أين أمتي ؟
مروان حبش: ( كلنا شركاء ) 6/8/2006
إن كل أسرة في الوطن العربي مشدودة إلى التلفاز و متأثرة بالمشاهد الإجرامية التي يرتكبها الصهاينة في لبنان وفلسطين، ناهيك عن فظائع الأمريكان في العراق: أطفال شهداء ، آثار تدمير ، رجال يوارون شهداءهم الثرى ، نسوة يجمعن ما بقي من حوائج منازلهن المدمرة ، والكل يصرخ: أين أمتي ؟
وبعد مضي ثلاثة وعشرون يوما على بدء العدوان على لبنان ، كل لبنان، ومع استمرار الهجوم الصهيوني الغادر عليه ، ودعما للشعب في لبنان وفلسطين ، شاركت، أمس الخميس ، مع أعضاء اللجنة الوطنية لمقاطعة البضائع والمصالح الأمريكية باعتصام عند تمثال صلاح الدين أمام قلعة دمشق وسط المدينة ، و تسلق نفر من الشباب التمثال ووضعوا فوق خوذته البرونزية الكوفية الفلسطينية ورفعوا مع الأعلام الوطنية علم المقاومة اللبنانية . وهتف أحدهم : ( صلاح الدين _ صلاح الدين ، عما تناديك لبنان وفلسطين ) . لقد كان لهذا الهتاف ، حسب قراءتي له ، ،مغزى واحدا عبر تساؤلين :
الأول : من أطفال الانتفاضة الفلسطينية وأطفال لبنان ، وأطفال العراق ، الذين كانوا يأملون عون الملايين من أبناء أمتهم .
والثاني : تساؤل المعتصمين وهم يتعشمون في "صلاح دين " يأتيهم مجددا ليؤازر الشعب في لبنان وفلسطين ، وليحرر القدس وكل الأراضي الفلسطينية من مدنسيها ومن قاتلي الشعب العربي الذي ما زال جرحه ينزف ، وهو يبذل التضحيات ويدفع ضريبة التحرير . وما زال كل عربي يذكر شهداء حادث البراق 1928 الذين خلدهم إبراهيم طوقان في قصيدة (( الثلاثاء الحمراء )) وشهداء كفر قاسم ودير ياسين وقبية وصبرا وشاتيلا ، وشهداء الانتفاضة الأولى ، والآن شهداءالانتفاضة الثانية المستمرة في رفح وغزة وبقية بقاع فلسطين ، وشهداء لبنان بجنوبه وشماله وشهداء العراق ، وما زالت أمام أعيننا المناظر التي تحمل جرائم القتل والتدمير ، وركام الأحجار وقضبان الحديد الملتوية والجسور المدمرة ، وأشلاء الجثث التي ترفع من تحت الأنقاض. والويل لأي نشط في ميدان حقوق الإنسان إذا تفوه بكلمة عن الجريمة الصهيونية - الأمريكية الدائمة، فظائع وفظائع تفوق الوصف وفاعلها واحد والفعل من صلب سياسته . بينما يتساءل الطفل العربي في لبنان وفلسطين والعراق: أين أمتي ؟
_إن قراءة التاريخ يجب أن تسبق ممارسة السياسة، حتى لا تبنى السياسة التي هي وقائع وأحداث على جهل. فماذا يقول لنا التاريخ؟ _
إن الصهيونية حركة استعمارية نشأت مع بقية الحركات الاستعمارية الأوربية في وقت واحد وإن اختلفت الدوافع والأهداف، فإذا كان المستعمرون الآخرون يريدون ثراء وتجارة وتسلطا، فالصهيونية تريد وطنا تحوله إلى دولة. واستفادت لذلك من المخططات الإمبريالية وسياساتها التي كانت تسمح بضمان إقامة كيان لها في فلسطين العربية، والقضاء على كل ما يقف في سبيل مشروعها بمختلف الوسائل والسبل، وتغير الدور الصهيوني من ضامن للإمبراطورية البريطانية في وقت (( وعد بلفور )) المشؤوم، وقت الحرب العالمية الأولى، إلى ضامن للمصالح الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، فإلى الضامن لحصار حركة القومية العربية، والآن تقدم الصهيونية نفسها ضامنا للعالم ضد (( خطر الإسلام الإرهابي ))، كما يفترون عليه، ومما قاله أحد وزراء خارجية الكيان الصهيوني: أن الغرب عليه أن يقف وراء ( إسرائيل ) باعتبارها الواقي لأوربا ضد الزحف الإسلامي: إي ما معناه / أعطونا الأسلحة والدعم ونحن نقوم بالمهمة. إن الصهيونية قد فبركت أيديولوجيتها لتكون بمثابة غطاء" عقائدي " للتمويه على الجوهر الاستعماري للمشروع الصهيوني وإظهار دوره في خدمة الإمبريالية وكأنه مصلحة يهودية، وبالتالي تضليل اليهود وانتزاعهم من مجتمعاتهم وتهجيرهم إلى فلسطين، وتعبئتهم تعبئة عدوانية، وسوقهم للتصدي لحركة التحرر الوطني العربية. . وإن الإيديولوجية الصهيونية بما تتضمن من أكاذيب وأفكار عنصرية ومقولات مضللة تنطوي على كل مبررات العدوان والتوسع، إضافة إلى ذرائع " الكيان الصهيوني " وتعليلاته ب (( الأمن )) ودعاوى الحفاظ على "إسرائيل " وبقائها وضمان ما يسمى ب (( الحدود الآمنة )) وإن التوسع والعدوان الدائمين والمستمرين هما إستراتيجية الحركة الصهيونية و " كيانها " تجاه المنطقة العربية، وهي جزء لا يتجزأ من الإستراتيجية العامة للإمبريالية الأمريكية، وتتجسد كل الأطماع التوسعية والنزعات العدوانية والطبيعة العنصرية للحركة الصهيونية في الوطن العربي، كما يتجسد الدور الوظيفي ل " الكيان الصهيوني " كمصلحة أمريكية وكأداة لتنفيذ الأغراض الأمريكية ومخططاتها، وما ذلك التنسيق التام والتحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصهيونية العنصرية في نطاق تحديد أهدافها الاستراتيجية في الوطن العربي بالهيمنة على مقدراته اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وثقافيا، إنها إستراتيجية توجهها مصالح النهب وضرب التقدم وقطع الطريق على طموحات الشعب العربي الوطنية والقومية، وعدم السماح بتوفير الظروف التي تمكنه من استعادة عافيته وتكريس موارده لصالح التحرر والنهوض الاجتماعي والاقتصادي والعسكري، كما تستهدف كبح محاولات التغيير في المنطقة والسيطرة على اتجاهات الأحداث فيها وفرض الاستسلام على الأقطار العربية وإخضاعها كليا للنفوذ الأمريكي الصهيوني. ولذا نرى كيف أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة ( ديمقراطييها وجمهورييها ) تتسابق للحفاظ على قوة " الكيان الصهيوني " وتفوقه عسكريا بشكل مطلق على الدول العربية مجتمعة. من تلك المنطلقات الإيديولوجية، وضعت مدرسة الليكود خطتها التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية وهي الخطة التي تعطي أهمية عليا لضم المناطق المحتلة والاستيطان فيها وتفريغ الضفة الغربية ومن ثم قطاع غزة من سكانها وكذلك تبغي مدرسة حزب " العمل "، إذ قال مردخاي غور رئيس الأركان الصهيوني الأسبق: أن على " إسرائيل " استغلال ثبوط الهمة والتجزؤ الذي يعيشه العالم العربي من أجل التوصل إلى التفاهم والاتفاق مع مختلف الأوساط العربية دولا ومع فلسطينيين بغية تأسيس " السلام " مع الأمن من جهة أولى ومنع اتحاد الوطن العربي من جهة أخرى واستغلال كل ثغرة أو صدع يظهر في السور العربي الذي يحيط بنا من أجل مصلحة قيامنا ولذلك اعتبر الصهاينة قيام حلف بغداد في خمسينات القرن الماضي تطورا مرغوبا من ناحية " كيانهم " فلأول مرة تنظر دولة عربية _ وهي العراق _ باتجاه غير اتجاه " الكيان الصهيوني " وإن هذا التطور مهم جدا وهو السد الشمالي للدفاع عن ( الشرق الأوسط )، وفي مطلع عام 1958 أعلن بن غوريون استعداد " الكيان الصهيوني " الهجوم على سورية بالتعاون مع النظام الملكي في العراق بصفته حليفا لبريطانيا وعضوا في حلف بغداد. وكان أهارون ياريف يرى اتباع خطة أكثر تمويها لتصفية القضية الفلسطينية ودمج العامل السياسي مع العامل العسكري في إستراتيجية " إسرائيل " المستقبلية. بينما يرى الكاتب الصهيوني حجاي أيشد : أن النزاع ينتهي عندما توضع الأسس الإقليمية والعالمية لبنية السلام الذي سيكون سلاما إسرائيليا كاملا وشاملا ومستقرا وآمنا . وقد لخص الأستاذ الكبير زكي نجيب محمود، طبيعة الكيان الصهيوني بقوله: لقد صنع المسخ وقال له صانعوه ( كن دولة ) فلم يكن لأنه يعوزه كل مقومات الدولة السوية، و لنقص في تكوينه لجأ إلى سياسة ذات شعب ثلاث: هي العنصرية أولا، والعنف ثانيا، والشهوة للتوسع ثالثا، ووضعت بريطانيا ومن بعدها الولايات المتحدة كل همها لحماية هذا المسخ " الكيان الصهيوني " وبقائه ركيزة لاستنزاف الطاقة العربية.
إن التحالف " الصهيوني الأمريكي " يضعنا أمام الحقيقة بأننا لا نواجه " الصهاالتاريخ،الولايات المتحدة بكل حقدها ومقتها وبغيها، نواجه أكبر حلف للتعصب والكراهية في هذا العصر، نواجه مفترق طرق عنوانه ( أن نكون أو لا نكون )، إن وجودنا القومي هو الذي يتعرض للاختبار والتحدي لذا علينا إعادة تفكير وتوجيه جدية وشاملة في كل المجالات والعلاقات، كما علينا إعادة النظر في كثير من الاعتبارات والمناقشات والتقييمات حتى نستطيع تلبية نداء الطفل العربي: أين أمتي ؟ هذا النداء بل هذا التساؤل يجب أن يبرز إلى الوجود استجابة من أروع استجابات التاريخ، تبدأ بمعرفتنا كشعب عربي وإدارات حكم عربية. إلى أين نسير ؟ حتى لا ننساق إلى طريق نجهلها، ونسير فيها بسرعة، نصل في نهايتها إلى تدمير أمننا القومي وفرض الوصاية الصهيونية الأمريكية على حريتنا ومقدر أتنا ، واختراق وطننا العربي داخليا وخارجيا وعلى كل الأصعدة وصولا إلى الهدف النهائي وهو فرض الاستسلام نهائيا على الشعب العربي وإخضاعه كليا للمشيئة الأمريكية – الصهيونية . وحسب ما يرى السيد محمد سيد أحمد ( إن أخطر تغير طرأ على مفهوم الأمن في الوطن العربي هو أن الأمن قد أصبح في الأساس قضية أمن النفط العربي وقضية أمن السلام الأمريكي – " الإسرائيلي " وبالتالي أصبح شكلا مستحدثا لنظام الشرق الأوسط ). ومن خلال هذه المعرفة أو هذا الواقع لا بد من الخروج من منظومة الأمن الأمريكي _ الصهيوني، إلى منظومة أمنية خاصة بالأمن القومي العربي وهي خطوة أكثرمن ضرورية حتى تعود الإ رادة العربية حرة، وتكرس الأنظمة العربية سياستها لمصلحة الشعب العربي، وفق إستراتيجية تنفي الإستراتيجية الصهيونية وتعتمد المقاومة ضمانا شرطيا لاسترداد الحق العربي المستباح، ناهيك عن أن المقاومة حيوية للروح المعنوية وضرورة للنضال والهيبة معا، وطريق للوحدة الوطنية، والنهضة القومية، وتحقيق لسلام عربي واعتباره السلام الذي به تستقر المنطقة، وما عدا ذلك يكون نوعا من السخرية أو مرثية من المراثي. كما يجب نشر ثقافة المقاومة وإعادة النظر في الاقتصاد القومي العربي وتوجيهه ليكون في خدمة إعادة الحق القومي وبناء دولة القوة قبل دولة الرفاهية، ومجتمع الإنتاج قبل مجتمع الخدمات لأن الوجود والمصير فوق الجميع، والكرامة فوق الحياة ذاتها. إن المدار الذي يجب أن تدور في فلكه محاولات إعادة النظر والمراجعات هو كيف ينهض كسيح من وسط الركام ويلبي نداء: أين أمتي ؟ كما لبى المعتصم نداء: وامعتصماه. وكما قال الشاعر عبد الرحمن الشرقاوي في قصيدته " من رسالة إلى جونسون ":
أرايت كيف يقوم من تحت التراب معذبون
ليشيدوا المستقبل البسام في وجه التحدي والخطر
ويسيطروا على القدر.
لذا يتوجب على الإدارات العربية أن ترفض وصاية الولايات المتحدة الأمريكية أو أية دولة أخرى، وترفض اعتبار المقاومة " إرهابا " وترفض أن تمارس سلوك الحامي لحدود " الكيان الصهيوني " أو الحارس على أمنه وسلامته أو المكافح للشعب العربي في نضاله وأن ترفع الحصار وتطلق طاقات الشعب العربي المكبل في وطنه. أي أن تستجيب للقوة الملهمة في الضرورة القصوى.
إن الشعب العربي، وهو يرى مشاهد التدمير والقتل في فلسطين ولبنان والعراق، ما زال يعبر عن رأيه بان الوقت ليس للحزن على ما ترتكبه العصابات الصهيونية والغزاة الأمريكيون من جرائم، ولكنه وقت عمل، والمقاومة هي المعنى الرئيسي للعمل.
إن الجرح ثخين، ولكنه ليس بقاتل. والصدمة مما يحدث شديدة ولكن لا يجوز أن تكون صاعقة، وإن أمة تملك طاقات كبيرة، وأسلحة فعالة، تملك وطنا زاخرا بماضيه وموارده، عليها أن تلبي النداء وتقبل التحدي ويكون كل فرد فيها صلاح الدين، وصلاح الدين اليوم هو " حرب الشعب " وبها، فقط، تحسم المعركة ويطرد الغاصبون.