العراق إلى أين؟ (2)

2006/05/09

logo.jpg (5438 bytes)

opinion

العراق إلى أين؟ (2)

الدين حسيب د : خير

سادساً: الأسباب الأخرى
التي ستدفع أميركا للانسحاب من العراق
إضافة الى الاحتمال الكبير، بل شبه المؤكد، لفشل ما تسميه أميركا <العملية السياسية> في العراق فإن هناك أسبابا اخرى داخلية في أميركا نفسها، وفي العراق ايضا، يعتقد أنها ستضطرها للانسحاب من العراق. ولكن قبل الدخول في تفاصيل هذه الأسباب، لا بد من توضيح الصلة بين ما يتعلق بتلك الأسباب في داخل أميركا نفسها وبين تلك التي تجابهها في العراق.
ومن المفيد التذكير بأن الذي سيقرر في النتيجة ويفرض انسحاب أميركا من العراق هو الرأي العام الأميركي الداخلي والمؤسسات التي تمثله في الكونغرس (مجلسا النواب والشيوخ) وكذلك مقدار ما ستحدثه المصاعب والإخفاقات التي تواجهها الولايات المتحدة في العراق على الرأي العام الأميركي وعلى الكونغرس بمجلسيه وبالتالي على الإدارة الأميركية نفسها، بفعل الضربات المتتالية للمقاومة الوطنية العراقية.
1 المصاعب التي تواجهها الولايات المتحدة داخل العراق
فشل <العملية السياسية>: سبق أن أشير سابقا الى الأسباب التي تدعو الى الاستنتاج بأن الاستراتيجية الأميركية داخل العراق والمتعلقة ب<العملية السياسية> مآلها الفشل. وسينعكس فشل العملية السياسية في العراق على الرأي العام الأميركي الذي تريد غالبيته عودة جنودها من العراق، وإن فشل هذه العملية السياسية سيؤخر هذه العودة.
ب الضحايا البشرية الأميركية في العراق: وقد بلغ عدد القتلى من الذين يحملون الجنسية الأميركية من المجموعة الأولى حتى الآن حوالى (2400) ألفين وأربعمئة فرد، كما بلغ عدد الجرحى حوالى (18000) ثمانية عشر ألفا (22)، وأكثر من نصف هؤلاء، حسب تقارير وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) لا يستطيعون العودة الى الجيش بعد معالجتهم. كما ان هناك تقارير أميركية تشير الى ان عدد الجرحى هو أكثر من الرقم المعلن عنه رسميا، وأنه قد يتجاوز الخمسين ألفا. وتنعكس كل هذه الخسائر البشرية (من قتلى وجرحى) على عوائل هؤلاء داخل الولايات المتحدة وعلى الرأي العام الأميركي الداخلي بشكل متزايد.
ج الهروب من الجيش الأميركي واللجوء الى بلدان اخرى نتيجة للحرب: تقدر التقارير الأميركية الأخيرة ان حوالى ثمانية آلاف (8000) من أفراد الجيش الأميركي قد هربوا من الجيش، ومعظمهم بعد عودتهم الى الولايات المتحدة لغرض استبدالهم بغيرهم لفترة ثم عودتهم ثانية الى العراق، وان حوالى اربعة آلاف منهم قد هربوا الى كندا وطلبوا اللجوء السياسي هناك. وينعكس هذا سلبيا على الرأي العام الداخلي الأميركي (23).
د الصعوبات المتزايدة في تحديد مدة التطوع وتجنيد متطوعين جدد: يواجه الجيش الأميركي نقصا في عدد المتطوعين المطلوبين للجيش، وإن نسبة متزايدة من المتطوعين في الجيش الأميركي يرفضون تمديد مدة تطوعهم، كما يواجه الجيش الاميركي صعوبة في الحصول على العدد الشهري المطلوب من المتطوعين رغم تمديدهم لسن التطوع ورغم تسهيل الشروط المطلوبة في المتطوعين.
ه زيادة حالات الأمراض العصبية وحالات الانتحار لدى القوات الأميركية في العراق:
و الخسائر الأميركية في المعدات وتقادمها: بلغت خسائر الولايات المتحدة في العراق أكثر من (60) ستين طائرة هليوكوبتر من أنواع مختلفة وطائرات استطلاع أسقطتها المقاومة العراقية، وأكثر من ألف آلية بأنواعها وعربات مصفحة وسيارات شحن وغيرها دمرتها المقاومة العراقية.
ز انسحاب معظم ما تسمى <قوات التحالف> مع الولايات المتحدة وبريطانيا: لقد شاركت قوات التحالف مع القوات الأميركية والبريطانية في احتلال العراق، حيث انسحب معظمها، ويتوقع ان تنسحب بقية الدول المشاركة فيها، مثل إيطاليا واليابان، كما ان بريطانيا ستسحب (800) عسكري بريطاني من العراق قبل نهاية الشهر القادم، وستسحب بقية قواتها من العراق قبل نهاية السنة الحالية (2006).
ح فشل الولايات المتحدة في تشكيل جيش وطني عراقي وقوات أمن اخرى عراقية وطنية: تشير التقارير الاميركية المختلفة الى هذا الفشل (24)، وان القسم الأغلب من هذه القوات هو من قبيل المليشيات التي يكون ولاؤها للأحزاب التي جاءت منها: الميليشيات التابعة لقوات بدر، وجماعة أحمد الجلبي وغيرها، وميليشيات <البشمركة> التابعة للأكراد، وهذه كلها لا تمثل جيشا وطنيا لأن ولاءها للأحزاب والقوى السياسية التابعة لها. وقد حدث وقائع كثيرة تؤيّد هذا التحليل، ولا يُتوقع ان تتمكن هذه القوات العراقية المختلفة التي شكلها الأميركيون في العراق من العمل وحدها وحفظ الأمن عند انسحاب القوات الأميركية الى خارج المدن الرئيسية والى القواعد التي شيّدتها. وسيؤدي هذا الى فشل ركن آخر أساسي من أركان استراتيجيتها في العراق (25).
2 المصاعب التي تواجهها الولايات المتحدة في داخل أميركا نفسها:
وإضافة الى الصعوبات التي تواجهها أميركا في العراق نفسه، والتي ستعكس نفسها سلبيا، وبدرجات مختلفة، على الداخل الأميركي نفسه، فإن هناك صعوبات أميركية داخلية، نتيجة لحربها في العراق، ستضطرها الى إعادة النظر في استراتيجيتها في العراق والانسحاب منه، وتشمل هذه:
أ الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة:
ب انخفاض شعبية بوش الابن:
ج مطالبات الرأي العام الأميركي بانسحاب القوات الاميركية من العراق.
كما تعالت أصوات شخصيات سياسية وعسكرية مطالبة بالانسحاب من العراق، مثل بريجنسكي، وسكوكروفت (المستشار الأمني للرئيس بوش الأب سابقا) وكيسنجر، وانضم إليه مؤخرا المرشح الديموقراطي السابق للرئاسة (كيلي) الذي طالب مؤخرا بانسحاب القوات الأميركية من العراق خلال شهر واحد.
كما طالب ستة من الجنرالات الأميركيين السابقين الذين سبق ان اشتركوا في الحرب على العراق او المساهمة في التخطيط لها، باستقالة السيد رامسفيلد، وزير الدفاع، وحمّلوه مسؤولية الفشل في الحرب على العراق.
د زيادة الكلفة الاقتصادية للحرب في العراق: بلغت تكاليف القوات الأميركية في العراق حتى 30 كانون الأول 2005 (251) مليار دولار. كما زادتت الكلفة الشهرية لنفقات الحرب في العراق على حوالى ستة مليارات دولار شهريا، كما اضطرت الإدارة الاميركية الى طلب ميزانيات اضافية من الكونغرس لتغطية النفقات المتزايدة لحربها في العراق.
ه تكاثر الفضائح السياسية والمالية لدى الإدارة.
و زيادة متاعب الولايات المتحدة في أفغانستان بزيادة نشاط طالبان، وارتفاع حجم ضحاياها النسبي هناك.
ز التغييرات السياسية التي تحصل في عدد كبير من دول أميركا اللاتينية، والتي تمثل <الحديقة الخلفية> للولايات المتحدة، والتحول المتزايد في دولها في اتجاه اليسار.
ح ولكل هذه الأسباب السابقة فإن قيام الرئيس بوش الابن بعد ان اصبحت قضية العراق وتأثيراتها على الانتخابات النصفية القادمة في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم هي التي ستقرر مصيره ومصير حزبه بمعالجة هذه التداعيات والانسحاب من العراق، سيضع مصيره ومصير حزبه في الميزان.
سابعاً: الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة في العراق
ولذلك فإنه كلما قرب موعد الانتخابات النصفية الأميركية، ومع فشل العملية السلمية في العراق ومع تدهور وضع الإدارة الاميركية داخل أميركا وفي العراق نفسه، فإن الولايات المتحدة ستكون مضطرة لأن تقوم بعمل ما في العراق ينقذ وضعها وسيكون أمامها ثلاثة خيارات رئيسية.
1 الخيار الأول: هو ان تفتش عن وسيلة لسحب قواتها من العراق قبل موعد الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/ نوفمبر، بحيث تحفظ لها بعض ماء الوجه، وهنا تصبح <المبادرة> مطروحة على بساط البحث الجدي من قبل الولايات المتحدة.
2 الخيار الثاني: هو ان تتلكأ الإدارة الاميركية في اقتناص فرصة المبادرة، وأن تتدهور الأوضاع الأمنية في العراق مع شلل الحكومة العراقية وربما انهيارها الى درجة لا تترك لها مجالا للمفاوضة، فتقوم بسحب جيشها من العراق بدون اتفاق مسبق مع الحكومة المنهارة او المقاومة، وأن تترك العراق لمصيره وهي ما تسمى بالمصطلحات الاميركية السائدة (القطع والهروب Cut and Run) مع ما قد يترتب على ذلك من تداعيات في داخل العراق. وقد تلجأ في هذه الحالة الى تشكيل <حكومة إنقاذ وطني> من خارج <العملية السياسية> والبرلمان الحالي، والى ان تضع على رأسها شخصية عسكرية قوية.
3 الخيار الثالث: ان تحاول <سياسة الهروب الى الأمام> وأن تقوم بتوجيه ضربة جوية واسعة لإيران تركز فيها على منشآتها النووية والعسكرية، مع احتمال استعمال أسلحة نووية تكتيكية في تلك الضربة، مع ما قد يترتب على ذلك من توقف تصدير النفط الايراني كليا او جزئيا، وضرب إيران للقواعد العسكرية الأميركية في العراق ومنطقة الخليج عموما، وإغلاق مضيق هرمز مع ما قد يترتب عليه من إيقاف تصدير النفط من بعض دول الخليج الاخرى من خلال مضيق هرمز. وسيساعد على تحقيق هذا السيناريو (المشهد) هو ان الادارة الاميركية تقوم بتجييش الرأي العام الاميركي لهذا الغرض، كما فعلت قبل غزو العراق، حيث تدل استطلاعات الرأي العام الأميركي الأخيرة على ان 65 بالمئة من الأميركيين يؤيدون توجيه ضربة جوية الى إيران، كما تؤكد تصريحات الرئيس بوش انه قد يضطر لتوجيه ضربة الى إيران حتى بدون قرار من مجلس الأمن.
ولكن هذا السيناريو وتوجيه ضربة جوية واسعة الى إيران لن ينقذ الولايات المتحدة من المستنقع العراقي، وقد يعطيها بعض الوقت ولكنه لن يحل مشكلتها في العراق، وستعود العوامل المشار إليها سابقا في ما يتعلق بمتاعبها في داخل أميركا وفي العراق الى تأكيد وجودها وأهميتها. كما ان هناك ما يشير، حسب تقرير سيمور هرش الأخير، الى ان القيادات العسكرية الأميركية الحالية في البنتاغون (وزارة الدفاع) قد هددت بالاستقالة اذا ما قرر الرئيس الأميركي المضي قدما في توجيه ضربة جوية لإيران.
4 ولذلك يعتقد بأن الخيار الأول سيكون أفضل الخيارات العقلانية المتاحة للولايات المتحدة انطلاقا من مصلحتها المتاحة بعد فشلها في العراق.
ثامناً: المبادرة
تجاه هذا الوضع ومن أجل التحضير للخيار الأول، بذلت محاولة لمعالجة هذا الوضع، ولإنقاذ العراق وإيجاد نوع من حفظ ماء الوجه للولايات المتحدة.
لقد عملنا في مركز دراسات الوحدة العربية على برنامج للعراق بعد التحرير، استغرق تقريبا كل عام ,2005 ثم عقد مؤتمر وصفناه بأنه ندوة في نهاية شهر تموز/ يوليو 2005 بحضور 108 من العراقيين من مختلف الميول السياسية ثلثاهم من عراقيي الداخل والثلث من خارج العراق. وقد ناقشوا هذه البرامج وعلى أساس مناقشتهم وتعقيباتهم وضعنا هذا البرنامج في صيغته النهائية كبرنامج تتبناه المقاومة العراقية كجزءمن مبادرة سأشير إليها لاحقا. وقد نشر هذا البرنامج بالعربية وبالانكليزية (28). وهذا البرنامج يتضمن مشروع دستور جديد ومشروع قانون المفوضية العليا للانتخابات، ومشروع القانون المتعلق بالجمعيات الأهلية والأحزاب السياسية، وإعادة بناء العراق وصناعة النفط وسياسته في العراق، والتعويضات المالية المفروضة على العراق، والإعلام في العراق وإعادة بناء الجيش، والمسألة الكردية.
بالإضافة الى هذا واستعدادا لاحتمال توقع فشل العملية السياسية فإننا أطلقنا مبادرة من أجل حل الأزمة الراهنة، مبادرة تعكس إرادة ورأي المقاومة الوطنية العراقية والقوى السياسية الاخرى المعارضة للاحتلال. وأعتقد أننا وزعنا النص الكامل لهذه المبادرة على الحضور، وينبغي النظر إليها في علاقتها بالبرنامج الذي أشرت إليه.
وهذه المبادرة تحتاج من الولايات المتحدة الى التسليم بالانسحاب الكامل من العراق خلال فترة زمنية محددة، وأن لا تقيم أي قواعد عسكرية دائمة في العراق وأن يصدر قرار من مجلس الأمن الدولي وبضمانته بتعيين شخص رئيس وزراء في العراق يكون محايدا وليس له علاقة بأية أطراف سياسية، وتشكيل حكومة من التكنوقراط غير منتمين لأي حزب سياسي في العراق، وتكون هناك فترة انتقالية لمدة سنتين، وخلال السنة الثانية يتم إصدار قانون انتخاب وتتم انتخابات في العراق لمجلس تشريعي، وخلال الفترة الانتقالية يكون هناك مجلس استشاري من 100 150 شخصا، وأن تلتزم الولايات المتحدة التي هي مسؤولة عن الدمار الذي حصل في العراق بتقديم تعويض بمبلغ 50 مليار دولار للعراق، وهو أقل من كلفة الحرب لمدة سنة، كما تلتزم المملكة المتحدة (بريطانيا) بتقديم 20 مليار دولار. ويتم وقف اطلاق النار عندما يصدر قرار مجلس الأمن وتنسحب القوات الاميركية الى القواعد وفي آخر الستة أشهر تنسحب كليا. هذه المبادرة تلزم أطراف المقاومة عندما يصدر قرار الأمم المتحدة بأن يكون هناك وقف اطلاق النار، وبعد الستة أشهر اي بعد ان يتم انسحاب القوات الأميركية تقوم المقاومة بحل نفسها.
أما المقاومة الآن، وهذا ما لم يرد في تقارير أنتوني كوردسمان او تقارير مجموعة الأزمات الدولية، فإضافة الى العمليات التي تقوم بها، هناك قسم خاص بمثابة قيادة عامة للقوات المسلحة العراقية تعد للجيش العراقي الذي يستلم بعد انسحاب الأميركيين من العراق. وهناك في المبادرة تفاصيل حول كيفية التعامل مع الأطراف المختلفة. والمبادرة تتضمن <جزرة> مقدمة لأميركا بأن تعامل بعد الانسحاب في ما يتعلق بمشاريع إعادة الإعمار في العراق وأي مقاولات موجودة معاملة متساوية مع الأطراف الدولية الاخرى دون اي تحيز ضدها. وفي ما يتعلق بالمحاكمة التي تجري حاليا حول الرئيس صدام حسين وبعض معاونيه، فالمبادرة تطرح ان كل المخالفات التي تمت من عام 1958 حتى الآن اي بعد ثورة 14 تموز/ يوليو 1958 ينشأ بشأنها لجنة خاصة وكل من عنده شكاوى أياً كان نوع هذه الجرائم سياسية او غيرها، يقدم الى هذه اللجنة الشكاوى. وهذه اللجنة تقوم بإجراء التحقيق اللازم، وبعد ان يتم انتخاب برلمان في نهاية السنة الثانية يحدد كيفية التعامل مع هذه الجرائم، وهل يتعامل معها على طريقة جنوب أفريقيا او طريقة شمال إيرلندا او على طريقة لبنان او اية طريقة اخرى يقررها في هذا الشأن.

... الى منتدى الحوار

الصفحة الأولى| أخبار لبنان| عربي ودولي| اقتصاد| ثقافة

رياضة| قضايا وآراء| الصفحة الأخيرة| صوت وصورة

�2006 جريدة السفير