39 عاماً على هزيمة 1967 حسين العودات : البيان 3/6/2006
لم تكن هزيمة يونيو 1967 هزيمة عسكرية فقط بل كانت هزيمة كلية للأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية العربية التي كانت قائمة في ذلك الوقت.
فإضافة لاحتلال إسرائيل أراضي عربية شاسعة في بلدان عربية ثلاثة، انهارت أيديولوجيات وسياسات لم يكن أحد يتصور انهيارها شبه الكلي بالسرعة التي حصلت فيها، ووجد العرب أنفسهم أمام فشل كامل شامل في مختلف جوانب حياتهم النظرية والعملية، يغرقون في خضم هزيمة نكراء ربما لم يشهدوا مثيلاً لها في تاريخهم الحديث.
ألقيت مسؤولية الهزيمة على الأنظمة القومية وعلى الأيديولوجية القومية التي كانت تقود حركة التحرر العربية والتي أقامت أنظمة شمولية في بعض البلدان العربية وضحت بالحرية والديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان وإشراك المواطن في بناء مجتمعه وتقرير مصيره.
وألغت الطبقة الوسطى باسم الاشتراكية، وقلبت التوازن الاقتصادي والاجتماعي خلال عقد واحد، وفتحت المجال للبيروقراطية لتحل محل المجتمع ومنظماته السياسية والاقتصادية والثقافية.
وأدخلت العسكريين شريكاً في السياسة ثم استأثروا بالسلطة وحولوا الأحزاب القومية إلى شكل دون محتوى ومرجعية دون فعالية تتحمل أعباء الفشل بينما لا دور حقيقيا لها في قيادة البلاد.
وهكذا واجهت بلدان الطوق العدوان الإسرائيلي بمجتمعات مفرغة من كل حراك يقودها العسكريون وبيروقراطية الدولة ونحيّت الجماهير الشعبية جانباً متفرجة على ما يجري، ولذلك كان من الطبيعي أن يمنى العرب بمثل تلك الهزيمة وبالحجم الذي كانت عليه والسرعة التي حصلت فيها.
لقد هزم العرب في الساعات الأولى للحرب .ولم تعد لديهم أية إمكانية للمقاومة أو الممانعة أو الهجوم المعاكس، وكانت الهزيمة تعرية لاشك فيها للأنظمة التي كانت قائمة، مهما حاولت هذه الأنظمة لاحقاً تبرير الهزيمة أو إلقاء تبعاتها على العون الخارجي لإسرائيل أو المفاجأة أو أي سبب آخر.
عملت الأنظمة السياسية العربية المهزومة على تخفيف هزائمها من خلال مزاعمها أن هدف العدو الأساسي هو إسقاط هذه الأنظمة والقضاء على حركة التحرر العربية، ورأت أن الرد الطبيعي على الهزيمة يكون باستمرار هذه الأنظمة حاملة (راية التحرر)، أي بإبقاء الحال على ما هو عليه:
إلغاء الحريات الفردية، رفض التعددية، الاستغناء عن الديمقراطية، استمرار قيادة العسكريين للبلاد، هيمنة البيروقراطية على إدارة الدولة، الإصرار على تحييد الناس وتنحيتهم عن قضاياهم، أي كأن شيئاً لم يكن، مع وعود غزيرة ببدء الاستعداد العسكري للرد على الهزيمة وكأن الهزيمة عسكرية محضة بدون بعد اجتماعي أو مجتمعي أو اقتصادي أو أخذ هيكلية النظام السياسي بعين الاعتبار.
عبرت نتائج الهزيمة عن نفسها بانشقاقات داخل هذه الأنظمة المهزومة أي بخلافات بين أهل البيت بسبب رفض هذه الأنظمة التحلي بالمسؤولية والاعتراف بها .
والتخلي عن سياساتها السابقة أو حتى السماح للمجتمع بإجراء دراسة جدية ومنهجية عميقة للهزيمة وجوانبها المختلفة وأسبابها ومطارح القصور التي ساهمت بحصولها والوصول لاستنتاجات شاملة تعيد النظر ببنى الأنظمة السياسية التي هزمت وتؤهل المجتمعات لأخذ العبر وتبني رؤى واستراتيجيات وسياسيات جديدة.
ولعله من الغريب أن الأنظمة السياسية لم تقم ولم تسمح حتى الآن بعد تسعة وثلاثين عاماً على الهزيمة بالقيام بهذه الدراسة بل مازالت تتكتم على المعلومات المتعلقة بالحرب والآليات التي استخدمت وبواطن القصور أو الفشل سياسياً وعسكرياً .
ومازال كل ما يحيط بالهزيمة سراً من أسرار الدولة لا معنى لسريته ولا فائدة من التكتم عليه، بل على العكس من ذلك فهو أمر معيق للوصول إلى استنتاجات صحيحة.
أما الشعوب فسارت باتجاه آخر حيث ألقت المسؤولية كلها على التيار القومي واليساري الذي كان يقود المرحلة وعلى أحزابه وتنظيماته، وطبعاً دون روية أو دراسة بل من خلال معطى عام يقول إن هذه التيارات هي المسؤولة دون الاهتمام إن كانت تحكم فعلاً قبل الهزيمة أم كان هناك من يحكم باسمها.
أو إن كان لها رأي أم لم يكن، وفي المحصلة ألقيت أعباء الهزيمة على هذه التيارات وانفك الناس عنها، وأخذوا يبحثون عن بديل لها قد يحوّل الفشل إلى نجاح والهزيمة إلى نصر، فكانت حركات الإسلام السياسي هي البديل الجاهز سواء كانت قادرة أم لا، مستعدة أم غير مستعدة، فتعددت تيارات الإسلام السياسي.
وازدادت طروحاتها وبرامجها تشعباً، واستنبتت الجماهير حركات تعمل في ظلال هذه التيارات أخذ بعضها يتطرف وصولاً للإرهاب، وأخذ البعض الآخر ينادي بإرجاء كل شيء إلى يوم القيامة، وطرح بعضها الثالث شعارات عامة غامضة لا تصلح لمعالجة قضايا سياسية واقتصادية وعسكرية في غاية التعقيد في عالم أشد تعقيداً.
وهكذا خسر العرب أيديولوجياتهم وتعددت مدارسهم السياسية، ولم يستطيعوا تلمس النواقص والعيوب ومعطيات العصر الحاضر، في الوقت الذي ازدادت فيه الأنظمة السياسية قمعاً واستبداداً وفساداً وتدليساً وعزلاً للمجتمع عن تناول قضيته بيده.
فوصل الحال إلى ما نحن عليه: انشغالات قطرية لا حدود لها، صار فيها الشعار(القطر أولاً) شعاراً مدعاة للفخر والاعتزاز مع أنه ضد منطق ظروف عصرنا التي تتطلب إقامة منظومات جغرافية واحدة متعاونة.
وانشغل كل بلد عربي بشؤونه الداخلية وتركت القضايا الأساسية وشأنها كالقضية الفلسطينية التي كانت محور السياسة العربية طوال أكثر من نصف قرن ويجب أن تبقى كذلك ولكن وتحت شعار القرار الفلسطيني المستقل تبرأت معظم الأنظمة العربية منها.
وانهار النظام العربي، فكان من الطبيعي أن يكون للعرب دور ثانوي في رد غزو العراق للكويت أو في منع احتلال العراق أو في حل قضايا عربية داخلية كان يمكن حلها لو توفر وجود نظام عربي موحد كقضية الصحراء الغربية أو قضية دارفور أو قضية الصومال أو الخلاف السوري اللبناني أو غيرها من القضايا العربية العالقة وما أكثرها.
مازالت الأمة العربية تعاني مزيداً من التدهور رغم مضي 39 عاماً على هزيمة يونيو، فمعظم الأنظمة، تصر على سياساتها والناس مصابون بالقنوط. وتفرقت الأمة (أيدي سبأ) وكأننا عدنا لعصور الانحطاط وعصر المماليك، مع أن المماليك هذه ردت المغول عن فلسطين ومصر وأجهزت على بقية الإمارات الفرنجية (الصليبية) بينما عجزت بعض أنظمتنا عن نيل مثل هذا الشرف.