كتاب مفتوح إلى معالي الأستاذ وليد بك جنبلاط المحترم

وئام وهاب     - جريدة الديار         

 


تحية محبة وبعد،

منذ آب 2004 لم ألتق بك بعدما أدمنت لثلاث سنوات على اللقاء معك باستمرار، وكنا نناقش ‏شتى الأمور فنبدأ بالحوار عن الاحتلال الأميركي للعراق ومستقبل العلاقات الأميركية السورية ثم ‏نصل في النهاية إلى الحديث عن آخر قرية أو بلدية في الجبل، وطبعاً كانت القضايا الكبيرة لا ‏تأخذ منا وقتاً كالوقت الذي أخذته مثلاً محاولات التوفيق في بلدية حاصبيا.‏

منذ احتلال الأميركيين للعراق والقلق يتملك بك، كنت تعتقد أن تقسيم العراق سيؤدي الى ‏تقسيم كل المنطقة وتتمنى كما قلت لي في أحدى المرات «أن لا يخرج مجنون ينادي بالدويلة ‏الدرزية فيدفع الدروز ثمن هذا الأمر غالياً».‏

وبعد احتلال العراق بأسابيع تمنيت أمامي أن يتمكن الرئيس بشار الأسد من الصمود حتى رأس ‏السنة مؤكداً أن هناك قراراً بإسقاط النظام السوري، والمسألة ستتم خلال أشهر، لكنك ‏حينذاك كنت تتحدث بحرص واضح على سوريا.‏

بعدها حصلت أمور كثيرة، وكنت تأتمنني على إيجاد مخرج للأزمة الدرزية الداخلية يقضي ‏بإقرار قوانين الطائفة وانتخاب مجلس مذهبي. وحاولت أن أتحامل عليك في الحل الداخلي ‏اعتقاداً مني أن ثمن إطلاق المؤسسات يبقى أرخص من ثمن الإبقاء على الفوضى وعلى تسيب ‏الأوقاف.‏

على كل حال تحدثنا في أمور كثيرة طيلة السنوات الثلاث التي سبقت القطيعة التي تسببت فيها ‏موافقتي على المشاركة في حكومة عمر كرامي. وكنت طيلة هذه الفترة حريصا على أن تبقى علاقة ‏وليد جنبلاط بسوريا على أحسن ما يرام، فكنت أشجعك على علاقات مع المسؤولين الجدد الذين لم ‏تكن تعرفهم جيداً اعتقاداً مني أن علاقاتك الجيدة مع دمشق تخدم أول من تخدم أبناء الطائفة ‏الدرزية التي لي الشرف بأن أكون أحد أبنائها القلقين باستمرار على مستقبلها.‏

كنت أعرف أن سوريا تعتبر أن الدروز هم عشيرة موزعة بشكل أساسي بين لبنان وسوريا مما ‏يشعرها بمسؤولية كبيرة تجاه طائفتنا وهذه سياسة أرساها الرئيس الراحل حافظ الأسد رحمه ‏الله. وفي المقابل كنت أعرف تمام المعرفة أن الدروز لا يشعرون بالأمان إلا إذا كانت علاقتهم ‏بسوريا ممتازة.‏

ونظراً للروابط الاجتماعية بين دروز لبنان وسوريا كنت أرى انه من المستحيل حتى ولو فكر ‏كل اللبنانيين بمخاصمة سوريا ان يكون الدروز على خلاف معها لأنه ليس هناك بيت درزي في ‏لبنان لا تربطه علاقات قربى ببيت سوري والعكس صحيح.‏

عزيزي وليد بك،

لا أعرف مَن هو الخبيث الذي ورطك في حرب سياسية مع سوريا، ومَن الذي أقنعك أن الولايات ‏المتحدة الأميركية تريد رأس دمشق وما عليك إلا الاستعجال لـ«اللحاق» بالركب قبل فوات ‏الأوان.‏

ومَن الخبيث الذي أقنعك أن بإمكانك أن تكون زعيماً على المسيحيين وتيار الرئيس رفيق ‏الحريري وبالتالي زعيماً على الأكثرية لا تقطع شعرة دون رضاك وعلمك.‏

ومَن الخبيث الذي أقنعك أن الشيعة هم الخطر الداهم على الطائفة الدرزية ومناطقها ‏الساحلية بين الشويفات والدامور وبأن ضرب المقاومة وتجريدها من سلاحها يساهم في إلغاء ‏هذا الخطر.‏

لست يا وليد بك بحاجة لمن يصفق لك اليوم فكما نرى على شاشات التلفزيون هناك الآلاف من ‏الذين يصفقون وأعرف رأيك بهم جيداً. أنت اليوم بحاجة لمن يخاصمك حرصاً عليك وعلى الدروز.‏

منذ سقوط جدك الأكبر بشير جنبلاط والدروز يا وليد بك يدفعون ثمن هزيمته من نفوذهم وسلطتهم ‏في جبل لبنان وأنت تعلم جيداً أن بشير الشهابي لم يتمكن من هزيمة بشير جنبلاط إلا عندما ‏انتهى جدك الكبير من تصفية أخصامه الدروز فلم يبق من الزعماء الكبار إلا البشيرين ‏فانتصر الشهابي وخسر الدروز مع بشير جنبلاط جماعته وأخصامه على حد سواء، وما زلنا حتى ‏اليوم ندفع ثمن هذه الهزيمة التي لم نتمكن بعدها من استعادة النفوذ المفقود.‏

وأنا اليوم أقول لك بصراحة ان خسارتك هي خسارة للدروز ولكن انتصارك في المكان الذي ‏وضعت نفسك فيه هو خسارة للدروز لأنهم غير قادرين على الاستفادة من المشروع الذي تراهن ‏عليه، ولأن الموقع الذي تضع أكثريتهم فيه لا ينسجم مع تاريخهم ولا يحفظ مستقبلهم.‏

وسأناقشك بالتفصيل وكم كنت أتمنى أن لا تكون المناقشة معك عبر الصحف ولكن المسافة الطويلة ‏بيني وبينك تفرض ذلك رغم أن بيتي لا يبعد عن بيتك أكثر من عشرة كيلو مترات من الناحية ‏الجغرافية.‏

كنت أول من طالب بالثأر لدم رفيق الحريري وتصرفت بوفاء كبير مع بيت الرجل ولكن أريد ‏أن أسألك ماذا ربح الدروز من ذلك، حتى الزعامة الموقتة لتيار الحريري لم يتركوها في عهدتك ‏أسابيع محدودة فسارعوا إلى تزعيم الأستاذ سعد الحريري وهذا حق لهم.‏

أعطيت التحالف الشيعي في رئاسة المجلس النيابي وقبلها في قانون الانتخاب وأعطاك التحالف ‏نصراً كبيراً في لحظة دقيقة ولو لم يبادر الى نجدتك لكان الصراع على منطقة الشوف بعد خسارتك ‏عاليه وبعبدا. وبعد أشهر من الانتخابات نراك تضع القسم الأكبر من الدروز في مواجهة ‏الشيعة ولا نعلم بأية حسابات ولا لمصلحة من وهم الطائفة الأقرب إلى الدروز.‏

حققت مصالحة تاريخية مع البطريرك صفير في الجبل لكنك لا تحب التعامل مع المسيحيين الأقوياء ‏وهنا مشكلتك الأساسية مع العماد ميشال عون والباقي تفاصيل، فلماذا؟ وما مشكلتنا أصلاً ‏أن نتعامل مع القوي، فالضعيف يمالقك وينقلب عليك في الوقت الصعب، ثم أن وجود قائد ‏مسيحي قوي هو حق طبيعي للمسيحيين فهم ليسوا أهل ذمة لننصب لهم زعماءهم، فالتعامل مع ‏القوي يريح الدروز كما يريح المسيحيين، والقهر يولد القهر ويؤسس لحرب جديدة تضاف الى ‏الحروب التي لا تنتهي على زعامة الجبل.‏

وأعود معك الى الدروز. ماذا اعطيناهم؟ وكلنا مسؤولون نعم كلنا مسؤولون يمثلون 7 ‏بالمائة من اللبنانيين وبالمقابل يشكلون أقل من واحد في المائة من الدورة الاقتصادية في ‏لبنان. مناطقهم جنة سياحية بدون سياحة. شبابهم من خيرة شباب لبنان غالبيتهم عاطلون عن ‏العمل، زراعتهم في طريقها الى الزوال، أوقافهم سائبة لا يعرفون من يستغلها. عجائزهم لا ‏مراكز تليق بهم، طلابهم يوفرون من خبزهم وخبز عائلاتهم ليؤمنوا أقساط الجامعات، مشايخهم ‏مضطرون للعمل الشاق لتأمين اللقمة الحلال والأوقاف والمزارات لا نعرف اين تذهب.‏

هل تعلم وحتما تعلم ان مئات المنازل تستعمل البطانيات وسيلة للتدفئة لأن اهلها لا ‏يملكون ثمن المحروقات.‏

هل تعلم بأن خيرة شبابنا يهاجرون لأن ليس لدينا مؤسسات قادرة على استيعابهم. وبعد الى ‏أين نأخذهم في حربنا المستمرة من حرب الجبل التي فرضت عليهم فخاضوها دون تردد. ألم يحن ‏الوقت لكي يرتاحوا ويبدأوا رحلة التنمية والتطوير والتقدم والإنماء والإعمار؟ أليس لهم ‏الحق في أن يكونوا مجموعة قادرة على الاستفادة من التطور الكوني؟ أليس لهم الحق بالحصول ‏على حقوقهم كمواطنين؟

ألا يحق لهم أن يعرفوا أن هناك شيئاً في العالم أهم وأنبل من الحروب المفتوحة مع الآخر ألا ‏وهو التفاهم والبناء مع الاخر.‏

بكل جرأة أقول لك ان اختراع عدو دائم لأية مجموعة يجعلها تلجأ الى زعمائها، ولكن هل يمكن ‏الاستمرار في خلق هكذا أعداء.‏

ما يحصل اليوم قد يستمر أشهرا ولكن بعد أشهر سيعود أكثرهم اليك ليطالبونك بأقساط ‏المدارس والجامعات وفرص العمل والمساعدات وأنت بالمناسبة لا تبخل في هذه الأمور على سائل، ‏ولكن هل هذا هو الحل، أم الحل بدفعهم للانفتاح على الآخر، وبدفعهم للانفتاح على عمقهم ‏العربي والإسلامي وعلى إراحتهم من الحروب المفتوحة في كل الاتجاهات.‏

الأستاذ وليد بك جنبلاط،

أقول لك بمحبة وقد تستغرب وتقول من أين تأتي المحبة ولكني حتماً أحمل من المحبة أكثر من ‏المتملقين الذين يستغيبونك بمناسبة وبدون مناسبة، أقول لك بأن موقع الدروز السياسي ‏القومي والإسلامي قائم منذ نزول هذه العشائر العربية الى ثغور الدولة الإسلامية، وهذه ‏المهمة كانوا يتباهون بها منذ مئات السنين، ونحن نريدهم أن يستمروا بها لأنها حمتهم في الماضي ‏وستحميهم في المستقبل فلا تحاول أن تغير هذه المهمة حتى لا ندفع كلنا معك الثمن الكبير في ‏منطقة حبلى بالمتغيرات والمفاجآت.‏

 

بكل محبة