركية الدولة الأقوى في العالم والأكثر هيمنة على الإعلام والسياسة والاقتصاد، مما يعني قدرتها الفائقة على استقطاب وتجييش الموقف الدولي بكل مؤسساته، وتعبئة الرأي العام العالمي ضد هذا الهجوم وتحريك الجميع لاتخاذ الإجراءات المناسبة لتصفية المسؤولين عنه وكل من يمت لهم بأدنى صلة، وسوف تعمد الولايات المتحدة إلى استثمار هذا الحدث بكل طاقاتها وفي كل الاتجاهات والمجالات لتتجاوز في أهدافها حدود الرد على الهجوم.
2- أن الهجوم أصاب وبنجاح مواقع حيوية واستراتيجية ضربت الولايات المتحدة في قلب مكانتها الدولية وهيبتها، مما يعني انهيار المزاعم الأمنية الأميركية، وأنها في الوقت الذي تتحرك فيه لبناء درع صاروخي يحميها من أي اعتداءات إرهابية خارجية جاءتها الاعتداءات من داخلها وبصورة لم تخطر على بال أحد من حماة الأمن والاستقرار الأميركي، الأمر الذي سيدفع القيادة الأميركية إلى القيام بمراجعات شاملة لمفهوم الأمن المحلي ومؤسساته وبرامجه ضمن استراتيجيات جديدة تأخذ في اعتبارها التهديدات الداخلية بنفس القدر الذي تأخذه للتهديدات الخارجية.
3- إن هذا الهجوم لم يتم من قبل دولة أو عدو محدد يمكن الرد عليه وإلحاق الهزيمة به بما يعيد لأميركا هيبتها ومكانتها المنهارة، وان أقصى ما يمكن لأميركا القيام به هو توجيه ضربات عسكرية استئصالية حاسمة للعناصر المشتبه في ضلوعهم في الهجوم، وهذا يعني محاولة القضاء على مجموعات زئبقية مكونة متناثرة تدرك أميركا استحالة القضاء عليهم، وحتى في حال نجاحها فان مثل هذا الرد لا يتناسب مع حجم الخسائر المادية والمعنوية التي أوقعها الهجوم ولا مع حجم ومكانة الولايات المتحدة الدولية وقوتها السياسية
والعسكرية، وهذا يعني أن الرد لن يقتصر على هدف القضاء على المجموعات المسؤولة عن الهجوم، وانما سيتجاوز ذلك بكثير بما يتناسب وحجم الولايات المتحدة ويسمح لها باستعادة هيبتها ومكانتها.
4- إن الهجوم لم يأت من خارج الولايات المتحدة، وانما من داخلها وعبر مطاراتها وأدواتها وأجهزتها المدنية المختلفة، ولا بد أن يكون قد استغرق وقتاً طويلا من الإعداد والتدريب داخل الولايات المتحدة مما ينسف قدرات الأجهزة الأمنية الأميركية.
5- إن الطريقة التي تم بها الهجوم أذهلت الجميع وفاقت جميع التوقعات، وهذا يعني أن الذهنية التي تفتقت عن مثل هذه العمليات يمكن أن تتفتق عن أفكار جديدة اكثر خطورة وافدح آثاراً.
6- إن الهجوم استهدف الولايات المتحدة الأميركية فقط، دون غيرها من الدول وكان من الممكن توجيه عدة ضربات مماثلة متزامنة في اكثر من دولة في العالم، مما يعني أن الولايات المتحدة مستهدفة لذاتها كرد فعل على سياسات ومواقف وتصرفات معينة، فهي المعتدى عليها وهي المعنية قبل غيرها بالرد على الهجوم وتحديد الوسائل والإجراءات المناسبة التي تحقق أهدافه، وان تعارضت مع وجهة نظر حلفائها والمتعاطفين معها.
7- إن هجوما بهذا الحجم يعتبر درساً بليغاً لطرفي الصراع في الدول التي تعاني من توترات وأزمات سياسية داخلية على أساس ديني أو عرقي أو حزبي، فهو درس للأنظمة الحاكمة بضرورة مراجعة سياستها الداخلية التي تقف وراء أسباب التوتر والصراع وليس فقط مراجعة البرامج والسياسات الأمنية التي تعالج بها هذا التوتر والصراع، وهو في الوقت نفسه درس للقوى المعارضة المتطرفة فيما يمكن أن تذهب إليه في عملياتها الموجهة ضد الأنظمة الحاكمة التي تعارضها، وهذه القوى غالبا ما لا تحسب حسابات متزنة للنتائج والآثار التي تترتب على أعمال العنف التي تقوم بها.
العراق بعد خمس سنوات
بعد مضي خمس سنوات على تلك الهجمات، فإن الإدارة الأميركية التي لا تخلو من العقائديين وعشاق المغامرات الحربية، تقف في ذروة المشهد الجديد، بعد ان خاضت حربا ضارية في أفغانستان والعراق بينما تنتشر قواتها في الممرات المائية الحساسة والبؤر الملتهبة في العالم، لتجسيد مقولة «شرطي الأرض».
وداخليا، تراجعت قيمة الحرية في أميركا لصالح عقدة الأمن، وقليلون أولئك الذين يلتفتون اليوم إلى ذلك التمثال الشهير في نيويورك الذي يمجد الحرية، بعد أن علقت بأذهانهم صورة الحريق الكبير في مانهاتن، بما يثيره من كوامن غضب تشبه في انبعاثها مشهد سحب الأدخنة والغبار، المنطلقة من حطام البرجين الشاهقين.
ولعل النتيجة التي آلت إليها الحالة في غرب الأطلسي، هي أن أميركا باتت اليوم اعجز عن تصدير شعارات الحرية إلى أمم العالم، من أي وقت مضى، ويبدو أن التدهور قد طال ملفات حرية الرأي والحقوق المدنية، واصبح السياسيون الأميركيون منشغلين بتبرير الخروج الأميركي المذهل عن المعايير القانونية، سواء تعلق الأمر بحزمة قوانين «مكافحة الإرهاب» أو برفض معاملة سجناء غوانتانامو كأسرى حرب.
حتى شعارات العولمة سقطت في واد سحيق بعد 11 أيلول 2001 إذ لم يعد هناك من يتباهى بالانفتاح والاتصالات العابرة للحدود وحرية تدفق التجارة ورؤوس الأموال.
ويكاد الحديث يدور اليوم عن تعزيز الأطواق الأمنية، ومكافحة تسلل المهاجرين، وفرض الإجراءات الحمائية، لتعزيز صناعات الصلب مثلا، وتعقب رأس المال بشتى الصور، وهو المتهم بأنه شريان الإرهاب وعصب الجريمة المنظمة.
بالمقابل، علت التحذيرات من «عولمة الإرهاب» أو «الإرهاب المعولم»، وهو نمط يكثر الحديث عنه في سياق تبرير «العولمة الأمنية» التي أخذت تطل برأسها بشكل لم يسبق له مثيل، لتدوس في طريقها الكثير من الحريات العامة والشخصية، وتمعن في انتهاك المجال الشخصي للأفراد.
أسئلة كثيرة راودت الأذهان وما زالت، كل وأحد منها يحمل في طياته العديد من التساؤلات : ما الذي حدث بالفعل؟ من فعلها، أصحيح هي القاعدة؟ لماذا؟ ولخدمة من؟ وماذا بعد؟ عشرات الأسئلة التي عرفنا الإجابة على بعضها وبعضها الآخر يبقى يراوح ما بين التخمين واليقين.
قيل الكثير عن خلفيات وأسرار هجمات 11 (أيلول)، ونسج عنها أقاويل وادعاءات عديدة، بعضها اقرب إلى الأساطير، حتى أن مؤلفا فرنسيا مغمورا حقق أكبر مبيعات الكتب عبر العالم، سنة 2002، بكتاب ادعى فيه انه لم تسقط أي طائرة على مبنى البنتاغون بل ضرب بصاروخ! وتم تداول شائعات كثيرة زعم بعضها أن عددا من الانتحاريين التسعة عشر اتصلوا بذويهم بعد الهجمات، وقالوا بأنهم ما يزالون أحياء، وادعى البعض الآخر بوجود أيد إسرائيلية في الهجمات، سواء بمراقبة أو تتبع الانتحاريين أو بإصدار تحذير مسبق قيل انه وجه إلى الشهود الموجودين ببرجي مركز التجارة العالمي في صباح التفجير لإخطارهم بضرورة مغادرة المكان،
اتهامات بلا أدلة
بالرغم من أن كل هذه الأقاويل لقيت رواجا كبيرا لدى هواة «نظرية المؤامرة»، إلا أن أية قرائن أو أدلة ملموسة لم تأت لتؤكدها طوال السنوات الأربع المنقضية منذ هجمات 11 أيلول، لكن رواج مثل هذه الأقاويل التي لا سند مؤكداً لها، لا يمنع بأن هناك «مناطق الظل» مريبة، وخاصة فيما يتعلق بأداء أجهزة الأمن والاستخبارات الأميركية في الفترة التي سبقت 11 (أيلول)، حيث فشلت الأجهزة الأميركية في إحباط الهجمات.
فقد بينت التحقيقات اللاحقة وفي ما يلي مجموعة من الوثائق التي لو لم تتعرض للإهمال أو التجاهل لكان بإمكان واشنطن تجنب كارثة 11 أيلول.
المذكرة السرية الأولى
الوثيقة الأولى عبارة عن مذكرة سرية رفعتها الاستخبارات المركزية الأميركية إلى الرئيس بوش، يوم 6 (آب) 2001، أي قبل الهجمات بـ 35 يوما، وجاء فيها أن أسامة بن لادن قرر ضرب الولايات المتحدة ونقل «المعركة» إلى داخل ترابها الوطني انتقاما من هجمتها الصاروخية ضد قواعده في أفغانستان، سنة 1998، وذكرت الوثيقة بمحاولات بن لادن السابقة لتوجيه ضربات إرهابية داخل الولايات المتحدة، مؤكدة أن الفشل لا يمنعه من معاودة الكرة، وانه متعود على تحضير هجماته قبل سنوات عدة من موعد تنفيذها، لكن الأهم من ذلك أن الوثيقة كشفت أن السفارة الأميركية في الإمارات العربية المتحدة تلقت اتصالا مفاده أن عناصر من «القاعدة» يوجدون في الولايات المتحدة ويعدّون لهجوم إرهابي، وتضيف الوثيقة أن مكتب التحقيقات الفيدرالي يجري حوالي 70 تحقيقاً متعلقاً بنشاطات أنصار بن لادن فوق التراب الأميركي، وان تلك التحقيقات رصدت تحركات مريبة تتعلق بخطف طائرات!
المذكرة السرية الثانية
- الوثيقة الثانية عبارة عن تقرير أعدّه فرع مكتب التحقيقات الفيدرالي في مدينة فينكس، بتاريخ 10 (تموز) 2001، أي قبل شهرين كاملين من هجمات 11 أيلول، ويشير بأنه تم رصد عدد غير اعتيادي من أنصار بن لادن الذين كانوا يتابعون تدريبات في جامعات ومدارس الطيران المدني بولاية اريزونا، ويقول التقرير بوضوح أن الأمر ليس من محض الصدف، وانه يخشى انه يندرج ضمن مسعى منسق من قبل بن لادن لتكوين أشخاص قادرين على تدبير هجمات إرهابية تستهدف الطيران المدني، وتقترح الوثيقة - وهي موجهة إلى مصلحة مكافحة الإرهاب في المقر المركزي لمكتب التحقيقات الفيدرالي بواشنطن وفرعه في نيويورك - تعاون كل أجهزة الاستخبارات الأميركية لإعداد مسح شامل لكل مدارس التدريب على الطيران فوق التراب الأميركي، وإعداد قائمة بكل الأجانب الذين دخلوا الولايات المتحدة الأميركية بتأشيرات دراسية خاصة لمتابعة هذا النوع من التدريبات، لتكليف فروع مكتب التحقيقات الفيدرالي المتوزعة عبر التراب الأميركي بمراقبة كل من يشتبه منهم بان له صلات إرهابية.
المذكرة السرية الثالثة
- الوثيقة الثالثة هي دراسة استراتيجية تم إعدادها في (أيلول) 1999، أي قبل عامين بالضبط من هجمات 11 أيلول، من قبل «المصلحة الفيدرالية للأبحاث»، التابعة لأجهزة الاستخبارات الأميركية، وهي عبارة عن بحث استشرافي يرصد تطورات ظاهرة الإرهاب ويقدّم السيناريوهات المحتملة وأشكال الهجمات الإرهابية الجديدة المتوقعة مستقبلا، ويشير بان انتحاريين من «فيلق الشهداء» التابع لتنظيم «القاعدة» قد يستعملون أشكالا متعددة من الهجمات الإرهابية التي تستهدف العاصمة الأميركية، ومن ضمنها احتمال استعمال طائرات لصدم البنتاغون أو البيت الأبيض أو مقر وكالة الاستبخارات الأميركية!
المذكرة السرية الرابعة
- الوثيقة الرابعة عبارة عن مجموعة رسائل خطية كتبها من سجنه الأميركي زكريا موساوي، المتهم بأنه «الانتحاري العشرون» في هجمات 11 أيلول، وفيها يؤكد أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان يقوم بمراقبته هو والخاطفون التسعة عشر قبل هجمات 11 أيلول، ويتهم الـ«اف.بي.آي) بالتواطؤ عمدا في التستر على نشاطات الخاطفين التسعة عشر، بدليل انه تعمّد عدم اعتقال هاني حنجور، أحد هؤلاء الخاطفين، بالرغم من انه تم التبليغ عنه كعنصر خطير في مدرسة الطيران ذاتها التي اعتقل فيها موساوي، واللافت أن تهمة التستر ذاتها التي يقول بها موساوي تؤكدها محققة الـ«اف.بي.آي» التي اعتقلته بمكتب مينيابوليس، كولين روولي، التي قدمت استقالتها لاحقا، واتهمت كبار مسؤولي الـ«اف.بي.آي» بأنهم تصرفوا بشكل مريب للتستر على ما كان واضحا انه عبارة عن نشاطات إرهابية، واحتجت هذه المحققة بشكل خاص على منعها، قبل هجمات 11 أيلول، من تفتيش كمبيوتر موساوي، رغم حصولها على تأكيد من الاستخبارات الفرنسية بسوابقه الإرهابية وصلاته بـ«القاعدة»، وتعتقد انه لو اطلعت على محتويات الكمبيوتر لتمكنت من الامساك بطرف الخيط الذي كان من شأنه أن يسمح بإحباط الهجمات.
هجمات 11 أيلول!
من خلال هذا الكم الخطير من التفاصيل والمعلومات السرية التي تضمنتها هذه الوثائق، يتضح لنا، بما لا يترك مجالا للشك، أن الاستخبارات الأميركية كانت تعرف سلفا، وقبل وقوع هجمات 11 أيلول، بان أسامة بن لادن قرر نقل «المعركة» إلى التراب الأميركي، وانه أرسل عددا من أنصاره لتحضير هجمات إرهابية، وان التحقيقات رصدت - من جهة - تحركات إرهابية مريبة ترجح احتمال خطف طائرات، ومن جهة أخرى وجود عدد غير اعتيادي من أنصار بن لادن الذين كانوا يتابعون تدريبات في مدارس الطيران في أميركا، وبالذات في ولاية اريزونا، وإلى جانب كل ذلك، هناك دراسة استراتيجية توقعت قبل عامين من الهجمات لجوء انتحاريين من «القاعدة» لصدم البنتاغون أو البيت الأبيض بواسطة طائرات مختلفة، والسؤال المطروح حيال كل هذه المعطيات، وهو: ما مكمن الخلل في أداء أجهزة الاستخبارات الأميركية بخصوص هذه القضية؟ هل
هو قصور أم تقصير أم تواطؤ؟ لا يمكن القول بأن الأجهزة الأميركية والقرائن التي من شأنها - لو استغلت بالشكل الأمثل - أن تؤدي لكشف الخاطفين التسعة عشر وإحباط مشروعهم، فما الذي حدث إذن؟ هناك قدر واضح من التقصير والإهمال، وذلك في أعلى مستويات المسؤولية، فالبيت الأبيض اعترف في شهر نيسان 2004، بعد اكثر من عامين ونصف العام من الإنكار والمماطلة، بان الرئيس بوش لم يقرأ الوثيقة الأولى التي تلقاها يوم 6 آب الا في صباح 12 أيلول، أي في اليوم الذي تلا الهجمات.
اطلاع بدون إجراء
أما الوثيقة الثانية التي حذّرت من وجود عدد مريب من أنصار أسامة بن لادن في مدارس الطيران بأريزونا، وطالبت بإعداد قائمة بكل الأجانب الذين دخلوا البلاد بتأشيرات للالتحاق بمدارس الطيران لمتابعة الذين يشتبه بان لهم صلات أو سوابق إرهابية، فان لجنة التحقيق التي شكلها الكونغرس الأميركي بخصوص هجمات 11 أيلول قامت بفحص كمبيوترات مصلحة مكافحة الإرهاب بالمقر المركزي لمكتب التحقيقات الفيدرالي بواشنطن، لمعرفة كيف تم التصرف حيال هذه الوثيقة، وتبّين أنها تمت دراستها يوم 27 (تموز) 2001، وكتبت في الكمبيوتر ملاحظة تقول: تم النظر فيها مع «وحدة أسامة بن لادن» (خلية متخصصة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية)، وتقرّر عدم القيام بأي إجراء في الوقت الحالي!
فهل الأمر هو مجرد إهمال وتقصير؟ أم هل هو تواطؤ متعمد للتستر على الهجمات، كما يقول به زكريا موساوي والمحققة كولين رولي التي اعتقلته؟
القصة لم تنته هنا، فأصحاب نظرية المؤامرة يذهبون ابعد من ذلك طارحين الأسئلة وواضعين الفرضيات مركزين على نقاط متعددة أبرزها:
الصناديق السوداء
لم تذكر السلطات الأميركية عثورها على أي صندوق أسود سوى الصندوق الأسود للطائرة الرابعة التي سقطت قبل بلوغ هدفها. وفي هذا الصندوق
الأسود لم يكن هناك أي حوار بين الطيار وبرج المراقبة ولا بين الطيار وطاقمه، فكيف يمكن حدوث هذا؟ قد تكون السلطات الأميركية قد عثرت على جميع هذه الصناديق السوداء ولكنها كتمت الخبر، لأن الإعلان عن محتوياتها لم يكن في صالح السيناريو الموضوع من جانبها لمجريات تلك الأحداث.
لم يتم تسجيل أي استغاثة ولا أي تبليغ من أي طائرة من هذه الطائرات الأربع بأنها قد اختطفت، وهذا أيضا يحدث لأول مرة في تاريخ الطيران المدني.. يحدث لأول مرة أن تختطف أربع طائرات في يوم وأحد وفي بلد وأحد ولا يتم تسجيل أي اتصال من قائد أي طائرة مع برج المراقبة.
التدريب على الطيران
أ - يستحيل على متدرب في نوادي الطيران قيادة هذه الطائرات الضخمة للأسباب الآتية: أ ـ أن هذه النوادي تقوم بالتدريب على قيادة طائرات مدنية صغيرة براكب وأحد في معظم الأحيان، ويستحيل على المتخرج من هذه النوادي قراءة العدادات المختلفة الموجودة أمامه في لوحة القيادة ولا يعرف معناها ولا وظائفها.
ب ـ هذه الطائرات انحرفت عن مساراتها المعينة لها وبدأت تطير على ارتفاعات منخفضة وبين أبنية شاهقة دون أي خريطة جوية وأصابت أهدافها بدقة متناهية.
ج ـ تكون الممرات الجوية في الولايات المتحدة الأميركية ـ ولاسيما في القسم الشرقي منها ـ مزدحمة جدا بالطائرات، ويبلغ هذا الازدحام اشده في سماء نيويورك حيث تهبط في مطاراتها أو تقلع منها مئات الطائرات يوميا. فكيف استطاع هؤلاء الهواة وعديمو الخبرة قيادة هذه الطائرات الضخمة لأول مرة في حياتهم والخروج بها عن مساراتها المعينة لها في هذه المنطقة المزدحمة بالطائرات دون حدوث أي اصطدام مع طائرات أخرى؟ كيف لم يتم تبليغ أي شكوى من قائد اي طائرة بوجود طائرات في هذه المنطقة تطير على هواها؟
إذن كيف تسنى لأربع طائرات الخروج من مساراتها المثبتة في الخرائط الجوية والطيران لمدة كبيرة قاربت بعضها ساعة كاملة دون حدوث أي حادث في سماء الولايات المتحدة المزدحمة دوما بالطائرات، بل حتى دون شكوى أي طائرة أخرى من هذه الطائرات التي تطير على هواها؟
هذه هي الاستحالات الثلاث التي تنقض السيناريو الرسمي للسلطات الأميركية
قوائم الركاب
أعلنت الخطوط الأميركية لائحة بأسماء ركاب هذه الطائرات، ولم تكن هذه اللائحة تحتوي على اسم عربي وأحد، ثم إذا بنا نرى أن السلطات الأميركية تذيع لائحة أخرى مختلفة تماما عن اللائحة الأولى. فكيف يحدث هذا؟
لقد تبين بالدليل القاطع أن القائمة الجديدة قائمة مزيفة تماما، فقد وردت فيها أسماء أشخاص من العرب كانوا قد توفوا قبل سنتين، كما وردت فيها أسماء لأفراد من العرب كانوا خارج الولايات المتحدة الأميركية وعلى بعد آلاف الكيلومترات منها، ولا يزالون يعيشون (كان منهم مثلا شخص تونسي يعمل في بلده منذ مدة بعد خروجه من الولايات المتحدة الأميركية)، أي كان من المفروض أن هؤلاء ماتوا محترقين في تلك الطائرات. وهذا هو بالضبط ما أشار إليه الكاتب والمفكر الفرنسي ثري ميسان Thierry Meyssan وهو من أبرز المفكرين الفرنسيين في كتابه «الخدعة المرعبة» L''Effroyable Imposture حيث اتهم السلطات الأميركية باختراع الأكاذيب المفضوحة وخداع الرأي العام العالمي.
جوازات منتهية
تبين أن السلطات استخدمت عند تنظيم هذه اللائحة الجديدة المزيفة بأسماء الركاب وأسماء بعض المتهمين المحجوزين هويات مسروقة أو مفقودة منذ أحداث الكويت، أي قبل عشرة أعوام، وتبين أن جواز متهم آخر مفقود قبل ستة أعوام، ولم يكن بن لادن قد ظهر آنذاك ولم يكن له أي تنظيم، أي لم يكن بقدرة أي تنظيم الاحتفاظ بهذه الجوازات لاستخدامها في هذه العملية. ثم كيف يمكن استخدام جوازات مرت عليها كل هذه المدة؟ فصلاحيتها تكون قد انتهت، فكيف يمكن لهؤلاء استخدام هذه الجوازات في الدخول إلى الولايات المتحدة الأميركية واستخدامها عند شراء بطاقات الطائرة؟
سربت هذه السلطات أخبارا لبعض الصحف بأنها قد عثرت في أنقاض البرجين على جثة أحد الطيارين، وهو موثق اليدين، وهذه أيضا كذبة مفضوحة، إذ
يستحيل بقاء جثة يمكن التعرف عليها بعد ذلك الحريق الهائل الذي بلغت فيه درجة الحرارة ألف درجة مئوية وأذابت الأعمدة الفولاذية للبناء وجعلتها تنهار.
الاصطدام بالبنتاغون
ادعت السلطات الأميركية أن الطائرة الثالثة أصابت البنتاغون، ولا يدري أحد كيف تستطيع طائرة الخروج من مسارها وتطير في الجو بصورة غير شرعية مدة ثلاثة أرباع الساعة في بلد حدثت فيه قبل ساعة تقريبا حادثتان مرعبتان بواسطة طائرتين؟ لأن الطائرة الأولى خرجت عن مسارها الجوي في الساعة 8.15 صباحا وضربت المركز التجاري في الساعة 8.48 في حين ضربت الطائرة الثانية البرج في الساعة التاسعة تقريباً، أما الطائرة الثالثة فقد تركت مسارها الجوي المعين في الساعة التاسعة وضربت البنتاغون في الساعة 9.45 صباحا. ثم كيف تستطيع أي طائرة الاتجاه نحو أحصن مكان في العالم وتضربها؟ أين الرادارات؟ أين وسائل الحماية؟
ولكن المهم هنا ليس هذا بل أن مثل هذه الطائرة الثالثة لم تكن موجودة.. أي أن قصة هذه الطائرة الثالثة التي ضربت البنتاغون قصة مختلفة من أولها إلى آخرها، والصحيح هو ما أوردته وكالة أبناء «اسوشتيد برس» ـ التي كانت أول من أذاعت خبر حدوث انفجار كبير في البنتاغون ـ حيث ذكرت أن شاحنة كبيرة محملة بالمتفجرات سببت ذلك الانفجار. وكان تعبيرها عن الحادث: Abooby trapped truck had caused the explosion ولكن السلطات الرسمية سارعت إلى تكذيب الخبر وأعلنت عن ارتطام طائرة بالمبنى كعملية إرهابية.
دليل إضافي في هذا الأمر هو أن رجال الإطفاء عندما هرعوا على عجل إلى مكان الحادث لمكافحة النيران لم يروا أي أثر لحطام أي طائرة.. لم يكن هناك اي حطام ولا أي جثث محترقة أو غير محترقة ولا حقائب سفر مبعثرة أو محترقة.. لم يكن هناك اي شيء، كما لم يظهر أي اثر لحطام هذه الطائرة في الأفلام التلفزيونية الأخبارية ولا في الصور التي وزعتها وزارة الدفاع الأميركية للصحف عن الحادث. فهل تبخرت الطائرة هكذا هي وركابها وصندوقها الأسود؟ وكيف؟ لقد سأل الصحفيون السيد اد بلوكر ED PLAUGHER رئيس رجال فرقة الإطفاء التي أطفأت النيران عن هذا الأمر وعما إن كان قد شاهد أي حطام للطائرة فقال : «... بعبارة أخري لم يكن هناك أجزاء جسم الطائرة، أو أي شيء من هذا القبيل»، علما بأن الجزء المتهدم من واجهة البناية جزء صغير لا يتناسب مع حجم الطائرة المصطدمة ولا يبلغ هذا الجزء ربع طول جناحي الطائرة، ولو كانت هناك طائرة مصطدمة بالبناية لبلغت أضرار البناية ضعاف ما حدث عدة مرات.
والشيء الذي يجلب الشكوك هو أن وزارة الدفاع الأميركية قامت وعلى عجل بفرش طبقة من الرمل والحصى على أرضية الساحة الداخلية للبناية وكأنها تريد إخفاء معالم معينة مع انه يجب بقاء كل شيء على حاله حتى انتهاء الفحوص والتحقيقات. وقد أشار الكاتب الفرنسي «تيري ميسان» في كتابه «الخدعة المرعبة» الذي ذكرناه سابقا إلى أن خبر اصطدام طائرة ببناية البنتاغون ليس سوى كذبة أخرى اخترعتها السلطات الرسمية الأميركية.
والمتتبع لسير التحقيقات يرى بوضوح أن التحقيقات لم تتجه إلى الوجهة الصحيحة، فمثلا كان من المفروض أن تبدأ التحقيقات من المطارات التي أقلعت منها هذه الطائرات لأنها مزودة بكاميرات عديدة مبثوثة في جميع أنحائها ولا سيما فوق مناضد موظفي قطع التذاكر، وهذه الصور التي تسجل معها اليوم والساعة والدقيقة بل حتى الثانية تبقى مخزونة لمدة لا تقل عن الشهر. وكان من الممكن الحصول على صور جميع ركاب هذه الطائرات وحتى من زوايا مختلفة، وكانت تستغني بذلك عن نشر أسماء أشخاص ماتوا منذ سنوات. لم يتم هذا حسب علمنا ولم تتم التحقيقات مع موظفي المطارات ولا الاستفسار منهم عن الركاب. ولو كان الخبر الذي نشر عن قيام المعلقة التلفزيونية «بابارا ولسون» الموجودة على متن الطائرة الثالثة بالاتصال مع زوجها المحامي بهاتفها النقال وأنها أخبرته برقم مقعد أحد الإرهابيين الذين قاموا بخطف الطائرة.. لو كان هذا الخبر صحيحا لاستطاعت قوى الأمن الحصول بعد دقائق فقط على صورته من ذاكرة هذه الكاميرات التي تصور كل راكب عند قطعه التذكرة.
دور إسرائيل
لكن أين دور إسرائيل في كل ذلك؟ هل اقتصر فقط على ما يقال عن إنذار الموظفين اليهود بعدم الحضور إلى أعمالهم في برجي التجارة يوم الهجوم؟ وماذا عن الأنباء التي تحدثت عن اعتقال عناصر إسرائيلية في أميركا ؟ ولماذا يلف تفاصيل هذه الأنباء طوق من الغموض والبيانات المبهمة؟ وهل يترك الانسجام التقليدي بين واشنطن وتل أبيب حساسية من نوع خاص على هذه الأنباء؟ أم أننا بصدد «فضيحة جوناثان بولارد» جديدة ولكن بمقاييس تتلاءم ومنعطف الحادي عشر من أيلول؟
لان هذه الأسئلة ليست سهلة في حقيقة الأمر، فإن الأحجام عن الخوض فيها أفسح في المجال أمام التكهنات والإشاعات وأنصاف الحقائق. بيد أن
شبكة «فوكس» الأخبارية الأميركية تبدو وكأنها أمسكت بطرف الخيط بالفعل، فالولايات المتحدة شهدت فضائح كبرى مترابطة، بل ووثيقة الصلة بالحادي عشر من أيلول.
تقول الشبكة الأخبارية البارزة أنها علمت بوجود نحو ستين إسرائيليا من بين مئات المعتقلين الذين ألقت السلطات الأميركية القبض عليهم، بعد حوادث نيويورك وواشنطن، وان المحققين الفيدراليين من جهاز «اف بي اي» كانوا يبحثون عنهم منذ مدة طويلة على خلفية اتهامهم بالتجسس على مواقع رسمية تابعة للحكومة الأميركية.
ويضيف المصدر واصفا بعض هؤلاء الإسرائيليين بأنهم «ناشطون في الجيش الإسرائيلي أو عمليات الاستخبارات»، وأما اعتقالهم فجرى باتهامات تتعلق بالهجرة أو تحت لافتة «قانون باتريوت» لمكافحة الإرهاب.
وقد نقلت الشبكة عن محققين فيدراليين قولهم أن بعض المعتقلين الإسرائيليين لم ينجحوا في اجتياز اختبار فحص الكذب حول التهم المنسوبة اليهم بأنشطتهم التجسسية ضد الولايات المتحدة، وفق تأكيدها.
ولعل العقدة الأهم في «الفضيحة» إن لدى المحققين شكوكا تدور حول احتمال أن يكون هؤلاء المحتجزون قد جمعوا معلومات استخبارية حول هجمات 11 أيلول قبل وقوعها، ولكنهم لم يشاركوا أحدا بمعلوماتهم تلك. لكن المصدر أشار إلى انه لا يوجد ما يدل على أن الإسرائيليين كانوا متورطين في الهجمات.
ونقلت شبكة «فوكس» حينها عمن وصفته بـ «المحقق الكبير» قوله أن هناك «علاقة» بين الإسرائيليين والهجمات. لكنه عندما سئل عن تفاصيل طبيعة هذه العلاقة رفض الإفصاح عنها. وقال :«الأدلة التي تربط الإسرائيليين بما جرى في 11 أيلول هي مصنفة، ولا يمكنني أن أحدثك عن الأدلة التي تم تجميعها، أنها معلومات مصنفة».
ويبقى السؤال الأهم : لماذا توقفت الهجمات عند حدود 11 أيلول، ولم تشهد الولايات المتحدة بعد هذا التاريخ اي «غزوات» ؟
تتعدد التفسيرات التي يقدمها الخبراء في شؤون الإرهاب داخل وخارج الحكومة الأميركية حول سبب عدم تعرض الولايات المتحدة لعمل «إرهابي» حقيقي منذ الحادي عشر من أيلول 2001. ويقول هؤلاء أن من بين هذه النظريات التي تسعى السلطات الأميركية إلى الترويج لها من خلال إجراءاتها هي رقابة افضل على الحدود والمعابر وتبادل المعلومات الاستخبارية والإجراءات الأمنية المتواصلة التي تقوم بها وزارة الأمن الداخلي والتي يقول المسؤولون الأميركيون إنها تزيد من صعوبة عمل اي «إرهابيين» محتملين في الولايات المتحدة.
المراجع
arabremecael.com - bbc .com
cnn.com -mostakbaliat.com
مجلة شتيرن الالمانية