قراءة في أحداث شهر
نحو خلاص يؤسس لمرحلة مقاومة جديدة

 

 

شرورو فضل


 

كان كل شيء يسير، تماماً، وفق ما رُتب له... ومؤتمر <نصرة القدس> الثالث في طهران، الذي ضم ما يزيد على 500 مندوب من معظم برلمانات العالم، يقترب من ساعاته الاخيرة...
ونسخة <مشروع> البيان الختامي تتناقلها العيون والاقلام، قراءة وتعديلاً. المندوبون يتابعون سماع الكلمات.. بينما يتشاورون حول النقاط المقترحة في مشروع البيان الختامي..
اعطى رئيس مجلس الشورى الايراني، رئيس المؤتمر، الكلمة لرئيس البرلمان الجزائري الذي جاء دوره وفق جدول اتاح لكل رؤساء البرلمانات التحدث للمؤتمر.. وبعد شكر ايران على استضافتها لهذا المؤتمر الكبير والمثير للاهتمام، شمولاً، وعدداً، وتوقيتاً.. انتقل مباشرة للحديث في موضوع، يبدو انه خارج <النص> المكتوب.. وقد تفاعل في نفسه كثيراً... وقرر الخوض فيه.. وتحت عنوان الدروس المستفادة من ثورة الجزائر، وتجربة جبهة التحرير الوطني التي قادت عملية التحرير في الجزائر... بدأ في تناول <مبضع> جراح وقال:
<إن العدو، لا يفاوض، بل يحارب، والمحتل لا يستجدي، بل يقاوم، والانتخابات لا تجري تحت الاحتلال.. فإن خيبت آماله في نتائجها.. افرط في استخدام ادوات اذلاله للشعب، وإن جاءت كما يريد... فهي تنتج له ادارة تغنيه عن التماس المباشر مع شعب يحتل ارضه ويصادر حريته.. الثورة.. ثورة.. وهي لا تلهث على اقامة دولة على نسبة مئوية من أرض.. تتوزع هنا وهناك.. ولا تبلغ في مجمل ما هو مطروح 6000 كم من فلسطين التاريخية.. قدسنا محتلة وتهوَّد.. وندعو لتبرعات لاعاشة شعب.. وفصائل وحركات لا تضمها جبهة واحدة.. نحن جمعنا الكل في جبهة وطنية واحدة ولم نترك احداً خارجها، ولم نقبل بانتخابات.. وفرضنا جباية مالية على كل مقتدر وكل ممتنع نقتله.. وكل خارج عن إطار جبهة التحرير ننبذه>.
توجهت العيون الى منصة الخطابة من الجميع. وركز البعض اجهزة نقل الترجمة الفورية ووضعت الاقلام ونسخ مشروع البيان الختامي جانبا.. وازدحمت الابواب التي تؤدي الى القاعة الفسيحة بالعائدين من المدخنين، او بالذين كانوا في لقاء ثنائي، او لقاء تلفزيوني.. وساد الصمت..
تابع رئيس البرلمان الجزائري: <أنا ادعو لوقف المفاوضات.. واستمرار المقاومة.. ادعو لتوحيد الجهود.. وعدم التعدد.. هناك اثرياء فلسطينيون.. فلتفرض عليهم الجباية.. هناك طلاب من فلسطين يذهبون للجامعات الاميركية>.
ومن الجانب الايمن للقاعة الفسيحة.. انطلق صوت يحتج لم تفهم كلماته.. لكنه فهم انه احتجاج لان صاحب الصوت كان يلوح بيديه، ولانه لم تتح له فرصة التحدث عبر الميكرفون، ومن الجبهة نفسها وعلى ارتفاع امتار.. ارتفع صوت آخر.. وكان اكثر وضوحا وسمع يقول: <الشعب الفلسطيني لا يستجدي>.
وسط ذلك.. والقاعة في ذهول.. لوح الجزائري من مكانه على منبر الخطابة بأوراق حملها قائلا: <هذا خطابي المكتوب.. لكنه كلام دبلوماسي.. كان بالامكان قراءته لكنه لا يضيف شيئا.. اردت ان اقول تجربة تفيد>.
من مكاني.. اقصى اليسار من القاعة.. <صفقت> لتنتشر عدوى التصفيق في القاعة.. وليتابع الخطيب دفاعه عن خطابه.. بينما انشغلت في النظر الى أعلام الدول المشاركة حيث لفتني عدد الاعلام الفلسطينية.. ليست تلك الاعلام المرفوعة في أعلى السقف.. ومن اجل المناسبة، بل تلك الاعلام الفلسطينية الموضوعة على المنصات.. حيث استطعت احصاء 6 اعلام.. تذكرت رواية <جراح كراوثورن> التي تتحدث بأسلوب مشوق عن مراحل كتابة <قاموس اكسفورد> والاختلاف حول دلالة كلمة
protagonist وهل يجوز استخدامها في المفرد ام الجمع.. وكيف تم حسم الامر عن طريق الكاتب الساخر جورج برنارد شو، فالكلمة تعني <البطل الرئيسي> في قصة او رواية او مباراة، او بمعنى الحامي او النصير في قضية عامة.. وصار الاختلاف شديداً من حيث انها كلمة لا يمكن استخدامها الا للمفرد.. اي البطل <الواحد> او الحامي <الواحد> لكن برنارد شو في العام 1950 قال: <إذا كان الاغريق القدماء ينحون في مآسيهم الى حصر البطولة في شخص واحد، فهذا شأنهم.. اما العالم فله ان يأتي بأبطال قدر ما يطيب كتاب الدراما>.. تماما كالدراما الفلسطينية.
لكن كلمة الجزائري.. <اخطأت> في المقارنة.. وفي التعميم.. مقارنة ثورة الجزائر، بالمقاومة الفلسطينية.. اقله من حيث تواجد الشعب العربي الجزائري فوق ارضه.. بينما ما يزيد على ثلثي الشعب الفلسطيني.. لاجئ في الشتات.. وفي التعميم.. حيث الاسقاط العام يصلح في المبادئ العامة.. ولا يصلح في النسخ.. لكن ليس ذلك.. ما يستفاد مما قاله.. لان الحقيقة المرة.. ان اطرافاً عديدة تحاول ان تحيل ما تحقق من فوز لخيار المقاومة.. الى صورة مشوهة، بل قاتمة لمستقبل <المجتمع> الفلسطيني.. وان تظهر بشكل سافر ان <غابة البنادق> الديموقراطية التي كنا نتغنى بها، ما هي إلا <مجتمع الغابة> وتسودها شريعة الغابة.. فليست مشرفة تلك الاشرطة التي تتناقلها الفضائيات عن اقتحام مسلحين.. للمؤسسات، او الوزارات، او حتى مكاتب التمثيل الاجنبي.. مهما كانت جنسيتها.. وليست مشرفة تلك الصور التي تعرضها الفضائيات بشكل شبه يومي.. عن المجموعات الشبابية التي تطلق زخات الرصاص في الهواء احتجاجا على تصريح من هنا، او قرار تعيين من هناك.. كذلك ليس مشرفا لاي مسؤول ان يرجع كل هذه الامور او بعضها الى ذلك المصطلح البشع: <الفلتان الأمني>. هذه المشهدية، لا يمكن لاحد ان يدافع عنها، حتى لو كان أولئك الذين يحتلون الشارع، او يقتحمون هذه المؤسسة او تلك من تنظيمه او من اولئك الذين تأخرت عليهم <رواتبهم> جراء الحصار..
صحيح ان <الجوع كافر> لكن الاكثر <كفراً> هو الاساءة لاخلاق المقاومة وترويع الناس.. و<المرحلة> بغير مكانها او زمانها..
لفتني صديق ممن يتقنون العبرية.. التي تعلمها من سنيّ الأسير الطويلة الى موقع <نيوز اسرائيل> بالعبرية تحليلات او المتخصص بالتحليلات اكثر من اهتمامه بالانباء.. وقال الصديق انه قرأ على الموقع تحليلات عبرية لا تستطيع ان تخفي <فرحتها> بالاوضاع السائدة، في مناطق السلطة المحتلة بالسيطرة وبالاقتحامات.. بل ان بعض هذه التحليلات يعمل على اعادة <التوازن> للنفسية الصهيونية عموما بعد تكسر الحلم ب<اسرائيل الكبرى> والانسحاب القسري من غزة والقطاع.. فبعض هذه التحليلات يؤكد: <.. إن ما يسود في المناطق جعلنا نتحرر من الضغوط الدولية، والاوروبية بشكل خاص، تلك الضغوط التي كانت تطالب باستئناف العملية السلمية.. وها نحن خارج دائرة هذه الضغوط بعد نتائج انتخابات التشريعي، وما يجري في الشارع الفلسطيني جعلنا نتحول الى موقع الضاغط، حتى على بعض الدول العربية كي لا تتعاطى مع حماس، او توضع في دائرة الشبهة.. شبهة التعاطي مع الارهابيين. بل ان ذلك قيّد حماس نفسها بسلاسل الحكومة والعزلة.. ما يجعلها تفكر كثيراً قبل استئناف عملياتها..>.
الأوضاع لا تسرّ صديقا.. ولا شقيقاً ولا غيوراً.. بل تسر العدو، وتدفع الى شماتة الآخرين..
إن محاولة <إخفاء> ذلك.. ليست في صالح العمل الفلسطيني بعمومه.. من فازوا ومن خسروا، ومن لم يشترك، اصلا، في انتخابات التشريعي...
والصراحة ومواجهة الأمر بكل قساوته.. هما خطوة اولى نحو الاصلاح، ان توفرت النوايا الوطنية، وتعالت فوق الأنا التنظيمية التي ظهرت مؤخراً، بأبشع اشكالها ويكاد الاستثناء، يكون نادراً..
? التركة:
يجب، بداية، ان نقر ونعترف بأن حالة الحصار المفروضة على الشعب الفلسطيني، وعلى السلطة، ومؤخراً على الحكومة.. في كل جوانبها.. ليست جديدة، بل هي حالة مستمرة منذ بدء محاصرة المقاطعة ايام الشهيد ياسر عرفات.. ومنذ مجيء ابي مازن تضافرت جهود كل الاوساط الحاكمة لدى العدو، وكذلك الحلفاء في واشنطن على مواصلة هذا <الحصار>.
الانسحاب القسري من غزة، لم يكن لسواد عيون احد.. بل بفعل المقاومة والصمود.. لكن جردة سريعة على ما قام به شارون والحلفاء من بعده.. تبين مدى انسداد الأفق في وجه ابي مازن وحكومة قريع.. وكلاهما من مهندسي اوسلو، وكلاهما مرحب به في نادي <التسويات> والمكتب البيضاوي في البيت الأبيض: تهويد القدس مستمر، بناء الجدار كالأفعى مستمر، الاستيطان مستمر، الاسرى يزدادون عدداً ومدد اعتقال.. الاقتحامات تكررت بشكل لم يسبق له مثيل، الاغتيالات والاعتقالات وقتل الاطفال وتهديم الدور وقلع الاشجار.. كل ذلك استمر وازداد.
حتى <التهدئة> التي سعت إليها مصر، بترويج واضح من أبي مازن وب<تشجيع اميركي>، و<رغبة> عربية لم يقابلها اي ثمن.. بل اثبتت الايام، انها <منحت> مجاناً..
التجويع.. مستمر، والدول المانحة تعطي بالقطارة، ان لم يكن مياومة مع مساومة رخيصة، تكاد تكون مذلة للسلطة وللشعب ولكل الذين يقتاتون من الراتب الشهري.. كل هذا.. بالرغم مما تحققه المقاومة والصمود المذهل لهذا الشعب المعطاء..
مع ذلك.. لا شيء.. ينبئ، او يلوح من بعيد.. بأن ادارة الرئيس جورج بوش جادة، بتخطي حالة الركود السلبي.. بل على العكس تماما.. تدفع الى الانتخابات وتحارب النتائج.. تقول ب<رؤية> الدولتين.. ثم تشكك بإمكانية تحقيق ذلك خلال الولاية الثانية لجورج بوش.. تقول لأبي مازن مباشرة <سيادة الرئيس> ثم تجعله في العراء.. لا يقوى حتى على جمع <الرباعية>.
سمحت له بالسفر والتنقل وحضور المؤتمرات.. وماذا بعد؟
خاطبته وخاطبها.. رسائل وهواتف متبادلة.. وماذا بعد؟
الوضع برمته مثل حكاية <ابريق الزيت>. الديون الداخلية، كما نشرت المصارف التي توقفت عن الدفع، بلغت نحو 700 مليون دولار، الديون الخارجية نحو مليار دولار..
هذه الارقام، كلها، قبل الانتخابات، وقبل فوز حماس.. بل ان تقرير مبعوث الامم المتحدة الذي نشر قبيل الانتخابات، كان شديد الوضوح.. عندما انذر مبكراً بأن الاوضاع المعيشية الاجتماعية العامة في مناطق السلطة، تنذر بالكارثة.
بعض الدول العربية لدينا كشف بالاسماء متوقف عن الدفع منذ فترة، حيث وصلت متأخرات الدفع الى 6 اشهر.
حالة <الاصطراع> داخل اجهزة الأمن، ومراكز القوى، والتداخلات الخارجية التي اوصلت <عقداء> الى مراكز اولى.. ليست جديدة.. بل كانت مستعرة منذ ايام الشهيد عرفات وقد خبرها ابو مازن جيداً، بل بامتياز..
لماذا.. نحول سهام اللوم الى نحرنا.. بدلا من مواصلة توجيهها الى مسببها الاصلي، القادر، المتحكم بالوضع برمته..؟
أليس الامر، مفضوحا ومكشوفا امام الملأ بأنهم يريدون ان يأخذوا بالحصار ما عجزوا عن ان يفرضوه بمواجهة المقاومة...؟
ألم يعد واضحا أن من يواصل اذلال شعبنا والأمة.. هو الادارة الاميركية. وأما الاداة.. فهي المحتل وقوته العسكرية..؟ فمن الذي يؤلب الدول؟ ومن الذي يضغط على الدول المانحة؟ ومن الذي يحول دون اجتماع الرباعية؟ أليس الولايات المتحدة الاميركية...؟
من يضغط على الدول العربية.. أليس الولايات المتحدة.. التي بادرت وسألت حكومة قطر.. الى من سترسلين المبلغ الذي اعلن عن تبرعك به؟
من <فبرك> الرواية الاردنية عن <سلاح حماس> قبيل 24 ساعة من زيارة الدكتور محمود الزهار؟.. مع ان الحقيقة تجافي الرواية بالكامل.. بل ان الحقيقة يمكن لها تجرح اكثر من طرف.. ويكفي، هنا، ان نذكر عنوانا فرعيا لهذه الحقيقة، لان هذه الاطراف.. سبق لها واتصلت بدوائر خارجية حكومة السلطة <لترجو> بأن <تؤجل> الزيارة الى الاردن.. او ان يعلن من الجانب الفلسطيني.. بأن الزيارة قد ألغيت لسبب او لآخر.. وحين لم يستجب لهذا <الرجاء> كشف الغطاء عن <فبركة> سلاح حماس في الاردن..
من وراء كل ذلك.. أليس الولايات المتحدة الاميركية؟..
ليس في هذا اكتشاف للبارود.. بل حقائق صلبة.. نعرفها كلنا.. وبعضنا يحاول ان يلوي عنق المؤشر.. ليتحدث عن <المأساة> التي جلبها <فوز> حماس في الانتخابات التشريعية، ثم تشكيلها للحكومة..
? الخلاص:
ليس الخلاص من هذا الوضع الذي تعيشه الساحة الفلسطينية، بفصائلها ومجتمعها والحال السائدة في شارع مناطق السلطة.. ليس الخلاص بوصفة طبية سريعة المفعول.. ولكن الخطوة الاولى في التوجه نحو الخلاص، تتمركز في محاولة التقرب المشترك.. من ركائز مشتركة:
لقد استطاع الشعب الفلسطيني تجاوز محطة مهمة، تتمثل بالانتخابات، وهي محطة كانت محل رهانات كثيرة، والفضل بذلك يعود لكل مكونات الساحة الفلسطينية من أبي مازن الى الناخب البسيط، المنظم وغير المنظم، المنتمي لفصيل او المستقل.
إن النجاح في الرهان الاول.. دليل مادي.. على القدرة في ما لو خلصت النوايا، وضعف تأثير الضغوطات في صياغة: <برنامج سياسي> و<مشروع وطني فلسطيني> للنهوض بالعمل الوطني ككل.
إن ما تحقق هو فوز للجميع.. وليس فوزا لطرف على طرف آخر.. انه فوز لخيار المقاومة.. وهذا يعني في جوهره.. العودة للجذور. فحتى اولئك الذين <ظنوا> انه بإمكانهم تحقيق اي <مكسب> عن طريق <العملية التسووية> وجدوا انفسهم في نفق مسدود تحوطه الظلمات من كل جانب.. وانتصار خيار المقاومة يعني اضاءة جديدة تستدعيهم للعودة للجذور.
كل ما سبق، من <الاعتراف> المتبادل، واتفاق اوسلو، وابتسامات ومصافحات البيت الأبيض، وخطابات حديقة الورود، وبروتوكول الخليل، ومفاوضات كمب ديفيد، وتفاهمات شرم الشيخ.. بعضها اعلن عن وفاته.. وبعضها الآخر في غيبوبة وسبات، وبعضها الثالث مجرد اوهام او اشباح..
ليس من المنطق في شيء.. ان ننضم للآخرين المطالبين حماس عن طريق مباشر او غير مباشر ب<الاعتراف> بما وقع من اتفاقات.. في حين ان المحتل لا يعترف بأنه جيش محتل..
ليس المنطق في شيء.. بأن نستمر في السكوت على الخطاب الاميركي الفوقي لنا.. وعلينا ان نصارح شعبنا بما يجري حقيقة وبلا إبطاء.. من السكوت الاميركي على تشجيع العدوان.. الى حرمان بسطاء شعبنا من لقمة العيش.. فحتى المساعدات التي تم الحصول عليها مؤخراً.. تضغط اميركا على المصارف كي لا تقبل بأن تمر هذه المساعدات عبرها للتحويل الى مالية حكومة السلطة، وتضغط دون مرور المساعدات العينية.. وتضغط دون اصدار اي ادانة من مجلس الأمن ضد عدوان مكشوف مفضوح على الاطفال والنساء..
علينا ان نتصارح بهذه الحقائق.. فليس من مجال، بعد، للاختلاف.. فالعدو مع الولايات المتحدة يستعدان لهجوم واسع.. فكما تم استغلال تفجيرات احداث 11/9/2001 ثم توظيف الحرب على العراق ,2003 فإنه يجري التحضير بشكل سريع لسيناريو حرب استباقية شاملة.. <قد> تستهدف اكثر من موقع في المنطقة الممتدة من غزة الى ايران، والشريك الاساس في كل ذلك حكومة اولمرت التي تنتظر التشكيل وشخصية اولمرت الآتي من غير النادي الذي يأتي برؤساء الوزراء..
مقدمة كل توجه نحو الخلاص.. تعتمد على التوجه نحو <التأطير>. فمنذ الدورة ال16 للمجلس الوطني الفلسطيني، عقب اجتياح لبنان العام 1982 لم يعقد المجلس الوطني الفلسطيني جلسة شاملة للجميع.. ومنذ ذلك التاريخ نشأت ونمت ونشطت حركات اسلامية متمثلة بالجهاد الاسلامي، وحماس..
في العمق.. فإن حل <ازمات> الاطراف المتقابلة يكمن في التوجه نحو المنظمة.. وفي العمق ايضا.. فإن حل <التشابك> في الصلاحيات يكمن في التوجه نحو اعادة الاعتبار للمرجعية الاساس، المتمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية..
ولم يعد الامر سراً.. بأن بعض وجوه الازمة الداخلية لدى الحزب الحاكم السابق تتشابك مع ازمة عدم الاعتبار لدور المنظمة..
اسلوب <المناشدات> والتمنيات.. لم يعد مجدياً.. يجب اخذ زمام المبادرة الآن، بعد طول مماطلة.. ومنذ ما يزيد على شهرين، قررت الفصائل بعد اجتماع ضمها مع أبي اللطف، ونائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، تشكيل لجنة سياسية لصياغة تصوّر سياسي جامع، وأسس هيكلية يمكن اعتمادها قاعدة لتشكيل مجلس وطني فلسطيني جديد.. يعبر تعبيرا صادقا عن القوى الفاعلة.. يأخذ بمبدأ الانتخابات حيث امكن.. ويعتبر المجلس التشريعي جزءا منه.. في محاولة لتصويب العمل، بعد ان انتجت اوسلو تقسيما ظالما ما بين الداخل والخارج.. وبين صلاحيات التشريعي، وصلاحيات السلطة وجغرافية ولايتها وبين اهمال متعمد للمنظمة وشمولية تمثيلها الفلسطيني..
في السابق.. كانت المنظمة موضع <استقواء>.. وحين العوز كان يتنامى دورها، وحين الاحتكار والدمج كانت تهمل. الآن، تشكل المنظمة خشبة خلاص، وتأطيرا وكمال تمثيل.. ومن يهمل واحدة من هذه الحاجات لا يكُن جديا في توجهه لاعادة بناء وتفعيل المنظمة.. بل يساهم في تحقيق تحليلات <نيوز اسرائيل> أكان يدري ذلك ام لا يدري.. لان النتيجة لا تصب في مصلحة متابعة المقاومة الفلسطينية..
حين اجتمعنا مع الدكتور محمود الزهار، حاول مع مدير مكتبه ان يُحصي ايامه في خارجية حكومة السلطة.. فكانت 17 يوما مع ايام العطل والاعياد.. ومع ذلك.. فمنذ الآن.. نجد البعض ينعت حكومة هنية بالفشل، وبالتسبب بالازمات والحصار، والنكسات في السياسات العربية والاقليمية والدولية فضلا عن التجويع الداخلي.. ونجده بالمقابل.. من يذهب ليحمل من سبق كل ذلك.. وقد تكون الحقيقة اكثر إيلاماً من كل ما ذكر.. لكن ما الذي يفيده هذا <الترادح>..؟
الذي يفيد.. ان نحاول، معاً، استذكار الحقائق الركائز.. وكذلك الانطلاق منها نحو خلاص يؤسس لمرحلة مقاومة جديدة.. او لمرحلة مواجهة جديدة تعد لها حكومة اولمرت.. تعد لها ادارة بوش. ومؤشراتها، هذا الوهن العربي الذي يشمل معظم الرسميات العربية..
أما مرحلة المواجهة الجديدة.. فقاعدتها التوجه نحو عمل وطني مؤطر يعيد للكيان المتمثل بالمنظمة اعتباره.. ويلهم جماهير عربية.. لا تزال قادرة، رغم كل محاولات الاحباط، ليس على العطاء، فحسب، بل قادرة على التوهج أيضا.