الاستثناء السوري في يسارية 'الأخبار' اللبنانية

 
عمر خليفة

 

ليس جديدا أن نرى اتجاهات يسارية عربية تدافع عن أنظمة قمع شمولية، إذ حدث ذلك مرارا فيما مضى.
لكن المؤسف أن يبقى ذلك التحالف البائس ساريا في هذه اللحظة التاريخية التي قررت الشعوب العربية فيها أن تكتب 'مقاومتها' هي، لا المقاومة اللفظية الزائفة التي ما زال سحرها فيما يبدو مسيطرا على تفكير عدد من مثقفي اليسار المزعوم هنا وهناك. هنا، فقط، تصبح الثورة 'فتنة'، والتغيير 'خدمة لمصالح الامبريالية الغربية وأعداء الوطن'. المتحدث هنا ليس فقط الرفيق حسني مبارك أو علي صالح، واصفين ثورة شعبيهما، بل الخطاب الغالب على الرفيقة 'الأخبار' اللبنانية، التي رأت، مرة أخرى، أن سورية الأسد استثناء من الأمة العربية جميعها، وأن الرفيق بشار وزبانيته، الذين أفنوا عمرهم في 'مقاومة' شيء ما نسيت 'الأخبار' تحديده بدقة، يقفون الآن في مواجهة فتنة تحركها جهات متآمرة يغيظها، منذ عقود، براعة النظام السوري في الدفاع عن حمى الوطن الأبي، وإصراره دوما على ألا صوت يعلو فوق صوت المعركة، حتى لو اضطره ذلك، آسفا ومجبورا بالطبع، إلى سحق شعبه وخنقه وقتل كل معنى وأمل بشيء اسمه الحرية قد يجرؤ هؤلاء المأجورون على المطالبة به.
'الأخبار' تثبت إذن، بعد قناة الجزيرة وركاكة موقفها من ثورة البحرين، أن اتساق المواقف وتناغمها ليس ممكنا، وأن مبادئ الحرية والعدالة ليست وحدها التي تحرك القائمين عليها، كما كنا نعتقد ساذجين. والمضحك أن الجريدة التي كانت تعنون دوما تغطيتها للثورات العربية، منذ تونس، بعنوان 'بداية النهاية للديكتاتوريات العربية' ارتأت هذه المرة، في تغطيتها للانتفاضة السورية، أن تلغي ذاك العنوان، ربما لأنه زائف في حالة سورية الأسد، لا سورية السوريين، التي تنعم بديكتاتورية ناعمة مقاومة جميلة، لا يريد محررو 'الأخبار' لها أن تسقط مع الساقطين. هكذا، في النسخة الالكترونية من الجريدة، تفجعك أولى عناوين التغطية الثورية النزيهة 'سورية: إلغاء قانون الطوارئ وتغيير حكومي وشيك.' هو الإصلاح. هو الإصلاح. وتتوالى المقالات، لتأتي عاشرة الأثافي في مقال الرفيق علي صالح (عفوا أقصد إبراهيم الأمين): 'سورية: السباق بين الفتنة والإصلاح'. هي هكذا إذن، يا شباب درعا واللاذقية المشاغبين: إما أن تعطوا وقتا للرفيق في قصره في دمشق (المشغول دوما بوضع خطط جديدة للممانعة ومحاربة الاستعمار) كي يصلح (إما أن تخرسوا، بلغة أكثر جمالا)، أو أن تصبحوا دعاة فتنة. ذات الثنائية التي قالها من قبل كل الديكتاتوريين العرب، مضافا إليهم شيوخ السعودية الفضلاء. لكن مهلا، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ورغم أن المعركة لم يسمع لها، منذ عقود، صوت في دمشق، التي تحتفظ دوما بحق الرد في الوقت المناسب (وغير المناسب)، إلا أن الرفيقة 'الأخبار' مصرّة على أن المعركة الوهمية أكثر أهمية من ثورة شعب مشاكس مشاغب يملك نظاما مدهشا على رأسه أسد عليه وفي الحروب أسد أيضا.
كنا نظن أن هذه الشعارات المخجلة أضحت من مخلفات الماضي، وأن الزمن الآن هو زمن الحرية والتخلص من القمع العربي، سواء أكان قمعا من 'رفيق' معاد للاستعمار، أم من 'رجعي' ربيب للامبريالية. إلى متى سيظل الوقوف (الكاذب، غالبا) في وجه المصالح الأمريكية والامبريالية سببا كافيا لدعم هذا النظام أو ذاك، مهما كانت وحشيته وقسوته ضد شعبه؟ لا أقول هنا إن هذا هو موقف 'الأخبار' بالمطلق، فثمة مقالات (قليلة جدا) اتخذت الموقف الداعم ذاته لكل حركات التحرر العربية، لكني أكرّر أن الاتجاه المسيطر على الصحيفة، التي عدّت دوما مثالا ناضجا لصحافة عربية حرة، كان، في تناقضه مع ذاته في حالة سورية، صادما، لمحبيها قبل كارهيها. لماذا تكون سورية استثناء؟ أليس عيبا في حق شهداء درعا واللاذقية أن يشار، ولو غمزا، إلى وقوف قوى خارجية وراء المطالبين بحقهم في أن يعيشوا زمنا مختلفا، زمنا لا يجب عليهم فيه أن يغلقوا أفواههم في انتظار معركة لن تأتي.
'الأخبار' التي سخرت دوما من تبرير الحكام العرب لقمعهم ووقوفهم في وجه الثوار، تكرر الخطاب ذاته مع سورية.
هل نبالغ، إذن، إن قلنا إنّ على اليسار الآن أن يصيح: 'اليسار. يريد. تغيير. اليسار'؟

كاتب فلسطيني ـ نيويورك