تتكرر في الأول من أيار من كل عام الذكرى الباقية لعيد
العمال العالمي ، التي ينزل العمال فيها إلى شوارع العالم
، للتذكير بوجودهم . وبأنهم قوة إنتاج وعمل لها دورها
المشهود في إعمار البلاد وبناء الحضارة الإنسانية ، يجب أن
يحسب الجميع حسابها ، وخاصة أرباب العمل والحكومات. وأن
حلمهم في العدالة الاجتماعية وبناء عالم جديد ، يخلو من
الاستغلال والظلم والاضطهاد والتفاوت الطبقي الصارخ باق لم
يطوه انهيار تجربة ، ولا يذهب به فساد نظام . وأن دورهم في
التاريخ لا يمكن تجاهله لإنصاف الإنسانية المعذبة في أربع
جهات الأرض .
تمر المناسبة على سورية اليوم ، ولكن على الطريقة التي
تجعل من أوضاعنا حالة خاصة لا تشبهها أحوال معظم بلدان
العالم ، لأسباب كثيرة أهمها ما انتهت إليه أوضاع مجتمعنا
عامة ، والطبقة العاملة خاصة ، وما تعرضت له من ظلم
وابتزاز وإفقار ، باسم الاشتراكية تارة والوطنية طورا .
وما عاشته من تهميش لدورها ، ومحو لهويتها وشخصيتها
الطبقية والوطنية ، في ظل سلطات متعاقبة ، تدعي الحكم
باسمها والدفاع عن مصالحها ، بينما تذيقها أبشع أنواع
الاستغلال وشتى صنوف الهوان . بينما كانت في حقبة مضت ،
تبلور بنجاح ملحوظ وعياً سياسياً متعاظم الوضوح والعمق ،
وتتفاعل مع الحياة المجتمعية والوطنية بدرجة رفيعة من
الحيوية والتأثير ، وتنظم صفوفها نقابيا وسياسيا ، وترفع
صوتها في كل مناسبة ومحفل . وكان دورها في البناء الوطني
يتزايد ، ونصيبها من الدخل يتعاظم ، تتعزز بصمود البلاد
ومنعتها ، وتتحقق عزة البلاد بحريتها ونضالها وفعالية
دورها . قاطعت السفن الأميركية ، ونسفت أنابيب النفط
وحاصرت المطارات ونظمت المظاهرات ، وربطت المسألة
الاجتماعية بالمسألة الوطنية والقومية ، وبلورت وعياً
نهضوياً متقدماً ، يقدس قيم العمل والإنتاج في مواجهة
ثقافة الشعارات الخادعة والتسلط والفساد .
واليوم ، ماذا بقي من الطبقة العاملة السورية ، التي
ألغي حقها في التنظيم النقابي الحر ، تحت شعار" النقابية
السياسية " ، وغابت غياباً يكاد يكون تاماً عن الحياة
العامة ، وفقدت وزنها ودورها كقوة اجتماعية وسياسية مؤثرة
، ومنعت من العمل السياسي الحر، وأخضعت لبيروقراطية لا
تمثلها ولا ترعى مصالحها ، تمارس عليها التسلط والنهب
وتزييف الإرادة . وتعرضت لسياسات تفتيت وتدجين وإلغاء دور،
ولم يعد أحد يأتي على ذكرها ، حتى في المناسبات ، أو يحسب
لها حسابا في أي شأن وطني أو مجتمعي ، وفقدت حركتها
الموحدة والفاعلة . ركز النظام عليها وسائل القمع المتنوعة
، الاقتصادية والمعيشية والسياسية والأمنية ، وكبلها
بمنظمات محسوبة عليها اسماً ،بينما هي صنيعة للسلطة بالفعل
. تتركها فريسة للبطالة وللأجور المنخفضة والأسعار
المرتفعة . وتسهم في نهبها وانتهاك حقوقها بشتى الطرق ، مع
أجهزة الأمن المتسلطة عليها ، التي تكتم أنفاسها وتمنعها
حتى من إبداء الرأي والمطالبة بالحقوق والتجمع في المعامل
، مثلما تمنعها من تنظيم نفسها خارج الأطر الرسمية ، ومن
الدفاع عن لقمة عيشها ، التي انخفضت إلى مستويات غير
مسبوقة في تاريخ سوريا .
فقدت الطبقة العاملة ما كان قد اكتسبته من وعي وتماسك ودور
وطني وسياسي في الحقبة السابقة للاستبداد وحكم الحزب
الواحد ، وغرقت ، شأن العاملين والمنتجين جميعهم ، في بحور
من الفقر والحاجة ، دفعت بها إلى ضواحي المدن الفقيرة ،
حيث لا تحصل إلا على القليل مما تحتاج إليه من خدمات ،
وتعيش بلا حقوق سياسية أو مدنية . ألقي بها إلى الحرمان ،
وسلطت عليها سيوف اللصوص ، الذين لطالما تغنوا بها ، وتبين
أنهم سرقوا تعبها مثلما سرقوا ثروة الوطن و تعب الشعب ،
قبل أن ينفصلوا عنها وعنه ، ويعيشوا في قصور بنوها بالرشا
والمال الحرام ، ويحرسونها بسطوة القوة
بهذه المناسبة ، تطالب قوى إعلان دمشق ، في إطار
مشروعها للتغيير الوطني الديمقراطي ، بحرية التنظيم
النقابي للطبقة العاملة السورية ، وبزيادة حصتها من الدخل
الوطني ، بحيث تأخذ نصفه خلال عشرة أعوام على أبعد تقدير ،
وتطالب بحرية إطلاق العمل السياسي في أوساط العمال ،
وبحرية تأسيس صحافة تدافع عن حقوقهم ، وأحزاب تمثلهم ، كما
تطالب بتقديم خدمات تليق بالبشر لهم ، وبتأمين جميع أنواع
الضمان لأشخاصهم ولأفراد أسرهم ، وبإشراكهم في صنع
القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، التي تتعلق
بهم ، وبرفع سيف النقابية السياسية عن أعناقهم ، وسيف
اللجان " الحزبية " والأجهزة الأمنية ، التي تشل حركتهم
وتتربص بهم وتروعهم . لأن انبعاث الطبقة العاملة السورية
من جديد مصلحة استراتيجية للمجتمع والدولة ، ولقضية
العدالة والتقدم في وطننا .
إن مأساة عمال سوريا من مأساة شعبها ، الذي خسر بدوره كل
شيء ،ولم يبق له غير الفقر والاضطهاد والتخويف .
يا عمال سورية ، استعيدوا وعيكم ودوركم ، وثقوا أن شعبكم
سيساندكم ، لأنه بأمس الحاجة إليكم ، إلى دوركم الحر
والمستقل !.
دمشق في 1 أيار
اللجنة المؤقته لإعلان دمشق |