تقرير لدورية اميركية حول <خصخصة الحرب> (1 من 2)
هكذا تآمر المحافظون و<هاليبرتون> خلال العام الأول لاحتلال العراق
نشرت دورية
<ايكزكيوتف انتيليجانس ريفيو> الاميركية (إي آي آر)، تقريراً بعنوان <حرب هاليبرتون>
بقلم جيفري ستينبرغ وكارل اوزغود، يكشف عن جوانب خفية من دور <حزب الحرب>
والمحافظين الجدد في احكام قبضة عصبتهم على العراق خلال العام الاول بعد سقوط بغداد
والدخول المريب لشركة<هاليبرتون> الى ميدان المناقصات والمكاسب الاقتصادية للغزو،
في ما وصف بانه <خصخصة الحرب والامن القومي الاميركي>.
وفي تقرير في عددها الصادر في السابع من
نيسان الماضي، انتقدت الدورية مقولة الرئيس الاميركي جورج بوش الشهيرة <المهمة
أنجزت>، التي هتف بها حين حطّت به نفاثة عسكرية على حاملة الطائرات الاميركية
<أبراهام لنكولن> قرب خليج كاليفورنيا في الاول من أيار العام ,2003 في ما وصفته
الدورية الاميركية ب<الحملة الانتخابية الاكثر كلفة في التاريخ>. أضافت الدورية أنه
رغم <التمرد الذي سوف يستحوذ على البلاد لاحقاً لم يكن قد بدأ بشكل خطير بعد، إلا
أن المهمة كانت، ولا تزال، أي شيء غير المنجزة>.
وأشارت الدورية إلى أنه <فيما كان بوش
يقفز متجولاً على سطح حاملة الطائرات إبراهام لنكولن، وهو يقول للبحارة إنه يقدّر
جهودهم، كان القادة الدؤوبون من القيادة المركزية (سانتكوم)، والمسؤولون في سلطة
الاحتلال الانتقالية، ومكتب إعادة البناء والمساعدة الانسانية (أورها)، بإشراف
الجنرال جاي غارنر (المتقاعد)، يرسمون سوية خطة لنقل سريع للسلطة إلى العراقيين، من
أجل إعادة الاستقرار والسيادة لعراق ينظر إليه اليوم العديد من الخبراء على أنه
عالقٌ لا محالة في حرب أهلية خارجة عن السيطرة، وسريعة الانتشار>.
واعتبرت الدورية أنه <في
الوقت ذاته الذي كان ثمة فرصة لاصلاح بعض ما فعله الاجتياح>، إلا أن جميع الفرص
<رميت في المرحاض> من قبل ما وصفته ب<عصبة تشيني رامسفيلد>، على حد تعبير رئيس
موظفي وزير الخارجية السابق كولن باول، لورنس ويلكرسون. وأوضحت الدورية أنه <بدلاً
من حلّ شامل لأزمة الخليج، حصلنا على ما لا يمكن تسميته سوى ب<حرب هاليبرتون>، من
انحدار صوب جهنم طوال ثلاث سنوات، تعرض خلالها الالاف من الجنود الاميركيين للقتل
والتشويه>.
وتابعت تقول <بات العراق
غارقا في حرب متمرّدين متصاعدة لا مثيل لها، وميدان للشركات العسكرية الخاصة التي
تقودها <هاليبرتون>... (التي) أكد البنتاغون مؤخراً أنها استفادت تماماً من الحرب،
مع آخر تقاريره التي جزمت بأن شركة (كي بي آر) التابعة ل<هاليبرتون> قد زادت فواتير
دافعي الضرائب الاميركيين بشكل منتظم، بنسبة 25 في المئة على جميع التجهيزات
اللوجستية وعقود البناء، التي باعتها لقوات الاحتلال الاميركية في العراق.
أضافت الدورية الاميركية
<إن مهندسي حرب العراق كانوا يملكون أجندة تعديلات واسعة: التهيئة لخصخصة الحرب عبر
إعطاء حصة الاسد في مهام ما بعد الحرب لمزيج من الشركات العسكرية الخاصة>، موضحة أن
المناصرين الاساسيين لخصخصة الامن القومي تجسدوا في مصرفيين من امثال فيلكس روهاتين
وجورج شولتز.
شهادات عيان
وعرضت الدورية الاميركية
<شهادة عيان> لما وصفته ب<قصة تخريب متعمّد لفرصة إنهاء غزو غير مبرر وغير عادل
للعراق>، لكل من الجنرال المتقاعد في المارينز، بيرنارد ترينر، وأيضا المراسل
العسكري ل<نيويورك تايمز>، مايكل غوردن، صاحبي كتاب <كوبرا 2: قصة اجتياح واحتلال
العراق من الداخل>، واللذين <وثّقا دور نائب الرئيس ديك تشيني، وزير الدفاع دونالد
رامسفيلد، نائب وزير الدفاع السابق بول وولفويترز، وكيل وزير الدفاع السابق للادارة
دوغلاس فايث، وكيل وزير الدفاع للاستخبارات ستيفن كامبون، جورج شولتز ورجل هنري
كسينجر، بول بريمر، في تخريب خطة لانسحاب أميركي ناجح من العرا>، بما في ذلك <كيفية
تصدي تشيني مباشرة لعرض من طهران من أجل حوار أميركي إيراني شامل مباشر>، في آذار
الماضي.
إيران و<العرض الكبير>
في حين كان الجنرلات جون
أبي زيد، دايفيد ماكيرنان وجاي غارنر يعدون سوية استراتيجية شاملة للخروج من
العراق، أرسلت الحكومة الايرانية عرضاً لواشنطن في 3 أيار العام ,2003 كان <أجمل من
أن يصدّق>، حول حوار إيراني أميركي مباشر وشامل، يتضمن تحقيق الاستقرار في العراق.
وتضمّن العرض فيما تضمّن
مناقشة الملف النووي الايراني، مشاركة الايرانيين في تحقيق الاستقرار في العراق،
دعم طهران لحركة <حماس> و<الجهاد الاسلامي> الفلسطينيين و<حزب الله>. كما عرض
الايرانيون أيضاً تقديم معلومات للاميركيين حول أعضاء في تنظيم <القاعدة> تحتجزهم
طهران، مقابل معلومات أميركية عن حزب <مجاهدي خلق> الايراني المعارض والموجود في
العراق.
والواقع أن المبادرة
الايرانية لم تكن الاولى من نوعها. فالدولتين الايرانية والاميركية كانتا أجرتا
مفاوضات سرية في جنيف خلال عامي 2001 و,2002 اثمرت تعاوناً إيرانياً في بسط
الاستقرار في أفغانستان التي اجتاحتها واشنطن في أعقاب أحداث <11 يلول>، وذلك وسط
اعتراض المحافظين الجدد داخل إدارة بوش. والواقع ان بوش منح موفده الخاص إلى
العراق، زلماي خليل زاد، الموافقة من أجل البدء بمفاوضات مع <رجل إيران في جنيف>،
جواد ظريف، حول العراق.
عام مخصص للسرقة
وفي وقت كانت تأخذ الأحداث
منحى معاد للحزب المؤيد للحرب، قام تشيني ورامسفيلد، بخطوتهم لقتل إستراتيجية
الخروج من العراق، وتسميم الحوار مع طهران. ويقول مسؤول استخبارات مقرب من احداث
ايار العام 2003 <لم يكن لتشيني ورامسفيلد أي رغبة في التعامل مع ايران. لقد
اعتبروا غزو العراق واحتلاله، جزءا من حزمة، تتضمن ايضا تغيير النظام في سوريا
وايران>.
وقد وجد الشخصان في بول
بريمر، الرجل المناسب لقتل المبادرتين. وهو أكد في تقرير أصدره بعد انتهاء مدة
خدمته في العراق، ان تعيينه في بغداد، كان في إطار مناورة من قبل تشيني ورامسفيلد.
وقام لويس ليبي وبول
ولفويتز، بالاتصال ببريمر، الذي عمل مديرا تنفيذيا لدى هنري كيسنجر. وقد عمل
الرجلان مع بريمر، تحت إشراف وزير الخارجية السابق في عهد رونالد ريغان، جورج شولتز.
وبالنسبة لرامسفيلد، الذي
يعد صديقا لبريمر منذ عهد جيرالد فورد، فان أهم صفات بريمر انه لم يكن لديه أي
علاقات ب<المؤيدين الملعونين للعرب> في وزراة الخارجية الاميركية أو وكالة
الاستخبارات المركزية، الذين كانوا يعتبرون خطة تشيني ورامسفيلد لاحتلال العراق،
ضربا من الجنون.
وبعدما التقى رامسفيلد في
الخامس من أيار ,2003 اجتمع بريمر ببوش، الذي عرض عليه قيادة التحالف في العراق.
وأصر بريمر خلال اللقاء على طرد المبعوث الخاص زلماي خليل زاد من بغداد، حتى يكون
له القرار النهائي حول كافة الأمور.
وقبل بوش <المتقلب> بشروط
بريمر، من دون الرجوع الى مستشارة الأمن القومي آنذاك كوندليسا رايس، ووزير
الخارجية السابق كولن باول، الذي <صدم> عندما علم ان خليل زاد، <الرجل الوحيد الذي
كان يعرف جيدا اللاعبين العراقيين>، قد تم الاستغناء عنه.
ومن اجل ضمان احتلال أطول
للعراق، عينت الإدارة الاميركية المساعد السابق لمستشار السياسة الدفاعية في عهد
الرئيس السابق بيل كلينتون، والتر سلوكومب، الذي اختاره رامسفيلد وتشيني لانه مؤيد
شرس لغزو العراق، مسؤولا عن تفكيك الجيش العراقي وإعادة بنائه بالكامل.
وفي 12 أيار، وصل بريمر
الى العراق. وأوصى في أول اجتماع له مع الموظفين الأميركيين، بقتل أي عراقي يحاول
السرقة، لإثبات ان الاحتلال جدي في ما يتعلق بالأمن.
والغى بريمر بعد ذلك،
مؤتمرا كان خليل زاد وجاي غارنر يحضران له، ويستهدف تسليط الضوء على تأسيس حكومة
جديدة. وتعكس آراء بريمر في السياق توصيات رامسفيلد، التي تفيد ان تأسيس حكومة
جديدة فورا، سيخلق نظاما معاديا للولايات المتحدة.
واصدر بريمر قرارا بتفكيك
حزب البعث، وهو ما أدى الى طرد 30 ألف موظف، قبل ان يأمر بحل الجيش العراقي، حيث
أصبح 300 الف جندي عراقي بلا عمل، ومصنفين على أنهم <صداميون>.
وفي النهاية، قرر بريمر
منح الاحتلال مدة عام كامل لتسليم السلطة، قائلا ان إقرار الدستور الجديد، يجب ان
يسبق أي تسليم للسيادة. وهو ما كان يعني ل<هاليبرتون>، رخصة عام كامل من اجل
السرقة. (<السفير>)