دعوة لحل شامل
فؤاد الحاج
كنت ولازلت من المؤمنين بقدرة وطاقات الجماهير على تغيير حركة التاريخ لصالح الوطن والأمة والغد المشرق للأجيال وللبشرية بشكل عام. ولكن، أية أمة هذه التي تبدو لأنها موجودة وهي في واقع الحال غير موجودة عملياً!.. وهل الذين نعوا الأمة كما نعوا أنظمة الذل والهوان والاستسلام الحاكمة هم على حق في نعيهم ذلك؟!
فيما مضى من السنين عندما كانت الجزائر تحت احتلال الفرنسي كانت الجماهير العربية في أرجاء بلاد العرب تهب يومياً في مظاهرات إسناد للمقاومة الوطنية الجزائرية، كما كانت تُشكّل لجان مختلفة الغايات والأهداف منها إرسال متطوعين ومواد غذائية وغير ذلك من دعم حقيقي لمقاومة المحتل الفرنسي، وكذلك في أربعينات وخمسينات القرن المنصرم كانت تُشكّل لجان لنصرة العراق وفلسطين وغير ذلك من لجان التي كانت ترسل المتطوعين والجيوش لمساندة المقاومة في العراق وفي فلسطين ضد الغزاة والمحتلين الصهاينة والبريطانيين، إضافة للكثير من الشواهد التي يعرفها وعايشها أبناء الأمة المناضلين.
ترى أين أصبحت تلك الجماهير وقواها الحية؟ ولماذا لم يعد يظهر لها أي رد فعل عملي أو أثر فعال ضمن حال الأمة تحت الاحتلال الصهيو-أمريكي للعراق وفلسطين، وبعد حوالي الشهر تقريبا من المجازر البشعة والدمار الهائل في لبنان الجريح التي تقوم بها قوى الشر المدعومة عمليا وظاهريا من قيادة طاغوت الشر الصهيو-أمريكي في واشنطن؟.
تساؤلات كثيرة تطرح والإجابة عنها معروفة لنا وهي واحدة لا ثاني لها، وهي وباختصار شديد أن الجماهير كفرت بكل القيادات والأحزاب كما بكل الأنظمة العربية، لذلك لا بد من التنويه إلى التالي قبل أن نضع الحل الشامل، إن الجماهير العربية بحاجة إلى قيادة نابعة منها، تعمل لتحقيق تطلعات وآمال وأحلام الجماهير. وفي الواقع المعاصر ومنذ منتصف خمسينات القرن الماضي تبرز لنا الشواهد بروز قيادات وطنية قومية استقطبت معظم جماهير الأمة ومن أهم هذه القيادات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الأسير صدام حسين، الأول كان أمل الجماهير والثاني كان كذلك رغم اختلاف وجهات نظر ورأي البعض منهما، فالرئيس عبد الناصر حرّك الوعي القومي لدى الجماهير التي ساندته في كل مواقفه القومية على الرغم من أن الأمة في أقطارها تعرضت لنكسات ونكبات عسكرية وسياسية أدت إلى تفكك الجماهير وإلى بروز قيادات ومنظرين جدد ساهموا في تجزئة الأمة، وبعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر في بداية سبعينات القرن الماضي برز دور الرئيس صدام حسين على الصعيد الوطني في العراق ومن ثم القومي منذ بداية الثمانينات على الرغم من الانقسامات المذهبية الدينية لدى البعض من المدعومين من الصوفيين وقوى الشر الصهيو-أمريكية على امتداد البلاد العربية وبلاد المهجر.
ومنذ العدوان الأمريكي – الأطلسي – العربي الرسمي عام 1991، ضد العراق وقفت الجماهير العربية إلى جانب العراق ربما ليس حباً بالرئيس صدام حسين، ولكن، لأنه أثبت فعلياً قومية المعركة ضد الاستعمار الجديد – القديم، حيث أمر بصفته قائد أعلى للقوات المسلحة في العراق بقصف الاحتلال الصهيوني بالصواريخ، وكانت تلك المرة الأولى التي يتم فيها قصف هذا الكيان الغاصب لفلسطين العربية، مما استدعى تكتل قوى الشر ضد العراق علناً وبتخاذل وتأييد وتآمر عربي رسمي من أنظمة الدمى الصهيو-أمريكية الناطقة بالعربية وفي مقدمها حكام بلاد نجد والحجاز وأنظمة المصالحات في الخليج العربي ونظام مبارك في مصر العربية، كما من باقي أنظمة الاستسلام الحاكمة في بلاد العرب دون استثناء. وفي المقابل هبت الجماهير العربية على مختلف ميولها وتعدد ألوان طيفها، جماعات وفرادى، بإرسال المتطوعين للقتال ضد الغزاة وإرسال كافة صنوف المساعدات المختلفة لإسناد العراق ضد المحتلين الأمريكان والبريطانيين وأتباعهم.
وبعد أن وقع العراق وقيادته أسير المحتلين الغزاة، تراجعت الجماهير مرعوبة وهي ترى أحلامها وتطلعاتها تتهاوى وتتكسر، بانتظار أمل جديد وقيادة وطنية قومية جديدة تقود الجماهير لتحقيق النصر على الطغاة الغاصبين.
واليوم نرى على الرغم من عدم التأييد الضمني والذاتي للأحزاب الطائفية والمذهبية على امتداد الأرض العربية من المحيط إلى الخليج، أن تلك الجماهير تؤيد (حزب الله) المذهبي في لبنان، ليس -كما أعتقد- حباً بذلك الحزب المذهبي، أو سعياً للانضمام لصفوفه، بل تأييداً له لأنه يقوم بقصف العدو المشترك، لأنه يقوم بقصف كيان الاحتلال الصهيوني المدعوم من طاغوت الشر الصهيو-أمريكي العالمي، والذي تتمنى أغلبية الجماهير العربية إن لم تكن جميعها إزالة هذا الكيان وكسر شوكة إمبراطورية الشر بقيادة الإدارة الأمريكية، لذلك نرى أن الجماهير العربية تؤيد وبأضعف الإيمان (حزب الله) في الوقت الذي تتطلع فيه إلى قومية المعركة ضد الغزاة والمحتلين في العراق وفي فلسطين كما في لبنان والجولان المحتل، مع عدم تناسي تحرير عربستان ولواء الإسكندرون والجزر العربية الثلاث في الخليج العربي وباقي الجزر والأراضي المحتلة من المغرب العربي من أجل تحقيق السيادة والاستقلال الفعلي والسيطرة التامة على الثروات الطبيعية من نفط وغاز وذهب وفوسفات وغيرها في الأراضي العربية.
من هنا أرى أنه لا يوجد حل قومي شامل على أسس وطنية وقومية، إلا بقيام ثورات وانقلابات تغييرية شاملة ضد الأنظمة العربية.. ثورات وانقلابات تفرز أنظمة حكم وطنية وقومية تعمل لصالح الوطن والمواطن، أنظمة حكم تنبع من الجماهير ولها، أنظمة حكم تعيد للمواطن وللوطن عزته وكرامته.. فليس بغير ذلك تتحقق الوطنية والقومية البديل الفعلي والعملي عن الطائفية والمذهبية، لأن الطائفية آفة القومية..
وهذا هو الحل الوحيد القادر برأيي على إعادة روح القومية العربية من أجل تحقيق طموحات وأهداف الأمة في الوحدة والتحرر والعدالة الاجتماعية..
فهل من الصعب تحقيق هذا الحل الشامل؟ وهل هناك صعوبة ما لدى القوى الحية وجماهيرها لتحقيق هذا الحل؟.. مع التذكير بقول الشاعر أبو القاسم الشابي:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة / فلا بد أن يستجيب القدر..
ولا بد لليل أن ينجلي / ولا بد للقيد أن ينكسر..