كيف يستمر تحالف «عروبيي» تيار المستقبل مع من يدعو لاخراج لبنان من انتمائه العربي ..
والوقوف على «الحياد» بين العرب واسرائيل ؟!
لا نجد وصفاً مناسباً لمن يدعو لاحتلال بلد شقيق ولا نريد استخدام «ألفاظ التخوين !»
محمد باقر شري
قبل ان نعترض على المناداة «بالحياد» بين العرب واسرائيل، ونتهم من ينادي بذلك بالانحراف او الخيانة، علينا ان نحدد ما هي الخيانة؟ اذا كان البلد لا يزال من «ناحية قانونية» محرّم فيه التعامل مع العدو حتى من ناحية سياحية، والقانون المعمول به يحظر على المواطن ان يزور الكيان الصهيوني او أن يأخذ «سمة دخول»، سواء من سفارة اسرائيلية «مرابطة» في عاصمة من العواصم العربية او من اي قنصلية اسرائيلية في اي بلد قريب الينا جغرافياً او بعيد عنا، فكيف يمكن السماح لمن ينادي بالغاء حالة العداء مع اسرائيل، في وقت لا تزال القوانين عندنا تحرّم ذلك على المواطن العادي؟ وعندما يضبط شخص عادي بالتعامل مع العدو - حتى ولو فعل ذلك بسبب الحاجة او لأي سبب قاهر - فاننا نلقي عليه القبض ونحاكمه، وهو امر واجب ان نقوم به بموجب القوانين المتبعة عندنا. والتي تحرّم عليه ذلك فلماذا لا نفعل ذلك عندما يتجاوز حزب او شخص نافذ. ما هو اكبر من هذه المحظورات الصغيرة، فينادي بالخروج من الانتماء العربي وازالة العداء مع الكيان الصهيوني ونقل العداء الى بلد عربي، فلماذا لا يطبق عليه ما هو أقسى من تلك القوانين؟! |
نحن اول مَن نادى بأن شخصاً مثل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي يمكنه ان يلعب دوراً عربياً، وان لا يبقى في «شرنقة» مذهبية وهو المنتمي الى عقيدة تقدمية اشتراكية تتجاوز في تطلعاتها محيط المحافظة او الاقليم.. انطلاقا من الأمل بأن ينطلق الى محيطه العربي، لأن كل لبناني مخلص، يطمح الى ان يكون للبنان دور ريادي على امتداد المنطقة، وهو دور كان مؤهلاً له وقد لعبه من قبل، فكان لبنان موضع احترام وتقدير كل الدول العربية. ولم نكن نتوقع ان تصبح الاطلالة السياسية لأي زعيم محلي على العالم العربي اطلالة خلافية او مواكبة للطروحات الدولية التي تستهدف بالأذى السلامة والامن العربيين، لأن مَن يفعل ذلك، فانه في أقصى حالات حسن الظن به، سوف يقال له بأنه يضحي بالاستراتيجية والثوابت الوطنية، على مذبح التكتيك الشخصي، الا ان يكون العذر بأنه ليس لديه ثوابت وطنية اصلاً، وهو «عذر اقبح من خطأ»، وهذا ما نعيذه منه: اذ ليس هنالك «مخلوق بشري سويّ» في العالم كله، يباهي بأنه ليس لديه ثوابت وطنية.. نعم.. قد لا يكون لديه ثوابت في التكتيك - اذا اقتضى الامر - شريطة ان يؤدي تبدل التكتيك الى خدمة الاستراتيجية، وليس لالغائها والعدول عنها او القضاء عليها! |
وعندما يخرج رئيس اللقاء الديموقراطي من لقاء الرئيس مبارك، ليتحدث الى الاعلام، فان الرأي العام «الحسن الطوية» يتعشم ان يكون قد خرج مسترداً الدور الاصيل الذي احبه من اجله المحبون، من حيث توظيف اي تحرك او نشاط له، للاسهام في خدمة قضية التضامن ورصّ الصف العربي، بدءاً من رصّ الصف الداخلي اللبناني. ولكن محبيه يصدمون، عندما يرونه قد ازداد امعاناً في التوجه نحو التضحية «بالثابت الوطني الاكبر» المتمثل برفض التسليم بالأمر الواقع المفروض، فلا يفعل كما فعل الذين «هرولوا» نحو اسرائيل «بناء لامر عمليات اميركي»، مسكون بالصهيونية ومرتبط بدوره عضوياً بأمر العمليات الاسرائيلي! وانطلاقا من واقع العجز العربي السياسي والعسكري او حتى انطلاقاً من «قناعة معلنة» بالتخلي عن اصل الانتماء العربي وإنكار «الشراكة في المصير» مع العرب، فان الأمر يصبح اخطر من الصلح مع العدو، بل يتجاوز حتى «كامب دايفيد» و«اوسلو» و«وادي عربة» و17 أيار! انه اصبح خروجاً من انتماء لبنان الى محيطه ومن دوره العربي الريادي ومن مداه الحيوي الضروري، في حين ان العدو الاسرائيلي نفسه يستميت لايجاد شرعية له في المنطقة، وهو مستعد لأن «يرتدي ثياباً عربية» لكي يصبح «جسما طبيعياً» من المنطقة.. ونحن لا نقولها «مزاحا»، او سخرية، فلقد سبق لبن غوريون منذ قيام «دولة اسرائيل» ان عرض على العرب استعداده للدخول في الجامعة العربية.. ولكن في عصر الاستقواء الاسرائيلي وانشاب المخالب الصهيونية في قمة السلطة داخل الولايات المتحدة وفي عواصم اخرى، وبعد ان وجد العدو استحالة «تغيير جلده» للاندماج في المحيط العربي، طلع بمشروع «الشرق الاوسط الكبير» الذي اصبح يتردد على لسان الرئيس بوش نفسه.. وهو مشروع اسرائيلي مائة بالمائة! |
بل لقد اعلن الرئيس بوش بالأمس (و«فرك» المصعّدون ضد سوريا في لبنان ايديهم طربا وفرحا!) بأنه مدد قانون العقوبات ضد سوريا، في فذلكة تزعم فيها الادارة الاميركية، بأن دمشق «تشكل خطراً» على امن الولايات المتحدة! بدليل انها لا تزال تؤيد بقاء سلاح حزب الله وهي تدعم استمرار المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الاسرائيلي، وبأنها في تعاطفها مع حق الشعب العراقي في الخلاص من الاحتلال، انما تشكل تهديداً لامن الولايات المتحدة! |
ولا ندري كيف لا يكون الاحتلال الاميركي و«الدولي» للعراق تهديداً لامن سوريا او لاي بلد عربي اخر وكيف لا تكون دعوة بعض السياسيين اللبنانيين للقوات الاميركية في العراق لاجتياح سوريا لاسقاط الحكم فيها، دعوة مستنكرة ولا تلقى الشجب من تيار مثل تيار المستقبل، رغم ان هذه الدعوة لا تشكل تهديدا لامن سوريا فقط، بل لأمن لبنان ايضاً. |
وفي الوقت الذي تملأ فيه المظاهرات الشعبية شوارع نيويورك وواشنطن ولوس انجليس ومدناً أميركية اخرى، اضافة الى الجماهير الغاضبة التي تموج بها شوارع لندن ومانشستر وليفربول، ضد الحرب على العراق، بحيث تميد الارض تحت اقدام من يصح تسميته على ألسنة خصومه «بطاغية الديموقراطية» توني بلير و«التابع الذيلي للصهيونية»، نجد في «لبنان الإباء والشمم» -الذي كاد ينفرد عن جميع العرب بالصدام المباشر خلال السنوات الاخيرة مع كيان البغي الصهيوني ميدانيا - من ينفرد في الوقت ذاته - دون جميع العرب بمن فيهم الذين وقعوا مواثيق الذل والاستسلام للكيان الصهيوني- بالمناداة ليس فقط باستمرار الاحتلال الاميركي والمتعدد الجنسيات للعراق، بل بدعوة هذا الاحتلال الى دخول دمشق لكي «يخلّص الداعي نفسه» ويخلّص المصعّدون معه ضد سوريا، في لبنان انفسهم، من وجود نظام يكاد يكون هو الوحيد الصامد في وجه اعاصير الضغوط، دون ان يتزحزح امام التهديدات الصادرة عن اقوى قوة في العالم، مع مقاومة في لبنان استطاعت ان «تجمّد حركة» العدوان الصهيوني، وتجعل لبنان الاعلى جبيناً في المقارعة المباشرة للعدو من معظم الانظمة العربية القاعدة، بمساندة من الدولة الشقيقة المستهدفة، التي شهر «الاوفياء» خناجرهم لطعنها في الظهر! |
ولا نلوم الذين يتخذون هذه المواقف التي ترفض ان «تَصمُهم» بالوصمة البغيضة التي يوصف بها عادة من يتخذ هذه المواقف في كل بلد على امتداد العالم في التاريخين القديم والحديث، بل تتجنّب استعمال «تلك اللفظة» ضد هؤلاء «الطاعنين» سواء كانوا «متحالفين سابقين» مع سوريا، او اعداء سابقين وحاليين لها، بل نستغرب ونعجب لدرجة الذهول: كيف ان التيار الذي اسسه رجل كان ينتمي في مطلع شبابه، اي في سن نجله سعد، الى «حركة القوميين العرب» مع مساعده السابق رئيس الحكومة الحالي الذي ينوب عن الشيخ سعد بتولي رئاسة الحكومة، والذي يتغنى بأنه كان هو الاخر منتمياً الى «حركة القوميين العرب» وهو لا يزال منتميا الى التيار المنبثق عن التوجهات القومية العربية في لبنان عنينا به تيار المستقبل، كيف يقود معه عملية ابعاد لبنان عن عمقه السوري العربي؟! وعندما يقول احد حلفاء تيار المستقبل عن نفسه - ولا نقولها نحن عنه - بأنه قد خرج من عروبته، وانه لم يعد معادياً لاسرائيل، دون ان يقولها «كزلّة لسان» او في ساعة غضب، بل يكررها بأعصاب باردة وفي المحافل الدولية والعربية، ثم لا يوجه اليه نجل القومي العربي رفيق الحريري ورئيس الحكومة الذي يرفض ان ينسب اليه الخروج من انتمائه العروبي، كلمة نقد او عتب واحدة «لحليفيهما» القواتي والاشتراكي لمناداتهما بـ«الحياد بين العرب واسرائيل».. |
واذا كان موقف الحليف الذي خرج من السجن الى الحرية وساعده على الخروج من محبسه قرار مجلس النواب، بصورة استثنائية، وبموافقة رئيس الجمهورية الذي يقف منه «الخارج الى الحرية» موقف الد الخصام، فيواصل العمل بما كان ينادي به من قبل خلال سنوات الفتنة الكبرى التي كادت تطيح بالوطن والكيان، متمسكاً برؤيته السابقة مضيفاً الى ذلك شعار «الحياد» بين العرب واسرائيل، وان كان موقفه اقل مدعاة للاستغراب والدهشة، من موقف الذي قاتل في ظل «دبابات العروبة» لمنع تقسيم لبنان وحتى «أهون» من موقف تيار المستقبل «العروبي أباً عن جد!» والذي يستمر في تحالفه مع مَن أصبح ينكر أصل انتمائه الى بني قومه! |
|
|
|